بالكاد مضت بضعة أشهر على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عزمه تطوير “قوة الفضاء”، ليخرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويعلن عشية احتفالات بلاده بالعيد الوطني، تشكيل قيادة عسكرية مخصصة للفضاء داخل سلاح الجو الفرنسي لتحسين القدرات الدفاعية للبلاد، ويرى ماكرون أن الفضاء يشكل “تحديًا فعليًا للأمن القومي بسبب النزاعات التي يثيرها”، وكان هذا تفعيلًا لالتزام أعلنه العام المنصرم عند تعهد بتزويد فرنسا بـ”إستراتيجية فضاء دفاعية”.
وقال ماكرون: “لضمان تطور وتعزيز قدراتنا الفضائية سيتم تشكيل قيادة كبرى للفضاء في سبتمبر المقبل ضمن سلاح الجو الذي سيسمى على المدى الطويل “سلاح الجو والفضاء””، مضيفًا “العقيدة العسكرية الجديدة لتأسيس قيادة للفضاء ستعزز سبل حماية الأقمار الصناعية الفرنسية”، فيما شددت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي على أنها ملتزمة بمنح فرنسا استقلالًا إستراتيجيًا في مجال الفضاء.
وينص قانون البرمجة العسكرية في فرنسا 2019-2025 على موازنة ما يقرب من 3.5 مليار يورو للدفاع الفضائي، و”سيتيح تمويل تجديد أقمار اصطناعية فرنسية للمراقبة والاتصالات ووضع ثلاثة أقمار اصطناعية للتنصت الكهرومغنطيسي في المدار وتحديث رادار المراقبة الفضائي”، كما جاء في تقرير لوكالة “فرانس برس”.
“حين يتعلق الأمر بالدفاع عن أمريكا، ليس كافيًا أن يكون هناك وجود أمريكي في الفضاء، يجب أن يكون لدينا سيطرة أمريكية في الفضاء”
تنافس أمريكي روسي
تحول الفضاء إلى مجال للتنافس العسكري بعد أن كان حديثًا في الأوساط العلمية وحكرًا على البحوثات والاكتشافات العلمية، ففي عام 1957 بدأ التوجه نحو العسكرة مع إطلاق الاتحاد السوفييتي قمر “سبوتنيك 1″، كأول قمر صناعي للأغراض العسكرية، وأشعل هذا القمر سباقًا وتنافسًا للسيطرة على هذا المجال بين القوى العالمية لتتفوق أمريكا فيه وتليها روسيا.
وتخوض أمريكا سباقًا محمومًا لتظل الرائدة والمتفوقة في هذا الصراع، وفي العام الماضي قال ترامب موجهًا وزير دفاعه بالبدء بمشروع بناء قوة أمريكا الفضائية: “حين يتعلق الأمر بالدفاع عن أمريكا، ليس كافيًا أن يكون هناك وجود أمريكي في الفضاء، يجب أن تكون لدينا سيطرة أمريكية في الفضاء”، والمميز بهذه القوة أن ترامب جعلها مستقلة عن سلاح الجو ومنفصلةً عن وزارة الدفاع.
لم يكن ترامب هو الأول في طرح القضية أو تشكيل القوة، بل سبقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ريغن الذي وضع “مبادرة الدفاع الإستراتيجي”، أو ما يعرف بإستراتيجية “حرب النجوم” في مارس 1983، وذلك في إطار الصراع مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، وهدفت خطة ريغن لاستخدام النظم الفضائية لحماية أمريكا من هجوم بالصواريخ الباليستية النووية الإستراتيجية، التي كان يتفوق بها الاتحاد السوفييتي حينها، ورصدت الإدارة الامريكية حينها 26 مليار دولار لتنفيذها على مدار 5 سنوات.
وفي آخر عملياتها أطلقت روسيا أربعة أقمار صناعية بواسطة صاروخ من نوع سويوز، وفي فبراير الماضي قالت وكالة “نوفوستي” الروسية، إن المخاوف تساور موسكو بشأن ملكية أراضي القمر وتبعيتها، لا سيما في ظل تزايد الرحلات إلى الفضاء، لاستكشاف أماكن جديدة قد تكون صالحة للحياة.
وأعلنت روسيًا في مارس 2016 إطلاق قمر صناعي للتجسس وجمع المعلومات، حمل اسم “كوزموس 2515″، ضمن نظام الأقمار العسكرية “بيرسونا”، وهو عبارة عن سلسلة من الأقمار الصناعية الاستطلاعية للاستشعار عن بعد، وتم إطلاق أول قمر في تلك السلسلة عام 2008، ثم 2013 و2015.
تتوارد تقارير عن تطوير الصين لأسلحة مضادة للأقمار الصناعية، حيث أجريت تجارب لتقريب الأقمار الصناعية واختبار روبوت تحكم وسيطرة، إلا أنه من الناحية الرسمية، هذه الأجهزة مصممة لحل مشكلة الحطام الفضائي
الصين والهند: مضادات الأقمار الصناعية
وإلى الصين، يواصل التنين الآسيوي خطواته بالمجال، وقد أرسل العام الماضي إلى الفضاء أكثر من 39 صاروخًا مقارنةً بـ31 أطلقتها الولايات المتحدة و20 من روسيا و8 فقط أطلقتها أوروبا، بينما تخطط بكين لبناء محطة مدارية مستقلة خلال العقد المقبل، وتنفق الصين حاليًّا على برامجها الفضائية المدنية والعسكرية أكثر مما تنفقه روسيا واليابان، وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الميزانية التي خصصتها الصين لهذا المجال للعام 2017 بنحو 8.4 مليار دولار.
في الوقت ذاته أجرت الهند، في مارس من العام الحاليّ، اختبارًا ناجحًا لسلاح جديد مضاد للأقمار الصناعية، أدى إلى تدمير الجهاز الطائر في مدار أرضي منخفض، ويسمى المشروع الذي أجرته الهند في العالم بالصاروخ المضاد للأقمار الصناعية، وتُعتبر الخطوة الهندية متقدمة، إلا أنها متأخرة بما حققته روسيا والولايات المتحدة في هذا المجال.
في هذا السياق تتوارد تقارير عن تطوير الصين لأسلحة مضادة للأقمار الصناعية، حيث أجريت تجارب لتقريب الأقمار الصناعية واختبار روبوت تحكم وسيطرة، إلا أنه من الناحية الرسمية، هذه الأجهزة مصممة لحل مشكلة الحطام الفضائي، ولكن قد يكون لجميع هذه التقنيات استخدامات عسكرية أيضًا.
في الوقت الذي تملك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي 65% من الأقمار الصناعية الفضاء، تخطط الصين لأبراج ضخمة للأقمار الصناعية التجارية
ساحة حرب
من جهة أخرى قال دبلوماسيون: “حلف شمال الأطلسي يستهدف جعل الفضاء ساحة للحرب عام 2019، لعدة أسباب من بينها أن يظهر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الحلف له أهمية وأنه يتخذ الاستعدادات للتهديدات الجديدة بعد أن وقع ترامب أمرًا بإنشاء قوة فضائية أمريكية”.
وفي الوقت الذي تملك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي 65% من الأقمار الصناعية، تخطط الصين لأبراج ضخمة للأقمار الصناعية التجارية يمكنها أن تتيح خدمات تتراوح بين الإنترنت عالي السرعة للطائرات وتتبع الصواريخ والقوات المسلحة على الأرض، من جهته قال دبلوماسي كبير في الحلف: “هناك اتفاق على أننا يجب أن نجعل الفضاء ساحة للحرب وقمة لندن هي المكان الأفضل لجعله قرارًا رسميًا”.
على أن هذا التنافس على “ارتياد الفضاء بين القوى الكبرى في العالم يُهدد بأن يجعل منه منطقة للغزو بلا أي قوانين منظمة”، وربما مصدرًا لنزاعات مستقبلية محتملة في العقود المقبلة، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن على هذه القوى أن “تتسامى فوق هذا التنافس للسيطرة على فضاء المجرة”، مشيرةً إلى أنه من “الناحية التقنية تمنع معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 الحكومات من ادعاء ملكية أي منطقة في الفضاء الخارجي، بيد أنها تسمح للموقعين عليها بالانسحاب منها بعد تقديم إخطار بذلك قبل عام”.