ترجمة وتحرير: نون بوست
قريبًا ستكون قد مرت سنة ونصف على أحداث السبت الأسود الملعون، ومع مرور الوقت يتعزز فهمنا لحجم ما خسرناه في الحرب وما نحن بصدد خسارته. لن يمحو هذه الهزيمة أي انتصار عسكري، سواء كان كاملاً أو جزئيًا. حتى إذا استطعنا أن نحتل جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحتى إذا استسلم لنا الجميع، فلن ننتصر في هذه الحرب.
من الصعب أن أكتب هذا الكلام، فهو يبدو مؤلمًا وغريبًا، ولكن هذا ما نشعر به.
لقد خسرنا في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ونخسر مع كل جندي يُقتل، وكل رهينة لا نتمكن من استعادتها، وكل عائلة لا تستطيع العودة إلى منزلها، وكل جندي دُمّرت روحه، وكل طفل أصبح يبلّل فراشه.
نحن نخسر أيضًا مع كل بيت نُجبر على هدمه، وكل حي نُجبر على محوه، وكل حشد من الناس نُجبر على قتلهم، وأنا أكتب “نُجبر” عن عمد.
أنا لا أعتقد أن إسرائيل تهدم بلا سبب، أو تقتل بلا سبب، ولكنني أعتقد أن كل عمل من هذا القبيل يعمّق هزيمتنا، ونحن لا نعي هذه الهزيمة، نحن نرتكب خطأ إذا اعتقدنا أن هذا هو النصر.
لكننا لا نخسر أمام العدو، بل نخسر أمام أنفسنا، وأمام روح شعبنا، وأمام وعينا، وأطفالنا، والمكان الذي نريد أن نبنيه هنا.
أحد أهم الأشياء التي تعلمناها من هذه الحرب هو أنه من الممكن انتهاك السيادة بالقوة – كما فعلت بنا حماس في ذلك السبت الملعون – لكن من المستحيل استعادة السيادة بالقوة، ولا يهم حجم القوة التي تُستخدم. فالسيادة، مثل الثقة أو الهوية، تحتاج إلى إعادة بناء، بخطوات صغيرة، وليس ظاهريًا بل من الداخل.
أي شخص لا يسأل نفسه عمّا كان الواقع يحاول أن يخبرنا به في ذلك السبت، وماذا أراد أن يخبرنا به منذ ذلك الحين، لن يصل أبدا إلى الإجابة. ما دام ضجيج البنادق يعمينا، فإننا – كمجتمع – سوف ننتهك السيادة. وهذا لا يعني أننا لا نحتاج إلى الحرب، بل نحن بحاجة إليها. أنا لست من دعاة السلام، لكننا لن نحقق الأمن الحقيقي على المدى الطويل إذا لم نعترف أولًا أننا قد هُزمنا.
بالتأكيد يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لإعادة الرهائن في أقرب وقت ممكن، ولكن ليس من أجل النصر.
يجب إعادة الرهائن إلى الوطن لكي نتعلم كيف نتنفس من جديد. إن السعي المهووس وراء الانتصار العسكري، الذي من المفترض أن يمحو الهزيمة، أصبح بالنسبة لنا آلية خطيرة للقمع، وحتى للإنكار بالنسبة للبعض.
لقد كتبت في هذه الصفحات أن التمييز بين أولئك الذين يعترفون بالهزيمة ومن ينكرونها، قد يكون الوصف الأدق لحالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي اليوم.
هذا الوعي يزداد حدة، ويجب أن يكون قادة إسرائيل القادمون قادرين على الاعتراف بهذه الهزيمة، ليس من خلال إلقاء اللوم على هذا المسؤول أو ذاك، ولكن من خلال البحث العميق في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة. يجب الاعتراف بمسؤوليتنا جميعًا، والمسار الذي اتبعناه، والرواية التي روجنا لها، وكل خطايانا.
حتى الآن لم أسمع أن أي زعيم سياسي أو اجتماعي، من أي طرف، يجري مثل هذا البحث العميق والصادق عن الأسباب. حتى الآن، لم أسمع قائدًا واحدًا يقول إننا خسرنا، ومازلنا نخسر، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل من ناحية الخلل العميق في فهمنا للواقع، وفهمنا لهذه المنطقة، وعلى وجه الخصوص فهمنا لأنفسنا.
تتلخص القوة العظيمة التي مكنت اليهودية من البقاء على مر التاريخ بقدرتها على الاعتراف بهزائمها وخطاياها ودمارها.
على مدار آلاف السنين، صام اليهود اليوم الذي حاصر فيه نبوخذ نصر، ملك بابل، القدس في القرن السادس قبل الميلاد.
إن انتصارنا الحقيقي الوحيد كمجتمع، وأملنا في أن نولد من جديد، ونصنع المستقبل، يعتمد بالكامل على قدرتنا على أن نقيّم الهزيمة بشكل صادق وعميق وثوري.
المصدر: هآرتس