ترجمة وتحرير: نون بوست
انطلاقا من البريطانيين الذين سرقوا الشاي من الصينيين خلال القرن 19، وصولا إلى الفرنسيين الذين سرقوا التكنولوجيا من البريطانيين في القرن 18، أصبح التجسس الصناعي من الممارسات الشائعة اليوم. لكن هل يمكننا اعتباره جناية أو خيانة؟ من هذا المنطلق، نكتشف ما المقصود بالتحديد من هذا المصطلح، ونحاول الإجابة على بعض الأسئلة الأكثر شيوعا في هذا الصدد.
ما هو المثال على التجسس الصناعي؟
وفقا لما جاء في قاموس كامبريدج، يُعرّف التجسس الصناعي، الذي يُسمى أيضا التجسس الاقتصادي أو التجسس على الشركات، على أنه “ما يحدث حين تسرق إحدى الشركات أسرار شركة أخرى منافسة لها”. ويميل هذا النوع من التجسس إلى تحقيق منفعة تجارية ولا يعتبر قضية تتعلق بالأمن القومي مثلما ارتبط بذلك التجسس التقليدي. أما موقع ويكيبيديا فأوضح أنه “على الرغم من أن التجسس الاقتصادي يُدار أو يُنظّم من قبل الحكومات ويكون على نطاق دولي، إلا أن التجسس الصناعي يكون في الغالب على نطاق وطني ويحدث بين الشركات”.
لم تُحجم المملكة المتحدة عن التجسس الصناعي عندما كان ذلك مناسبا بالنسبة لها، والمثال الأكثر شهرة على ذلك حدث خلال القرن 19، حين وضعت بريطانيا نصب عينيها الحصول على أسرار الشاي الصيني
لا يعد التجسس الصناعي وليد اللحظة، بل له تاريخ طويل ومسجل نسبيا. في الواقع، طالما أن هناك تجارة، يظل هناك نوع من أنواع التجسس، حيث أن أشهرها وأقدمها يتمثل فيما قام به قس فرنسي في الصين. ومثلما هو معروف، كشف الأب دونتروكول عن أساليب تصنيع الخزف الصيني في سنة 1712 بعد الميلاد، وقد أدى ذلك إلى انفجار تصنيع المنتج الصيني في أوروبا لاحقا.
يتجسد مثال رئيسي آخر في التجسس الصناعي المتضافر الذي حدث بين فرنسا والمملكة المتحدة خلال الثورة الصناعية. وفي بداية هذه الثورة، شاركت فرنسا في تجسس صناعي واسع النطاق ومدعوم من الدولة لسرقة التكنولوجيا البريطانية ونسخها. وقد ساءت الأمور للغاية، لدرجة أن المملكة المتحدة اضطرت إلى وضع تشريعات في محاولة منها لاحتواء المشكلة.
في المقابل، لم تُحجم المملكة المتحدة عن التجسس الصناعي عندما كان ذلك مناسبا بالنسبة لها، والمثال الأكثر شهرة على ذلك حدث خلال القرن 19، حين وضعت بريطانيا نصب عينيها الحصول على أسرار الشاي الصيني. في هذا السياق، قالت وكالة بلومبيرغ: “لتحقيق ذلك، وظّفت شركة الهند الشرقية التي تتخذ من لندن مقرا لها عالم النبات الأسكتلندي والمغامر روبرت فورتشن لتهريب نباتات الشاي وبذوره وأسراره من الصين إلى الهند الخاضعة للحكم البريطاني. ونجح فورتشن، الذي تنكّر في هيئة تاجر صيني، في مهمته، حيث أنه خلال حياته، تجاوز إنتاج الشاي في الهند ما كانت تنتجه الصين”.
مثال على الصين الأوروبية في وقت مبكر
هل يعد التجسس جناية؟
بادئ ذي بدء، قد يكون من المفيد تعريف ما الذي تعنيه الجناية. فوفقا لمعظم المصادر، تُعرّف الجناية على أنها: “جريمة، التي تُعتبر أكثر خطورة في طبيعتها. وفي القانون الجنائي، تمثل الجناية فئة من الجرائم التي غالبا ما تُصنّف على أنها أخطر أنواع الجرائم. ويمكن أن تكون الجنايات إما عنيفة أو غير عنيفة”، حسب موقع ليغلماتش. ويميل هذا التعريف إلى أن يشمل جرائم خطيرة للغاية من قبيل:
– القتل
-الشروع في القتل
– الاغتصاب
– الحرق المتعمد
– الاتجار بالبشر
– السطو
– السرقة
يعتبر التجسس الصناعي جريمة خطيرة على نطاق واسع ويمكن أن تنجرّ عنه غرامات وعقوبات ثقيلة إذا ما ثبتت الإدانة
– عدم إبلاغ الشريك الجنسي بحالة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية
– الإتلاف الجنائي للممتلكات
– الهروب من السجن
– التدخل في حقوق ولي الأمر المتعلقة بالوصاية (بما في ذلك التدخل بين الولايات)
– المساعدة في جناية
– استغلال الأطفال إباحيا
– الإساءة للأطفال
– غسيل الأموال
– المُطادرة
بالنسبة للصوص الأسرار التجارية الذين يسعون لتحقيق مكاسبهم الخاصة، فقد يتم تغريمهم أو يُوضعون في السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات
يعتبر التجسس الصناعي جريمة خطيرة على نطاق واسع ويمكن أن تنجرّ عنه غرامات وعقوبات ثقيلة إذا ما ثبتت الإدانة. أما الجنح من ناحية أخرى، فتميل إلى أن تكون عقوباتها بحوالي سنة أو نحو ذلك، وهو ما يختلف حسب الحالات. وبطبيعة الحال، لا بد من إثبات الإدانة بما لا يدع مجالا للشك.
ما هي عقوبة التجسس؟
قد يترتب عن التجسس الصناعي، الذي يُطلق عليه أيضا التجسس الاقتصادي، بعض من أشد العقوبات. ووفقا لمواقع على غرار “كريمينال لو فري ادفايس”، قد يكون للتجسس الصناعي عواقب وخيمة للغاية في حال ثبتت الإدانة. ويشير الموقع إلى أن “العقوبات المتعلقة بالتجسس الاقتصادي يمكن أن تكون قاسية، إذ أن أولئك الذين يستخدمون الأسرار التجارية المسروقة لصالح حكومة أجنبية يواجهون غرامة تصل إلى 500 ألف دولار، أو ما يصل إلى 15 سنة في السجن الفيدرالي، أو العقوبتين معا.
أما بالنسبة للصوص الأسرار التجارية الذين يسعون لتحقيق مكاسبهم الخاصة، فقد يتم تغريمهم أو يُوضعون في السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات. وتواجه الشركات التي تنخرط في التجسس الاقتصادي هي الأخرى عواقب وخيمة، حيث يمكن أن تدفع غرامة تصل إلى 10 ملايين دولار بسبب سرقة أسرار تجارية لصالح حكومة أخرى، وإلى 5 ملايين دولار لاستخدام الأسرار المسروقة لتحقيق مكاسبها الخاصة.
على الرغم من أن كلا من الخيانة والتجسس مرتبطان ارتباطا وثيقا، إلا أن بينهما اختلافات مهمة
بالإضافة إلى الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة، ينطبق قانون التجسس الاقتصادي أيضا على الجناة الذين يضرون بالمواطنين الأمريكيين أو يؤثرون على الولايات المتحدة تأثيرا كبيرا أو يكونون مواطنين أمريكيين أنفسهم. وتُخضغ وزارة العدل الأمريكية مرتكبي التجسس الاقتصادي للمحاكمة بمساعدة وكالة المخابرات المركزية وغيرها من الهيئات الدولية”.
ما الفرق بين الخيانة والتجسس؟
على الرغم من أن كلا من الخيانة والتجسس مرتبطان ارتباطا وثيقا، إلا أن بينهما اختلافات مهمة. فالتجسس يُعرّف عموما على أنه: “ممارسة التجسس أو توظيف الجواسيس من أجل الحصول على معلومات حول خطط وأنشطة لا سيما تلك الخاصة بحكومة أجنبية أو شركة منافسة”، وفقا لقاموس مريام ويبستر. وعلى النقيض من ذلك، تميل الخيانة إلى أن تعرف على أنها “جريمة محاولة الإطاحة، بأفعال علنية، بحكومة الدولة التي يدين لها الجاني بالولاء، أو قتل العاهل أو عائلة العاهل أو الإضرار بهما شخصيا”.
على الرغم من أن كلا المصطلحين يتضمنان الحصول على معلومات سرا ضد إرادة مالكها، إلا أن الاستخدام المقصود للمعلومات يختلف اختلافا كبيرا. في هذا الصدد، يوضح موقع ديفرنس بتوين أن “التجسس هو ما يحصل من خلاله شخص أو فرد على معلومات تعتبر سرية. أما عند الحديث عن الخيانة، فإن ذلك يعني خيانة الفرد الخطيرة لأمّته أو دولته ذات السيادة”.
في الواقع، وفي بعض الحالات، تكون بعض أشكال التجسس الصناعي مفيدة لأمة مرتكبها. أما الخيانة من ناحية أخرى، فهي بحكم تعريفها عمل يخون به الشخص أمّته. بناء على ذلك، إذا كانت عملية سرقة المعلومات تفيد أمتك، فهي ليست خيانة ولكنها تظل تجسسا. وإذا كانت سرقة المعلومات تضر بأمتك، فهي تجسس وخيانة على حد سواء.
في هذا السياق، أوضح موقع ديفرنس بتوين أنه “باعتبار أن التجسس في بعض الأحيان لا يعد خيانة، فقد تكون الخيانة ممكنة أيضا دون تجسس. وفي حال قدم شخص ما بعض المعلومات إلى بلد آخر دون التجسس على حكومة بلاده، فهذا لا يعني أنها خيانة دون تجسس. وهذا النوع من الخيانة، دون تجسس، ينطوي بشكل أساسي على تقديم المكافآت والمزايا النقدية للأمة الأخرى. وقد يشمل ذلك أيضا توفير الأسلحة والذخيرة إلى بلد آخر دون أن يكون لدى حكومتك أي علم بذلك”.
المصدر: انترستنغ انجينيرنغ