يكشف حصول أنقرة على أنظمة إس-400 الروسية أن تركيا لا تعتزم إغلاق الحدود مع سوريا فقط وإنما السيطرة على سماء قبرص أيضا. ويعتبر هذا الأمر ضروريا بالنسبة لأنقرة من أجل تطوير إنتاج الغاز في جزيرة قبرص. ولكن هذا الوضع من شأنه أن يؤثر على العلاقات بين تركيا واليونان بشكل خاص وبين تركيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل حلف شمال الأطلسي.
اقترح الجيش التركي وضع أول بطارية إس-400 في محافظة سانليورفا على الحدود مع سوريا. وقد اتُخِذ هذا القرار بعد دراسة مفصلة لتضاريس المنطقة ونيل موافقة السلطات. أما البطارية الثانية فسيقع تركيزها إما في مقاطعة مرسين على الساحل الجنوبي الشرقي لتركيا أو في مقاطعة هاتاي الجنوبية.
إن نشر أنظمة الصواريخ الروسية في أي من هذه النقاط الثلاث المذكورة آنفا لا يعني سيطرة تركيا على الحدود السورية فحسب وإنما على المجال الجوي لقبرص أيضا، وخاصة في مرسين. ويعني نشر الأنظمة الروسية في هذه المنطقة بالذات أن أردوغان سيتمكن من استخدام الأنظمة الروسية في جولة جديدة من النزاع حول موارد هذه الجزيرة.
حسب مصدر مطلع من وكالة “إنترفاكس”، فإنه من المقرر أن تبدأ روسيا في تزويد تركيا بأنظمة إس-400 الروسية في النصف الأول من شهر تموز/ يوليو. وفي أوائل تموز/ يوليو، توقّع العديد من الخبراء أن الأتراك سينشرون الأنظمة الروسية في محيط أنقرة لحماية العاصمة. وتعتبر أنظمة إس-400 قادرة على ضرب الأهداف الديناميكية الجوية على مسافة تصل إلى 400 كيلومتر. وفي حال وقوع مثل هذا السيناريو، لن يكون لهذه الأنظمة إلا وظيفة رمزية بحتة، نظرا لأن المسافة من العاصمة إلى الحدود الجنوبية والشرقية للبلاد تتجاوز نطاق هذه الأنظمة.
تخطت المسألة مصالح قبرص وتركيا، لتمس من مصالح إسرائيل ولبنان وسوريا أيضا. فعلى سبيل المثال، تخطط إسرائيل من ناحيتها لضخ الغاز من الجرف المجاور الموجود في المياه الإقليمية للبنان
مع ذلك، أوضح أردوغان يوم الأربعاء أنه بما أن تركيا قررت الاستثمار في شراء مثل هذه الأنظمة، فإنها ستكون على أتم الاستعداد لاستخدام هذا السلاح عند الضرورة. وأضاف الرئيس التركي “إذا هاجمنا أحدهم، سنستخدم هذه الأنظمة الجوية الصاروخية”. وفي مقابلة له مع صحيفة “إيزفيستيا” الروسية، لم يستبعد أحمد بيرت تشونكار، نائب رئيس الجناح التركي للمنتدى الاجتماعي التركي الروسي، نشر هذه الأنظمة الروسية على الحدود التركية السورية، مشيرا إلى أن قبرص تمثل أحد مصادر التهديد.
في هذا السياق، قال أحمد بيرات تشونكار “لا يوجد حولنا سوى نقاط ساخنة: العراق، وإيران، وسوريا، وقبرص؛ ما يجعل المنطقة بأكملها أشبه ببرميل بارود كبير. لكن أكبر تهديد بالنسبة لنا يأتي من شرق البحر الأبيض المتوسط، أي من الجهة الواقعة شمال قبرص وسوريا. أولا وقبل كل شيء، سنفكر في كيفية حماية حدودنا الجنوبية والشرقية”.
في تصريح له، أكد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيمون باغداساروف، أن “تركيا تركّز قواتها البحرية في المنطقة، أي في المياه الإقليمية لقبرص لحراسة منصات الحفر، وهذا بكل تأكيد يعتبر خطيرا”. وأورد هذا الخبير أن “الأتراك احتلوا منطقة بعيدة عن شمال قبرص، لكن هل يمكن لأردوغان أن يذهب إلى أبعد من ذلك؟ لا يمكن استبعاد هذا الأمر. كما أن ذلك قد يؤدي إلى نزاع مع دول الاتحاد الأوروبي”.
يعتقد هذا الخبير أن أردوغان أبدى العزم فيما يتعلق بمسألة قبرص من أجل تحسين سمعته داخل البلاد. كما أشار هذا الخبير إلى خسارة أردوغان للانتخابات البلدية في جميع المدن الكبرى: إسطنبول، وإزمير، وأنقرة، مع العلم أنه خسر مرتين في إسطنبول، وعلى الرغم من إلغاء نتائج التصويت الأول إلا أن نتائج الانتخابات الثانية لم تكن منصفة له، وهذا يعني أن “أردوغان بحاجة إلى ترك بصمة كبيرة خارج حدود تركيا”.
أما فيما يتعلق بحقل الغاز على الجرف القبرصي، فقد تخطت المسألة مصالح قبرص وتركيا، لتمس من مصالح إسرائيل ولبنان وسوريا أيضا. فعلى سبيل المثال، تخطط إسرائيل من ناحيتها لضخ الغاز من الجرف المجاور الموجود في المياه الإقليمية للبنان. كما أن هناك العديد من الصراعات المتعلقة بهذا الأمر.
الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات ضد تركيا على خلفية تطوير حقول الغاز قبالة سواحل قبرص. وقد جاء ذلك في مسودة بيان مجلس الاتحاد الأوروبي الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية
وفقا للخبراء العسكريين، من غير المستبعد أن يتحول الخلاف حول حقول الغاز إلى صدام عسكري. وحيال هذا الشأن، قال الخبير العسكري كونستانتين سيفكوف، نائب رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الصاروخية والمدفعية، إن ظهور أنظمة إس-400 الروسية في تركيا سيكون “دافعا حقيقيا لتركيا لتنفيذ رغبتها بمواصلة البحث عن الموارد النفطية في المياه الإقليمية لقبرص”.
يتجاوز مدى منظومة “إس-400” مدى الصواريخ المضادة للرادار، التي يتطلب استخدامها الدخول إلى النطاق الجوي لمنطقة تواجد منظومة الدفاع الجوي، مما سيؤدي إلى خسائر كبيرة، لذلك تشعر أوروبا بالذعر. ونوه الخبير بأن وجود هذه الأنظمة في المنطقة “من شأنه أن يستبعد أي إمكانية لاستخدام الطيران الغربي ضد تركيا”.
لا يستبعد الخبير ديمتري أبزالوف أن الزعيم التركي قد يبدأ قريبا بابتزاز الاتحاد الأوروبي من خلال التهديد بنقل إس-400 إلى قبرص. وفي إطار تنفيذ هذه الخطط، سيحاول أردوغان إضفاء الشرعية على عملية إنتاج الغاز من المياه الإقليمية لقبرص. أما الاتحاد الأوروبي وبقية حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، سيعتبرون هذه التهديدات مجرد خدعة، علما بأن قبرص تعتبر هدفا مهما من الناحية الاستراتيجية للشرق الأوسط.
حسب ما أكدته وكالة “رويترز” يوم الخميس، فإن الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات ضد تركيا على خلفية تطوير حقول الغاز قبالة سواحل قبرص. وقد جاء ذلك في مسودة بيان مجلس الاتحاد الأوروبي الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية. كما يعتبر الأوربيون ذلك غير قانوني، لذلك يعتزمون تعليق المفاوضات مع تركيا بشأن الاتفاق الشامل المتعلق بالنقل الجوي والتخلي مؤقتا عن الاجتماعات رفيعة المستوى.
من المنتظر أن يقترح مجلس الاتحاد الأوروبي تخفيض الدعم المالي لتركيا بحلول سنة 2029، كما سيدعو بنك الاستثمار الأوروبي إلى إعادة النظر في التعاون مع تركيا. مع ذلك، يعترف الدبلوماسيين بأن بروكسل غير مستعدة لاتخاذ تدابير عقابية أكثر صرامة، نظرا لأنها بحاجة للتعاون مع الأتراك فيما يتعلق بسياسة الهجرة والحرب على الإرهاب، كما أنهم يقرون بالاعتماد على أنقرة في قطاع الطاقة.
انتقد رئيس وزراء جمهورية قبرص التركية، أرسين تتار، سياسة بروكسل مشيرا إلى أن الموقف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي منذ البداية المؤيد لليونان، أدى إلى تجاهل قضية قبرص
إن قبرص مقسمة إلى جزأين، الأول ينتمي إلى الاتحاد الأوروبي أما الثاني أي شمال قبرص، الذي تبلغ مساحته حوالي ثلث المساحة الجملية، ترى تركيا أنه ينتمي إلى أراضيها. وقد تم اكتشاف رواسب كبيرة من الغاز الطبيعي في الجرف القبرصي وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة في قبرص.
قبل أشهر، أرسلت تركيا سفينة “الفاتح” التركية إلى المنطقة المتنازع عليها للتنقيب عن الموارد الطاقية. وردا على ذلك، أمرت السلطات القبرصية باعتقال طاقم السفينة. ومن جهتها، لم تبال تركيا بذلك وأرسلت الأسبوع الماضي سفينة حفر ثانية تدعى “يافوز”. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن في وقت سابق عن استعداده للدفاع عن نصيب القبارصة الأتراك من الموارد الطاقية التي يزخر بها الجرف القبرصي، حتى إن تطلب ذلك اللجوء إلى القوات المسلحة.
في هذا الصدد، صرحت وزارة الخارجية التركية بأن تركيا لن توقف عمليات التنقيب في المنطقة، مشيرة إلى أن جمهورية شمال قبرص التركية، أصدرت ترخيصا لشركة البترول التركية في سنة 2011، يتيح لتركيا التنقيب عن الموارد الطاقية هناك نيابة عن القبارصة الأتراك. في المقابل، اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا من هذا النزاع، مشيرا إلى أن إرسال سفينة حفر ثانية يعد بمثابة خطوة استفزازية من جانب أنقرة، داعيا السلطات التركية إلى التوقف عن عملية التنقيب.
يبدو أن أردوغان يستغل نزاعه مع اليونانيين كبطاقة رابحة في اللعبة مع نظيره الأمريكي
بدوره انتقد رئيس وزراء جمهورية قبرص التركية، أرسين تتار، سياسة بروكسل مشيرا إلى أن الموقف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي منذ البداية المؤيد لليونان، أدى إلى تجاهل قضية قبرص. وأضاف تتار، “مثلما يجري الجانب اليوناني عمليات الحفر المستمرة، فإن الجانب التركي، الذي لديه الحق في التنقيب عن الموارد الطاقية في قبرص، سيفعل الأمر ذاته”.
يرى المراقبون أنه لأسباب اقتصادية يخدم الحصول على الموارد الطاقية مصالح الجانب التركي. وفي هذا الصدد، قال كبير الباحثين في مركز السياسات المقارنة، ديمتري أبزالوف إن “تركيا تتعرض لضغوط شديدة ما يدفعها إلى العمل من أجل أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة. لذلك لا بد من استكمال التنقيب عن الغاز في الجرف القبرصي، ولهذا السبب أرسلت تركيا إلى هناك أكثر من سفينة”.
يبدو أن أردوغان يستغل نزاعه مع اليونانيين كبطاقة رابحة في اللعبة مع نظيره الأمريكي. وحسب أبزالوف “يتجاهل ترامب أردوغان، ما يجعل مسألة قبرص فرصة بالنسبة لتركيا لفرض عملية التفاوض على الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن أي تهديد بنشوب صراع بين حلفاء الناتو سيجبر ترامب على التفاوض مع أنقرة لتعزيز التحالف. وهذا بلا شك سيعزز موقف أنقرة”.