تمتلك سوريا كواحدة من الدول المطلة على شرق المتوسط، احتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي، إذ سبق أن أكدت توقعات الهيئة الجيولوجية الأميركية وجود احتياطات طبيعية في المنطقة البحرية السورية الخالصة، غير مكتشفة وتقدر بنحو 700 مليار متر مكعب. عدا عن نقاط توافره في مناطق الجزيرة السورية التي وصل إنتاجها مطلع الألفية إلى 600 ألف برميل يوميًا.
هذه الثروات التي كان من المفترض أن تكون ركيزةً لتنمية اقتصادية وطنية، احتكرها نظام الأسد البائد لعقود طويلة، لصالح مكتسباته الشخصية قبل أن تصبح رهن للعديد من الاتفاقيات التي أطالت عمر بقاءه في السلطة ما بعد عام 2019.
فمن مذكرات التفاهم العديدة مع إيران للتنقيب عن الثروات المعدنية لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في سوريا، مرورًا بإعطاء الشركات الروسية صلاحيات للاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخالصة السورية لعقود تمتد إلى 25 سنة قادمة، تثير تقارير حول احتمالية توريد غاز إسرائيلي إلى سوريا عبر الأردن تساؤلات عن مدى حاجة سوريا لهذا الغاز في ظل امتلاكها لموارد غير مستغلة.
وأيضًا يثير مخاوف كبيرة بشأن احتمالية التعاون المحتمل مع الاحتلال متهم بإرتكاب إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة، وهو ما يتعارض مع تاريخ سوريا الرافض للتطبيع مع “إسرائيل”، ومبادئ الشعب السوري تجاه القضية الفلسطينية.
واقع احتياطي الغاز السوري
تُقسّم المنطقة الاقتصادية السورية الخالصة، أي المنطقة البحرية التي تمارس عليها الدولة حقوقًا خاصة في استغلال واستخدام الموارد حسب الاتفاقية التي تحددها الأمم المتحدة لقانون البحار، إلى أربعة بلوكات رئيسية وفق مخططات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية. ورغم عقود المسح الكثيرة التي أجرتها سوريا ما قبل عام 2010، مع شركات البحث بآليات سيزمي (جهاز يبحث عن التجاويف الصخرية وما تحويه من مكامن نفطية أو غاز)، إلا أنه لم تصدر أرقام دقيقة حول كميات النفط والغاز السوري.
أما في محافظات الحسكة ودير الزور حيث يتركز إنتاج الغاز السوري، فبناءً على بيانات شركة “بي بي” البريطانية للطاقة، بلغ إنتاج الغاز السوري عام 2010 نحو 800 مليون قدم مكعبة يوميًا، مقارنة بـ 500 مليون قدم مكعبة يوميًا من شرق المتوسط بين عامي 2008 و 2009، على خلفية استثمار حقول جديدة.
سبق أن صرّح وزير النفط السوري في حكومة النظام السابق، فراس قدور، أن إنتاج البلاد من النفط ينخفض منذ عام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل، حتى وصل عام 2023 إلى 15 ألف برميل يوميًا، وهي أدنى نسبة إنتاج شهدها قطاع النفط السوري خلال العقدين الأخيرين. أما بالنسبة لقطاع الغاز، فأضاف على هامش مؤتمر الطاقة العربي، المنعقد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2023، أنه شهد كذلك تراجعًا كبيرًا قدّره بـ 10 مليون متر مكعب فقط في اليوم الواحد، بعد أن كان يصل إلى 30 مليون متر مكعب عام 2010.
وكشفت دراسة أجراها مركز جسور للبحوث والدراسات، أن النظام السوري السابق كان يخفي ثروات الطاقة الطبيعية مثل النفط والغاز والثروات الأخرى. مشيرة أن محمد مخلوف خال الرئيس الهارب كان المدير الفعلي لعدد كبير من هذه الثروات. فيما تؤكد احتكار النظام لقطاع الثروات التعدينية، خاصة الفوسفات والنفط الخام لتمويل القصر الجمهوري. مع الإبقاء على موازنات هذه الإيرادات بعيدة عن موازنة الدولة، حيث كانت ترفع بتقارير مباشرة إلى القصر الجمهوري تحت مسمى تغطية الإنفاق العسكري.
استغلال الغاز للتقارب الدولي
أدرك نظام الأسد البائد قدرته على استغلال الحاجة الإقليمية والدولية المتزايدة للغاز، في استعادة نفوذه السياسي وإعادة تأهيل موقعه على الساحة الدولية. إذ سعى الأسد ما بين عامي 2021 و 2022 لعقد عدة صفقات ساهمت في التطبيع معه باعتبار سوريا نقطة اتصال جغرافية بين الشرق والغرب في مشاريع الطاقة. وازدادت قوة هذه الفرص مع التحولات السريعة التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من بحث دول الاتحاد الأوروبي عن بدائل لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
على سبيل المثال، وقع الأسد في أيلول/ سبتمبر 2021 على اتفاقية بين مصر وسوريا ولبنان لنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز المصري الطبيعي إلى لبنان عبر الأراضي السورية، لإنهاء أزمة الطاقة التي تعاني منها لبنان منذ سنوات. تضمنت الاتفاقية توريد الغاز المصري إلى محطة دير عمار اللبنانية التي يمكنها توليد 450 ميغاواط من الكهرباء. على أن يمر خط التوريد عبر “خط الغاز العربي” (تم إنشاؤه عام 2003 وكان من المفترض أن يصل إلى تركيا قبل أن يتوقف) الممتد من مصر إلى الأردن ثم سوريا ولبنان. وسط تصريحات نادرة أشارت إلى أن مصدر الغاز القادم من مصر إسرائيلي مستخرج من حقلي “ليفياثان” و”تمار” في البحر المتوسط.
كان للولايات المتحدة الأمريكية الدور الأكبر في إتمام هذه الاتفاقية بعد سماحها للبنان باستجرار الكهرباء عبر الأراضي السورية، على الرغم من العقوبات المفروضة على النظام بموجب قانون قيصر، تحت ذريعة تولي البنك الدولي تمويل عملية النقل وإصلاح شبكة الكهرباء وتقويتها بالشكل المطلوب. وقد عد مركز جسور للبحوث والدراسات أن هذه الاتفاقية تتيح للنظام ـ ولو بشكل جزئي – عقد صفقات تمهد لإعادة إعمار سوريا دون حل سياسي، إلى جانب تعزيز مكاسب روسيا الاقتصادية في سوريا مقابل تجريد إيران من هوامش المناورة في المنطقة.
لاحقًا، عزز الأسد موقعه الاقتصادي باتفاقية استراتيجية أخرى تضمن لإيران حصتها في ثروات البلاد، شملت مذكرة تفاهم في مجال الثروات المعدنية، جرى توقيعها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021. لتعزيز التعاون بين طهران ودمشق عبر تبادل الخبرات والتقنيات، وهو ما كان من شأنه أن يتيح لإيران دورًا أكبر في استخراج وتطوير الموارد المعدنية مثل الفوسفات والتحكم في بيعها وتوريدها.
العرض الأردني لتقديم الغاز لسوريا
في إطار تعزيز التعاون بين البلدين ودعم سوريا في المرحلة الحالية التي تمر بها بعد سقوط نظام الأسد، أعلن الأردن عن استعداده لتقديم المساعدة والدعم الفني في قطاعي الكهرباء والغاز، حيث صرّح وزير الطاقة والثروة المعدنية، صالح الخرابشة، أن فريق فني أردني بدأ العمل على تقييم خط الكهرباء الواصل بين الأردن وسوريا، من الجانب السوري، لتحديد المدة الزمنية اللازمة لصيانته. كما أكد الوزير على استعداد الأردن لتزويد سوريا بنحو 250 ميجاواط من الكهرباء فور جاهزية الشبكة.
وأعلن الخرابشة عن استعداد بلاده لدعم سوريا في استيراد الغاز الطبيعي، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من البنية التحتية الأردنية، من خلال سفينة التغييز العائمة في ميناء العقبة، المستخدمة لتخزين ونقل الغاز الطبيعي المُسال. بالاستعانة بأنابيب “خط الغاز العربي” الذي يربط البلدين. مؤكدًا أن شبكة الأنابيب من الطرف السوري تم صيانتها مؤخرًا وجاهزة لإيصال الغاز إلى محطات توليد الكهرباء.
في سياق متصل، وصلت إلى ميناء بانياس في 12 يناير/ كانون الثاني الجاري أول ناقلة نفط تحمل مادة الغاز المنزلي، وفقًا لتلفزيون سوريا. على أن تبدأ الشركة السورية لنقل النفط بتفريغ الناقلة التي تعتبر الأولى منذ سقوط نظام الأسد. وكان موقع “الطاقة” المتخصص في أخبار الطاقة والنفط قد أشار إلى الناقلة قبل وصولها إلى سوريا بأيام. فيما قدّر حمولتها بحوالي مليون برميل من النفط الخام، قادمة من إحدى الدول العربية. ويفترض أن تساهم هذه الشحنة الأولية في إعادة تشغيل مصفاة بانياس المتوقفة لنقص إمدادات النفط.
الأردن يمتلك حقول غاز لكن ماتنتجه أقل بكثير من احتياجاته. قطاع الكهرباء في الأردن يعتمد بشكل شبه كامل على الغاز المستورد من إسرائيل وهذا يعني أن أي توريد أردني للغاز إلى سوريا على شكل غاز (بالناقلات أو عن طريق خط الغاز العربي) أو كهربا مولدة في محطات الأردن، مصدره إسرائيلي. https://t.co/9N6S7xb6gK
— Hisham (@Hisham__HM) January 9, 2025
رصدنا في نون بوست منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي عقّّبت على أخبار استيراد الغاز الطبيعي من الأردن إلى دمشق، تخللها شكوك حول مصدر الغاز وما إن كان إسرائيليًا. نتيجة لاعتماد الأردن بشكل كبير على واردات الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجاته. حيث وقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية عام 2016 اتفاقية مع شركة “نوبل إنرجي” الأمريكية، لتوريد الغاز من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي لمدة 15 عامًا، بقيمة تقدر بحوالي 10 مليار دولار.
تستخدم الأردن هذا الغاز بشكل أساسي في توليد الكهرباء، حيث يسهم الغاز الطبيعي في إنتاج 40% من كهرباء الأردن، ويوفر حوالي 600 مليون دولار سنويًا كبديل لاستخدام النفط.
هذا على الرغم من امتلاك الأردن احتياطي يقدر بنحو 14.6 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، الموجود في حقل الريشة الغازي الواقع شمال شرق الأردن بمحافظة المفرق على الحدود مع العراق، وفقًا للسيناريو الأعلى الذي وضعته شركة شلمبرجير العالمية العام الماضي، مع إمكانية استخراج حوالي 6.35 تريليون قدم مكعبة. عدا عن أن هذه الإحصاءات تثير سخط الشعب الأردني باستمرار حول عدم استغلالها لصالح تنمية مجال الطاقة في البلاد والاستغناء عن غاز الاحتلال الإسرائيلي.
حسب تصريحات أدلى بها وزير النفط غياث دياب في الحكومة السورية المؤقتة، لموقع “الطاقة”، حول وجود محادثات مع دول عربية لاستيراد النفط الخام، قال: “إننا نعمل على التواصل المستمر مع العديد من الدول العربية ودول المنطقة، لاستكشاف فرص التعاون في مجال الطاقة.. ونأمل أن تؤدي المحادثات إلى نتائج إيجابية تخدم مصالح الشعب السوري”.