لا يبدو أن زخم الانتخابات الرئاسية الموريتانية، المقرر إجراء جولتها الأولي في 21 يونيو المقبل، سيكون بنفس القوة الذي ميز الانتخابات الرئاسية السابقة؛ وذلك بسبب مقاطعة قوى وشخصيات سياسية لهذا الاستحقاق.
ومع تضاؤل سيناريو التأجيل، الذي راهن عليه بعض المحللين بدعوى محاولة النظام جر أطراف من المعارضة إلى الانتخابات لإضفاء مصداقية عليها، يبدو أن المنافسة على الكرسي الرئاسي تتجه إلى الانحصار بين 5 مرشحين.
ومن المقرر أن تبدأ الحملة الدعائية لهذه الانتخابات يوم 6 يونيو المقبل على أن تُختتم في الـ 19 من الشهر ذاته، ليعيش الموريتانيون يوم العشرين الصمت الانتخابي، قبل الاقتراع المقرر يوم 21 يونيو لمقبل.
ويشارك في هذه الانتخابات الرئاسية، التي يقاطعها طيف واسع من المعارضة، خمسة مرشحين من بينهم امرأة، وهم:
“محمد ولد عبد العزيز”:
هو الرئيس الحالي للبلاد، ويرى مراقبون أنه “أوفر المرشحين حظوظًا” بحكم القاعدة الشعبية العريضة لداعميه وما يعتبره أنصاره “انجازات ومكاسب كبيرة تحققت في عهده في المجالات الأمنية والبنى التحتية”.
من نقاط قوة عبد العزيز (58 سنة) كونه ينحدر من المؤسسة العسكرية، التي تعتبر موجهًا رئيسيًا في بوصلة العمل السياسي في البلاد، ولاعبًا بارزًا في حسم بوصلة اتجاه الانتخابات، حسب ما يراه مراقبون.
ومن العوامل التي يعتبر أنصار “ولد عبد العزيز” أنها كفيلة بإعادة منح الثقة له “أجواء الحريات الجيدة التي تعيشها البلاد في مجال العمل السياسي وحرية التعبير، الذي جعل موريتانيا تتصدر قائمة الدول العربية الأكثر انفتاحًا في مجال حرية الإعلام”.
لكن “ولد عبد العزيز” في حالة نجاحه سيواجه صعوبات داخلية كبيرة، لعل أبرزها التعامل مع الأزمة السياسية الخانقة بين السلطة والمعارضة، التي اتسمت بها فترة ولايته الأولى، حيث عاشت البلاد على وقع السنوات الخمس من حكم ولد عبد العزيز استقطابًا قويًا بين الطرفين.
كما أن محللين يرون أن التعامل مع الحالة المعيشية الصعبة للمواطنين سيكون من أبرز التحديات التي ستواجه ولد عبد العزيز، الذي فاز بالجولة الأولي من انتخابات 2009 بدعاية انتخابية كانت معاناة المهمشين صلب عمودها الفقري، حيث كان لقبه في تلك الدعاية الانتخابية “رئيس الفقراء”.
“بيجل ولد هميد”:
يعتبر بيجل ولد هميد (61 عامًا) في طليعة المرشحين الأكثر أهمية بحكم حضوره في المشهد السياسي لعقود طويلة.
يعتبر أحد أركان نظام الرئيس السابق “معاوية ولد سيدي أحمد الطائع”، حيث تقلد مناصب سامية متعددة في حكمه، كما كان من القيادات البارزة.
كما يعد أحد زعماء شريحة لحراطين (الأرقاء السابقين)، ويقود حزب “الوئام الديمقراطي الاجتماعي”، الذي يتبني معارضة “مرنة” للنظام الحالي.
يراهن “ولد هميد” على النتائج التي حققها حزبه في الانتخابات التشريعية والبلدية التي نُظمت أواخر العام الماضي، حيث حصل على 10 نواب من أصل 147 بالبرلمان الموريتاني.
يُقدم نفسه على أنه شخصية تمتلك تجربة وحنكة طويلة في الإدارة، إضافة لكونه من شريحة لحراطين الذين لا يتبنون خطابًا عنصريًا.
أكدت الانتخابات الأخيرة أن الرجل يمتلك قواعد شعبية عريضة ببعض المناطق الموريتانية من أبرزها محافظة ترارزه (جنوب) التي فاز حزبه بمقاعد عاصمة ولايتها روصو.
“يرام ولد الداه ولد أعبيدي”:
ولا تتوقف مشاركة عناصر شريحة لحراطين في هذه الاستحقاقات على ولد هميد، حيث يشارك من هذه الشريحة أيضًا، الحقوقي الموريتاني “بيرام ولد الداه ولد أعبيدي” (48 عامًا).
يعتبر مراقبون أن مشاركته في هذه الانتخابات تأتي لقياس درجة أسهمه الانتخابية عند ناخبي هذه الشريحة.
وظهر “ولد أعبيدي” في السنوات الأخيرة؛ لتبنيه خطابًا يوصف بالتشدد في مجال ملف العبودية بموريتانيا.
وأثار الكثير من الجدل في الساحة الموريتانية إثر إحراقه قبل سنتين بعض كتب المذهب المالكي، باعتبارها كتبًا “تُرسخ ممارسات العبودية في موريتانيا”، على حد قوله.
فشل “ولد أعبيدي” في الحصول على ترخيص لحزب سياسي ، بعد أن رفضت السلطات الموريتانية الترخيص للحزب الراديكالي من أجل عمل شامل (الرك)، الذي تقدم به عدد من النشطاء المقربين منه، في خطوة رأى مراقبون أنها تأتي تطبيقًا لمقتضيات الدستور الموريتاني الذي يمنع تأسيس أحزاب على أساس عرقي أو فئوي أو جهوي.
يلعب الرجل على قضية إنهاء “تهميش” شريحة لحراطين، إضافة إلي ملف المصالحة مع الزنوج الموريتانيين والعرب بعد أحداث ثمانينيات القرن الماضي، والتي أحدثت شرخًا في نسيج المجتمع الموريتاني بسبب الفتنة العرقية، التي تسببت في مقتل عشرات الزنوج و ترحيل الآلاف منهم إلى السنغال ومالي.
“صار إبراهيم مختار”:
زعيم سياسي زنجي، يرتبط اسمه بالدفاع عن قضايا الزنوج الموريتانيين؛ حيث تستأثر هذه القضايا بحيز هام من خطابه السياسي.
تعرض مختار (65 عامًا) للاعتقال عام 1989 بتهمة المشاركة في الإعداد لـ “مخطط لقلب السلطة من قبل عسكريين ومثقفين زنوج”.
يرأس حزب “التحالف من أجل العدالة والديمقراطية” المعارض، وهو حزب شارك في الانتخابات الأخيرة وحصل على 4 نواب بالبرلمان الموريتاني.
ويرى مراقبون أن الرجل سيستفيد من أصوات شريحة الزنوج خاصة في منطقة الضفة بالجنوب الموريتاني؛ حيث يوجد تمركز قوي لقومية الزنوج.
“لالة عيشة منت مولاي إدريس”:
شغلت مولاي إدريس (57 عامًا) مناصب هامة بالدولة في حقبة الرئيس السابق “معاوية ولد سيد أحمد الطائع”.
لا يُعرف عنها أي طموح سياسي سابق؛ لذا يري مراقبون في ترشيحها محاولة لإضفاء مسحة و لو “خجولة” على مشاركة المرأة في الانتخابات الرئاسية، حيث تعتبر هذه السيدة هي ثاني امرأة تخوض استحقاقًا رئاسيًا بعد “عيشه منت جدانه” التي ترشحت في انتخابات 2003 وخرجت بنتائج هزيلة.
وتقاطع أحزاب المعارضة الموريتانية الرئيسية الانتخابات القادمة، بعد فشل الحوار الذي أجرته مع النظام حول آلية تضمن شفافيتها.
وتطرح المعارضة ضمن شروط شفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة، قضايا تتعلق بـ “الإشراف السياسي عليها، وحياد الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة النظر في مهام وعمل الوكالة المسئولة عن الوثائق المدنية، والمجلس الدستوري الذي يعد الحكم في قضايا الانتخابات”.
وفق القانون الموريتاني، تشرف اللجنة المستقلة للانتخابات على إجراء الاقتراع الرئاسي، غير أن نتائجه من مسئوليات المجلس الدستوري.
وتضم اللجنة المستقلة للانتخابات 7 أعضاء، بينهم رئيسها، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي.
أما المجلس الدستوري فيتكون من 6 أعضاء، يعين رئيسا غرفتي البرلمان نصفهم، بينما يعين رئيس البلاد النصف الآخر بجانب رئيس المجلس الذي له صوت مرجح في حال تعادل أصوات أعضاء اللجنة تجاه أي قرار.