ترجمة وتحرير: نون بوست
حلت الذكرى السنوية للثورة التونسية من جديد، تحمل في طياتها شعورًا مريرًا بالفقدان والإحباط.
تحت وطأة الدكتاتورية التي أعقبت انقلاب الرئيس قيس سعيد، لم تعد ذكرى سقوط نظام بن علي عام 2011، بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية، مناسبةً للاحتفال الجماعي والفرح؛ بل أصبحت تواجه بمظاهرات غالبًا ما تُمنع وتُقمع.
سعيد، الذي كان يُنظر إليه يومًا ما كـ “مرشح الثورة”، ألغى الطابع الرمزي ليوم 14 كانون الثاني/ يناير؛ فبدلًا من الاحتفاء باللحظة التاريخية التي هزّت تونس والمنطقة بأسرها، تحول اليوم إلى مجرد يوم عمل عادي.
لكن هذا العام، تأتي الذكرى بطابع مختلف. انتصار ثورة أخرى، كانت جزءًا من سلسلة الانتفاضات التي استلهمت من الثورة التونسية، وهروب دكتاتور جديد، يعيد إحياء الأمل ويجدد العزيمة.
بعد 14 عامًا من النضال والتضحيات، حقق الشعب السوري ما اعتبره كثيرون مستحيلًا: سقوط نظام بشار الأسد الوحشي. هذا الانتصار يمثل تتويجًا لأكثر من عقد من المقاومة والصمود، وانتصارًا لرغبة الشعب في الحرية والكرامة رغم التحديات الجسيمة. كما يحيي آمال الملايين في المنطقة وأحلامهم في تحقيق العدالة، التي طالما أجهضتها الاستبداد والانقلابات المضادة.
لقد تحولت معاناة سوريا والثمن الباهظ لتحررها من الاستبداد – والذي كان الطغاة يستخدمونه لتخويف كل من يدعو للإصلاح – إلى مصدر إلهام وأمل. وأثبتت أن رغبة الشعوب في الكرامة والحرية لا يمكن سحقها، مهما كانت شراسة القوة الوحشية، أو البراميل المتفجرة، أو الدعم الخارجي، أو حملات التشويه.
الثورات لا تُهزم
قد يتأخر التغيير وتزداد كلفته، لكنه لا يمكن أن يُمنع إلى الأبد. وكما قال “شاعر الحب والثورة” التونسي أبو القاسم الشابي: “إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”.
احتفل التونسيون، كما شعوب المنطقة الأخرى، مع السوريين عند انتشار الخبر المذهل بسقوط الأسد. وكما أشعلت الثورة التونسية قبل 14 عامًا الأمل والإلهام في جميع أنحاء المنطقة، فإن انتصار سوريا اليوم يبث روحًا جديدة في ربيع عربي أرهقته القمع والانتكاسات.
إن بناء نظام سياسي جديد ومستقر قد يستغرق عقودًا، وهذه واحدة من أهم الدروس التي نستخلصها من جميع الثورات عبر التاريخ.
صمود الشعب السوري في الإطاحة بالأسد يحمل رسالة قوية: قد تتعثر الثورات أو تنحرف عن مسارها، وقد تستغرق سنوات أو حتى عقودًا، وقد تتطلب تضحيات هائلة، لكنها لا يمكن أن تُهزم أبدًا.
الربيع العربي لم ينتهِ بعد، والدروس المستفادة من انتكاساته، وكذلك من انتصار سوريا، ستظل تتردد في العالم العربي لسنوات طويلة قادمة.
في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات جسيمة لإعادة بناء البلاد وإقامة نظام شامل ومستقر، تجد تونس نفسها غارقة تحت وطأة الاستبداد وسوء الإدارة.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن إنكار الإنجازات التي تحققت بعد الثورة، وخاصة في بناء نظام سياسي تعددي وشامل. إلا أن الجمود السياسي، والتوقعات الاقتصادية غير المحققة، والمؤامرات المضادة للثورة، وصعود الشعبوية، كانت عوامل أساسية في تقويض مسار الانتقال الديمقراطي.
النمط الدوري
مناقشة تطور الثورة التونسية، بما شهدته من صعود وهبوط، تحتاج إلى تحليل مطول، لكن يكفي الإشارة إلى أن انتصار الثورة السورية الأخير، الذي جاء مفاجئًا للكثيرين، يجب أن يكون تحذيرًا لمن يسارعون إلى شطب الثورة التونسية والربيع العربي.
الثورات لا تحقق أهدافها بين عشية وضحاها، فهي ليست عملية خطية، بل جدلية تتأرجح بين استمرارية التاريخ وانقطاعه.
الانتقالات السياسية لا تتقدم بخط مستقيم، بل تسير في نمط دوري. فالثورات تعقبها ثورات مضادة، حيث تتصارع قوى التغيير مع القوى التي تسعى للعودة إلى الوراء. ويمكن أن يستغرق بناء نظام سياسي جديد ومستقر عقودًا طويلة، وهذه واحدة من أهم الدروس المستخلصة من جميع الثورات عبر التاريخ.
وفيما يستعد التونسيون للخروج إلى الشوارع في الذكرى الرابعة عشرة لثورتهم، يظل مئات من قادة المعارضة السياسية، بمن فيهم والدي راشد الغنوشي، إلى جانب نشطاء وصحفيين وقضاة ومحامين وغيرهم من منتقدي النظام، رهن الاعتقال التعسفي أو المحاكمة أمام قضاء مسيَّر، بسبب رفضهم للعودة بتونس إلى أيام ما قبل الثورة من ديكتاتورية واستبداد.
إن إصرار هؤلاء يُجسّد الروح المستمرة للربيع العربي، ويؤكد أن السعي نحو الحرية والعدالة والديمقراطية طريق طويل وشاق.
بالنسبة لهم، تمنح سوريا أملًا متجددًا بأن تضحيات الذين ناضلوا وضحوا بحريتهم وحياتهم من أجل حلم العدالة الاجتماعية لن تذهب سُدى. وكما شهدنا مشاهد الفرح بتحرر المعتقلين من سجون سوريا، سنشهد يومًا ما، عاجلًا أم آجلًا، مشاهد مماثلة في تونس وفي جميع أنحاء المنطقة.
المصدر: ميدل إيست آي