تلعب عمليات التخطيط الإستراتيجي والتوجيهات الصادرة عن المرشد الإيراني علي خامنئي، دورًا كبيرًا في تشكيل سياسة الأمن القومي الإيراني، من خلال التأكيد على تطوير القدرات العسكرية ووضع أولوية لمناقشة تطوير المنطلقات العقائدية، هذا بالإضافة إلى إعطاء مساحة لمشاركة المؤسسات الإيرانية الأخرى، لتساهم في صياغة العقائد والإستراتيجيات، والحديث هنا عن الحرس الثوري الإيراني أو مجمع تشخيص مصلحة النظام، والتعامل مع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، أو حتى المؤسسات غير الرسمية كـ”البازار ورجال الدين والمؤسسات الدينية والاقتصادية والمجتمعية”وغيرها، في أثناء إعداد الوثائق التوجيهية الخاصة بسياسة الأمن القومي للجمهورية.
وكذلك تفعيل مفاهيم وتقنيات وتكتيكات الحرب وإجراءاتها، من خلال سياسات الاستيراد العسكري والتدريب التي تقع على عاتق وزارة الدفاع والقوات المسلحة بصنوفها الثلاث، وعلى الرغم من أن وكالات مثل منظمة الدفاع الوقائي والمجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني التي تشكلت عام 2012، تؤدي دورًا مهمًا في تطوير الإستراتيجية والعقيدة، نظرًا لأهميتها المتزايدة للدفاع الوطني والحاجة إليها داخل الحكومة، فعملية تنسيق إستراتيجيات مواجهة الحروب والتخطيط للحالات العسكرية الطارئة، تقع على عاتق مجلس الأمن القومي الإيراني.
وعلى الأرجح ترتكز عملية التخطيط الإستراتيجي على التنسيق مع مكتب المرشد الأعلى، ومع ذلك من المرجح أيضًا أن یحمل أعضاء الحرس الثوري الإيراني معظم متطلبات التخطیط بأنفسهم، إذ إن بعض أركان هذه العلاقة بين الموظفين تكون غير واضحة، على الرغم من أن التغييرات الأخيرة في مجلس الأمن القومي، قد تشير إلى إعطائه مزيدًا من الأهمية في إدارة عملية التخطيط الإستراتيجي.
تضطلع جامعة الدفاع الوطني الإيرانية بجميع الخدمات الخاصة بتدريب وتعليم كبار القادة العسكريين، إلى جانب المكاتب الخاصة بتطوير التدريب وتقديم التقارير المباشرة إلى الحكومة ومنظمة الدفاع الوقائي
تلعب مؤسسة خاتم الأنبياء دورًا مهمًا في التنسيق بين الحرس الثوري الإيراني وباقي فروع القوات المسلحة الإيرانية، إلى جانب دورها في تحسين القدرات القتالية للقوات الإيرانية، من خلال إرفاد المؤسسة العسكرية الإيرانية بالمقاتلين المتسلحين عقائديًا، فقد لعبت هذه المؤسسة دورًا فاعلًا في الحرب العراقية الإيرانية، من خلال عمليات الدعم والتنسيق التي قامت بها في تلك الفترة، وهذا كله إلى جانب الدور الذي تقوم به مؤسسات التعليم العسكري الإيرانية، عن طريق عمليات التدريب والخدمات التي تقوم بها بالتنسيق مع قيادة الحرس الثوري الإيراني وكليات الأركان العامة، من خلال ترسيخ المبادئ العسكرية الإيرانية في وجدان وعقول الطلبة الجدد.
وفي مرحلة ما بعد الحرب العراقية الإيرانية تم إدماج كليات الأركان العامة الإيرانية عام 1990 في مؤسسة واحدة، لإضفاء الطابع المهني عليها، مع تشكيل مؤسسات التعليم العسكري المهنية الخاصة لأغراض فقهية، تتعلق بترسيخ العقيدة العسكرية الإيرانية، وإضفاء عنصر الالتزام الأيديولوجي على إستراتيجيتها.
وكذلك تضطلع جامعة الدفاع الوطني الإيرانية بجميع الخدمات الخاصة بتدريب وتعليم كبار القادة العسكريين، إلى جانب المكاتب الخاصة بتطوير التدريب وتقديم التقارير المباشرة إلى الحكومة ومنظمة الدفاع الوقائي، على الرغم من أن تركيزًا كبيرًا من المنظمة هو أيضًا لرعاية البحث العلمي، لتحسين عمليات الإخفاء والتمويه الخاصة بالأهداف العسكرية والمدنية الضعيفة، ضد هجمات الولايات المتحدة الأمريكية المتفوقة عليها تكنولوجيًا.
حيث يطور المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، القدرات الإيرانية على لعب أدوار مماثلة في المجالات الإلكترونية، وتفعيل الجهود الإيرانية في مجال الهجمات الإلكترونية، وقد نجحت إيران في هذا المجال من خلال شنها العديد من الهجمات الإلكترونية على مواقع عالمية مهمة كتويتر وإيبدو وغيرها، خلال فترة تصاعد الاحتجاجات الشعبية على إثر فوز أحمدي نجاد بالولاية الثانية عام 2009.
تسيطر جامعة الإمام الحسين على مجالات البحث والتعليم في الجانب العسكري، بالإضافة إلى هيئة القيادة بالحرس الثوري الإيراني ومركز دراسات الأمن القومي الدفاعي، كما توجد أربعة مراكز بحثية عسكرية إضافية مباشرة
كما تلعب مراكز البحوث الثقافية والسياسية والإستراتيجية دورًا كبيرًا في تطوير سياسة الأمن القومي الإيراني، إلى جانب العديد من المراكز والمؤسسات الفكرية الخاضعة لسيطرة الحكومة الإيرانية، فضلًا عن المؤسسات الأكاديمية المكرسة للبحث والتعليم بشأن المسائل العسكرية والأمنية.
كما تستثمر الحكومة الإيرانية المؤسسات الصناعية العسكرية في التأثير على السياسة المعرفية والتقنية للمؤسسة العسكرية الإيرانية، ولا بد من التنويه أن التقنيات المعتمدة في تطوير سياسة الأمن القومي من خلال المؤسسات الفكرية التي ترعاها الحكومة والجامعات العسكرية في إيران، تشبه إلى حد بعيد التقنيات المعتمدة في المعاهد الصينية والروسية، من حيث ترسيخ الثقافة العسكرية والمنظومة الفلسفية والدينية الإيرانية في عقل الجندي الإيراني.
الجدير بالذكر أن مراكز البحوث والدراسات في إيران أغلبها ترتبط بمؤسسات رسمية كوزارة الخارجية ومجلس مجمع تشخيص مصلحة النظام ومكتب المرشد الأعلى، ويرأس هذه المسؤولية حاليًّا أكبر مستشاري السياسة الخارجية لخامنئي، علي أكبر ولايتي، إلى جانب ارتباطها بالمكتب الرئاسي، ومعظم المكاتب الحكومية الكبرى والبرلمان (مجلس الشورى)، فضلًا عن جميع مراكز التفكير العاملة في مجال تكوين سياسة الأمن القومي الإيراني.
مركز أبحاث الدفاع الإستراتيجي، الذي يديره أحمد وحيدي وزير الدفاع السابق والرئيس الحاليّ للجنة الأمن والدفاع التابعة لمجلس تشخيص مصلحة النظام، يؤدي دورًا مؤثرًا في صياغة الإستراتيجيات الإيرانية
وتسيطر جامعة الإمام الحسين على مجالات البحث والتعليم في الجانب العسكري، بالإضافة إلى هيئة القيادة بالحرس الثوري الإيراني، ومركز دراسات الأمن القومي الدفاعي، كما توجد أربعة مراكز بحثية عسكرية إضافية مباشرة، تعمل تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، وبصرف النظر عن كلية القيادة والأركان، فإن مركز أبحاث الدفاع الإستراتيجي، الذي يديره أحمد وحيدي وزير الدفاع السابق والرئيس الحاليّ للجنة الأمن والدفاع التابعة لمجلس تشخيص مصلحة النظام، يؤدي دورًا مؤثرًا في صياغة الإستراتيجيات الإيرانية، من خلال الاستفادة من التجارب التاريخية لأهم الشخصيات السياسية والعسكرية، التي احتلت مواقع مهمة ومرموقة.
وتلعب هذه المؤسسات أدوارًا مماثلة لتلك المؤسسات البحثية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال الاستثمار الفكري والوظيفي لهذه الشخصيات، حتى بعد خروجهم من مواقعهم، للاستفادة من خبراتهم العلمية والاستشارية، بالشكل الذي يضمن بقاءهم ضمن الحلقة المقربة من السلطة السياسية في إيران، كما فعل الرئيس الحاليّ حسن روحاني الذي ظل يترأس حتى فوزه بالرئاسة منصب رئيس مركز الأبحاث الإستراتيجية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أحد الأجهزة الاستشارية العليا للمرشد الأعلى.
كما تلعب الشخصيات المهمة الأخرى، من خلال دورهم كأعضاء في مجالس إدارة هذه المؤسسات، دورًا مؤثرًا من خلال ما تنشره هذه الشخصيات من مؤلفات في المجلات الرئيسية التي تنشرها هذه المراكز الفكرية، حيث تنشر مراكز الأبحاث الإستراتيجية، دوريات علمية بحثية، تتخصص في مجالات المصالح الوطنية والعلاقات الخارجية والدولية، كما تنشر مجلات علمية في مجال السياسات الدفاعية والأمن والعلوم والتكتيكات العسكرية، كما أنها تلعب دورًا مهمًا في صياغة توجهات الرأي العام الإيراني، من خلال نشراتها التي تستهدف ترسيخ مفاهيم سياسية معينة في العقلية الإيرانية.
فضلًا عن كل ما تقدم يمثّل القادة العسكريون وقادة الأمن والرموز الوطنية الإيرانية كحسن روحاني وعلي أكبر ولايتي وأحمد وحيدي وسعيد جليلي على سبيل المثال، بالإضافة إلى المؤلفين الأكثر تواترًا في المجلّات والمراكز الفكرية الكبرى (وكثير منهم أساتذة جامعيين)؛ منظومة أوليغارشية تشكل وتطور العقيدة العسكرية والإستراتيجية، حيث إن فهم كتابات هذه المجموعة ونظرياتها ونظرتها للعالم، لها أهمية حاسمة في فهم سياسة الأمن القومي الإيراني.