أبت قيادات حزب الدعوة إلا أن تخسر آخر ورقة في أيديهم تمكنهم من تقديم حزبهم للناس كحزب عراقي يبتغي مصلحة العراق وبعيد عن الطائفية التي أصبحت ملاصقة لحزبهم، ذلك عندما انتخب أعضاء مجلس الشورى التابع لهذا الحزب، نوري المالكي أمينًا عامًا لهم، فالأخير لم يدخر جهدًا لتعزيز قناعة الناس، بأنه شخص لا يستطيع الانفكاك عن طائفيته، وأثبت ذلك في سنوات حكمه الذي دامت ثماني سنوات، بل وعزز تلك القناعات عنه قبل انتخابه بيومين، حينما أصرَّ على تحميل المكون السنّي المسؤولية عن سقوط مدينة الموصل ومناطق عديدة بيد عصابات داعش، بما سماه “الانسحاب الطائفي”، رغم أن جميع الأدلة تؤشر على مسؤوليته المباشرة عن تلك المصيبة التي حلَّت بالبلاد.
ففي الـ13 من هذا الشهر، اجتمع ما يسمى بمجلس شورى حزب الدعوة، في مدينة كربلاء، للتأكيد على هوية الحزب الطائفية وتوجهه الطائفي، لينتخب نوري المالكي وبأغلبية ساحقة، أمينًا عامًا للحزب، وهي أغلبية تدل على أن هذا الحزب وبكل كوادره يتفقون على اختيار النهج الطائفي بأبشع صوره والمتمثلة بنوري المالكي.
رغم كلام قيادات هذا الحزب قبل المؤتمر عن عزمهم تغيير الوجوه وإلغاء منصب الأمين العام له، استسلموا بالنهاية للمالكي واختاروه لقيادة الحزب
وتدل أيضًا على أن هذا الحزب لا يجد طريقة لبقائه قائمًا وفاعلًا بالساحة السياسية إلا من خلال الدور الطائفي الذي لعبه طيلة سنوات تشكيلة ولحد الآن، وتعطي للمراقبين انطباعًا بأن جميع أفراد هذا الحزب مشاركون بتلك الجرائم التي اقترفها هذا الرجل بحق العراق والعراقيين، ولم يتبرؤوا من جرائم هذا الرجل حينما سنحت لهم الفرصة، بل إن هذا الحزب تحول إلى ملكية خاصة للمالكي يتحكم به كيفما يشاء، حاله كحال باقي الأحزاب الشيعية التي يرتبط مصيرها بمصير زعمائها.
ورغم كلام قيادات هذا الحزب قبل المؤتمر عن عزمهم تغيير الوجوه وإلغاء منصب الأمين العام له، استسلموا بالنهاية للمالكي واختاروه لقيادة الحزب، وهم بذلك يغامرون بمستقبل هذا الحزب وسمعته – إذا بقيت له سمعه حسنة أصلًا -“.
المالكي يقدم بين يدي قيادته الجديدة خطابًا طائفيًا
لم يشأ المالكي وهو على أعتاب تجديد ولايته لقيادة حزب الدعوة، إلَّا التأكيد على نهجه الطائفي، وأن هذا الحزب مستمر في هذا النهج، متجاهلًا الانتقادات التي توجه له ولحزبه بسبب هذا النهج، حيث صَّرح في لقاء صحفي له قبل عقد مؤتمر شورى حزب الدعوة بيومين، بأن المكون السنَّي قام بانسحاب طائفي من الموصل لتقع بقبضة عصابات داعش، وعزز كلامه بدعوى أن 90% من القوى العسكرية والأمنية في الموصل قبل دخول داعش، كانت من المكون السنَّي، ولم يفوّت تعليل سبب ذلك حينما قال إن مؤامرةً حيكت من حركات، أدّت لهذا الانسحاب، وأشار في ذلك إلى حزب البعث وثوار العشائر وجماعة النقشبندية، يبتغي من ذلك تبرئة نفسه من المسؤولية التي آلت إليها الأوضاع في مدينة الموصل.
طرح كلامٌ كثير عن ضغوط قامت بها إيران لإعادة تنصيب المالكي كأمين عام للحزب، فهو أكثر رجل عزز نفوذها في العراق
كلام المالكي هذا، ردَّ عليه النائب السابق عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي وعرّى كذبه، حينما كشف وثائق تظهر خريطة التمثيل الطائفي للضباط والمنتسبين للقوات المسلحة في الموصل قبيل سقوطها، تظهر بشكل دامغ كذب المالكي في ادعاءاته، فلا أغلبية كانت للسنَّة في تلك القوات.
إيران لها دخل في تنصيبه أمينًا عامًا للحزب
وطرح كلامٌ كثير عن ضغوط قامت بها إيران لإعادة تنصيب المالكي كأمين عام للحزب، فهو أكثر رجل عزز نفوذها في العراق، هذا ما استدعى ردًا من أحد قيادات الحزب تنفي ذلك وتقلل من شأن نفوذ إيران على قيادات حزب الدعوة، حيث قال عضو مجلس شورى الحزب رسول أبو حسنة: “لم يكن هناك أي دور للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمؤتمر العام لحزب الدعوة”.
لكن لو نظرنا للأمر ببساطة، فإن النظام الإيراني الذي كان وما زال يتحكم في معظم الشؤون العراقية على مستوى الدولة والحكومة، في عهد المالكي وعهد من بعده، هل سيكون عاجزًا على إدارة دفه هذا الحزب للجهة التي يريدها؟ لقد استطاعت إيران ومن خلالها رجالها في هذا الحزب، غلق كل الأبواب أمام المراجعات التي كان ينوي فعلها بعض قيادات الحزب لمسيرة حزبهم في السنوات الأخيرة، سبب ذلك بأن قيادات لها تأثير وتاريخ في هذا الحزب، اختفت من قيادة الحزب الجديدة.
وفي هذا الشأن، نُشرت تقارير صحفية عن أن المالكي استبعد كل مناوئيه بالحزب، الذين لم تكن لهم مواقف صريحة ومؤيده له في موضوع ترشيح العبادي بدلًا عنه لرئاسة الوزراء عام 2014، مثل حسن شبر وعبد الزهرة البندر وطارق نجم مدير مكتبه في ولايته الثانية، بالإضافة إلى مهند الساعدي أحد أشد منتقدي المالكي وسياساته.
حيدر العبادي الذي في خصومة كبيرة مع المالكي منذ أن أخذ منصب الأخير برئاسة الوزراء عام 2014، حاول أن يتبرأ مما اقترفه هذا الحزب من مأسٍ للشعب العراقي، وأعلن عدم رغبته بتولي أي مناصب قيادية فيه
لكن وفي سبيل توفير القناعة لمنتسبي هذا الحزب ومؤيده، كان على مندوبي مجلس الشورى، الترويج لفكرة أن انتخاب المالكي تفرضها طبيعة المرحلة الحاليّة التي تتطلب دعمًا قويًا من إيران، لأجل الحفاظ على تماسك المكون الشيعي في مواجهة المخططات التي تستهدفه بها الولايات المتحدة الأمريكية حسب زعمهم، وهم بذلك يعترفون ليس باللسان فحسب، إنما بالأفعال، بمدى سطوة إيران على قرارات الحزب وتحكمها بسياساته، مع إقرارهم العميق بأن لا إمكانية لهم بالعمل والحفاظ على وجودهم، دون الدعم الإيراني لهم، وإقرار آخر منهم أن المالكي الرجل الأكثر موثوقية من الجانب الإيراني.
العبادي على عادته يقف في المنتصف
حيدر العبادي الذي في خصومة كبيرة مع المالكي منذ أن أخذ منصب الأخير برئاسة الوزراء عام 2014، حاول أن يتبرأ مما اقترفه هذا الحزب من مأسٍ للشعب العراقي، وأعلن عدم رغبته بتولي أي مناصب قيادية فيه، لكنه مع ذلك احتفظ بشعرة رقيقة تربطه بهذا الحزب ولم يعلن انفصاله عنه، ورغم أن قيادات الحزب كانت تريد رأب الصدع الذي حدث في الحزب جراء خصومة العبادي والمالكي، فإنها لم تُدرج موضوع المصالحة بينهما كفقرة ضمن فعاليات المؤتمر، يرجع ذلك بسبب قناعتهم أن من الصعب الوصول لحلٍ لهذه المشكلة بين الرجلين.
إن السنين التي قضاها هذا الحزب في إدارة دفة الحكم بالعراق، أثبتت دون أدنى شك أن رجالات هذا الحزب سقطوا بالاختبار وضيعوا الفرصة على أنفسهم بتقديم الحزب للعراقيين كحزب عراقي وطني يبتغي صالح هذا الوطن
لكن العبادي المعروف بمواقفه غير الحازمة، الذي فوّت على نفسه فرصة الوصول لولاية ثانية في رئاسة الوزراء، حينما لم يعلن استقالته من الحزب كما اشترط عليه مقتدى الصدر لغرض دعمه لولاية ثانية، ما زال لحد الآن يأبى التخلي عن عضويته بهذا الحزب سيء الصيت، رغم أنه يحاول جاهدًا طرح نفسه كبديل لعبد المهدي في رئاسة الوزراء.
سقوط بعد سقوط لفشلهم بالاختبار
إن السنين التي قضاها هذا الحزب في إدارة دفة الحكم بالعراق، أثبتت دون أدنى شك أن رجالات هذا الحزب سقطوا بالاختبار وضيعوا الفرصة على أنفسهم بتقديم الحزب للعراقيين كحزب عراقي وطني يبتغي صالح هذا الوطن، فكانت سببًا في خسارته قيادة البلد واستبدالهم بآخرين، واليوم بإصرارهم على إعادة انتخاب المالكي لقيادتهم، سقطوا مرة أخرى، ولكن هذه المرة من أعين العراقيين وأعين جماهير الحزب، وأحسب أن هذه السقطة ستكون الأخيرة والقاضية.