ترجمة وتحرير: نون بوست
في الثامن من تموز/ يوليو، أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها ستقلل من مشاركتها العسكرية في اليمن، في الوقت الذي تعهدت فيه بتقليص عدد القوات التي كانت قد نشرتها في البلد الذي مزّقته الحرب. وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات تشارك عسكريا في حرب اليمن منذ سنة 2015 باعتبارها عضوا في التحالف الذي تقوده السعودية والذي يحارب المتمردين الحوثيين ويدعم الرئيس اليمني المنفي، عبد ربه منصور هادي. وقد جاء هذا الإعلان الأخير في الوقت الذي صرح فيه متحدث رسمي في أبو ظبي للصحفيين بأن البلاد تنتقل من “استراتيجية القوة العسكرية أولا” إلى “استراتيجية السلام أولا” في اليمن.
مع ذلك، يبدو أن اليمنيين الذين تحدثوا لموقع “ميدل إيست آي” يعتقدون أن هذه الخطوة ربما كانت مدفوعة أكثر بنقص الدعم المدني والصراعات على السلطة بين المليشيات، التي لن تزيد سوى سوءا الآن، وقد أصبحت الإمارات في طريقها إلى مغادرة البلاد.
تمرير المشعل
بعد سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية على مناطق المخاء والخوخة وغيرها في الساحل الغربي في أوائل سنة 2017، أصبحت الإمارات القوة الحاكمة الفعلية في المنطقة الممتدة بين محافظتيْ الحديدة وتعز. وقد دربت الإمارات القوات اليمنية في الساحل الغربي تحت ما يعرف باسم “قوات العمالقة”، فضلا عن المقاتلين الموالين لطارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح. وقد تضافرت جهود المجموعتين في غرب اليمن تحت اسم “حراس الجمهورية” ووقفتا إلى جانب الإمارات.
كان ينبغي على الإمارات تقليص حضورها في غرب اليمن منذ سنة على الأقل، حيث جادل بأن القوات اليمنية الموالية لهادي كانت مدربة ومجهزة بما يكفي لتحارب وتدافع عن الساحل الغربي ضد الحوثيين
في هذا السياق، يرتبط قرار الإمارات الأخير بتقليص وجودها على الساحل الغربي بالدور المتنامي لهذه القوات اليمنية الصديقة. وقد صرح مصدر تابع لقوات العمالقة في المخاء أن “قيادة القوات الإماراتية في اليمن قررت تقليص عدد المقاتلين الإماراتيين على الساحل الغربي وإخلاء معسكرا في الخوخة، لكن ذلك لا يعني أنهم انسحبوا من المعركة. لقد دربت القوات الإماراتية القوات اليمنية ونحن نقاتل على الأرض تحت إشراف الضباط الإماراتيين على الساحل الغربي وفي عدن”.
أضاف هذا المصدر أنه كان ينبغي على الإمارات تقليص حضورها في غرب اليمن منذ سنة على الأقل، حيث جادل بأن القوات اليمنية الموالية لهادي كانت مدربة ومجهزة بما يكفي لتحارب وتدافع عن الساحل الغربي ضد الحوثيين. وأشار إلى أنه “من غير المنطقي أن يقاتل الجنود الإماراتيون على الخطوط الأمامية بينما اليمنيون لا يقومون بذلك. بإمكاننا الدفاع عن أرضنا ولسنا بحاجة سوى إلى بعض التعليمات والاقتراحات من الخبراء العسكريين الإماراتيين”.
في الوقت الذي يغادر فيه الجنود الإماراتيون الساحل الغربي، يعتقد السكان اليمنيون أن الدولة الخليجية الصغيرة تظل القوة الرئيسية المسيطرة على المنطقة
كما أوضح المصدر التابع لقوات العمالقة أن “الحوثيين حاولوا مهاجمتنا، لكن يمكننا التعامل مع جميع الهجمات بمفردنا دون مساعدة من القوات الإماراتية. وقد أثبتت هجمات الحوثيين الأخيرة أن القوات اليمنية المؤيدة لهادي مؤهلة بما يكفي لقيادة المعارك لوحدها ضد الحوثيين”. في غضون ذلك، لا تزال القوات السعودية والسودانية موجودة على الساحل الغربي، حيث شاركت هي الأخرى في معارك مستمرة وشرسة في المنطقة منذ أن بدأت القوات الإماراتية في الانسحاب، على الرغم من أن المصدر التابع لقوات العمالقة قال إنهم كانوا يشرفون أساسا على المقاتلين اليمنيين وليسوا مشاركين في المعارك المباشرة.
السيطرة عن بعد
في الوقت الذي يغادر فيه الجنود الإماراتيون الساحل الغربي، يعتقد السكان اليمنيون أن الدولة الخليجية الصغيرة تظل القوة الرئيسية المسيطرة على المنطقة. وقد أفاد علي، أحد سكان المخاء، قائلا: “لا يمكننا رؤية المقاتلين الإماراتيين في الشوارع، لكن يمكننا رؤية أعلامهم على المؤسسات العامة، وكل يوم نواجه القوات اليمنية على الأرض وهم أسوأ من الإماراتيين”. وأضاف علي: “تعتقد القوات الإماراتية أننا سنُصدق أن اليمنيين سيطروا على الساحل الغربي، لكننا جميعا نعرف أن القوات الإماراتية انسحبت بعد أن فرضت القوات اليمنية الموالية لهادي سيطرتها على طول الساحل الغربي”.
في الحقيقة، لا يُحبّذ العديد من سكان المنطقة الحضور الإماراتي، لا سيما بعد أن منعت القوات الإماراتية الصيادين من الإبحار أو صيد الأسماك قبالة الساحل في وقت سابق من هذه السنة. وأورد علي أن “الإمارات تنهب ثروتنا بينما يتضور أطفالنا جوعا حتى الموت. إن الإماراتيين ما زالوا يسيطرون على الساحل الغربي ومعظم المحافظات الجنوبية عن بعد ولا يمكن لأحد قول العكس”. وفي حين تحدثت السلطات في أبو ظبي عن الانتقال إلى “استراتيجية السلام أولا”، قال المدنيون اليمنيون إنهم لم يشعروا بأي سلام في الساحل الغربي مع استمرار المعارك.
قال زياد الشريف، مقاتل مؤيد للإمارات في عدن، إنه اعتبر الخطوة الإماراتية خطوة أولى نحو السلام، مع المزيد من الخطوات اللاحقة على امتداد الأشهر المقبلة، قبل أن يتهم حركة “التجمع اليمني للإصلاح” التابعة للإخوان المسلمين بالوقوف وراء توجيه انتقادات للدولة الإماراتية
في هذا الصدد، صرح سالم أبو الليل، أحد سكان محافظة الحديدة، أن القتال لم يتراجع فيها وأنه لم يتوقّع أي تقدم نحو السلام في المحافظة. وأوضح أبو الليل قائلا: “سمعنا عن انسحاب القوات الإماراتية من الحديدة، لكن التطور الوحيد الذي وقع هو أن اليمنيين يقاتلون بعضهم بعضا الآن كي لا تخسر الإمارات المزيد من مقاتليها. أنا لا أعتقد أن هذه الخطوة تعد نحو السلام، لكنها قد تكون استراتيجية حرب جديدة يتّبعها التحالف الذي تقوده السعودية”. وبالنسبة لأبو الليل، مثّل افتقار الإمارات للدعم الشعبي في صفوف سكان الحديدة والمناطق المحيطة بها عاملا جعل أبو ظبي تؤمن أن أفضل مسار للعمل يتجسد في استبدال قواتها بمجموعات يمنية التي من المرجح أن يقبلها السكان المحليون.
صراعات التحالف
قال زياد الشريف، مقاتل مؤيد للإمارات في عدن، إنه اعتبر الخطوة الإماراتية خطوة أولى نحو السلام، مع المزيد من الخطوات اللاحقة على امتداد الأشهر المقبلة، قبل أن يتهم حركة “التجمع اليمني للإصلاح” التابعة للإخوان المسلمين بالوقوف وراء توجيه انتقادات للدولة الإماراتية رغم وقوفها أيضا إلى جانب الرئيس هادي. وقد أوضح الشريف أن “أعضاء الحركة ومؤيدوهم ينتقدون الإمارات على أي تطور، حتى وإن كان إيجابيا. إن الإمارات بصدد تقليص عدد قواتها في اليمن من أجل السماح لليمنيين بقيادة المعارك ولا ضير في ذلك”. وقد انتقد الشريف بدوره انتقادات الحركة باعتبارها تقوض الائتلاف الموالي لهادي، وبالتالي، تصب في مصلحة المتمردين الحوثيين.
أفاد الصحفي المخضرم والمقيم في تعز، محمد علي، بأن الانسحاب الإماراتي يمكن ربطه بالتوترات المتصاعدة بين القوات الانفصالية في الجنوب ومقاتلي طارق صالح غرب البلاد.
في الإطار ذاته، أورد الشريف أن “حزب التجمع اليمني للإصلاح والحوثيين يقفون على الجانب ذاته لانتقاد هادي ومحاربة الشرعية، وهو الذي هبّت الإمارات لدعمه. لقد قدمت الإمارات لمساعدة اليمنيين وليس لقتلنا، لكن أعضاء الحزب لا يصدقون ذلك”. في الأثناء، أفاد الصحفي المخضرم والمقيم في تعز، محمد علي، بأن الانسحاب الإماراتي يمكن ربطه بالتوترات المتصاعدة بين القوات الانفصالية في الجنوب ومقاتلي طارق صالح غرب البلاد.
علاوة على ذلك، أوضح هذا الصحفي أن “القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات لطالما مثلت القوة الرئيسية على الساحل الغربي، لكن الرئيس هادي أرسل قوات طارق خلال السنة الماضية للمناطق ذاتها. ولم ترحب القوات الجنوبية بقوات طارق وكان الأمر متبادلا. وفي حين أن كليهما يدعمان الإمارات، كان من الصعب على أبو ظبي البقاء على الساحل الغربي”.
المصدر: ميدل إيست آي