عقود مضت على توقفه عن العمل، إنه خط أنابيب كركوك – طرابلس النفطي الذي كان ينقل النفط من حقول كركوك إلى ميناء طرابلس النفطي اللبناني على البحر المتوسط. أسئلة كثيرة تطرح عن هذا الخط: متى أنشئ؟ وما الغاية من إعادة تفعيله مجددًا؟ ومن المستفيد من ذلك؟ الأسطر التالية لـ”نون بوست” تقرأ في جميع هذه الحيثيات.
تاريخ خط كركوك – طرابلس النفطي
أنشئ أنبوب النفط الممتد من كركوك إلى طرابلس اللبنانية في ثلاثينيات القرن الماضي، ويعد أحد أقدم خطوط نقل النفط في العراق، يبلغ حجم الخط النفطي 12 بوصة، وأنشئ في بادئ الأمر لنقل نفط كركوك إلى مدينة حيفا الفلسطينية وطرابلس اللبنانية.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير النفطي غانم العناز إنه تم مد خطوط أنابيب تصدير نفط حقول العراق الشمالية من كركوك وباي حسن وجمبور وعين زالة من شركة نفط العراق المحدودة خلال فترة عملياتها منذ اكتشاف حقل كركوك عام 1927 إلى تاريخ تأميمها في الأول من يونيو/حزيران 1972، واستمر الخط بنقله للنفط بصورة جيدة إلى ما بعد التأميم حتى تم إغلاقه نهائيًا ولحد الآن من الحكومة السورية عام 1984 في خضم الحرب العراقية الإيرانية.
يشير العناز إلى أن الخط ومع مرور الزمن أصبح مصدر خلافات ونزاعات تعاقدية وسياسية واقتصادية ومالية مريرة بين الحكومة السورية وشركة نفط العراق المحدودة، ما أدى في بعض الأحيان إلى إغلاقه وتوقفه عن التصدير لفترات قصيرة إلى أن تم إغلاقه نهائيًا من الحكومة السورية عام 1984
ويضيف العناز أن مجموع الطاقة التصديرية لهذه الخط بلغت في منتصف سبعينيات القرن الماضي 1.4 مليون برميل يوميًا وذلك بعد أن رفعت الشركة العراقية للعمليات النفطية (شركة نفط الشمال حاليًّا) الطاقة الإنتاجية والتصديرية لحقول كركوك من مليون واحد إلى 1.4 مليون برميل في اليوم.
ويشير العناز إلى أن الخط ومع مرور الزمن أصبح مصدر خلافات ونزاعات تعاقدية وسياسية واقتصادية ومالية مريرة بين الحكومة السورية وشركة نفط العراق المحدودة، ما أدى في بعض الأحيان إلى إغلاقه وتوقفه عن التصدير لفترات قصيرة إلى أن تم إغلاقه نهائيًا من الحكومة السورية عام 1984 ليقبع تحت التراب وليكون التآكل والتأكسد حاله بعد كل هذه السنوات.
سعي لتفعيل الخط مجددًا
أعيد طرح ملف خط كركوك – طرابلس النفطي مجددًا خلال زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للعاصمة العراقية بغداد في يونيو/حزيران الماضي، إذ شدد بري على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين من خلال أهمية البحث مجددًا في إعادة العمل على تشغيل خط كركوك طرابلس النفطي.
تقول الخبيرة الاقتصادية العراقية سلامة سميسم إن ما حدث من استهدافات لناقلات النفط في خليج عمان والخليج العربي يبين مدى الخطورة التي تتطلب من العراق استحداث خطوط طوارئ لصادراته
ويشير الكثير من المراقبين إلى أن زيارة نبيه بري ورغم كونها سياسية بالدرجة الأولى، فإنها تأتي لتحقيق منفعة لبنانية من النفط العراقي ومن ضمنها إعادة تفعيل خط كركوك – طرابلس النفطي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان.
وفي خضم التوتر الأمريكي الإيراني وتهديد الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط وما حدث مؤخرًا من حوادث أمنية واستهدافات لبعض ناقلات النفط في الخليج، تحدث رئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في غير ذي مرة عن ضرورة البحث عن بدائل لتصدير النفط العراقي بعيدًا عن الخليج العربي.
من المستفيد؟
محاسن ومساوئ، تلك التي يكتنفها إعادة تفعيل خط كركوك – طرابلس النفطي، إذ تقول الخبيرة الاقتصادية العراقية سلامة سميسم إن ما حدث من استهدافات لناقلات النفط في خليج عمان والخليج العربي يبين مدى الخطورة التي تتطلب من العراق استحداث خطوط طوارئ لصادراته، مشيرة إلى أن العراق وبوضعه الحاليّ يرزح بين المطرقة والسندان في الصراع الإيراني الأمريكي المحتدم.
وأضافت سميسم أنه في حال تعرضت خطوط النقل البحري لأي حالة طوارئ سيكون العراق في مأزق كبير ما لم يتم تفعيل خطوط تصدير جديدة للنفط وحماية الناقلات العراقية.
أورد موقع “أويل برايس” الأمريكي المختص بالشأن النفطي تقريرًا عن إعادة تشغيل خط الأنابيب كركوك – طرابلس وأنه سيؤدي إلى عواقب سياسية واقتصادية وإستراتيجية طويلة المدى بالنسبة للدول المعنية وللمنطقة ككل
وكشفت سميسم عن وجود تحركات جدية من الحكومة العراقية لاعتماد خط ميناء جيهان وإعادة تفعيل الخطوط القديمة كخط كركوك – طرابلس، وتفعيل مشروع خليج العقبة.
وفي الشأن ذاته، أورد موقع “أويل برايس” الأمريكي المختص بالشأن النفطي تقريرًا عن إعادة تشغيل خط الأنابيب كركوك – طرابلس، مشيرًا إلى عقبات سياسية واقتصادية وإستراتيجية طويلة المدى بالنسبة للدول المعنية وللمنطقة ككل.
ويضيف كاتب التقرير فاناند ميليكستين أن هذا الخط أوقف العمل به من الجانب السوري في ثمانينيات القرن الماضي في محاولة سورية لدعم إيران في حربها مع العراق، لافتًا إلى أن مشاركة إيران في السياسة الإقليمية هيأت البيئة المناسبة للتعاون من أجل الشروع في هذا الخط مجددًا.
ويلفت التقرير إلى قرار الكرملين الروسي بالمشاركة في الحرب السورية التي شكلت نقطة محورية في إعادة السيطرة على المناطق الضرورية لشروع خط أنابيب كركوك – طرابلس في العمل من جديد، فضلاً عن إقامة موسكو علاقات سياسية جيدة مع كل من العراق ولبنان لتصبح وسيطًا لتسهيل التوصل إلى اتفاق محتمل لإعادة تشغيل الخط النفطي.
نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد وجود أي مشروع حاليّ باسم خط كركوك – طرابلس النفطي، لافتًا إلى أن مشروعًا بهذا الاسم لم يقر سواء من مجلس الوزراء أم من وزارة النفط العراقية
وما يعزز من فرص إعادة تفعيل الخط مجددًا بحسب التقرير، هو توقيع شركة النفط الروسية “روزنفت” مؤخرًا اتفاقية مع الحكومة اللبنانية لتشغيل منشأة التخزين في طرابلس لمدة 20 عامًا، إذ لن تكون منشأة التخزين في طرابلس ذات قيمة للروس دون وجود نفط، الذي يبدو أن السعي الروسي لاستثمار المنشأة التخزينية اللبنانية يأتي من خلال إعادة تفعيل خط كركوك – طرابلس النفطي.
ولفت الكاتب إلى أنه وعلى الرغم من وجود النية لإعادة تنشيط خط الأنابيب القديم بين كركوك وطرابلس، لم يتّضح بعد فيما إذا كان هذا المشروع سيُنجز فعلاً أم أن السياسة ستحول دون ذلك، مشيرًا إلى أن الوضع في سوريا يخلق حالة من عدم اليقين، مما يجعل عمليات البناء والتشغيل مشكلة، فضلاً عن شكوك بشأن قدرة جيش النظام السوري المتعب على تأمين خط الأنابيب في أثناء اشتباكه مع المناطق المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب.
من جهة أخرى يعتقد الكاتب أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي في الوقت الذي يرسخ فيه خصومها الروس والإيرانيون نفوذهم أكثر في المنطقة خاصة في سوريا ولبنان.
أكد جهاد في حديثه أن أي مشروع نفطي في العالم يتطلب اتفاقًا مبدئيًا وسياسيًا تعقبه دراسة جدوى اقتصادية للمشروع تبين مدى فائدته ومدى إمكانية تزويده بالنفط
من جهته وفي حديث خاص لـ”نون بوست”، نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد وجود أي مشروع حاليّ باسم خط كركوك – طرابلس النفطي، لافتًا إلى أن مشروعًا بهذا الاسم لم يقر سواء من مجلس الوزراء أم وزارة النفط العراقية.
وأكد جهاد في حديثه أن أي مشروع نفطي في العالم يتطلب اتفاقًا مبدئيًا وسياسيًا تعقبه دراسة جدوى اقتصادية للمشروع تبين مدى فائدته ومدى إمكانية تزويده بالنفط، لافتًا إلى أنه من المبكر جدًا الحديث عن مشروع إعادة تفعيل خط كركوك – طرابلس النفطي، مشيرًا إلى طرح إعادة تفعيله على هامش لقاء بين رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري خلال زيارة الأخير للعراق الشهر الماضي.