“أستاذ الأجيال، عاشق السينما وخادمها الأول، الموسوعة المتنقلة، يوتيوب الجيل، عراب السينما المصرية”.. أوسمة وعبارات لُقب بها الناقد السينمائي المصري يوسف شريف رزق الله، المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي الذي وافته المنية أمس الجمعة عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض.
كان رزق الله عاشقًا للسينما، تعامل معها كامرأة وحيدة في حياته، أعطاها كل جهده، لم يبخل عليها بشيء، حتى إنه غير مسار حياته لأجلها، تخلى عن السياسة وعن حلمه الوظيفي في أن يكون واحدًا ممن يشار لهم بالبنان في عالم الساسة والمشاهير، لأجل أن يكون عابدًا في محراب الفن السابع.
لم ينل حظه من الأضواء في حياته، رغم الأدوار المهمة التي قام بها لرفعة السينما المصرية والعربية، فإن أعماله وإسهاماته كانت خير مبلغ عنه، فاستطاع أن يحفر اسمه بأحرف من نور في سجلات الفن المصري رغم محاولات التعتيم التي تعرض لها كغيره من النجوم التي لم تلفت أنظار الإعلام رغم تلألؤها في سماء الإبداع والتميز.
مشوار فني طويل
ولد الناقد الراحل في الـ5 من سبتمبر عام 1943، وتخرج من مدرسة الجيزويت عام 1961، بعدما حصل على المركز الخامس على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة، حيث كان يأمل والداه أن يصبح سياسيًا بارعًا لما كان يتمتع به من مواهب كبيرة وفطنة لفتت أنظار المقربين منه.
التحق يوسف بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، استجابة لرغبات الأهل والمقربين، ثم تخرج عام 1966، ليبدأ أولى خطواته نحو المجال السياسي ملتحقًا بوزارة الإرشاد القومي (الإعلام لاحقًا) في قطاع الاستعلامات عام 1967، لكن لم يجد نفسه في هذا الطريق الذي قرر أن ينهيه، متجهًا إلى السينما والتليفزيون، عشقه الأول منذ نعومة أظفاره.
بعد أن ترك وظيفته في الإرشاد حصل على دبلومة من معهد التليفزيون ليدخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون “ماسبيرو” من باب قطاع الأخبار، وبالفعل بدأ محررًا في المجلة الصادرة عن الاتحاد ومسؤولاً عن تحرير النشرات الإخبارية وصولاً إلى رئاسة التحرير ثم مراقبًا للأخبار في ماسبيرو.
خلال الفترة من 1970 وحتى 1996 تقلد الشاب الطموح عددًا من المناصب في بعض الجهات التي أثقلت قدراته ومواهبه الفنية، فبدأ معدًا في برنامج نادي السينما بالتليفزيون المصري الذي بدأ عام 1975 ثم برنامج أوسكار الذي بدأ عام 1980، أعقبها تقديمه للكثير من البرامج السينمائية على القناة الثانية في التليفزيون المصري من إعداده، مثل (نجوم وأفلام) عن رواد السينما المصرية من خلال حوارات معهم 1980 – 1981.
كان الراحل موسوعة غير مسبوقة في عالم السينما، لا سيما السينما العالمية التي كان على دراية واسعة بكل تفاصيلها فكان الناقل الأبرز لها للسينما المصرية، ومن ثم أطلق عليه شباب الفن في فترة ما اسم “يوتيوب الجيل”
وطيلة هذه المدة شارك في لجان تحكيم عدد من مهرجانات السينما، كما ساهم في تقديم وإعداد رسائل مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان كان السينمائي الدولي، وغيرهما من المهرجانات المحلية والعالمية منذ السبعينيات، وتولى رئاسة جمعية الفيلم بالقاهرة في الفترة من 1978 إلى 1994.
عمل كسكرتير فني لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ عام 1978 ثم أصبح مديرًا فنيًا للمهرجان منذ سنة 2000، هذا بخلاف عمله مديرًا فنيًا لمهرجان الأقصر للسينما الأوروبية والمصرية الذي حقق نجاحات كبيرة بفضل إدارته الناجحة بشهادة الكثير من القائمين على أمور الثقافة والفن في هذا التوقيت.
في عام 1997 تولى رئاسة قناة النيل الدولية واستمر في منصبه هذا 5 سنوات تقريبًا قبل أن يغادر منصبه متقلدًا منصب آخر جديد كرئيس لقطاع التعاون الدولي بمدينة الإنتاج الإعلامي في الفترة من 2007 وحتى 2011، ثم رئيسًا لجهاز السينما بالمدينة لمدة عام واحد فقط من مارس 2011 إلى ذات الشهر من 2012.
يوتيوب الجيل وعراب السينما
كان الراحل موسوعة غير مسبوقة في عالم السينما، لا سيما السينما العالمية التي كان على دراية واسعة بكل تفاصيلها، فكان الناقل الأبرز لها للسينما المصرية، ومن ثم أطلق عليه شباب الفن في فترة ما اسم “يوتيوب الجيل”؛كونه كان المصدر الأساسي لتوصيل هذا النوع من الفن في وقت لم يكن متاحًا الإنترنت.
وتحت عنوان “الراحل كان عرابًا للسينما المصرية” نعى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (حكومي) الناقد الفني، واصفًا إياه بأنه كان واحدًا من أبناء ماسبيرو المخلصين وناقدًا فنيًا من طراز رفيع، نجح في أن يكون صوتًا متزنًا يحافظ على المهنية ويحظى بتقدير الجميع.
المجلس في بيان له أضاف “يعد الراحل الكبير أحد رموز مهرجان القاهرة السينمائي الذي أسهم في قيادته على مدى 40 عامًا منذ أن كان سكرتيرًا فنيًا له عام 1978، ومديره الفني منذ عام 2000، ليسهم بكل جهده في دفع المهرجان للأمام، بعد أن منح الحياة السينمائية عمره وتتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من النقاد والسينمائيين”.
“حينما تعشق السينما حد سريانها في دمك.. حينما تكون نبيلاً وصادقًا وأستاذًا بحق لكل من يراك ويستمع إليك.. حينما تحب وطنك فتتفاني فيما تفعل دون ادعاء.. يحبك الجميع ويحترمك الشعب بكل طبقاته.. هذا هو أستاذنا يوسف شريف رزق الله” السينارست مدحت العدل
وأشار إلى أن “عمل الراحل الكبير في الأخبار لم يأخذه من السينما، فكان يكتب مقالات سينمائية بعدد من المطبوعات الصحفية، بخلاف بعض الأنشطة السينمائية التي كان يشارك بها مثل نادي القاهرة للسينما الذي كان يعرض فيلمًا للجمهور ويفتح نقاشًا معهم، ومن هنا بدأ الراحل انطلاقة جديدة عندما جاءته الفرصة ليعد برنامج “نادي السينما” الذي كان البوابة الأولى لعبور حب السينما العالمية للملايين من محبيها الذين تلقوا منه ثقافتهم السينمائية.
قالوا عنه
تظاهرة من الحب والعرفان بالجميل قام بها عشرات الفنانيين داخل مصر وخارجها عقب خبر رحيل يوسف رزق الله، حيث نعاه الدكتور أشرف ذكي نقيب المهن التمثيلية ورئيس أكاديمية الفنون، كاتبًا: “وداعًا الناقد الكبير أستاذ الأجيال، عاشق السينما”، فيما كتب الفنان صلاح عبد الله على صفحته في موقع “فيسبوك”: “يوسف شريف رزق الله قابلته مرة واحدة في مدينة السينما لما كان رئيس جهاز السينما، ولقيته بيسلم عليا ويحضني بصدق وحرارة فقلتله الله هوه إنت عارف إني بحبك قوي ومعجب بحضرتك قوي وعاشق لطلتك عالشاشة وعشقك للسينما يا فارسها وأوسكارها وناديها، صحيح مالقلب للقلب رسول يا خلوق يا طيب ألف رحمة ونور عليك”.
أما المخرج عمرو سلامة، فودعه عبر تغريدة على موقع Instagram قال فيها: “مع السلامة يا من أحببتنا في السينما”، الأمر ذاته فعلته الفنانة بشرى التي وصفته بـ”موسوعة السينما العالمية” حيث نعته بقولها “المصري المخلص لعمله والمثقف الاستثنائي والخلوق المحترم أستاذنا جميعًا يوسف شريف رزق الله.. حزن كبير يسيطر على الأوساط الثقافية والفنية.. كان لي الشرف أن أعمل لفترة بسيطة تحت رئاستك لمؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي عام 2012 وكنت العضو الأصغر سنًا ضمن 13 عضوًا من الأساتذة والزملاء وكانت الرئاسة الحقيقية هي أخلاقك وعلمك وثقافتك وتواضعك”.
السيناريست مدحت العدل رثاه كاتبًا: حينما تعشق السينما حد سريانها في دمك.. حينما تكون نبيلاً وصادقًا وأستاذًا بحق لكل من يراك ويستمع إليك.. حينما تحب وطنك فتتفاني فيما تفعل دون إدعاء.. يحبك الجميع ويحترمك الشعب بكل طبقاته.. هذا هو أستاذنا يوسف شريف رزق الله.. رحمه الله وغفر له وأدخله فسيح جناته”.
إنا لله و إنا إليه راجعون .. عاشق الفن و خادمه .. كان أطيب من الطيابة . الله يرحمه ?
— Amr arafa (@AArafa) July 12, 2019
كما نعاه الفنان الكوميدي أحمد حلمي “رحم الله الأستاذ الكبير والناقد العظيم والإنسان الرائع الحنون ذي القلب الأبيض والأخلاق التي توصف، مهما كانت عدد الكلمات لن توفيك حقك أبدًا”، أما الفنانة التونسية هند صبري فقالت: “ظل يعمل حتى آخر لحظاته كأنه يعطينا درسًا جديدًا عن أهمية العمل والإخلاص لما تحبه”، وعلق المخرج عمرو عرفة على ذلك كاتبًا: “إنا لله وإنا اليه راجعون.. عاشق الفن وخادمه.. كان أطيب من الطيابة. الله يرحمه”.
وهكذا ودع الناقد السينمائي، الموسوعة التي أغدقت بعلمها على صفحات التاريخ السينمائي المصري فأشبعتها، الحياة، تاركًا خلفه إرثًا رائعًا من الأعمال التي ستخلد اسمه في ذاكرة الفن، ليغادر الرجل الحياة في هدوء بعدما عاش كذلك في هدوء، وإن كانت صخب الأدوار التي قام بها خير معبر عنه وعن مشواره الثري.