أحرز المنتخب الجزائري لكرة القدم، مساء أمس الجمعة، كأس الأمم الإفريقية – وهي الثانية له في تاريخه – وذلك إثر فوزه الثمين في المباراة النهائية على نظيره المنتخب السنغالي بإستاد القاهرة الدولي في نسخة 2019 من البطولة الإفريقية، في هذا التقرير لـ”نون بوست” نستعرض أهم الأرقام والتتويجات التي حققها منتخب “الخضر” في هذه الدورة.
أسرع هدف في البطولة
لم ينتظر محاربو الصحراء إلا دقيقتين حتى فعلها بغداد بونجاح وسجل الهدف الأول للمنتخب إثر تسديدة قوية عند مشارف منطقة الجزاء حولها مدافع منتخب “أسود التيرانغا” ساليف ساني في مرماه، وذلك بعد تمريرة من إسماعيل بن ناصر.
وجاء هدف بونجاح بالتحديد في الثانية 20 بعد الدقيقة الأولى، وكسر هدف اللاعب الجزائري الرقم الذي حققه هدف مايكل بوتيه لاعب بنين الذي كان الأسرع في “كان 2019” قبل مباراة البارحة، إذ سجله في مرمى غانا بعد دقيقة و44 ثانية.
فضلاً عن ذلك، يعدّ هذا الهدف من أسرع أهداف المباريات النهائية في تاريخ البطولة الإفريقية، لينضم الهداف الجزائري بونجاح إلى اللاعبين الذين سجلوا أسرع الأهداف في نهائي كأس الأمم الإفريقية كاللاعب المصري محمد دياب العطار في مرمى إثيوبيا في نهائي 1957 والنيجيري باتريك أوديغبامي في مرمى الجزائر في نهائي نسخة 1980.
أصبح هدف بوجناح ثاني أسرع هدف في تاريخ بطولة كأس الأمم الإفريقية منذ بدايتها عام 1957، ويتقاسم بونجاح المركز الثاني مع المصري محمد دياب العطار “الديبة” الذي سجل أيضًا في الدقيقة الثانية في أول نهائي للبطولة عام 1957 في مرمى إثيوبيا التي انتهت بفوز مصر 4-0 وتتويج الفراعنة باللقب.
أما عن أسرع هدف في تاريخ كأس الأمم الإفريقية، فهذا الرقم القياسي ما زال باسم لاعب منتخب مصر والزمالك الأسبق أيمن منصور، حيث سجّل هدف في الثانية 21 من عمر لقاء الفراعنة والجابون في بطولة نسخة سنة 1994 التي نظمتها تونس، وفاز بها منتخب نيجيريا بعد فوزه على زامبيا في النهائي بهدفين مقابل هدف.
الثاني في تاريخه
بهذا التتويج المهم، استعاد منتخب “الخضر” اللقب الإفريقي الغالي بعد غياب دام 29 عامًا، ليسطع نجمه مجددًا في سماء القارة السمراء، واللقب هو الثاني للمنتخب الجزائري في تاريخ مشاركاته ببطولات كأس الأمم الإفريقية، علما بأنه توج بلقبه الوحيد السابق على أرضه عام 1990 بالفوز على نظيره النيجيري في المباراة النهائية للبطولة.
وكان المنتخب الجزائري قد وصل إلى نهائي كأس إفريقيا مرتين في عامي 1980 و1990، بيد أنه خسر في المرة الأولى أمام نظيره النيجري بثلاثية نظيفة، بينما فاز على نفس الفريق في المرة الثانية بهدف واحد مقابل لا شيء، محرزًا لقب البطولة الوحيد في تاريخه.
أصبح مدرب الخضر جمال بلماضي، المدرب الوطني رقم 11 الذي تمكن من التتويج باللقب القاري على مدار التاريخ
يذكر أنه منذ انطلاق بطولة الأمم الإفريقية فاز باللقب 12 دولة، هي: مصر (سبع مرات أولها 1957 وآخرها 2010) وإثيوبيا (1962) وغانا (أربع مرات أولها 1963 وآخرها 1982) والكونغو الديمقراطية (1968) والسودان (1970) والمغرب (1976) ونيجيريا (أولها 1980 وآخرها 2013) والكاميرون (خمس مرات أولها 1984 وآخرها 2017) والجزائر (1990) وساحل العاج (1992-2015) وتونس (2004) وزامبيا عام 2012.
ووصلت المنتخبات العربية للمباراة النهائية للبطولة القارية الإفريقية 15 مرة، ولم تكن المباراة النهائية عربية إلا مرتين: الأولى عام 1959 بين مصر والسودان، وعام 2004 بين المغرب وتونس، وكانت بطولة عام 2008 الأكثر غنى بالأهداف، إذا بلغت 99 هدفًا، ثم بطولة 2004 بـ88 هدفًا، ثم بطولة 1996 بـ78 هدفًا.
تتويج دون خسارة
قبل بداية انطلاق النسخة الـ32 من كأس أمم إفريقيا بمصر 2019، لم يكن منتخب الجزائر ضمن المنتخبات المرشحة لنيل لقب الدورة، فقد اتجهت الترشيحات بقوة إلى السنغال ومصر فضلاً عن منتخبات المغرب وتونس والكاميرون صاحبة لقب الدورة الماضية.
مع بداية البطولة، بدأت الخريطة تتضح شيء فشيئًا فمعظم المنتخبات المرشحة للفوز باللقب ظهرت بمستويات ضعيفة وغير مقنعة، فيما أظهر محاربو الصحراء الذين جاؤوا في في المجموعة الثالثة مع السنغال وتنزانيا وكينيا، قوة كبيرة وقدموا أداءً مبهرًا في جميع مبارياتهم.
حققت الجزائر العلامة الكاملة في دور المجموعات، فبعد الفوز على كينيا فازت على السنغال 1- صفر، ثم على تنزانيا 3 – صفر، علمًا بأن الفريق أدى أمام تنزانيا بـ9 لاعبين من البدلاء، كانت الجزائر طيلة هذه المباريات الأكثر إقناعًا.
في الدور الـ16 فازت الجزائر على منتخب غينيا 3 – صفر، أما في دور ربع النهائي واجهت الجزائر كوت ديفوار، وانتهى الوقت الأصلي والإضافي بنتيجة التعادل بهدف لمثله، غير أن ركلات الترجيح أنصفت الخضر.
ترشّحت الجزائر للدور نصف النهائي أين التقت مع نيجيريا، وتمكن “الخضر” من خطف ورقة التأهل للنهائي في الدقيقة الأخيرة حينما حصلوا على ركلة حرة قرب منطقة جزاء نيجيريا سددها رياض محرز باقتدار في مرمى الحارس النيجيري ليعلن الحكم بعدها انتهاء المباراة وصعود محاربي الصحراء للنهائي للقاء السنغال التي فازت على تونس.
بلماضي.. المدرب رقم 11 الذي يفوز بالكأس
أصبح مدرّب الخضر جمال بلماضي (43 عامًا)، المدرب الوطني رقم 11 الذي تمكن من التتويج باللقب القاري على مدار التاريخ، وتقلّد لاعب كرة القدم الجزائري الدولي السابق زمام تدريب منتخب بلاده منذ 2 من أغسطس/آب 2018 خلفًا للمدرب رابح ماجر.
وساهم بلماضي الذي كان يلعب في خط وسط الملعب قبل أن يصبح مدربًا، بدرجة كبيرة في هذا التتويج القاري المهم لمنتخب بلاده، حيث قدم منتخب الجزائر مستويات جيدة وفرض نفسه بقوة بقيادة المكافح جمال بلماضي الذي أعاد الروح للخضر، وفق قول الصحفي المهتم بالشأن الرياضي زياد عطية.
ويظهر دور بلماضي واضحًا عند المقارنة مع أداء منتخب الجزائر في البطولة السابقة بالغابون 2017 التي أقصي منها من دور المجموعات بعد تعادلين وهزيمة، واستطاع المدرب الوطني أن يكون منتخبين للجزائر في آن واحد: أحدهما فوق أرض الملعب أما الآخر فلاعبوه على مقاعد البدلاء.
يعرف عن بلماضي الذي ولد في الضواحي الباريسية في مارس/آذار 1976 وترعرع فيها، روحه القتالية سواء عندما كان لاعبًا أم مدربًا
أشار عطية في تصريح لنون بوست إلى أن “بلماضي أعاد اكتشاف أسماء قديمة كجمال بلعمري ويوسف البلايلي وعدلان قديورة ومزج بينهم وبين الصاعدين يوسف عطال ورامي بنسبعيني وإسماعيل بن ناصر وأدم وناس ومهدي زفان، وأضاف إليهم أسماء الخبرة مثل سفيان فيغولي وبغداد بونجاح وعيسى ماندي ورايس مبولحي، هؤلاء جميعًا يقودهم ويترأسهم الرسام رياض محرز”.
“خليط مميز شكل به بلماضي منتخبًا رائعًا ومتجانسًا، غرس فيهم روح الإصرار والتحدي، فقاتل لاعبوه إلى آخر رمق وأطاحوا بمنتخب تلو الآخر وكسبوا تعاطفًا منقطع النظير في كامل المعمورة” يقول زياد عطية، ويضيف “الخضر يستحقون اللقب عن جدارة واستحقاق”.
يعرف عن بلماضي الذي ولد في الضواحي الباريسية في مارس/آذار 1976 وترعرع فيها، روحه القتالية سواء عندما كان لاعبًا أم مدربًا، وتجلّى ذلك طيلة مشوار لعبه مع فرق كبيرة مثل أولمبيك مارسيليا الفرنسي ومانشستر سيتي الإنجليزي في تسعينيات القرن الماضي، أو مع المنتخب الجزائري في بدايات الألفية الحاليّة.
وقضى مدرب الخضر لحد الآن نحو عشر سنوات في مهمة التدريب، سواء مع نوادي قطرية مثل لخويا والدحيل (أنشئ بعد توحيد نادي لخويا ونادي الجيش)، أم مع منتخب قطر للشباب ومنتخب الكبار أيضًا، ثم أخيرًا مع منتخب بلاده الجزائر.
بن ناصر أفضل لاعب في البطولة
إلى جانب تتويج المنتخب، توّج اللاعب الجزائري إسماعيل بن ناصر بجائزة أفضل لاعب في هذه البطولة الإفريقية، وذلك بعد تقديمه أداءً رائعًا خلال البطولة، حيث صنع ثلاثة أهداف لزملائه، وكان آخرها الهدف الذي سجله زميله بغداد بونجاح في مرمى السنغال.
بهذا التتويج يصبح لاعب إيمبولي الإيطالي، إسماعيل بن ناصر، ثاني لاعب جزائري يفوز بجائزة أفضل لاعب على مدار تاريخ كأس الأمم الإفريقية بعد مواطنه رابح ماجر الذي أحرز اللقب عام 1990.
خاض إسماعيل بن ناصر صاحب الـ21 عامًا، أولى مبارياته الدولية بقميص المنتخب الوطني الجزائري في أبريل/نيسان 2016 أمام ليسوتو
يعتبر لاعبو المنتخب المصري الأكثر فوزًا بلقب أفضل لاعب في البطولة الإفريقية برصيد ستة ألقاب مقابل خمسة للكاميرون وثلاثة لغانا، فيما يعتبر أحمد حسن الملقب بـ”الصقر” اللاعب الوحيد الذي توج بهذا اللقب في بطولتين وذلك في 2006 بمصر و2010 بأنجولا.
بدأ بن ناصر مشواره الاحترافي مع نادي أرلي أفينيون الفرنسي، ثم انتقل لصفوف أرسنال الإنجليزي في 2015، إلا أنه لم يتأقلم على الأجواء، ليعود بعد سنتين إلى فرنسا عبر بوابة نادي إف سي تورز، على سبيل الإعارة ثم انتقل إلى فريقه الحالي إمبولي الإيطالي.
جدير بالذكر أن إسماعيل بن ناصر مولود لأب مغربي وأم جزائرية، وقد اختار منتخب الجزائر على حساب منتخب المغرب، ذلك أنه وجد أن العرض الجزائري أفضل، حيث سيمثل الفريق الأول، بينما اقتصر العرض المغربي على المشاركة بمنتخب الشباب بشكل مبدئي، وقد كان له الحق أن يختار المشاركة مع أي من المنتخبين إضافة إلى فرنسا الذي شارك معها في فئة الشباب.
خاض صاحب الـ21 عامًا، أولى مبارياته الدولية بقميص المنتخب الوطني الجزائري في أبريل/نيسان 2016 أمام ليسوتو، ضمن تصفيات كأس الأمم الإفريقية نسخة الغابون 2017، وقبل هذه الكأس الإفريقية الأخيرة، خاض بن ناصر مع المنتخب الجزائري 10 مباريات دولية، ولكنه انفجر فنيًا في مباراتي كينيا والسنغال، وحصد لقب أفضل لاعب في المواجهتين للمرة الأولى خلال النسخة الحاليّة.
إحدى بركات الحراك الشعبي
هذا الفوز التاريخي باللقب القاري الأغلى في إفريقيا يراه العديد من الجزائريين فأل خير على بلادهم والحراك الذي تعيشه منذ أشهر عدة بهدف إزاحة كل رؤوس نظام عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد طيلة عقدين من الزمان، شهدت فيهما الجزائر تغول رجال الأعمال وحاشية الرئيس مقابل تراجع مكانة الشعب في دولته.
ويرى الصحفي الجزائري رياض المعزوزي أن هذا التتويج “جزء من إنجازات الحراك الذي يتواصل للجمعة الـ22 على التوالي دون توقف إلى غاية تحقيق الشعب لمطالبه كاملة حتى يرتقي ببلاده التي ساهم الفاسدون في تراجعها”.
يضيف المعزوزي في تصريح لنون بوست “نعتبر هذا النصر إحدى بركات الحراك، فهذا الإنجاز الرياضي ما هو إلا تمهيدًا لنجاحات في مجالات أخرى، وهو يعني الكثير للشعب الجزائري، ليس في الشق الرياضي فقط بل في الشق السياسي والاجتماعي والثقافي أيضًا”.
في نهاية حديثه أعرب محدّثنا عن أمله في أن يتواصل بريق هذا الفوز على الجزائريين، وتمنى الصحفي الجزائري ألا تتدخل بعض الأطراف لإفساد هذه الفرحة التي كان الشعب الجزائري ينتظرها بفارغ الصبر منذ مدة طويلة ما جعله البارحة يعيش ليلة بيضاء في كل شوارع وأزقة مختلف مدن وقرى البلاد.