كثّف زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي في الفترة الأخيرة نشاطاته الداخلية والخارجية تحضيرًا لمنصب رسمي مهم ينتظر أن يتقلده عقب الانتخابات التشريعية المرتقب إنجازها الخريف القادم في تونس، حيث يتوقع أن يرأس الغنوشي برلمان بلاده خلفًا لمحمد الناصر عن نداء تونس.
الغنوشي في البرلمان
الأخبار القادمة من منطقة مونبليزير بتونس العاصمة حيث مقر حركة النهضة الإسلامية، تقول إن راشد الغنوشي عدل عن فكرة الترشح إلى منصب رئاسة البلاد لخلافة الرئيس الحاليّ الباجي قائد السبسي الذي لا يتوقع أن يترشح هو أيضًا لهذا المنصب مرة أخرى نتيجة أسباب عدة أبرزها تراجع شعبيته لدى التونسيين.
لئن عدل الغنوشي عن الترشح للرئاسة فقد قرر الترشح للبرلمان على رأس إحدى القوائم الانتخابية لحركة النهضة بمنطقة تونس الكبرى، وذلك حتى يتسنى له ترؤس البرلمان في حال فوز حزبه بأغلبية المقاعد في هذه الانتخابات المنتظرة، وفق مصادر من داخل الحركة لنون بوست.
ويراهن الغنوشي على تحقيق نتائج مهمة في هذه الانتخابات التشريعية تمكنه من الصعود بسهولة إلى منصب رئاسة البرلمان، وكانت الحركة قد حلت في المرتبة الثانية خلف حركة نداء تونس بحصولها على 69 مقعدًا في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014.
وفقًا لآخر التطورات في مونبليزير فإن النهضة متوجهة نحو الدفع بمرشح من خارج الحركة، مدعومًا بشكل علني منها عكس ما حصل في انتخابات 2014
تتصدر حركة النهضة المشهد السياسي التونسي حيث فازت في الانتخابات المحلية التي جرت السنة الماضية، وفي كل الانتخابات الجزئية المعادة، كما أنها تتحكم في موازين القوى داخل البرلمان نتيجة امتلاكها أكبر كتلة هناك، ما يؤهلها للفوز في الانتخابات القادمة.
وكان المكتب التنفيذي لحركة النهضة قد صادق خلال اجتماعي استثنائي مفتوح برئاسة راشد الغنوشي، عقد أول أمس الإثنين، على القائمات الانتخابية للحزب للاستحقاق التشريعي المقبل وفق التراتيب والإجراءات المعتمدة، وفق بلاغ صادر عن الحركة.
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حددت موعد الانتخابات التشريعية يوم 6 من أكتوبر/تشرين الأول 2019 والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 17 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وفي حال لم يفز أي من المرشحين في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بالأغلبية المطلقة يتم تنظيم دورة ثانية بعد أسبوعين.
الرئاسة لا تغريه
عزوف راشد الغنوشي عن فكرة الترشح للرئاسة، جاء نتيجة غياب التوافق حول اسمه داخل الحركة، حيث يوجد تيار قوي داخل الحركة يرفض بشدة ترشح الغنوشي ويدفع باتجاه دعم شخصية توافقية من خارج الحركة لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي.
وأكد الغنوشي في حوار تليفزيوني أجرته معه مؤخرًا قناة “حنبعل” الخاصة، قبل أيام قليلة، أنه في حال كان لحركة النهضة مرشح من داخلها للانتخابات الرئاسية فسيكون رئيسها كما ينص القانون الداخلي للنهضة.
وينص الفصل الـ32 ضمن الفرع الثالث من القانون الأساسي لحركة النهضة على ترشح رئيس الحزب لشغل المناصب العليا في الدولة وله ترشيح من يراه مناسبًا لذلك بدلاً عنه بعد تزكية هذا المرشح من مجلس الشورى.
سبق أن قال رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني، إن النهضة تشارك لأول مرة في الرئاسية، وسينظر مجلس الشورى في ترشيح شخصية، سواء من داخل الحركة أم خارجها، وستتم مناقشة ترشيح رئيس الحركة راشد الغنوشي على أساس برنامج إصلاحي ينهض بتونس.
من المتوقع أن تشكل هذه الانتخابات منعطفًا استثنائيًا في المشهد السياسي التونسي، في ظل رغبة عدة أطراف سياسية في الدفع بمرشحين إليها، لخلافة الرئيس التونسي الحاليّ الباجي قايد السبسي البالغ من العمر 92 عامًا الذي فشل في الحفاظ على تماسك حزبه نتيجة الدفع بابنه “حافظ” لتصدر المشهد.
ووفقًا لآخر التطورات في مونبليزير فإن النهضة متوجهة نحو الدفع بمرشح من خارج الحركة، مدعومًا بشكل علني منها عكس ما حصل في انتخابات 2014، حيث التزمت الحياد خلال الدورتين الأولى والثاني، ما رجح كفة السبسي على حساب المنصف المرزوقي الذي حل ثانيًا.
صمام أمان للتوافق الوطني
يعتبر المفكر والسياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي، من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيرت اسمها لاحقًا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. عاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.
وقد كان لراشد الغنوشي دور كبير في نجاح تجربة التوافق الوطني، وفي نجاح التجربة التونسية الاستثنائية، ما جعل البعض يعتبره صمام أمان للتوافق الوطني، الأمر الذي يفسر تنامي شعبيته والتعاطف الذي يحظى به.
إلى جانب ذلك، ساهم الغنوشي بعلاقاته القوية وحواراته المثمرة مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة العديد من الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية في البلاد، خاصة سنوات 2012 و2013.
خاض الشيخ في إطار الدبلوماسية الشعبية، سلسلة من اللقاءات مع جهات سياسية ومدنية داخلية ودولية من جميع المستويات بغرض معاضدة الحكومة والترويج لتونس
كما كان الغنوشي، راعي التوافق في البلاد، ويعد التوافق السياسي في تونس “أحد أهم مقومات الصمود أمام محاولات الانفلات بالوضع الاجتماعي والأمني في البلاد”، حسب تصريح سابق لأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية هاني مبارك، لنون بوست، الذي أكد أيضًا أن “هذا التوافق أغلق مساحات كبرى من الفراغات التي كان يمكن للانفلات النفاذ من خلالها حيث ضيق من هوامش المناورة من الأطراف وسد منافذ التلاعب على المتناقضات”.
ويحسب للغنوشي تأثيره الكبير في حزبه، فوجوده منح النهضة قوة كبيرة، وجعل منها حزبًا قويًا متماسكًا متحكمًا في القرار السياسي والحكم في البلاد، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وصاحبة أكبر عدد من المستشارين البلديين.
فضلاً عن ذلك، أسهم زعيم النهضة بمقالاته وكتبه ومحاضراته في دعم الخط المعتدل والوسطي في الحركة الإسلامية داخل تونس وخارجها، وساهم في زعزعة عدد من القناعات التقليدية بشأن قضايا دينية وفكرية وسياسية وتصحيحها كحقوق المواطنة والحريات العامة والديمقراطية والعلمانية وغيرها.
دعم التجربة التونسية خارجيًا
أما خارجيًا، فقد عاد اسم راشد الغنوشي إلى البروز مجددًا في المنطقة عقب ثورة 14 من يناير/كانون الثاني 2011، حيث كثف من زياراته الخارجية للتسويق للنموذج الاستثنائي التونسي وإقناع المستثمرين والمسؤولين الأجانب وصناع القرار بأهمية دعم الديمقراطية التونسية، كما أنه كثيرًا ما يستقبل بمقر حزبه بالعاصمة، كبار الشخصيات من وزراء ونواب برلمانيين لدول أجنبية تزور تونس.
كما خاض الشيخ راشد، في إطار الدبلوماسية الشعبية، سلسلة من اللقاءات والزيارات والاجتماعات مع جهات سياسية ومدنية داخلية ودولية من جميع المستويات بغرض معاضدة الحكومة والترويج لتونس وجلب الاستثمار والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي.
خصص الغنوشي زياراته الخارجية للتعريف بالتجربة التونسية وكسب الدعم لها
زار الغنوشي، الجزائر أكثر من مرة، وزار أيضًا فرنسا وإيطاليا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والهند والعديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية المهمة في العالم، وفي كل زيارة يستقبل فيها استقبالًا رسميًا نظرًا لمكانته الكبيرة في تونس وإقليميًا أيضًا.
نشاط الغنوشي الخارجي، تبين بوضوح أيضًا في مشاركاته المتكررة في منتدى دافوس الاقتصادي، حيث يشارك الغنوشي هناك، بصفة دورية كضيف رئيسي منذ ثورة يناير 2011، ودائمًا ما يلتقي زعيم النهضة بأسماء ذات تأثير كبير في صناعة القرار في بلدانهم أو على الصعيد الدولي.
كل هذه العوامل ترشح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الفوز بمنصب رسمي مهم في الانتخابات القادمة، يخول له معاضدة التجربة التونسية أكثر ويمكّنه من الدفع بالبلاد نحو التقدم والخروج من أزماتها المتعددة.