يواصل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد حملته الانتخابية المبكرة، رغم الدعوات المتكررة لاستقالته حال اعتزامه الترشح لمنصب رئاسة الدولة، حملة انتخابية استعان فيها بمؤسسات الدولة وهياكلها الرسمية فضلاً عن القرارات الشعبوية في العديد من المجالات رغبة منها في كسب ود أكبر عدد من التونسيين رغم الحصيلة السلبية لحكومتها.
أجهزة الدولة في الخدمة الخاصة
منذ توليه رئاسة الحكومة في أغسطس/آب 2016، حرص يوسف الشاهد على تسخير كل إمكانات الدولة التونسية ومؤسساتها العمومية، فضلاً عن موظفيها لخدمة مشروعه السياسي والترويج لشخصه حتى يكون في المشهد السياسي ما بعد الانتخابات القادمة.
بدأ الشاهد بإضعاف نداء تونس وتقسيمه إلى شظايا يصعب النظر إليها بالعين المجردة قبل أن ينقض على هياكله ونوابه في البرلمان، ثم أسس حزب يحمل اسم “تحيا تونس” (“حزب الحكومة” كما يسميه آخرون) ليكون مطيته نحو الحكم.
تمثل استغلال أجهزة الدولة مثلاً في اختيار رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية شوقي قداس لرئاسة لجنة إعداد مؤتمر ”تحيا تونس”، رغم أنه يرأس هيئة عمومية، من مهامها منح التراخيص وتلقي التصاريح للقيام بمعالجة المعطيات الشخصية أو سحبها، فضلاً عن تحديد الضمانات الضرورية والتدابير الملائمة لحماية المعطيات الشخصية والنفاذ إلى المعطيات موضوع المعالجة قصد التثبت منها وجمع الإرشادات الضرورية لممارسة مهامها، ما أثار جدلاً كبيرًا في البلاد.
بعد ذلك بدأ يتضح شيء فشيئًا تداخل وتضارب المصالح بين الحزب الجديد ورئاسة الحكومة، حيث يعمد هذا الحزب الفتي إلى نشر نشاطات رئيس الحكومة وزياراته الميدانية على أساس أنها إنجازات للحزب والحال يفترض أن لا تصبح أجهزة الدولة أداة لخدمة فرد أو حزب في مساعيه للبقاء في السلطة، وفق تصريح للصحفي التونسي كريم البوعلي، لنون بوست.
لم يتوقف يوسف الشاهد، عند استعمال مؤسسات الدولة وهياكلها، بل لجأ في العديد من الأحيان إلى اتخاذ قرارات عديدة وصفها البعض بالشعبوية
ليس هذا فقط، فبفضل مؤسسات الدولة، استطاع رئيس الوزراء التونسي الشاب يوسف الشاهد، منذ توليه منصبه في قصر القصبة في شهر أغسطس/آب 2016، أن يقوي مكانه بعد أن كان سياسيًا مغمورًا، حتى إنه استطاع استمالة الكتلة الأساسية لنواب حزب نداء تونس ووراثة الحلف القائم مع “النهضة”، ما أفقد الرئيس السبسي كل أوراقه السلطوية.
كما وظف الشاهد أجهزة الحكم ومستشاريه وبعض وسائل الإعلام المحلية لتشويه شخصيات وطنية عديدة وكسب ود البعض منهم، إلى جانب ضم رجال أعمال مهمين في البلاد إلى صفه لمعاضدته في مجهوداته المستقبلية، بعد أن أغراهم بصفقات ومشاريع كبرى، على حساب رجال أعمال آخرين بقوا في صف السبسي الأب والابن وجماعتهما.
حتى صفحة رئاسة الحكومة الرسمية لم تسلم من استغلال الشاهد، ومثال على ذلك إقدام مستشاريه على حذف مقاطع فيديو من موقعها توثق لزيارة قام بها يوسف الشاهد إلى محافظة منوبة، شمال غربي العاصمة تونس، الأسبوع الماضي، وواجه خلالها موجة غضب من عدد من المواطنين في المنطقة، ما يؤكد استغلال المرفق العام لتلميع صورة رئيس الحكومة.
قرارات شعبوية
لم يتوقف يوسف الشاهد عند استعمال مؤسسات الدولة وهياكلها، بل لجأ في العديد من الأحيان إلى اتخاذ قرارات عديدة وصفها البعض بالشعبوية، حتى يزيد من شعبيته لدى فئات مختلفة من التونسيين، استعدادًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
“كحال أي ديمقراطية ناشئة فقد برزت عدة قرارات شعبوية، يقول البوعلي، من ذلك تدخل رئيس الحكومة في مسائل كروية لاستقطاب الجمهور الرياضي واستغلال الحوادث الإرهابية الغاشمة لتمرير قرار منع النقاب لاستمالة تيار إيديولوجي في صفه ما أثار تخوفات عديدة من ممارسة قمع على حرية اللباس بصفة عامة”.
وقبل أيام قرر الشاهد حظر ارتداء النقاب في الإدارات والمؤسسات العامة في البلاد، ووقع رئيس الوزراء التونسي على مرسوم حكومي “يمنع كل شخص غير مكشوف الوجه من دخول مقرات الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية، وذلك لدواعٍ أمنية”، ولقي هذا القرار رفضًا كبيرًا، ففضلاً عن كونه يحد من الحريات الفردية فإنه يتنزل وفق العديد من التونسيين في إطار حملة انتخابية مبكرة للشاهد للتقرب لتيار فكري معين في البلاد.
يسعى الشاهد لخلافة السبسي في قرطاج
كرة القدم لم تسلم هي الأخرى من استغلال الشاهد، فبعد محاولته التقرب من جماهير الفرق الرياضية وخاصة الترجي التونسي والنادي الإفريقي بمحاولته الظهور في ثوب المدافع عن الفريقين إقليميًا، ها هو الآن يستغل مشاركة المنتخب الوطني التونسي في كأس إفريقيا والمردود الجيد الذي ظهر به، حيث خصص 4 طائرات لجماهير المنتخب للذهاب إلى مصر وتشجيع الفريق.
ليس هذا فقط فقد نشط الشاهد مؤخرًا وقام بالعديد من الزيارات الميدانية وأصدر العديد من القرارات التي سبق أن صدرت في أوقات سابقة دون أن يتم الوفاء بها، فالمهم عنده إصدار القرارات أما التطبيق فلا أهمية له، فالذاكرة قصيرة.
كما أنه كثيرًا ما ينسب بعض الإنجازات إلى شخصه والحال أن لا علاقة له بها، فهي إنجازات الحكومات السابقة لكنه دشنها مرة أخرى حتى تكتب له، فكما قلنا فالذاكرة قصيرة والشعب التونسي يحتاج لأخبار تثلج صدره وتمنح له الأمل ولو كان قليلاً، في هذه الظرفية السيئة التي تمر بها البلاد.
تعبيد الطريق نحو قرطاج
هذه الخطوات المتتالية يعمل الشاهد من خلالها إلى تقوية حظوظه في الانتخابات القادمة واستغلال كل الفرص المتاحة له، حتى يظفر بكرسي الرئاسة في قصر قرطاج، ويخلف الرئيس الباجي قائد السبسي الذي يرجع له الفضل في التعريف به وتصدره المشهد السياسي التونسي.
ورغم عدم إعلانه رسميًا ترشحه من عدمه، فإنه من المتوقع أن يترشح الشاهد في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي كلما اقترب موعدها، ارتفع منسوب الأزمة السياسية في البلاد أكثر، فكل طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
رهان الشاهد الذي بدأ حياته السياسية في السنوات الأخيرة، على الفوز في الانتخابات يأتي رغم الإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقول إنه فشل في فترة حكمه
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حددت موعد الانتخابات التشريعية يوم 6 من أكتوبر/تشرين الأول 2019 والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وفي حال لم يفز أي من المرشحين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بالأغلبية المطلقة يتم تنظيم دورة ثانية بعد أسبوعين.
حركات وقتية لا تنطلي على التونسيين
هذه الخطط تقول الباحثة والناشطة في المجتمع المدني التونسية مدللة سناء بنضو، إنها “لن تنطلي على الشعب التونسي الذكي، فالتونسيون لا تنطلي عليهم هذه الحركات الوقتية التي دأب يوسف الشاهد على القيام بها في الفترة الأخيرة تمهيدًا للاستحقاقات القادمة”.
تقول سناء بنضو في تصريح لـ”نون بوست”: “نتائج الانتخابات الجزئية في سيدي بوزيد وباردو خير دليل على أن المواطن التونسي لم يعد يخاف أصحاب السلطة وأنه اكتسب من الوعي ما يجعله يتفطن إلى الحملات الانتخابية المبكرة”.
وأفرزت الانتخابات الجزئية في كل من بلدية سوق الجديد بسيدي بوزيد (وسط) وبلدية باردو فوز حركة النهضة بأغلبية المقاعد البلدية وفشل حركة تحيا تونس التي يقودها الشاهد في تحقيق أي نتائج تذكر رغم الحملة الانتخابية الكبيرة التي قام بها هذا الحزب، مستعينًا بأجهزة الدولة.
وتراهن سناء والعديد من التونسيين أمثالها على وعي الشعب التونسي وذكائه لإقصاء من ثبت فشلهم في تسيير البلاد طيلة سنوات على رأسهم يوسف الشاهد الذي يدعي النجاح رغم كون كل النسب ضده، فهو لم ينجح إلا في الفشل وفق قول بعض التونسيين.
الانتخابات القادمة ستكون فاصلة في المشهد السياسي التونسي
رهان الشاهد الذي بدأ حياته السياسية في السنوات الأخيرة، على الفوز في الانتخابات يأتي رغم الإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقول إنه فشل في فترة حكمه، وفق كريم البوعلي، ويرى كريم أن هذه الفترة التي امتدت لثلاث سنوات اتسمت بضعف النمو وتزايد المديونية وتدهور قيمة الدينار التونسي وتردي الوضع الاجتماعي في البلاد.
وأوضح البوعلي أن رئيس الحكومة كان طرفًا في أزمة سياسية داخل حزبه القديم نداء تونس ونقلت إلى الحكومة والبرلمان والرئاسة ما عطل الحياة السياسية وأدخل البلاد ومؤسسات الدولة وأجهزتها في فترة تجاذب، أزمة حادة يقول الصحفي التونسي إنها انعكست سلبًا على التفاعل السياسي من المواطنين ويتجلى ذلك في ضعف المشاركة في الانتخابات المحلية الماضية والعزوف عن المشاركة في الحياة السياسية.
هذا السعي الكبير من يوسف الشاهد لاستغلال كل شيء متاح وغير متاح لتعبيد الطريق أمامه نحو قصر قرطاج دون أن يقدم أي إضافة للتونسيين في كبرى القضايا التي تهم الشعب مباشرة، من شأنه إضعاف حظوظه في هذه الانتخابات، خاصة أن الشعب التونسي لم يعد بمقدوره استحمال هذا الفشل لوقت أطول.