ترجمة وتحرير نون بوست
تحاول المملكة العربية السعودية إغراء مواطنيها في الخارج وإعادتهم إلى المملكة قبل أن يقوّضوا رواية الإصلاح التي يروّج لها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد انطلقت هذه المبادرة بعد تسعة أشهر من مقتل جمال خاشقجي، الصحفي المنفي الذي كان ينتقد ولي العهد، مما ألحق أضرارا بالغة بسمعة المملكة. وفي محاولة لمنع السعوديين الآخرين الذين يعيشون في الخارج من التعبير عن مخاوفهم بشأن قيادة ولي العهد للمملكة، يحاول المسؤولون الآن إقناع النقاد والمعارضين بالعودة إلى الوطن واعدين إياهم بتأمين سلامتهم، على حد قول شخصين مطلعين على الأمر.
في هذا السياق، قال أحد السعوديين المنفيين: “عادة ما يتصل بك شخص مقرب من القيادة أو وسيط آخر ليخبرك بأنه يحمل رسالة شخصية من ولي العهد، ويعدك بأنه لن يكون هناك أي ضرر أو عقوبة سجن في حال قررت قبول العرض”. ويبدو أن الأمر الدائم الذي أُصدر لإعادة المعارضين إلى بلادهم لا يزال ساري المفعول، على الرغم من تسبّب مقتل خاشقجي المقيم في فرجينيا، في نشوب أسوأ أزمة بين المملكة والولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
كما أفاد شخصان على دراية مباشرة بالموضوع بأن تزايد مستوى القلق بشأن آراء المغتربين السعوديين قد دفع المحكمة الملكية مؤخرًا إلى إجراء دراسة حول هذا الموضوع. وقَدّرت الدراسة، التي لا تزال قيد المراجعة ومن غير المرجح أن تُنشر للعامة، أن عدد طالبي اللجوء السياسيين السعوديين سيصل إلى 50 ألف شخص بحلول سنة 2030. علاوة على ذلك، أوصت الدراسة الحكومة باتخاذ مقاربة أكثر ليونة في تعاملها مع هؤلاء المعارضين من خلال منحهم حوافز اختياريّة للعودة بدلاً من الضغط عليهم وتشديد مقاومتهم.
في الواقع، لجأ عدد قليل من المعارضين الإسلاميين السعوديين إلى الاحتماء بالعواصم الغربية مثل لندن وواشنطن منذ التسعينيات، بينما عاد بعضهم إلى الوطن بعد إبرام صفقات مع الحكومة. ولكن في ظلّ تضاؤل إمكانيّة النشاط وحرية التعبير داخل المملكة في السنوات الأخيرة، سعت مجموعة أكبر من السعوديين إلى بدء حياة جديدة خارج البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة لم ترد على طلبات التعليق.
حذّر مجلس الشورى سنة 2016، وهو هيئة استشارية يعيّنها الملك وتعمل كنظام شبه برلماني، من أن أكثر من مليون مواطن سعودي يعيشون في الخارج بشكل دائم. وقد طلب مجلس الشورى من الحكومة “التحقيق في هذه الظاهرة وأسبابها
من جهة أخرى، تشير بيانات المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 815 سعوديًا على الأقل تقدموا بطلب لجوء خلال سنة 2017، مقارنة بـ 195 سنة 2012. وتعدّ المملكة المتحدة وكندا وألمانيا من بين أهمّ الوجهات الرئيسية لطالبي اللجوء السعوديين، من بينهم طلاب المنح الدراسية الحكومية الذين يقررون عدم العودة. وهناك أيضا نساء أخريات هربن من قوانين الوصاية الذكورية. وعلى الرغم من عدم اتحادهم معا تحت راية مؤسّسة ما، إلا أن تعاونهم وتواصلهم مع بعضهم البعض يشكّل تحديًا جديدًا أمام الحكومة السعودية في سعيها لجذب الاستثمار الأجنبي لدعم خطط الإصلاح الطموحة لولي العهد.
فضلا عن ذلك، قال أحد الناشطين السعوديين المقيمين في أوروبا: “يتركّز جزء كبير من قلقهم حول حقيقة أن هذه المجموعة المتواجدة في الخارج تشارك في الضغط على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونغرس في الولايات المتحدة. لقد لعبوا دورًا رئيسيًا في رد الفعل العنيف المسلّط على السعودية في الأشهر الأخيرة لأنهم كانوا يتعاونون كما لم يسبق لهم ذلك. ولو التزموا الصمت، لكان المجتمع الدولي قد نسي الأمر وتجاوزه”.
التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة المتبلورة في المملكة ساهمت في ظهور حالة من الاستقطاب المتزايد ودفعت بعض الأشخاص إلى مغادرة البلاد، حتى لو لم تكن أسبابهم سياسية في معظمها
وفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، حذّر مجلس الشورى سنة 2016، وهو هيئة استشارية يعيّنها الملك وتعمل كنظام شبه برلماني، من أن أكثر من مليون مواطن سعودي يعيشون في الخارج بشكل دائم. وقد طلب مجلس الشورى من الحكومة “التحقيق في هذه الظاهرة وأسبابها قبل أن تتحوّل إلى تهديد أمني أو معضلة اجتماعية”.
خلال الشهر الماضي، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامار، تقريرا تدعو فيه إلى إجراء تحقيق بخصوص ولي العهد بسبب “الأدلة الموثوقة” التي تفيد بتورّطه رفقة مسؤولين كبار آخرين في مقتل خاشقجي. في المقابل، رفضت السعودية قبول هذا التقرير بتعلة أنه مبني على “أحكام مسبقة وأفكار مختلقة“.
حيال هذا الشأن، قالت إيمان الحسين، وهي زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية الشاملة المتبلورة في المملكة ساهمت في ظهور حالة من الاستقطاب المتزايد ودفعت بعض الأشخاص إلى مغادرة البلاد، حتى لو لم تكن أسبابهم سياسية في معظمها. وأوردت الحسين أيضا أن “حالة الخوف وعدم اليقين الناتجة عن التغيرات الجذرية المعتمدة حتى الآن، تحتاج إلى مجال أكبر للمناقشة. ومن شأن هذه النقاشات أن تقدّم عديد وجهات النظر المختلفة، لأنه في حال تمّت تهيئة أرضيّة الحوار، سيكون بالإمكان احتواء الأوضاع داخل البلاد”.
المصدر: فايننشال تايمز