في خبر مفاجئ، تداولت وكالات الأنباء، خبر استهداف دبلوماسيين أتراك يعملون بالقنصلية التركية في أربيل، حينما كانوا في مطعم شعبي بتلك المدينة، والمفاجئ أكثر بالموضوع حدوث هذا الخرق الأمني النادر والخطير، وفي مدينة محصنة أمنيًا مثل مدينة أربيل، مما يجعل باب التكهنات مفتوحًا لاحتمالات تورط أطراف عديدة في هذا الحادث. لكنها بالمحصلة، جميعها تقودنا إلى فاعل واحد رئيسي يعرفه الجميع.
هل حزب العمال الكردستاني متورط بالجريمة؟
جاءت حادثة الاغتيال الأخيرة، بعد إعلان حزب العمال الكردستاني التركي، سقوط ثلاثة من كبار قيادييه، بغارة تركية مساء البارحة، أحدهم كان مسؤولًا للعلاقات الخارجية بالحزب، وليس مستغربًا أن تكون حادثة استهداف الدبلوماسيين الأتراك في أربيل، من فِعل هذا الحزب، للانتقام لسقوط قياداته بالغارة التركية، رغم أن مقربين للحزب، نفوا مسؤوليته عن الحادث، ذلك ما أدلى به القيادي ديار دنير في مليشيا “قوات حماية الشعب” المقرّبة من حزب العمال الكردستاني.
حزب العمال ليس مضطرًا لتنفيذ العملية من خلال عناصره بشكل مباشر، إنما قد نفذها عبر أطراف أخرى من صنعه
لكن نفي مسؤولية الحزب عن العملية، لا يمكن أخذه على محمل الجد، ذلك لأن من المستحيل أن يعترف الحزب بمسؤوليته عن الحادث، كون هذا الاعتراف سيُحرج داعمي الحزب من الأمريكان والأوربيين، لأنه استهداف لدبلوماسيين أتراك وليس لأفراد بالقوات التركية.
ومن الجدير بالذكر، أن حزب العمال ليس مضطرًا لتنفيذ العملية من خلال عناصره بشكل مباشر، إنما قد ينفذها عبر أطراف أخرى من صنعه، لا سيما أن هذا الحزب، له قدرة كبيرة على تشكيل مليشيات متعددة تحمل مسميات مختلفة، ترجع في النهاية إلى ذات الحزب، هذا ما رأيناه في الحالة السورية كمليشيات “قسد” التي تعتبر ذراع حزب العمال في سوريا، وكذلك المليشيات العاملة في سنجار وغيرها من المناطق.
في بداية الشهر الحاليّ، ظهرت مجموعة من الشباب في فيديو مسجل، ادعوا أنهم من منطقة “برادوست” أقصى شمال مدينة أربيل، ليقرأوا بيانًا عن تشكيل مليشيا مسلحة باسم قوات الدفاع الذاتي “كتيبة برادوست” لمحاربة الاحتلال التركي لأراضي إقليم كردستان، ومن غير المستبعد أن يكون هذا التنظيم من صُنع حزب العمال، ليكون ذراعًا عسكريًا جديدًا له، يستخدمه في حربه مع القوات التركية واستهداف المصالح التركية في كردستان، من دون أن يورط نفسه رسميًا بتلك الجرائم.
النظام الإيراني يحاول استهداف هذه العلاقة لجعل البارزاني وحيدًا يسهُل الاستفراد به، من أعوانه في العراق
لكن مع كل هذا، فإن حزب العمال يبقى بالنهاية، بيدقًا بيد اللاعبين الكبار بالمنطقة، يستفيدون منه لمحاربة الدولة التركية وعرقلة مسيرتها التنموية، وإذا ما علمنا عمق العلاقة السياسية والاقتصادية التي تربط حكومة كردستان البارزانية مع تركيا، فإن استهداف هذه العلاقة يعتبر هدفًا إستراتيجيًا لدولة مجاورة هي إيران، فالنظام الإيراني يحاول استهداف هذه العلاقة لجعل البارزاني وحيدًا يسهُل الاستفراد به، من أعوانه في العراق.
ويحاول النظام الإيراني وأعوانه في العراق، ضرب الوجود التركي بالعراق بشكل عام وكردستان بشكل خاص، سواء بشكله السياسي أو الاقتصادي، لذلك فإن أقوى الاحتمالات أن تكون إيران المسؤولة عن الحادث، عبر تنسيق عالي مع حزب العمال لضرب المصالح التركية في المنطقة، حيث ترغب إيران بتقليل الوجود التركي بالعراق لأنها تعرف تمامًا، بأن لا أحد يمكنه محاربة النفوذ الإيراني بالعراق، سوى تركيا، أما التعويل على دول العرب أو الأمريكان في هذا الموضوع، فهو أمر غير واقعي تمامًا.
لقد نجحت إيران بالفترة السابقة في بسط نفوذها على كامل العراق، ما عدا مناطق كردستان التي يسيطر عليها البارزاني، التي بقيت عصية على النفوذ الإيراني لحد الآن، بسبب الدعم التركي لها.
من غير المرجح أن يؤثر هذا الحادث الإرهابي على العلاقة بين تركيا وحكومة كردستان، ذلك لأنها ليست موضع اتهام من تركيا
كما ومن غير المستبعد أيضًا، أن يكون لحزب الاتحاد الكردستاني (الذي يعاني من أزمة في قيادته حاليًّا)، دورًا في تسهيل عملية الاغتيال بدفعٍ إيراني، ويعلم الجميع عمق العلاقة التي تربط هذا الحزب بالنظام الإيراني، لغرض إحراج حكومة نجيرفان البارزاني الجديدة التي هي امتداد لسلطة عمه مسعود البارزاني، فقد كان لحزب الاتحاد، تحفظات على تشكيل الحكومة دون الاتفاق على مسائل عديدة عالقة بين الحزبين، هذا الإحراج الذي سيصب في خدمة حزب الاتحاد سياسيًا، كما أن حزب العمال لا يجد أفضل من المناطق التي يسيطر عليها بيشمركة هذا الحزب، ليفتح بها مقراته ومعسكرات تدريباته.
ما مدى تأثير الحادثة على علاقة تركيا بحكومة الإقليم وحكومة بغداد؟
من غير المرجح أن يؤثر هذا الحادث الإرهابي على العلاقة بين تركيا وحكومة كردستان، ذلك لأن حكومة كردستان ليست موضع اتهام من تركيا، بل إنها تبدي تعاونها ورغبتها بمساعدة الأتراك في القبض على الجناة سريعًا، نظرًا لاعتماد كردستان على الدعم التركي، لا سيما أن الحادث وقع خارج القنصلية التي هي بحماية حكومة كردستان، ومن المؤكد أن تركيا وحكومة كردستان سيتمكنان من احتواء تداعيات الحادثة، كما فعلت تركيا بموضوع اغتيال السفير الروسي في أنقرة.
من المرجح أن تركيا سوف تستغل الحادثة لتزيد ضغطها العسكري على حزب العمال، وسيكون لها دعم عالمي بسبب تلك الحادثة الإرهابية
نفس الحال بالنسبة لحكومة بغداد، فقد كان مستغربًا أن يُعلن مجلس محافظة نينوى موعدًا محددًا لفتح القنصلية التركية في الموصل، في نفس يوم وقوع الحادث في أربيل، رغم مرور ما يقارب السنتين على تحرير المدينة من عصابات داعش. فهل هي رسالة من الجانب الإيراني عبر الحكومة العراقية، تفيد بأن إيران والنظام العراقي ليس لديه علاقة بحادث استهداف الدبلوماسيين الأتراك في أربيل؟
ربما يكون كذلك، ولكن مع هذا فمن المتوقع أن تتعامل تركيا مع الموضوع، بطول البال، لأنها لا تريد المغامرة بالعلاقة الاقتصادية مع حكومة بغداد، رغم أن مصادر خاصة ذكرت بأن حكومة بغداد تعتزم حرمان الشركات التركية من المشاريع الاقتصادية الكبرى في العراق.
ما خطوة تركيا القادمة؟
من المرجح أن تركيا سوف تستغل الحادثة لتزيد ضغطها العسكري على حزب العمال، وسيكون لها دعم عالمي بسبب تلك الحادثة الإرهابية، وهذه المرة ربما ستزيد من وجود قواتها البرية في تلك المناطق، بل من غير المستبعد أن تتعاون مع البيشمركة التابعين للبارزاني، للقيام بمهام أكثر جدية في سبيل مكافحة هذه المنظمة الإرهابية، ذلك أن استفحالها يعني تقويضًا لسلطة البارزاني في مناطق وجوده لصالح إيران، وهم بذلك يتشاركان مع الأتراك، بوحدة الهدف، ويعانيان من نفس التهديدات.
هذا ما فهمناه من تغريدة الرئيس التركي الذي قال فيها: “سنواصل جهودنا المشتركة مع السلطات العراقية والمسؤولين المحليين في كردستان العراق، لضمان العثور السريع على نفذي الهجوم”. من ناحيتها فإن السلطات العراقية، لن تجد بدًا من التعاون مع الجانب التركي في هذا الأمر، لا سيما أنها وقّعت قبل أيام عبر وفدها برئاسة وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم وحضور وزير الدفاع نجاح الشمري، اتفاقية تعاون أمني بين الطرفين.