ترجمة وتحرير: نون بوست
تشير الدلائل الوثائقية التاريخية إلى أن للولايات المتحدة لطالما كانت تحظى بشريك استراتيجي في الشرق الأوسط. وتعدّ عمان بلا شك أقرب الجيران الجنوبيين لإيران في الخليج العربي بفضل جذورها الثقافية والدينية المشتركة معها، لكن آثار التقارب بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان لها تأثير على الأمن القومي لإيران. وبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى سلطنة عمان ولقاءه مع السلطان قابوس والمواقف التي اتّخذها بومبيو في عمان، فإن السؤال المطروح هو: ما مدى علاقة عمان بالعقوبات الأمريكية المسلّطة ضد إيران؟
في الواقع، تتمتع عُمان بنوع من العزلة الجغرافية في شبه الجزيرة العربية، إذ أنها تحظى بحدود برية في منطقتها الغربية فقط، وجيرانها الثلاث هم الإمارات والسعودية واليمن. ومن ناحية أخرى، فإن التوجه الديني السائد في هذا البلد أدى إلى انعزالها دينيا وسط العالم الإسلامي، وقد دخلت الديانة الوهابية في صراع مع أتباع الإسلام العباسي في عمان عدة مرات منذ نشأتها وما زالت تعتقد أن الدير مختلفة عن العالم الإسلامي.
تَعتبر عمان أن مجلس التعاون الخليجي مهم في إطار هذا التعاون، بالإضافة إلى معالجة المشكلات الخارجية
علاوة على ذلك، فإن سلطنة عمان ضعيفة نسبيا في المجال الاقتصادي، وتعتمد على النفط والأطراف الخارجية. ومع ذلك، فإن التعاملات بين عمان والولايات المتحدة ليست كثيرة، إذ يتركّز معظمها في قطاع الأسلحة العسكرية. لقد تسبّبت التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، خاصة الشيعة، في خلق مشكلة، كما أن الحكومة العمانيّة لن تبني أي علاقة مع إيران. ويشكّل الشيعة في عمان حوالي 5 بالمئة من مجموع سكانها، والذين يتمتعون بالكثير من القوة والثروة بسبب علاقتهم مع البلوشيين، الذين سافروا إلى عُمان قبل سنوات عديدة من سفرهم إلى إيران. وسيكون من الهام تحليل هذه المشكلة إلى جانب تأثير الوهابية على السكان العمانيين.
ومن المهمّ الأخذ بعين الاعتبار أن السنّة في عمان يدّعون أنهم يمثّلون الأغلبية بين مواطني هذا البلد. وتَعتبر عمان أن مجلس التعاون الخليجي مهم في إطار هذا التعاون، بالإضافة إلى معالجة المشكلات الخارجية، وذلك لمنع العدوان العربي. ويدرك العمانيون جيدًا تاريخ نشر القوات السعودية في الدول المجاورة، مما يجعل توازن القوى غير مرض بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
من جهة أخرى، تحاول سلطنة عمان، التي تسعى إلى الحد من اعتمادها على النفط والتنويع الاقتصادي في آفاق سنوات 2020 و2040، تجنّب أي نوع من الصراع في المنطقة، لأن زيادة رأس المال وعدد السياح والسلع والخدمات والقوى العاملة يتطلب توفير الأمن في هذا البلد، إلى جانب الاستقرار في المنطقة. وعلى نحو مماثل، يعمل العمانيون على تعزيز وجود قطر في مجلس التعاون الخليجي، كما أنهم يعملون مع الولايات المتحدة لتوفير مواردهم الخاصة في المنطقة. وذلك لأن تعزيز مكانة قطر والتخلّص من الصراعات بين السعودية وقطر يخدم مصلحة البلاد وهو ضروري لتقويض نفوذ المملكة العربية السعودية.
من وجهة نظر سلطنة عمان، فإن الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وإيران ينطوي على مخاطر جيوسياسية واقتصادية هائلة
لكن السؤال يتمثّل فيما إذا كان بوسع عمان تبني سياسة مستقلة في التعامل مع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة؟
في آب/أغسطس 2010، وقّعت عمان وإيران اتفاقية أمنية، ولكن لا يمكن القول أن العلاقات بين طهران ومسقط لا تتضمّن أي مشاكل وأنها علاقة كاملة. وعلى سبيل المثال، لا تشارك البحرية العمانية في المناورات العسكرية الإيرانية، بينما تشارك في المقابل في المناورات العسكرية التابعة لدول الخليج والولايات المتحدة والهند وباكستان. ومن جهة أخرى، سلّمت عمان موانئها وقواعدها إلى الشريك العسكري للولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، أبدت عمان استعدادها للمشاركة في بناء درع الدفاع الصاروخي الأمريكي، الذي يهدف إلى توفير الأمن في وجه تهديد إيران لبلدان المنطقة.
من وجهة نظر سلطنة عمان، فإن الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وإيران ينطوي على مخاطر جيوسياسية واقتصادية هائلة. ولتقليل هذا الخطر، عملت الحكومة العمانية كجسر بين طهران والغرب. ولا ترغب المملكة العمانية، على عكس السعودية وبعض دول مجلس التعاون التي تريد أن تفقد إيران موقعها في المنطقة، في أن تتعرض إيران للهجوم من قبل الجيش، فهي بذلك تحاول زيادة نفوذ إيران في المنطقة عن طريق التآزر معها.
في هذا السياق، يتطلّب القرب الجغرافي بين إيران وعمان في مضيق هرمز، والمسافة الجغرافية التي تفصل بين عمان والعالم العربي، والأهمية الجغرافية السياسية والجيوسياسية لمضيق هرمز وإيران وعمان، بناء علاقات جيدة. تبعا لذلك، وعلى الرغم من حقيقة العلاقات الوثيقة التي تجمع بين عمان والولايات المتحدة، لم يكن لهذه الأوضاع أي تأثير على علاقات إيران الودية مع البلاد. في الواقع، كان للنهج المختلف الذي تتبعه مسقط تجاه مجلس التعاون في طهران تأثير كبير، ناهيك عن كونه قلّل بشكل فعّال من تأثير الرياض على الدول الأعضاء الأصغر في المجلس لغرض التقارب، وقوّض جهود الغرب لعزل طهران.
من الممكن الحفاظ على الأمن القومي لكل وحدة سياسية من خلال زيادة القوة الوطنية وموازنة العناصر المكونة لها، ومن شأن زيادة أي من هذه العوامل، التي قد تصاحبها زيادة في عوامل أخرى، أن تهدد الأمن القومي
على الرغم من وجود عوامل التقارب المتغيّرة المهمة مثل الاستمرارية الجغرافية والوضع الجغرافي السياسي في المنطقة، فضلا عن الموارد النفطية، فإن الحاجة إلى الاستقرار في المنطقة تمثّل الأسباب الرئيسية المكوّنة للمشهد الأمني في المنطقة. وفي سياق الأمن المرتبط بأمن القوة الوطنية، كان هناك اعتقاد سابق أن الأمن سينتشر مع زيادة القوة العسكرية، إلى جانب عدد القوات والمعدات العسكرية التي تمثل قوة وأمن كل بلد، ولكن المعتقدات تغيّرت اليوم ويجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار. لا يمثّل الأمن القومي عملية أحادية يمكن زيادتها فقط من خلال زيادة قوتها العسكرية، وفي المقابل فهي تحظى بمفهوم واسع وشامل.
في الواقع، من الممكن الحفاظ على الأمن القومي لكل وحدة سياسية من خلال زيادة القوة الوطنية وموازنة العناصر المكونة لها، ومن شأن زيادة أي من هذه العوامل، التي قد تصاحبها زيادة في عوامل أخرى، أن تهدد الأمن القومي. وفي هذا الصدد، اتخذ الأمن القومي اليوم بُعداً عابرا للحدود، أي أنه لا يقتصر على البلد فقط. وبطبيعة الحال، يختلف الأمن عن القوة العسكرية، فقد تزيد القوة العسكرية من حالة الأمن في مكان ما وتزيد من انعدامه في بعض الأحيان.
تمتلك المملكة العمانية نظرة مختلفة للموقف الذي يتّخذه مجلس التعاون الخليجي تجاه قضية التقارب. فمن ناحية، يساهم هذا الوضع في مجال القضايا الاقتصادية في إطار مجلس التعاون الخليجي العربي. ومن ناحية أخرى، وفي إطار السياسة الخارجية والنزاعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، لم تَنظَمَّ دول الخليج العربيّة ولم تحاول لعب دور في مجلس التعاون الخليجي العربي من خلال تولي دور مطرقة التوازن.
وفقا لمسقط، فإن انضمام مصر إلى اتحاد التعاون الخليجي أمر خطير للغاية. ومن جهة أخرى، لا تختلف عمان كثيراً عن البلدان الأخرى، ولكنها لا ترضي السياسات السعودية
مع ذلك، يبدو الآن أنه على الرغم من الاختلافات القائمة بين السعودية وقطر، فهي ليست مستعدة تمامًا للبقاء في مجلس التعاون الخليجي. وقد يؤدي هذا النهج إلى حدوث انقسامات في مجلس التعاون الخليجي، فضلا عن تقسيم البلدان إلى مجموعتين مختلفتين. وفي هذا الصدد، تحاول مسقط الحفاظ على حيادها في إطار النزاعات الداخلية ضمن هذا المجلس والاختلافات بين إيران والدول العربية أثناء لعبها دور جانبي.
في الوقت الحالي، يبدو أن عمان ليست مستعدة لدفع الثمن عوضا عن بقية العالم. ووفقا لمسقط، فإن انضمام مصر إلى اتحاد التعاون الخليجي أمر خطير للغاية. ومن جهة أخرى، لا تختلف عمان كثيراً عن البلدان الأخرى، ولكنها لا ترضي السياسات السعودية (التي تحاول إملاء سياساتها على دول الخليج الأخرى).
اعترضت عمان مرارًا وتكرارًا على التدخل السعودي الواضح في السياسة الخارجية لمجلس التعاون الخليجي، وفي حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن، من المتوقع أن ينهار مجلس التعاون الخليجي في المستقبل. وفضلا عن ذلك، ستتعاون قطر وعمان مع الدول التي انسحبت من مجلس التعاون الخليجي وتشكل تحالفا مع لبنان والعراق وسوريا. وفي المقابل، تتحد البحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت على الجانب المقابل.
في المستقبل، تحاول مسقط الحفاظ على حيادها، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية وتواصل سياساتها، كما تحاول أن تلعب دورًا إيجابيًا في حل الأزمات الإقليمية. وعلاوة على ذلك، تكشف اجتماعات إيران والدول الغربية على مدار السنوات الماضية مع الإدارة العمانية أن الملك يسعى للعب دور الوسيط بين إيران مع الدول الغربيّة.
المصدر: مودرن دبلوماسي