ترجمة حفصة جودة
كعالم أوبئة، أقضي كثيرًا من الوقت في إنتاج واستهلاك الأبحاث الصحية، ويعد علم الأوبئة المجال الذي يسعى إلى معالجة أسئلة محددة مثل: لماذا تصبح النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب عن الرجال؟ وتطوير مجموعة من الطرق لإنتاج بحث صحي مثل: كيفية تصميم دراسة تبحث في الأسباب التي تجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب عن الرجال.
يقدم علم الأوبئة مجموعة من المبادئ والأدوات اللازمة لتصميم دراسات تجيب عن أسئلة بحثية بطريقة دقيقة ومتينة، فهذا أهم مظهر من مظاهر العلم، وإذا كانت الدراسة سيئة التصميم، فلن تصبح النتائج مهمة لأنها غير صالحة، ويحتاج كل بحث صحي أو دارسة صحية إلى الاسترشاد بمبادئ علم الأوبئة.
مثل العديد من الناس أجد من الصعب مقاومة بعض العناوين الجذابة في الأخبار مثل “التشاؤم سيء لصحتك وعقلك”، رغم أنني أعلم جيدًا أن الدراسة التي يشير إليها المقال ستضم القليل من الأدلة التي تدعم تلك الادعاءات، وذلك لأن العديد من الاستنتاجات المستخلصة من بحث صحي مقتبسة من دراسات سيئة التصميم.
تختلق الأبحاث الصحية التي تُنشر اليوم في جودتها، فهناك دراسات تشبه “يوغو” (ماركة سيارات) وهناك دراسات تشبه “هوندا” (ماركة سيارات)، إذا لم يكن لديك خبرة في السيارات، فإن الأشخاص العاديين لن يعرفوا الفرق بينهما.
بدلاً من استنتاج أن بعض الأدلة العلمية جديرة بالثقة أكثر من غيرها، بنفس الطريقة التي استنتجنا بها أن بعض السيارات أفضل من غيرها، فإن بعض الناس يرفضون المشروع العلمي بأكمله، لكنني ما زالت أقود السيارة وكذلك غالبية الناس رغم وجود العديد من مشكلات الانتقال في بعض السيارات.
إنني أومن أن علم الأوبئة يستطيع المساعدة في معالجة تلك القضية، يتم بناء المعرفة العملية بشكل تدريجي وحتى الدراسات المصممة بشكل جيد ولا تتضمن العديد من المشكلات، فإنها في النهاية تقدم دليلاً على مجرد فرضية وليس أكثر أو أقل من ذلك، فتحقيق الإجماع بشأن الحقائق العلمية يحتاج إلى وقت طويل والسلوك البشري معقد للغاية.
أتمنى أن أستطيع من خلال المقال مساعدتك على التفكير بطريقة شبيهة لعلماء الأوبئة في تقييم جودة الأبحاث الصحية التي تقرأها، وهكذا تستطيع أن تفحص بشكل أفضل كمية الاعتقادات التي يجب نقلها من تلك النتائج.
ماذا تسأل نفسك؟
سأبدأ بالحديث عن بعض الأسئلة التي يجب أن أطرحها على نفسي عند تحديد مدى اعتقادي (أو عدم اعتقادي) بالدراسات البحثية التي تصل إلى مكتبي.
في البداية: من شارك في تلك الدراسة؟ وكيف وصلوا إلى ذلك؟
بشكل عام هناك طريقتان يختار بهما الباحثون الصحيون الأشخاص المشاركين في الدراسة، فإما يطلبون من الناس المشاركة بشكل مباشر، حيث يطلبون من هؤلاء الأفراد المشاركة في الدراسة لأن لديهم بعض الخصائص المرتبطة بموضوع البحث، أو اختيار عينة تمثيلية من الناس وغالبًا ما يعيشون في مجتمع عام، باستخدام تقنيات الدراسات الاستقصائية.
من الضروري معرفة كيفية دخول الناس في الدراسة لأن الخصائص التي تجعل أحدهم يقرر المشاركة في دراسة ما قد تكون مرتبطة بالأسئلة التي يطرحها البحث.
على سبيل المثال: إذا أراد باحث دراسة إذا كان الاكتئاب مرتبطًا باقتناء كلب أم لا، ولنقل أن الباحث يرغب في ضمان أن “حالات” الاكتئاب في دراسته ذات أهمية سريرية، لذا فإنه يقرر اختيار أشخاص دخلوا المستشفى لعلاج الاكتئاب.
هذه الشروط تعد مشكلة، لأن فقط ثلثي البالغين في أمريكا (ونحو 40% من المراهقين) يتلقون علاجًا للاكتئاب كل عام، وحتى هؤلاء الذين يحصلون على العلاج فإنه غالبًا ما يكون علاجًا عن طريق الدواء فقط، لذا فوفقًا لتعريف الاكتئاب في تلك الدراسة – الذي يتطلب دخول مستشفى – سيتم اختيار عينات بعيدة عن النماذج المثالية للحالات المطلوبة – وربما تختلف في بعض الطرق المهمة (أي أن الحالات المستخدمة ستكون غير ممثلة لحالات الاكتئاب بشكل عام).
إذا كانت الطريقة التي يتم بها اختيار عينة المقارنة (الأشخاص غير المصابين بالاكتئاب) لا تتفق مع أو تعادل حقيقة أن حالات الاكتئاب لا تمثل الدراسة، فسوف يؤدي ذلك إلى ما يُطلق عليه في علم الأوبئة “اختيار متحيز”، يمكن لهذا الاختيار المتحيز إنشاء رابطة بين العرض والنتائج الصحية التي ليست موجودة في الحقيقة أو إخفاء رابطة حقيقة موجودة بالفعل.
لتوضيح ذلك بمثال استرشادي، لنفترض أن هذه الأشياء التالية حقيقية:
– احتمالية دخولك المستشفى لعلاج الاكتئاب ترتبط بشكل إيجابي بامتلاكك لتأمين صحي خاص.
– احتمالية امتلاكك لتأمين صحي خاص يرتبط بشكل إيجابي بمستوى دخلك.
– احتمالية امتلاكك لكلب يرتبط بشكل إيجابي بمستوى دخلك.
هذا يعني أن الأشخاص الذين يدخلون المستشفى لعلاج الاكتئاب لديهم دخل مرتفع عن الأشخاص المصابين بالاكتئاب لكنهم لا يحصلون على علاج في المستشفى، ولأن دخلهم مرتفع فمن المتوقع أن يمتلكون كلبًا، وهذا يعني أن الدراسة قد تجد أن الاكتئاب مرتبط بشكل كبير بامتلاك كلب، لكن هذه النتيجة مصطنعة فهي تعود إلى طريقة اختيار الأشخاص المشاركين في الدراسة.
وعلى عكس ذلك، أفادت دراسة أجرتها مؤخرًا جامعة ميتشغان في استطلاع وطني للشيخوخة الصحية أن امتلاك حيوان أليف يجعلك أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب.
الأهم من ذلك، أن هناك طرقًا معروفة لمعالجة الاختيار المتحيز، وأحد تلك الطرق التي يستخدمها علماء الأوبئة هي استخدام مسح لقائمة كبيرة من السكان ويتم فيها اختيار الناس بشكل أقل أو أكثر عشوائية، وهذه هي الطريقة التي اعتمدت عليها دراسة جامعة ميتشغان في اختيار المشاركين.
وغني عن القول إن مشكلة الاختيار المتحيز أوسع مما ذكرنا، على كل حال، تقدير المشاركين في الدراسة وكيف تم اختيارهم هو خطوة أولى مهمة في أن تصبح مستهلكًا عن دراية للأبحاث الصحية، نأمل أن يمنحك ذلك بعض الأدوات التي تساعدك في التحقق من الدراسات في المرة القادمة التي يظهر فيها عنوان جذاب أمامك.
المصدر: سايكولوجي توداي