في فبراير/شباط 2011، تحولت شوارع العاصمة البحرينية المنامة إلى مسرح لتظاهرات ومواجهات سرعان ما تصاعدت، لتكشف عن واقع بحريني يعاني احتقانًا سياسيًا واجتماعيًا وطائفيًا، حيث لجأت السلطات إلى مواجهة المتظاهرين المعارضين بالسلاح، ونجحت بالقوة العسكرية مستعينةً بالدعم الخارجي عبر قوات “دعم الجزيرة” في بسط سيطرتها وفض الاعتصام الأبرز للمعارضين في دوار اللؤلؤة.
لم يكن ما حدث في هذا التوقيت سوى حلقة واحدة ضمن سلسلة حلقات يجهلها الكثيرون، وأرادت خلالها السلطة في البحرين للطائفية أن تكون وسيلة لتمكين حكمها والخروج من أزماتها، فأشعلت الطائفية شرارة الشارع، لتعلن الدولة حينها أنها في معركة ضد الإرهاب، لكن أجهزة في الدولة كانت جزءًا من صناعته، وهذا ما يكشفه تحقيق بثته قناة الجزيرة ضمن برنامجها “ما خفي أعظم”.
شيطنة المعارضة
في هذا التحقيق، الذي حمل عنوان “المتلاعبون بالنار”، بثت قناة الجزيرة تسجيلات مصوَّرة، قالت إنها “سرية”، ويُكشف النقاب عنها للمرة الأولى، وتكشف أسرار العلاقة بين جهاز الأمن الوطني البحريني وقيادات في تنظيم “القاعدة”، لتنفيذ مخطط يستهدف رموزًا في المعارضة البحرينية، وتنفيذ أجندة سياسية وأمنية داخليًا وخارجيًا.
في هذه التسجيلات، يظهر محمد صالح، أحد أبرز الوجوه المرتبطة بتنظيم القاعدة في البحرين، والبحريني هشام هلال محمد البلوشي، الذي التحق بجماعة “جند الله” المسلحة المرتبطة بالقاعدة، ليوثق كل منهما شهادته في هذه التسجيلات السرية في هذا التوقيت، لأسباب ذكرا منها الخوف من أن تضحي بهما الحكومة البحرينية لامتلاكهما أسرارًا تضرها، وعدم الثقة في جهاز الأمن الوطني الذي ربما يجهز خطة لاعتقالهما أو ما شابه.
أكد الجلاهمة في شهادته أن السلطات الأمنية البحرينية زودتهم بمعلومات غير صحيحة تقول إن المحتجين كانوا مدججين بالسلاح وزرعوا قنابل في الطرقات
يعود تاريخ هذه الشهادات إلى يوليو/تموز عام 2011، وهو الوقت الذي كان فيه الشارع البحريني يعيش تداعيات صدام عنيف بين المعارضة والسلطات، حينها خرج ملك البحرين حمد آل خليفة في خطاب أعلن فيه أن في بلاده دولة قانون ومؤسسات دستورية، وذكر أن “لديها قانون ينظم المسيرات السلمية أقره مجلس منتخب”، مضيفًا “حرية التعبير عن الرأي حق كفله الميثاق والدستور”.
لكن واقع الحال يكشف ما يناقض حديث ملك البحرين عن حرية التعبير والتظاهر، فبعد شهر واحد من هذا الخطاب المتلفز، أُوكل للمقدم ياسر الجلاهمة مهمة قيادة القوة التي فضت الاعتصام بشكل نهائي في “دوار اللؤلؤة” في المنامة 16 من مارس/آذار عام 2011، من خلال تشكيل كتيبة للأمن الداخلي قوامها 700 جندي من قوات دفاع البحرين.
في حديثه خلال التحقيق، كشف الجلاهمة – الذي تمكن من مغادرة البحرين عام 2013 بعد خلافه مع النظام – لأول مرة حقيقة ما دار في “دوار اللؤلؤة”، وتحدث عن التجمعات والاحتجاجات التي بدأت في فبراير/شباط 2011، التي فرَّقتها وزارة الداخلية في البداية، مؤكدًا أنه كان هناك قتلى من المحتجين والأمن البحريني في تلك الأحداث، وتم تشكيل كتيبة للأمن الداخلي في 16 من مارس 2011.
المقدم ياسر الجلاهمة قائد الفرقة التي فضت اعتصام داور اللؤلؤة
وأكد الجلاهمة في شهادته أن السلطات الأمنية البحرينية زودتهم بمعلومات غير صحيحة تقول إن المحتجين كانوا مدججين بالسلاح وزرعوا قنابل في الطرقات، مما جعل كتيبته تظن أنها ستواجه قوة عسكرية مسلحة، لكنهم فوجئوا بأن المحتجين كانوا غير مسلحين ولم يقاوموهم، مشيرًا إلى وقوع قتلى بعد أن استخدم الجيش البحريني الدبابات والأسلحة النارية لفض الاعتصام السلمي.
وكشف الجلاهمة كيف وُضعت أسلحة في خيام المتظاهرين، وكيف زُعم أن المتظاهرين كانوا مسلحين، مؤكدًا أنه لم تكن هناك أسلحة في “دوار مجلس التعاون”، الذي اشتُهر لاحقًا بـ”دوار اللؤلؤة”، في أثناء فض الاعتصام، لكن لاحقًا عُرضت صور أسلحة في وسائل الإعلام البحرينية بعد تعمُّد جهات أمنية بحرينية وضعها في مكان الاحتجاج بعد فضه، وقد سحبت بعد تصويرها بحسب قوله.
أعادت شهادة الجلاهمة طرح التساؤلات عن تعمد السلطات البحرينية شيطنة المعارضة والمتظاهرين والترويج بأنها في مواجهة مع جماعات إرهابية تهدف إلى قلب نظام الحكم، في إشارة إلى اتهام إيران و”حزب الله” بتمويل وتدريب مجموعات صغيرة داخل البحرين للقيام بعمليات إرهابية، وهو ما ذكره السفير الأمريكي لدى البحرين سابقًا آدم إيرلي في حديثه للجزيرة، إلا أنه نفى أن تكون للسلطات البحرينية أي علاقة أو دعم للجماعات المتطرفة واستخدامها كأداة لتحقيق أهدافها للداخل أو الخارج.
أسرار العلاقة مع القاعدة
في الوقت الذي انشغل فيه المراقبون للمشهد البحريني بالتساؤل عن المسؤولية عن تفجر الأزمة ومآلاتها، كان محمد صالح يوثق شهادته بشأن الأسرار التي أخفاها لسنوات قبل اندلاع الأزمة.
برز اسم الرجل في أغسطس/آب عام 2003 عندما اعتقلته السلطات السعودية على جسر الملك فهد بالمنطقة الشرقية، واتهمته بالتورط في تفجيرات الرياض التي وقعت في ذلك العام، ونشطت حينها منظمات بحرينية ونواب في البرلمان من بينهم نواب المعارضة في حملة للإفراج عنه وعن مواطن بحريني آخر اُعتقل في نفس القضية.
بعد أشهر قليلة، اُفرج عن صالح، لكن لم يُعرف أبدًا حقيقة ملابسات ما جرى حينها، حتى ظهرت هذه التسجيلات المصورة التي كشف فيها الهدف من وراء إطلاق سراحه، وتمحور حول استعانة السلطات الأمنية في البحرين به لتنفيذ مخطط أشرف عليه 3 من كبار مسؤولي جهاز الأمن الوطني في البحرين، وهم الضباط عدنان الظاعن ومحمد الهزيم وأحمد الشروقي، الذين – كما يقول صالح – قابلوه بطلب من ملك البحرين بدعوى الخطر الواقع على أهل السنة وحكومة البحرين، وعرضوا عليه – كعضو في تنظيم القاعدة – قمع الرافضة أو الشيعة.
كشفت التسجيلات السرية أيضًا عن تجنيد النظام البحريني عناصر في “القاعدة”، من بينها هشام هلال محمد البلوشي الملقب بـ”أبي حفض البلوشي”، الذي قال إن الأمن البحريني الوطني جنَّده عام 2006، وأرسله في مهمه تجسس وتنفيذ عمليات أمنية داخل إيران
كان توقيت لجوء مسؤولي جهاز الأمن الوطني البحريني عام 2003 دقيقًا للغاية، حيث كان المشهد السياسي حينها يشهد شرخًا بين المعارضة والسلطة على وقع إعلان الملك البحريني دستور عام 2002 الذي اعتبرته المعارضة انقلابًا على التوافقات السابقة القائمة على دستور 1973.
طلب مسؤولو جهاز الأمن الوطني من محمد صالح قيادة خلية لاغتيال رموز من المعارضة الشيعية في البحرين عام 2003، بطلب من الملك والحكومة البحرينية، وعلى رأس قائمة الاغتيالات عبد الوهاب حسين الذي أصبح عام 2011 محركًا رئيسيًا للاحتجاجات الشعبية في البحرين، وهو الآن في السجن، وقد حُكم عليه القضاء البحريني بالسجن المؤبد.
وبحسب شهادة صالح، تولى جهاز الأمن الوطني ترتيب عناوين وتحركات العناصر المستهدفة، وأعطت السلطات البحرينية محمد صالح الضوء الأخضر لتنفيذ هذه الاغتيالات بالكيفية التي يراها عناصر تنظيم القاعدة مناسبة، مع ضمان سلامة وأمن تحركاتهم خلال تنفيذ خطط الاغتيال الذي تورط فيه بناء على ما قيل له من إنه جاء بتكليف من الملك نفسه و”خدمة للوطن”.
كانت المهمة الأولى لصالح هي التواصل – بتكليف من جهاز الأمن البحريني – مع قيادات تنظيم القاعدة في السعودية لجلب الأسلحة، لكن إلقاء القبض عليه عرقل هذه المهمة، حتى تدخل ملك البحرين شخصيًا لدى السلطات السعودية للإفراج عن قائد خلية الاغتيال.
البحريني هشام هلال محمد البلوشي، الذي التحق بجماعة “جند الله” المسلحة المرتبطة بالقاعدة (يمين) ومحمد صالح، أحد أبرز الوجوه المرتبطة بتنظيم القاعدة في البحرين،
بالإضافة إلى صالح، كشفت التسجيلات السرية أيضًا عن تجنيد النظام البحريني عناصر في “القاعدة”، من بينها هشام هلال محمد البلوشي الملقب بـ”أبي حفض البلوشي”، الذي قال إن الأمن البحريني الوطني جنَّده عام 2006، وأرسله في مهمه تجسس وتنفيذ عمليات أمنية داخل إيران، والتقى هناك بجماعة “جند الله” المسلحة والمعارضة للنظام الإيرانين واجتمع بقائد الجماعة حينها عبد الملك ريجي الذي ألقت السلطات الإيرانية القبض عليه وأعدمته عام 2010.
وبعد اكتشاف أمره، لاحقت الأجهزة الأمنية الإيرانية البلوشي، فهرب عبر الحدود إلى باكستان سرًا، وحاول الرجوع إلى البحرين عبر الحصول على ورقة مرور من السفارة هناك، لكنهم تخلوا عنه، وتركوه يرتب أموره بنفسه، ليعود بعد عامين (عام 2010) إلى البحرين بطريقته الخاصة، إلا أن السلطات البحرينية تنكرت له.
وبعد مضي عامين على تسجيل شهادته، ظهر البلوشي قائدًا لجماعة تُسمى “أنصار الفرقان” في إيران، قبل أن تعلن السلطات الإيرانية في مارس/آذار عام 2016، مقتله في عملية خاصة للقوات الإيرانية جنوب شرق البلاد، ولم يورد محمود علوي وزير الاستخبارات الإيراني حينها أي تفاصيل عن ملابسات قتله.
الطائفية كأداة ضد المعارضين
في محاولة لتفسير أسباب دعم السلطات البحرينية للتطرف المعادي للشيعة، قابل البرنامج جون كرياكو، ضابط المخابرات الأمريكية السابق، الذي تولى مهمات للقبض على قيادات في تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط وباكستان، وكان من بين المناطق التي خدم فيها البحرين، التي رأى أن السلطات فيها عملت على توفير غطاء لحركات وقيادات وعناصر متطرفة سنية لتكون في مواجهة المكون الشيعي داخل البحرين.
ورأى المسؤول السابق بوحدة مكافحة الإرهاب أن السلطات البحرينية قللت من شأن الأزمات التي تواجهها، وحاولت تقسيم المعارضة عبر خلق مشاكل في صفوفها عبر تحريض الأصوليين من السنَّة ضد الشارع الشيعي، لكن هذه الخطة فشلت بحسب كرياكو، بل زاد من غضب الشارع الشيعي، كما شجَّع على انتشار التطرف لدى الأطراف السنِّية.
ازدهر دعم الجماعات المتطرفة حتى في الوقت الذي كانت فيه الدولة تشن حملة صارمة على المعارضة السلمية المؤيدة للديمقراطية، وذلك على الرغم من أن المسؤولين يعترفون بأن ما لا يقل عن مئة بحريني انضموا إلى داعش
هذا الأمر ليس خاصًا بالبحرين كما يقول كرياكو، بل يحدث مع الكثير من الحكومات في المنطقة، التي تصنع هذا النوع من التطرف ثم تنكر وجوده، ويشير إلى ذلك بأنه حين اعتقلت المخابرات الأمريكية عام 2002 القيادي في تنظيم القاعدة “أبو زبيدة” وجدت معه أرقام هواتف 3 شخصيات من العائلة المالكة بالسعودية، وخلال أسابيع، قُتل أحد الثلاثة في حادث سيارة وسط الصحراء منهم، ومات الثاني عطشًا بطريقة غامضة بعد ذهابه للتخييم في الصحراء، بينما اختفى الثالث، مما يؤكد أنهم كانت لديهم معلومات عن تورط حكومتهم في التعاون مع “القاعدة” أو تورطها في تأسيس التنظيم، وبالتالي كان مطلوبًا القضاء عليهم حتى لا تتسرب تلك المعلومات.
في هذا الصدد، يؤكد الخبير الأمني والباحث في شؤون الخليج إميل نخلة استخدام الحكومة لعناصر متطرفة ضد معارضين لها، ويرى أن هذه أداة تستخدمها البحرين أيضًا، وهي لا تختلف بذلك عن دول الجوار سواء السعودية أم الإمارات أم مصر، فاستخدام هذه العناصر شكل من أشكال “إرهاب الدولة” الذي تستخدمه ضد معارضيها السلميين.
في المقابل، تسعى السلطات البحرينية جاهدة إلى إلصاق تهمة الإرهاب بمعارضيها، وما انفكت تروج بأنها تواجه خلايا إرهابية تهدف إلى قلب نظام الحكم، لكن تقارير وتسريبات متعددة كشفت كثيرًا مما أرادت سلطات المنامة إخفائه، ومن بين تلك الشواهد التقرير الذي نشره المستشار السابق في الديوان الملكي البحريني صلاح البندر عام 2006، الذي عُرف باسم “تقرير البندر“.
شهدت البحرين احتجاجات منتصف فبراير شباط عام 2011
شكًّل التقرير الذي كشف تشكيل النظام البحريني خلايا لتصفية المعارضة البحرينية، صدمة للأوساط السياسية البحرينية، حيث كشف خطط التغيير الديموغرافي وآليات الإقصاء التي تنفذها أجهزة الدولة، وفي النهاية، دفع الرجل ثمن التقرير بإبعاده خارج البحرين، واتهامه بارتباطه بالمخابرات البريطانية.
كان البندر، وهو بريطاني من أصول سوادنية يعمل باحثًا في مركز “كامبردج” لدراسات التطرف، من ضمن الذين قابلهم البرنامج، وتحدث عن تأسيس السلطات البحرينية لـ”منظمة سرية رديفة” تعمل في اتجاهات مختلفة، وتسعى للتحكم في الحياة السياسية البحرينية، وإدارة الملفات الحساسة بتمويل من الديوان الملكي، وتتولى تحشيد أهل السنة بالبحرين بإقناعهم بأنهم في خطر دائم وعليهم حماية النظام الموجود من خطر الشيعة المُخطط لعزلهم تمامًا في أماكن تجمعاتهم.
مسلسل التواطؤ مع التنظيمات المتشددة
ظلت السلطات البحرينية تعتمد مقاربة تقوم على الإنكار لما يتعلق بمشاركة مواطنيها في العمليّات الخارجية للتنظيمات المتشددة أو أن يكون لها موطئ قدم في المجتمع المحلّي، إلى أن ظهر في عام 2014 مقطع فيديو يسير فيه 4 شبان في حركة بطيئة، ويحملون بنادق هجومية إلى جانب العلم المميز لتنظيم الدولة “داعش”على خلفية منظر أخضر جميل على طول نهر الفرات.
وفي أثناء التحدث إلى الكاميرا، وجه الأربعة رسائل إلى أهل السنَّة في البحرين، وبصرف النظر عن المناشدات المتوقعة للانضمام إلى جهادهم، فإن الغرض الرئيسي من الفيلم الدعائي هو تشجيع أفراد قوات الأمن في بلادهم على الانضمام إلى “داعش”، كما يحثون البحرينيين على مقاطعة الانتخابات البرلمانية.
يكشف التتبع التاريخي لتعاطي السلطات البحرينية مع التطرف الآتي من الداخل عن صورة أثيرة من “التواطؤ”، وذلك مقارنة مع سياسة الحزم التي تعتمدها مع جماعات المعارضة التي تطالب بالديمقراطية
كان هذا الفيديو دليلًا واضحًا على أن البحرين تواجه مشكلة كبيرة مع التطرف، حيث ازدهر دعم الجماعات المتطرفة حتى في الوقت الذي كانت فيه الدولة تشن حملة صارمة على المعارضة السلمية المؤيدة للديمقراطية، وذلك على الرغم من أن المسؤولين يعترفون بأن ما لا يقل عن مئة بحريني انضموا إلى داعش، وقُتل العديد منهم، وفي نفس الوقت، أعلنت البحرين مشاركتها في الحرب التي أعلنت امريكا شنها ضد التنظيم.
لم يكن هناك رابط مباشر بين داعش والأجهزة الأمنية في البحرين (كما يوحي الفيديو)، لكن المجموعة البحرينية في تنظيم الدولة تضم تركي البنعلي، أحد أبرز الدعاة المتطرفين في الحركة، وأبو عيسى السلمي، وهو ضابط منشق من الداخلية البحرينية، بالإضافة إلى قسورة البحريني وأبولادن البحريني.
وبحسب ما ذكرته صحيفة Foreign policy، لم تكن أكبر المساهمة البحرينية في “داعش” في ذلك التوقيت في صورة مقاتلين وتمويل فقط، فقد كان ذلك من خلال الدعم الإيديولوجي والمعنوي، لا سيما من رجل الدين البحريني الراديكالي تركي البنعلي، وهو “الأب الروحي” لداعش، واتخذ من الموصل مقرًا له.
ويكشف التتبع التاريخي لتعاطي السلطات البحرينية مع التطرف الآتي من الداخل عن صورة أثيرة من “التواطؤ”، وذلك مقارنة مع سياسة الحزم التي تعتمدها مع جماعات المعارضة التي تطالب بالديمقراطية، فخلال الأعوام التي تلت الحرب على أفغانستان (من 2002 إلى 2012)، أعلنت السلطات على فترات إلقاءها القبض على خمس خلايا على الأقل للاشتباه في صلة أعضائها بتنظيم “القاعدة”، بينهم عدد من قدامى المجاهدين في أفغانستان.
أمام هذه المعلومات، تضاءلت مصداقية السفير الأمريكي آدم إيرلي – التي سبق الإشارة إليها أعلاه – أمام ما كشفته وثائق “ويكيليكس”، بشأن مراسلات للسفارة الأمريكية، تعود للعام 2009، عن دعم الحكومة البحرينية للجماعات السنِّية في مقابل المعارضين الشيعة، وتفاصيل لافتة عن الكواليس المتعلقة بما عُرف بـ”خلية الخمسة”، المتهم فيها البحريني أحمد شهاب، مسؤول العمل الخارجي في تنظيم “القاعدة” بأفغانستان الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمتها السوداء للإرهاب.
وتكشف مراسلة سابقة بين السفارة الأمريكية في المنامة ووزارة الخارجية الأمريكية مؤرّخة في 11 من مايو/أيار 2009 عن تعبير السفير الأمريكي في اجتماع مع النائب العام البحريني علي فضل غانم البوعينين عن القلق من “إمكانية إصدار عفو ملكي بحق عناصر جهادية داخل البحرين، وخصوصًا البحريني أحمد شهاب والسوري خطّاب، كما حصل مع عادل صالح المتهم معه في نفس القضية”.
السفير الأمريكي الأسبق في البحرين آدم إيرلي
وأشارت المراسلات إلى أن السفير الأمريكي واصل بإلحاح لقاءاته مع مسؤولين بحرينيين من الصف الأول بين أبريل/نيسان ومايو/ أيار 2009 للتعبير عن قلق الولايات المتحدة من العفو الملكي الصادر بحق عادل صالح. وقد اجتمع مرتين خلال شهر أبريل/نيسان 2009 مع وكيل وزارة الخارجية البحريني وقائد قوة دفاع البحرين ووزير التجارة ووزير المالية للهدف نفسه.
وكما نفت السلطات البحرينية هذه التسريبات حينها، لم يكن كذلك في الإمكان خلال التحقيق الوصول إلى مسؤولين بحرينيين للرد على ما كشفه التحقيق من معلومات ظلت طي الكتمان على مدار السنوات الماضية، لكن رغم ذلك، استبق مجلسا الشورى والنواب البحرينيان عرض البرنامج بمهاجمة قطر، وأشار المجلسان في بيان لهما، ما سموه “رفضهما التام لاستمرار النظام القطري، وتعمده إثارة الفتن والتأجيج والتدخل السافر المعتاد منه في الشؤون الداخلية للبحرين، وشق الصف الواحد وشرخ العلاقات الخليجية”.
أمَّا وزير الإعلام البحريني علي الرميحي الذي رفض الرد على اتصالات معدي البرنامج، فقد ألمح بعد إذاعة البرنامج مساء أمس الأحد إلى ما سماها “محاولات قناة الجزيرة القطرية الاتصال به وبمجموعة من المسؤولين عبر أرقام غير معرفة، وتسجيل محادثاتهم الصوتية دون علمهم وموافقتهم الرسمية، واستفزازهم بأساليب دنيئة جبل عليها هذا الاعلام”.