ترجمة وتحرير: نون بوست
ظاهريا، لا توجد الكثير من القواسم المشتركة بين حركة الاحتجاج السودانية ونجم كرة القدم الأمريكي كولين كايبرنيك، الذي ركع خلال النشيد الوطني الأمريكي قبل المباراة، ولكنّ خالد البيه له رأي مخالف. وخلال هذا الأسبوع، افتتح رسام الكاريكاتير السوداني معرضه الجديد في مانهاتن، وهو يتميز بأسلوبه الحاد في تصوير كلّ شيء بدءًا من الأزمة السياسية في بلاده وصولا إلى لاعب خطّ الوسط السابق في سان فرانسيسكو 49.
وفقا للبيه، فإن كايبرنيك والحشود المتجمعة في شوارع السودان هم أمثلة عن الأشخاص المستضعفين في العالم الذين يتحدّون الأقوياء، وغالبًا ما يكون هذا الأمر واضحًا من خلال لون بشرتهم الداكن. وفي تصريح لـ “ميدل إيست آي”، قال البيه: “تدلّ معظم أعمالي على أن الكفاح مشترك، لأننا نحاول جميعًا محاربة الأشياء ذاتها. وأحد الأسباب الرئيسية لعدم تمكن الثوار والمتظاهرين والناشطين من تحقيق أهدافهم يعود لحقيقة أننا لسنا متحدين، وأننا نعتقد أننا نخوض معارك مختلفة”.
يُعرف عمل خالد البيه بنقده السياسيّ والاجتماعيّ
بناء على رأي البيه، فإن ضحايا مذبحة الثالث من حزيران/ يونيو في الخرطوم، ونشطاء حركة #حياة السود مهمّة، الذين يقاتلون ضد وحشية الشرطة، واللاجئين الفلسطينيين، والأمريكيين الأصليين الذين يقطعون خط أنابيب النفط في شمال داكوتا، يتشاركون جميعًا المعركة ذاتها. وافتتح البيه عرضه بعنوان “التعثّر لا يعني الوقوع” في أرت إكس في منطقة ميتباكينغ ديستريكت يوم الخميس بأعمال تسخر بوقاحة من الجميع، على غرار الرئيس دونالد ترامب وقائد القوات شبه العسكرية السوداني، حميدتي، وملوك الخليج.
إن اسم العرض اقتباس لمالكوم إكس، كما أصبحت صورة البيه الشهيرة، التي تصوّر كايبرنيك، تحتل مركز الصدارة. ويصور هذا الملصق لاعب كرة القدم وهو راكع وشعره على شكل قبضة “القوة السوداء”، التي تحيل على القبضة التي رفعها رياضيان من أصل أفريقي على منصة التتويج في أولمبياد 1968 احتجاجًا على الظلم الذي يحدث في بلدهم.
علاوة على ذلك، ارتدى المخرج الأمريكي الشهير سبايك لي قميصًا يحمل هذه الرسمة، ليزيده شهرة. في المقابل، لم يكن كامل محتوى المعرض ذو علاقة بالسياسة. ويسخر البيه، الذي يعترف بإدمانه على الإنترنت، من الرجل العصري المتعلّق بهاتفه الخلوي. وفي إحدى رسوماته الكاريكاتورية، يُظهر شعار فيسبوك “F” الأزرق على شكل حقنة مزروعة في ذراع مدمن مخدرات.
قال البيه: “تدلّ معظم أعمالي على أن الكفاح مشترك”
يتواصل العرض حتى نهاية شهر تموز/ يوليو ويعبّر عن تطوّر أسلوب البيه، بدءًا من الصور الظلية التي أنتجها بواسطة الكمبيوتر، إلى استخدامه عبوات البخاخ والرسومات، وكلها متأثرة بأمثال بانكسي ورسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
ولد البيه، البالغ من العمر 39 سنة، في رومانيا، حيث عمل والده في منصب دبلوماسي سوداني، وقضى معظم حياته في الدوحة. وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، وعادة ما يعمل في المتاحف نهارًا ويرسم ليلًا وينجز رسومًا كاريكاتورية بشكل يومي وينشرها عبر الإنترنت. وأصبح البيه مشهورا خلال انتفاضات الربيع العربي لسنة 2011 وجمع ما يقارب 30 ألف متابع على كل من التويتر والإنستغرام وحوالي 87 ألف متابع على صفحته على فيسبوك تحت اسم “خرتون”، وهي تلاعب بالكلمات بين كلمة كرتون والعاصمة السودانية، الخرطوم.
قال البيه أن قضاء الكثير من الوقت في البلاد أمر غير حكيم وأن نشر رسوم كاريكاتورية ساخرة من داخل البلاد سيكون ضربا من الغباء
يعرف هذا الفنان الملتحي ذو النظارة بطول قامته الملحوظ الذي يبلغ 1.96 مترًا وتواضعه، كما أنه غالبًا ما يتحدث بلغة عاميّة رقيقة. وفي الواقع، تجري السياسة في دماء البيه، نظرا لأن والده كان دبلوماسيا وقاد عمه الحكومة السودانية الانتقالية في الثمانينات. كما زار البيه السودان وشارك في بعض التجمعات المناهضة للحكومة في الخرطوم في أواخر السنة الماضية، التي تحولت إلى حركة احتجاج جماهيرية ضد الرئيس آنذاك، عمر البشير، الذي أطيح به في نيسان/ أبريل، ليحل محله مجلس عسكري انتقالي.
أورد البيه أن قضاء الكثير من الوقت في البلاد أمر غير حكيم وأن نشر رسوم كاريكاتورية ساخرة من داخل البلاد سيكون ضربا من الغباء. وبالتالي يقيم هذا الرسام حاليًا في كوبنهاغن بناء على مخطّط للفنانين المعرضين لخطر الاضطهاد. وستكون محطته التالية في هولندا.
حرية التعبير
يلاحظ البيه أن الفنّانين الساخرين يواجهون المخاطر في كل مكان. وفي شهر أيار/مايو، وقّع أكثر من 200 رسام كاريكاتوري على بيان أرسل إلى منظمة الأمم المتحدة للثقافة “اليونسكو” للمطالبة بمنحهم ضمانات للحريات الفنية. وتم التوقيع على العريضة بعد أربع سنوات من مقتل رسامي الكاريكاتير الفرنسيين العاملين بالصحيفة الساخرة شارلي إيبدو في باريس. ومن بين الموقعين على البيان فنانون من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الهند وبلجيكا وإسبانيا والجزائر والولايات المتحدة وإسرائيل والمكسيك وتركيا وسويسرا. وعمل البيه أيضا على إبراز القيود المفروضة على حرية التعبير في أمريكا الشمالية.
عمل فني لخالد البيه
أشار البيه إلى قرار الشهر الماضي الذي يقضي بإلغاء الرسوم الكاريكاتورية السياسية في الطبعة الدولية لصحيفة “نيويورك تايمز” بعد نشر صورة معادية للسامية، وإقالة رسام الكاريكاتير الكندي مايكل دي أدير بعد أن سخر من ترامب. وصرّح البيه لـ “ميدل إيست آي”: “في الغرب، يعتقد معظم الناس أن هذه الأشياء لا يمكن أن تحدث إلا في أماكن مثل السودان وإيران. ولكن عندما يحدث ذلك في الغرب، فإنك لا تلاحظ مستويات الغضب ذاتها وأنا أتساءل حقًا لماذا. من المهم أن يعرف الناس أن هذه الأشياء تحدث داخل الديمقراطيات الخاصة بهم”.
بالإضافة إلى الدعامات الأساسية الأخرى الخاصة بأطروحة البيه، يعمل هذا الرسام على مواجهة المفاهيم الخاطئة المنتشرة حول المستشرقين، والقضاء على فكرة “المنقذين البيض” والمستعمرين الجدد وإعلام جماهيره الغربية بأنه “ضحية لتصرفات حكوماتهم المتواجدة منذ 100 سنة”.
“اختراق النظام”
يحاول البيه نقل هذه الرسالة التي تفيد بخرق النظام من خلال أعماله. وفي هذا السياق، جاء رده على خطاب ترامب سنة 2018، الذي أفاد فيه بأن العديد من الأفارقة يعيشون في بلدان “بائسة”، في شكل رسوم متحركة. وصوّر هذا الكاريكاتير شعار الفيل الخاص بالحزب الجمهوري فوق رأس الرئيس، مع محاكاة صوتيّة “tRRRUMP” للإشارة إلى الرئيس. وقد تصبح هذه الأوضاع صعبة بعض الشيء على البيه، لأنه ينشر أعماله على الإنترنت حتى يتمكن من الحفاظ على استقلاليته بعيدا عن وسائل الإعلام في المنطقة العربية، التي تعمل عادة مع الحكومات والحركات السياسية.
عمل فني لخالد البيه
في حال كان هدفه الآخر يندرج ضمن النفاق الغربي المنحط، فإن شعبيته بين هواة الفن من الطبقة الوسطى العليا في مانهاتن هي سيف ذو حدين. وينطبق الأمر ذاته على قبوله المنح الدراسية من المستثمر والمحسن، جورج سوروس، ومن كلية كولبي في ولاية مين، وهي واحدة من الولايات الأمريكية التي يهيمن عليها العرق الأبيض. علاوة على ذلك، يعرض البيه عمله في معهد جوته السودان، وهو مركز ثقافي ألماني يقع في الخرطوم. فهل أصبح هذا الرسام شبيها بما يكرهه؟
أورد البيه قائلا: “لقد تحوّل الأمر للعبة. كلنا ثوريون، ولكن علينا تغيير الأوضاع من الداخل، وإلا سنجد أنفسنا لوحدنا. وأنا فقط أحاول اختراق النظام”. ويفتخر البيه بمشاركة رسومه الكاريكاتورية على الإنترنت مجانًا، ولكنه يشرح على مضض، سبب استعانته بالمحامين مؤخرًا لطلب النقود من الأشخاص الذين يطبعون رمز كايبرنيك الخاص به على القمصان.
كما أضاف أن العيش من خلال الاعتماد على “المنح الدراسية” قد أتعبه. وكذلك أشار البيه إلى المتظاهرين السودانيين الذين أبرموا صفقة مع الجيش في الأسبوع الماضي، عندما صرّح بأن الثوار عليهم مواجهة الواقع دائما. وفي إشارة إلى شبكة إعلامية مملوكة من قبل السعودية قال البيه: “ربما أخون مبادئي وأسجّل للعمل في قناة العربية”.
المصدر: ميدل إيست آي