قبل عامين تقريبًا، ذكر موقع تويتر أنه يدرس إمكانية إلغاء أزرار الإعجاب واستبدالها بإظهار عدد الأشخاص الذين يتحدثون عن التغريدة من أجل تحفيز المستخدمين، وخاصة الصامتين الذين يكتفون بالإعجاب، على المشاركة والتفاعل بالردود والنقاش. ومنذ فترة وجيزة، كشف تسريب عن نية منصة إنستغرام، حذف عداد الإعجابات من المنشورات الخاصة بمستخدميه، بهدف “تشجيع المتابعين على التركيز على المحتوى المنشور، وليس على عدد الإعجاب الذي حصل عليه المحتوى”.
واليوم، أعلنت المنصة، التابعة لشركة فيسبوك العملاقة، بشكل رسمي، أنها تجري اختبارًا لهذه الخاصية الجديدة لمستخدمي الموقع في بلدان عدة، مثل نيوزيلندا وإيطاليا واليابان والبرازيل وإيرلندا وكندا واستراليا، بحيث لا يرى عدد المستخدمين الذين أبدوا إعجابهم بأي مشاركة، سوى صاحب الحساب نفسه. ووسط التوضيحات، واجه هذا القرار ردود فعل مختلفة ومتنوعة بين الترحيب والانتقاد، فما أسباب الاستياء والتأييد؟
محاولات متكررة لتنقية منصة إنستغرام من شوائب العالم الرقمي
منذ البداية، لوحظ أن هذه المنصة المتخصصة في نشر الصور وتبادل الفيديوهات تحاول أن تتحمل مسؤولية منتجها الرقمي على قدر الإمكان، فلقد اتخذت إجراءات عديدة لكي تصنع بيئة افتراضية صحية خالية من التنمر والمنشورات والتعليقات المسيئة والحسابات المزيفة على منصتها، وبالتالي فإن اختبار إلغاء عداد الإعجابات واحدة من الخطوات التي تكمل رؤيتها وسياستها.
فلقد ذكر موقع “تك كرانش” أن هذه الخطوة سوف تقلل من عقلية “ثقافة القطيع”، التي تجعل الكثيرين يبدون إعجابهم بالمشاركة التي حصلت على عدد كبير، من الإعجاب فقط، كما أنها ستقلل من الشعور بالمنافسة بين مستخدمي التطبيق، وتعيد التركيز على مشاركة الفن والتعبير عن الذات، وتوقفهم عن اللهث خلف الشهرة المزيفة، لا سيما أنه تم تقييم إنستغرام في أكثر من مرة على أنه أسوأ موقع تواصل اجتماعي عندما يتعلق الأمر بتأثيره على الصحة العقلية لفئة الشباب، إذ يستخدم هذا الموقع نحو 90% من هذه الفئة ولذلك معرضون بشكل خاص لتأثيراتها المدمرة بدرجات متفاوتة، والمسببة للقلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والعار، فهي واحدة من المنصات التي تركز بشكل كبير على الصورة وبالتالي تثير لدى المستخدمين مشاعر بعدم الاكتفاء.
فعلى الرغم من الفرصة الجيدة التي تمنحها للمستخدمين في التعبير عن نفسهم والحديث عن حياتهم، فإنها تخلق لديهم مشاعر سلبية مبنية على الهوس المفرط باقتناء “الإعجابات” ومقارنتها مع الآخرين في هذا الفضاء الافتراضي، وهو ما يمكن التخلص منه من خلال تقليل التركيز على عدد الإعجابات في المنشورات والقضاء على فكرة المنشور المفضل والأكثر فاعلية.
رغم جميع عواقبه النفسية والاجتماعية المخربة فإنه يعد في الوقت نفسه المصدر الرئيسي لدخل العديد من الشركات التجارية و”المؤثرين” الذين يعتمدون على هذه الأداة في إثبات شهرتهم الافتراضية واجتذاب فرص العمل
ففي مجتمع اليوم، يعتقد الناس أن شعبيتهم وجمالهم وقيمتهم الذاتية تنبع من مقدار الإعجابات التي يتلقونها على صورهم الشخصية، ما يدفع مستخدمي المنصة إلى تعديل مشاركاتهم وإخفاء عيوبهم بعناية والتظاهر بالكمال، سعيًا لسد الفجوة التي تبعد بينهم وبين مشاهير ونجوم هذا العالم الرقمي، وإذا فشلوا بالتشبه بهم وبأسلوب حياتهم – وهو ما يحدث في الغالب لأن هذا المكان يشوبه الكثير من الزيف – فمن الأرجح أن تهتز ثقتهم بأنفسهم ويتدنى مستوى احترام الذات لديهم.
والأمل يبقى في التخلص من هذه السموم الرقمية التي تكثر وتنمو معها مشاعر الحسد والنرجسية من خلال حذف زر الإعجاب، ولكن رغم جميع انعكاساته وعواقبه النفسية والاجتماعية المخربة فإنه يعد في الوقت نفسه المصدر الرئيسي لدخل العديد من الشركات التجارية و”المؤثرين” أو كما يطلق عليهم بالإنجليزية influencers الذين يعتمدون على هذه الأداة في إثبات شهرتهم الافتراضية واجتذاب فرص العمل.
تأثير هذا التغيير على فئة “المؤثرين” الرقميين
نحن نعرف أنه في السنوات الأخيرة الماضية، حدث اختلاف جوهري في منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، مع تحولها إلى ساحات عرض تجارية لمساعدة المستخدم على إيجاد المنتجات التي يرغب بشرائها بسهولة وبالمواصفات المطلوبة، وفي الوقت ذاته مساعدة الشركات التجارية على الانتشار على أوسع نطاق ممكن وتحقيق مبيعات ربحية مرضية من خلال جذب المشترين المحتملين إلى المنتجات والسلع التي تهديها للـ”مؤثرين” مجانًا – في الغالب -.
وبحسب تقرير نُشر على موقع الجزيرة، فلقد أصبح إنستغرام وحده صناعة تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، وباتت الشركات التجارية تدفع ما بين 5 دولارات و10 دولارات لكل ألف متابع يتفاعل مع منشور تعلن فيه عن منتج من أجلهم، بينما يدفع البعض الآخر 100 دولار لكل 100 متابع، والآخرون قد يدفعون لك منتجات مجانية فقط بشكل مبدئي حتى تثبت نجاحك وقدرتك على جذب الجمهور، وهذه مسؤوليتك وعملك الحقيقي.
مع محاولة الدول للاستفادة من هذه المنافع والأرباح غير المسجلة وإعلان إنستغرام الأخير، فمن المتوقع أن يساهم هذا التغيير في زيادة القيود على هذه الفئة المستحدثة
ويذكر التقرير أن “من لديه عدد متوسط، في حدود 500 ألف متابع، يمكنه تحصيل مبلغ بين 2000 و3000 دولار لكل صورة يلتقطها لنفسه مع منتج لعلامة تجارية، ويعرضها على جمهوره، في حين قدر البعض عائد الفتيات المهتمات بالأزياء من الصورة الواحدة بـ8000 دولار من شركات الأزياء أو بيوت الموضة”، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الأرقام التي يتم الحصول عليها عن طريق السماح للشركات والمسوقين الرقميين بالإعلان تعتبر شكل من أشكال الأنشطة الاقتصادية.
وذلك ما يفسر فرض بعض الحكومات ضرائب وتراخيص على المواد الإعلانية المنشورة على حسابات خاصة، مثلما حصل في الإمارات والسعودية التين سعتا لـ”ضمان التزام المؤثرين في مواقع التواصل بالمصداقية والموضوعية لموادهم المنشورة عبر حساباتهم”، وبسبب “وجود إعلانات مضللة لمنتجات مغشوشة ومقلدة”، ما يعني أنها تحاول بطريقة ما تحصيل ضرائب بقيمة 4 آلاف دولار سنويًا لتنظيم آلية العمل بهذا المجال.
ومع محاولة الدول للاستفادة من هذه المنافع والأرباح غير المسجلة وإعلان إنستغرام الأخير، فمن المتوقع أن يساهم هذا التغيير في زيادة القيود على هذه الفئة المستحدثة، فهذا الاختبار لن يمنعها من قياس شهرتها وانتشارها، ولكنه لن يمكنها من مقارنة نفسها مع المنافسين الآخرين وسيزيد من حجم التعقيدات والضغوط عليها، فوفقًا لأليكس فورد، كبير الخبراء الاجتماعيين في وكالة التسويق الرقمي Socialike قال: “أصبح من الصعب جدًا قياس معدل المشاركة والتفاعل الآن.. إذ سيتحول التركيز على أدوات قياس أخرى، أقل كفاءة وبالتالي لن يستطيع صانعي المحتوى تلبية توقعات الشركات التجارية”.
يضاف ذلك إلى اعتقادات أخرى تشير إلى احتمالية خلق “سباق فئران خلف الكواليس” على اعتبار أن الإعجابات سوف تبقى دائمًا جزءًا من اللعبة ومقياسًا مهمًا في هذا العالم الرقمي.
في الجهة الأخرى، ينظر البعض الآخر إلى نصف الكأس الممتلئ ويرى أن هذه الخطوة سوف تؤسس علاقات طويلة الأمد بين العلامات التجارية وصناع المحتوى الماهرين بدلًا من إقامة علاقات مؤقتة ومتقطعة، وبالتالي سوف تزيد ثقة الجمهور بصاحب الحساب والعلامة التجارية والمنتج الدعائي.