في الوقت الذي كان الجميع ينتظره فيه التوقيع على المرسوم الدستوري بين قوى الحرية والتغيير السودانية والمجلس العسكري الانتقالي، تم الإعلان عن تأجيل هذا التوقع لوقت يُحدّد لاحقًا، لإخضاع النقاط الخلافية بين الطرفين لمزيد من التشاور، والوصول إلى رؤية موحدة بينهما، فما هي أهم العقبات التي تقف أمام هذا الاتفاق؟ وأي خيارات للمعارضة السودانية لمواجهة العسكر في حال لم يستجيب لمطالبها؟
الحصانة المطلقة
طلب تأجيل التوقيع جاء من جهة قوى الحرية والتغيير المعارضة بعد اجتماعات داخلية انخرطت بها على أن تصدر بيانًا توضيحيًا حول الأمر لاحقًا، وكانت الوساطة الإفريقية الإثيوبية حددت اليوم موعدًا لإكمال المفاوضات حول النقاط الخلافية العالقة، والتوقيع على الوثيقة الدستورية.
وأرجع الصحفي السوداني خالد أحمد تأجيل الاتفاق إلى وجود نقاط اختلاف كبيرة حول الإعلان الدستوري بين الطرفين منها قضية الحصانة لأعضاء المجلس السيادي الذي ستوكل له مهمة قيادة البلاد في الفترة الانتقالية القادمة.
وكان طرفي المفاوضات قد اتفقا في وقت سابق على إقامة مجلس للسيادة بالتناوب بين العسكريين والمدنيين ولمدة ثلاث سنوات أو تزيد قليلا، ويرأس هذا المجلس في البداية أحد العسكريين لمدة 21، في حين سيتولى المدنيون رئاسته خلال المدة المتبقية، وهي 18 شهرا.
ترفض بعض مكونات قوى الحرية والتغيير مراجعة النسب خاصة مع صمت الوسيط عن التقيد بالاتفاقات السابقة
بحسب الاتفاق السياسي المحدد لهياكل الحكم في البلاد خلال المرحلة الانتقالية ، يتشكل المجلس السيادي من 11 عضوا، بينهم خمسة عسكريين يختارهم المجلس العسكري، وخمسة مدنيين يختارهم تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلى عضو مدني آخر يتفق عليه الجانبان.
ويصرّ المجلس العسكري على الحصانة الاستثنائية لأعضاء المجلس السيادي التي تحصنهم من المساءلة القانونية حيال أي جرائم ترتكب طيلة المرحلة الانتقالية، الأمر الذي ترفضه قوى المعارضة نتيجة مخاوف جدية من إفلات من تورطوا في مجزرة فض الاعتصام في الخرطوم، في 3 من يونيو/حزيران الماضي، التي راح ضحيتها أكثر من 100 متظاهر.
وسبق أن صرح اسماعيل التاج المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، الذي يعتبر أبرز مكونات تحالف الحرية والتغيير الذي يقود الاحتجاجات، “نرفض الحصانة المطلقة التي طرحها المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ إطاحة الرئيس السابق عمر البشير “.
نسبة مشاركة المعارضة في المجلس التشريعي
ثاني النقاط العالقة بين الطرفين تتمثل في نسبة مشاركة المعارضة في المجلس التشريعي حيث تم الاتفاق سابقا على أغلبية لقوى المعارضة ولكن المجلس العسكري عاد وقال يجب إشراك بقية القوى السياسية، يقول خالد أحمد لنون بوست.
وتعتبر مسألة نسب التمثيل في هذا المجلس أبرز نقاط الخلاف في هذه المسألة، وسبق أن اتفق الطرفان على أن تحالف قوى الحرية والتغيير سيحصل على ثلثي مقاعد المجلس التشريعي قبل أن تفض قوات الأمن اعتصامًا في الثالث من حزيران/ يونيو مما أدى إلى مقتل العشرات وانهيار المحادثات. يشار إلى أن عدد مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي، وفقًا للتفاهمات التي سبقت فض الاعتصام، تبلغ 300 مقعد.
وترفض بعض مكونات قوى الحرية والتغيير مراجعة النسب خاصة مع صمت الوسيط عن التقيد بالاتفاقات السابقة، وهو ما يعني بالضرورة إعادة فتح النقاش، يذكر أن الوسيط لم يتحدث عن أرقام، لكنه أشار إلى ضرورة تمثيل فئات وإبعاد المؤتمر الوطني الحزب الحاكم سابقا والمشاركين لهم في السلطة المعزولة.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة
إحدى نقاط الخلاف الأخرى أيضا، نجد إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، فقد أورد مشروع الإعلان الدستوري قوات الدعم السريع بشكل موازٍ للجيش، رغم تبعيتها للقوات المسلحة، وهو ما تتحفظ عليه قوى الحرية والتغيير.
ترى قوى الحرية والتغيير ضرورة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات خلال الفترة الانتقالية، وأي يكون ذلك من اختصاص الحكومة المنتخبة فيما يرى العسكر أن مهمة الهيكلة تسند له حصرا، الأمر الذي يثير مخاوف السودانيين وشكوكهم.
يطالب العسكر بالحصانة الكاملة خوفا من المحاسبة
وكان المجلس العسكري قد استبق بداية الفترة الانتقالية بأن ضم قوات هيئة العمليات البالغة 12 ألف مقاتل (قوة قتالية) والتابعة لجهاز الأمن السوداني إلى قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري.
يذكر أن قوات الدعم السريع التي يطلق عليها أيضا “الجنجويد“، كانت قد تشكلت في دارفور للتصدي للحركات المسلحة وعلى رأسها (الحركة الشعبية لتحرير السودان) التي كانت تحارب الحكومة المركزية السودانية، وتتهم هذه المجموعة المسلحة بفض اعتصام القيادة، كما تتهم بارتكاب مجازر حرب في دارفور.
المراهنة على الشارع
هذه النقاط الجوهرية، يقول أحمد خالد، إنه يمكن في حال عدم التوصل لتوافق حولها أن تنسف ما تم الاتفاق عليه سابقا، وكان قادة الاحتجاج والمجلس العسكري قد توصلوا في في 5 يوليو/تموز إلى اتفاق جرى برعاية الاتحاد الأفريقي ووسطاء إثيوبيين بعد مفاوضات مكثفة بينهما.
هذا الأمر يستوجب على قوى المعارضة السودانية بمختلف أطيافها وتوجهاتها أن تتحسب لأي طارئ، وفق خالد، ويضيف الصحفي السوداني لنون بوست، “على المعارضة أن تستمرّ وتحافظ على إيقاع المظاهرات على مستوى الشارع.”
وكان المئات من السودانيين قد خرجوا أمس الخميس في مسيرات صوب ميدان رئيسي بالخرطوم “لتأبين شهداء الثورة” التي أسفرت عن مقتل أكثر من مئتي شخص منذ اندلاعها في ديسمبر/كانون الأول الماضي ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير.
هذا الانقسام في صفوف المعارضة، سيقلل من فرصها في انجاز أي اتفاق ينهي أو يقلل من سيطرة العسكر على الأوضاع
طالب المحتجون بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، والقصاص للضحايا الذين سقطوا خلال الأشهر الماضية، كما رددوا هتافات ثورية ورفعوا صورا لبعض ضحايا الاحتجاجات، ولوّحوا بأعلام السودان ، غير أن قوات تابعة للمجلس العسكري أطلقت الغاز المسيل للدموع عليهم.
كما خرج عدد من طلاب الجامعات في مسيرات لتأكيد نفس المطالب، ورددوا شعارات تؤكد مشروعية مطالبهم، كما رفعوا لافتات تطالب بالقصاص للضحايا الذين سقطوا خلال جميع الأحداث التي شهدها السودان طوال الأشهر الماضية، وقد اعترضت قوات الأمن هذه المظاهرات.
وتترك قوى المعارضة السودانية كلّ الخيارات مفتوحة أمامها في حال إصرار العسكر على عدم الاستجابة لمطالب المحتجين، من ذلك “عصيان مدني شامل وإضراب سياسي مفتوح، ” كما حصل الشهر الماضي، وذلك لمزيد الضغط على المجلس الانتقالي العسكري حتى يسلّم السلطة للمدنيين.
انقسام المعارضة يثير المخاوف
ما يقلق أهل السودان ليس تعنت العسكر فقط، بل انقسام المعارضة أيضا، فالمعارضة السودانية أصبحت مقسومة فيما بينها، وفق خالد أحمد، ويتجلّى ذلك من خلال معارضة أحزاب كثيرة الاتفاق الأخير بجانب الحركات المسلحة، ما جعل تحالف قوى التغيير يرسل وفدا لأثيوبيا للقاء الحركات المسلحة والتشاور معهم.
وسبق أن رفضت قوى سودانية للاتفاق مع العسكر، وكان الحزب الشيوعي، أحد مكونات قوى التغيير، أول من أعلن رفضه للاتفاق، معتبرًا أنه “كرّس هيمنة المجلس العسكري على كل مفاصل الدولة“. وتعهد الحزب، في بيان، باستمرار “التصعيد الجماهير السلمي، حتى تحقيق أهداف الثورة”، و”الانتزاع الكامل للحكم المدني الديمقراطي“.
تباين مواقف المعارضة بشأن الاتفاق السياسي
فيما أعلنت “الجبهة الثورية”، رفضها للاتفاق، باعتباره “لم يعالج قضايا الثورة”، و”تجاهل أطرافًا وموضوعات مهمة“. وتضم الجبهة حركات مسلحة متحالفة مع “نداء السودان”، أحد مكونات قوى التغيير.
“كما أعلنت شبكة الصحفيين” السودانيين المعارضة، وهي أحد مكونات تجمع المهنيين (إحدى مكونات قوى التغيير)، هي الأخرى في بيان، رفضها للاتفاق، وقالت إنّه يصب في “ذات الاتفاقيات القديمة التي لم تصنع واقعا جديدا لشعبنا“.
هذا الانقسام في صفوف المعارضة، سيقلل من فرصها في انجاز أي اتفاق ينهي أو يقلل من سيطرة العسكر على الأوضاع، ذلك أن أي انقسام في صفوف المعارضة المستفيد منه العسكر والنظام القديم، وفق قول الصحفي خالد أحمد.
يرى خالد أحمد ضرورة توحيد المعارضة لموقفها التفاوضي، حتى تستطيع فرض مطالب الشعب على المجلس العسكري الانتقالي الذي يسعى بدوره إلى إحكام سيطرته على السودان كما كان الوضع عليه قبل سقوط الرئيس السابق عمر البشير، حتى لا يفقدوا امتيازاتهم.