ترجمة وتحرير: نون بوست
حتى في القرن الحادي والعشرين، لا تزال بعض القضايا السياسية والثقافية حاضرة في مختلف الدول الديمقراطية ولا يمكن أن تُطوى بسهولة. قد يجد القرار السياسي أو القضائي حلاّ لبعض القضايا بشكل مؤقت، لكن المشاعر المتضاربة قوية للغاية على نحو يمكن أن يجعل الأشخاص يستشيطون غضبا. ومن بين هذه القضايا الشائكة قضية لباس المرأة المسلمة، والدور الذي تلعبه الدولة في تحديد قواعده.
فعلى سبيل المثال، تضع فرنسا قواعد صارمة لتنظيم الملابس الدينية والدين بشكل عام، مقارنة بأي ديمقراطية ليبرالية أخرى. وخلال صائفة 2016، أصدرت العديد من السلطات المحلية قرارا يحظر البوركيني، وهو نوع من ملابس السباحة الذي يغطي كامل الجسم تفضل بعض النساء المسلمات ارتداءه. بعد أسابيع من المشاهد السيئة على الشواطئ، قضت المحكمة الإدارية العليا في البلاد بأن قانون الحظر هذا فرض قيودا غير مقبولة لقمع الحرية الشخصية.
في ألمانيا، قضت المحكمة الدستورية الفيدرالية سنة 2015 بأن أي “حظر شامل” على المعلمات المحجبات، اللاتي يرتدين غطاء الرأس مع ترك الوجه مكشوفًا، في المدارس الحكومية يمثل إساءة للحرية الدينية
خلال الأسابيع الأخيرة، انتقل الجدل حول ارتداء البوركيني إلى حمامات السباحة العمومية، وبالتحديد تلك الموجودة في مدينة غرونوبل. بعد أن حظر رئيس مجلس البلدية ارتداء هذا النوع من اللباس، تحدت مجموعة من المتظاهرات قرار الحظر من خلال ارتداء البوركيني مما جعلهن يتعرضن للمضايقة. وتجدر الإشارة إلى أنه وقع إغلاق مسبحين بشكل مؤقت. كما تناولت الصحافة الوطنية الفرنسية هذه القضية كما لو كانت مؤامرة إسلامية شريرة تستهدف الجمهورية العلمانية في فرنسا.
في ألمانيا، قضت المحكمة الدستورية الفيدرالية سنة 2015 بأن أي “حظر شامل” على المعلمات المحجبات، اللاتي يرتدين غطاء الرأس مع ترك الوجه مكشوفًا، في المدارس الحكومية يمثل إساءة للحرية الدينية. وفي حال وقع فرض حظر في ظلّ ظروف معيّنة، فيجب أن تتوفر مبررات جيدة لذلك. ولكن، أدى هذا الأمر إلى فتح الطريق أمام الجدالات القانونية داخل الولايات الفيدرالية في ألمانيا، حيث أن كل ولاية تريد أن تفرض أسلوبها الخاص في مسائل تتعلق بالثقافة والتعليم.
في هذا السياق، أيدت محكمة في مدينة بافاريا، في وقت سابق من هذه السنة، قرار حظر ارتداء الحجاب من قبل القضاة والمدعين العامين. أما في برلين، التي يهيمن عليها الفكر العلماني، برّرت محكمة محلية قرارها بفرض حظر على المعلمات المحجبات بأن الأطفال في هذا السن المبكر يحتاجون إلى مربّين محايدين.
بالنسبة للولايات المتحدة في ظلّ حكم دونالد ترامب، يُعد الإيمان بالحرية الدينية قويا كفاية لحماية مرتديات الحجاب
في هذه الأثناء، أعرب الكثير من المسلمين في بريطانيا عن شعورهم بالقلق الشديد من أن يصبح بوريس جونسون رئيسًا لحزب المحافظين ورئيسًا للوزراء، ولا يعزى ذلك إلى القوانين التي يخطط لتمريرها، وإنما بسبب مواقفه التي عبّر عنها في تعليقاته حول لباس المرأة المسلمة. وفي مقال كتبه في آب/ أغسطس الماضي، قال جونسون إن ارتداء النساء للبرقع الذي يغطي وجوههن أمر “سخيف”، لأنه يجعلهن “شبيهات بصناديق الرسائل”. وفي الأيام الأخيرة، عبّر جونسون بشكل مبهم عن أسفه بشأن الأشياء التي كتبها على مدى العشرين أو الثلاثين سنة الماضية والتي، في حال أُخرجت من سياقها، قد تؤدي إلى ارتكاب جريمة.
مع ذلك، لم يدعو جونسون إلى فرض حظر عام على الملابس التي تغطي الوجه، مشيرا إلى أن الجامعات والشركات يجب أن تكون قادرة على وضع قواعدها الخاصة لما يجب ارتداؤه في الحرم الجامعي أو في مكان العمل، لكنه عارض فرض قيود على طريقة لباس الأشخاص في الشارع. فمثل هذا القيد يسيء إلى التقاليد الأنجلوسكسونية للحرية الشخصية، بما في ذلك الحق في أن تكون غريب الأطوار.
أما بالنسبة للولايات المتحدة في ظلّ حكم دونالد ترامب، يُعد الإيمان بالحرية الدينية قويا كفاية لحماية مرتديات الحجاب. وفي وقت سابق من هذه السنة، جرى تعديل القوانين حتى تتمكّن المشرعة المنتخبة حديثًا، إلهان عمر، من الحصول على مقعد في الكونغرس رغم ارتدائها للحجاب. وفي سنة 2015، برّرت المحكمة العليا قرارها هذا بحادثة تعرّضت لها امرأة مسلمة محجبة حُرمت من الحصول على وظيفة في متجر لبيع الملابس بسبب غطاء الرأس. وقد سمح هذا بخلق مناخ ودّي أكثر بالنسبة للمسلمين مقارنة بما قامت به محكمة العدل الأوروبية سنة 2017، التي أكّدت أن حظر الملابس الدينية في مكان العمل قد يكون قانونيا في بعض الأحيان. (صدر هذا القرار حين أرادت شركة بلجيكية من موظفة الاستقبال أن تنزع حجابها)
من بين الأسباب التي تجعل المشكلة مربكة للغاية بالنسبة لكندا هي أن البلاد تنظر إلى نموذجين مختلفين وقديمين، ألا وهما النموذج الفرنسي والأنجلوسكسوني
من جهة أخرى، أوضحت مرتديات الحجاب الأمريكيات أن وصول ترامب إلى الحكم كان له تأثيرات متباينة على حياتهن اليومية، حيث زاد السلوك العدائي ضد المسلمين بالنسبة لبعض المواطنين الذين كانوا بالفعل يعانون من رهاب الأجانب. في المقابل، أشار الناخبون المعارضون للرئيس ترامب إلى أنهم يرحبون بوجود النساء المسلمات المحجبات في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه الصورة شبه الإيجابية ليست شائعة في جميع أنحاء البلاد. ففي الأيام الأخيرة، أثارت الناشطة الحقوقية الباكستانية والحائزة على جائزة نوبل للسلام، ملالا يوسفزي، جدلا.
في فرنسا، التقط الصحفيون صورة للناشطة الباكستانية رفقة وزير التعليم في مقاطعة كيبك الكندية جان فرانسوا روبيرج. وقد طرح الصحفي سؤالا للوزير الكندي حول ما إذا كانت يوسفزي، التي نجت من محاولة اغتيال حينما كانت في الخامسة عشر من العمر، سيُسمح لها بالتدريس في هذه المقاطعة الناطقة بالفرنسية، التي أصدرت قانونا في 16 حزيران/ يونيو بعد عدة سنوات من الجدال يمنع الموظفين الحكوميين من ارتداء رموز دينية بشكل واضح في مكان العمل. أجاب روبيرج أنه يتشرّف بأن تدرس يوسفزي في كيبك، لكن ينبغي عليها أن تتخلّص من غطاء الرأس أولاً، مع العلم أن رئيس الحكومة، فرانسوا ليغولت، يدعم موقفه.
أكّد بعض منتقدي القانون الجديد في كيبك أن هذه الحادثة استُخدمت كنوع من الدعاية، حيث انتشرت على نطاق واسع في الشرق الأوسط وتركيا وغيرها من الدول ذات الأغلبية المسلمة، مشيرين إلى أن الغرب في حاجة إلى البحث عن عيوبه الخاصة قبل تلقين العالم الإسلامي دروسا.
أكّد جوناثان لورانس، وهو بروفيسور في كلية بوسطن التي تمثّل سلطة على الإسلام الأوروبي، أنه ينبغي التمييز دائما بين وضع قواعد اللباس بالنسبة لممثلي الدولة وبين المواطنين العاديين
حيال هذا الشأن، أوضح الكاتب التركي مصطفى أكيول، الذي ألّف العديد من الكتب حول الإسلام، والزميل في معهد كاتو في العاصمة واشنطن، أن هذه القصة البطولية ستجعل حياته أصعب، حيث قال: “أقضي وقتي في محاولة إقناع إخواننا المسلمين بأن الديمقراطية الليبرالية تمنحهم كل الحرية التي يحتاجونها لممارسة عقيدتهم، لذلك لا حاجة لاستمرار الحكم الإسلامي”. وأضاف أكيول: “كلما فرضت دولة غربية قواعدها الثقافية الخاصة على المسلمين، يصبح الفوز أكثر صعوبة”.
كيف يمكن وضع حدود؟ أكّد جوناثان لورانس، وهو بروفيسور في كلية بوسطن التي تمثّل سلطة على الإسلام الأوروبي، أنه ينبغي التمييز دائما بين وضع قواعد اللباس بالنسبة لممثلي الدولة وبين المواطنين العاديين. قد يكون الأمر معقولا وأحيانا غير منطقي بالنسبة لحكومة تملي قواعدها الخاصة لفرض لباس الموظفين الحكوميين. ولكن، هذا الأمر مطروح بالتأكيد في دولة ليبرالية. لذلك، يبدو أن حظر ملابس السباحة، التي لا تسبب أي ضرر واضح، قرار ينم عن تعصّب. ومن المثير للقلق أن 42 بالمئة من الفرنسيين يؤيدون مثل هذا الحظر في حمامات السباحة.
من بين الأسباب التي تجعل المشكلة مربكة للغاية بالنسبة لكندا هي أن البلاد تنظر إلى نموذجين مختلفين وقديمين، ألا وهما النموذج الفرنسي والأنجلوسكسوني. في السابق، كان التوجه الديني لمقاطعة كيبك كاثوليكيا أكثر مقارنة بنظيرتها فرنسا، لكنها حاليا تتسابق لتقليد والتفوق على بلاد الغال في اعتناقها للعلمانية، ومن المحتمل أن تتخطى الحدود. وفي حال أرادت المعلمات المحجبات في كيبك الهجرة إلى المقاطعة المجاورة الناطقة باللغة الإنجليزية، أونتاريو، فسيكن بالتأكيد موضع ترحيب كبير.
بغض النظر عن المواقف المتضاربة التي يتخذها القضاة والسياسيون والزعماء الدينيون، هناك دائمًا أمل في أن يعتاد الناس الذين نشأوا في مجتمعات متنوعة على حقيقة أنه في هذه القضايا الحساسة، يمكن أن تكون الخيارات المختلفة شرعية.
المصدر: ذي إيكونوميست