ترجمة وتحرير: نون بوست
إن المواقف السعودية تجاه معاناة الآلاف من الروهينغا غير الشرعيين في المملكة، الذين هربوا من الاضطهاد في ميانمار ومخيمات اللاجئين البائسة في بنغلاديش، تفسر الدعم السعودي للحملة الوحشية التي تشنها الصين على الترك المسلمين في مقاطعة سنجان المضطربة شمال غرب البلاد.
على مدار أكثر من نصف سنة، عملت المملكة العربية السعودية على ترحيل عدد كبير من الروهينغا الذين وصلوا إلى المملكة إما باستخدام تأشيرات الحج أو وثائق سفر مزورة، والتي غالبًا ما كانت السبيل الوحيد أمامهم للفرار من ميانمار أو بنغلاديش.
تشكل عمليات طرد الروهينغا ومئات الآلاف من العمال الأجانب الآخرين، فضلا عن فرض رسوم على كفلائهم وقيود على القطاعات التي يمكنهم العمل فيها، جزءًا من جهود ولي العهد محمد بن سلمان لإصلاح المملكة، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط وزيادة فرص العمل. في الحقيقة، يتوقف نجاح هذه الإصلاحات إلى حد كبير على قدرته على خفض نسبة البطالة التي ارتفعت إلى حوالي 25.8 بالمئة بعد أن كانت 12.7 بالمئة في صفوف الشباب السعودي الذين يمثلون أكثر من نصف سكان المملكة.
إن عمليات الترحيل فضلا عن تأييد السعودية للحملة الممنهجة ضد الأقلية المسلمة في إقليم سنجا، تشير إلى أن المملكة ليست على استعداد للتنازل عن مصالحها الاقتصادية حتى لو كان ذلك على حساب دورها القيادي للعالم الإسلامي
تتناقض عمليات الطرد، التي تهدد حوالي 250 ألف من المهاجرين الروهينغا الذين يقيمون في السعودية، بشكل صارخ مع إدانات المملكة ومنظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من جدة مقرا لها، لاضطهاد ميانمار لهذه الأقلية. ومن جهتها، دعت منظمة المؤتمر الإسلامي الشهر الماضي إلى رفع دعوى قضائية ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان ضد هذه الأقلية المسلمة، بعد أن فرّ حوالي 750 ألف شخص إلى بنغلاديش خلال السنوات الأخيرة حيث يقيمون في مخيمات اللاجئين. كما قدّمت السعودية ملايين الدولارات من المساعدات للاجئين وأعربت عن “قلقها الشديد وبأنها تدين سياسة القمع والتهجير القسري التي تنتهجها حكومة ميانمار ضد أقلية الروهينغا”.
في الواقع، إن عمليات الترحيل فضلا عن تأييد السعودية للحملة الممنهجة ضد الأقلية المسلمة في إقليم سنجان، حيث يُحتجز حوالي مليون من الأويغور في معسكرات “إعادة التعليم” وترسيخ أيديولوجية الحزب الشيوعي وفكر الرئيس شي جين بينغ على حساب إيمانهم بالدين الإسلامي، تشير إلى أن المملكة ليست على استعداد للتنازل عن مصالحها الاقتصادية حتى لو كان ذلك على حساب دورها القيادي للعالم الإسلامي.
في المقابل، يُعتبر النهج السعودي سيفا ذو حدين. فمن جهة، يعمل هذا النهج على تعزيز دورها القيادي في المنطقة، حيث استمدّت غالبية الدول المسلمة الشجاعة في احجامها عن انتقاد الصين من حقيقة أن خادم الحرمين الشريفين قد أخذ زمام المبادرة في حماية الصين من نقد المسلمين. ومن جهة أخرى، وعلى غرار الدول المسلمة الأخرى، تخوض الصين رهانات خطرة قد تقودها في نهاية المطاف إلى أن تقف على الجانب الخطأ في التاريخ.
رهان المملكة العربية السعودية والدول المسلمة، رغم كل التحديات، يتمثل في أن الصين ستنجح في إخضاع الترك المسلمين للثقافة الصينية السائدة، وضمان أن يبقى تنامي المشاعر المعادية للصين في دول آسيا الوسطى ذات الروابط الثقافية والعرقية الوثيقة مع سنجان تحت السيطرة
في حين تغيب الأدلّة التي تؤكد أن اليأس يغذي انتشار التطرف في صفوف الروهينغا، يرى المحللون أنه في المعسكرات البنغلاديشية “يمكن العثور على كل العوامل التي حددها خبراء التطرف، بدرجة أكبر أو أقل … وسيتطلّب الأمر عددا قليلا جدا من (اللاجئين) حتى يصبحوا متشدّدين وتظهر مشكلة أمنية كبيرة”. إن ظهور العنف والسلوك العدواني في صفوف هذه الأقلية المضطهدة إضافة إلى المعاملة السعودية لأفرادها، التي تزيد من محنتها، يمكن أن يجعل المملكة هدفا.
على نحو مماثل، إن رهان المملكة العربية السعودية والدول المسلمة، رغم كل التحديات، يتمثل في أن الصين ستنجح في إخضاع الترك المسلمين للثقافة الصينية السائدة، وضمان أن يبقى تنامي المشاعر المعادية للصين في دول آسيا الوسطى ذات الروابط الثقافية والعرقية الوثيقة مع سنجان تحت السيطرة. وحيال هذا الشأن، أوضح أدريان زينز، الباحث الألماني البارز في السياسة الصينية المتعلّقة بالدين والأقليات، أن المحاولات السابقة لإخضاع الأقليات قد باءت بالفشل، حيث قال إن البحث الذي قام به حول شعب التبت الذي اندمج في الثقافة الصينية أظهر أنه يمكن أن يصبح أفراده مدافعين عن الهوية العرقية التي يفترض أنهم تخلوا عنها.
على نفس المنوال، صرّحت ميهريجول تورسون، وهي ناشطة مسلمة من الأويغور كانت معتقلة سابقة في معسكرات إعادة التعليم، أمام الكونغرس الأمريكي: “إن تجربتي في هذا البرنامج الحكومي جعلتني أكثر وعيا بهويتي العرقية”. ومن جهته، لاحظ زينز مؤخرًا، واصفا حملة القمع الصينية في إقليم سنجان بأنها “نسخة مطورة من الثورة الثقافية”، أن البدو التبت والقرويين المسيحيين أُجبروا على استبدال مذابحهم وصور المسيح بصور للزعماء الصينيين، بما في ذلك شي جين بينغ.
مشاعر الرأي العام تجاه الحملة في سنجان لا تزال غير واضحة على الرغم من الدعم السعودي الشفهي لمعاناة الروهينغا في ميانمار وبنغلاديش
تبرز إشارة زينز إلى التبتيين والمسيحيين حقيقة أن الدول غير المسلمة كانت هي أيضا مترددة في التنديد باعتداء الصين على الدين الذي يتجاوز الإسلام ويشكل جزءًا من محاولة أكبر لاستبدال الدين بالامتثال للحزب الشيوعي في البلاد وتبجيل الحزب وقادته السياسيين. ومع ذلك، تخاطر المملكة العربية السعودية من خلال محاولة تحقيق التوازن بين مصالحها الوطنية ودورها القيادي للعالم الإسلامي.
بينما أُحتُجز الروهينغا المعوزين وغيرهم من العمال المسلمين غير الشرعيين ورُحّلوا نحو مستقبل غامض الذي من شأنه أن يغذي اليأس، أعلن وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز آل شيخ أن الملك سلمان سيستضيف خلال موسم الحج 200 من أقارب ضحايا الهجمات التي شنّها أحد المتفوقين البيض على مسجدين في كرايستشيرش في نيوزيلندا، والتي راح ضحيتها خمسون شخصًا. وقال آل الشيخ، الذي كان مصرّا على إظهار المملكة كداعم سخي لقضايا المسلمين وتحسين صورتها التي شوهتها الحرب على اليمن ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي السنة الماضية، إن الدعوة كانت جزءًا من جهود المملكة لمكافحة الإرهاب.
في حين أن مشاعر الرأي العام تجاه الحملة في سنجان لا تزال غير واضحة على الرغم من الدعم السعودي الشفهي لمعاناة الروهينغا في ميانمار وبنغلاديش، هناك دلائل تشير إلى أن شريحة كبيرة من سكان المملكة لا تزال متمسكة بتفسيرها المحافظ للإسلام.
أظهر استطلاع حديث على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، أن غالبية السعوديين عارضوا القرار المقترح بإجبار المتاجر على غلق أبوابها خلال الصلوات، الذي يُعتبر جزءا رئيسيا من تقليد المملكة المتمثل في التدين العام القسري. ويثير الالتزام بالمعايير المحافظة التساؤل حول ما إذا كانت تلك الشرائح من المجتمع السعودي أكثر تعاطفا مع محنة الأويغور.
وفقا للباحث في العلاقات الصينية-الشرق أوسطية، محمد السديري، تستضيف قنصلية الصين في ميناء جدة على البحر الأحمر فعاليات لا تتعلّق بالماندرين والعرب فحسب بل بالأويغور أيضا.
كجزء من جهودها الرامية إلى إشراك الشتات الصيني ومكافحة الانتقادات، سعت الصين إلى جذب الأقليات العرقية في المجتمع الصيني التي تعيش في المملكة العربية السعودية. ووفقا للباحث في العلاقات الصينية-الشرق أوسطية، محمد السديري، تستضيف قنصلية الصين في ميناء جدة على البحر الأحمر فعاليات لا تتعلّق بالماندرين والعرب فحسب بل بالأويغور أيضا.
عزى السديري اهتمام الصين بالأويغور الذين يعيشون في السعودية، والذين يعتبرون أحد أكبر وأغنى الجاليات الصينية الترك في السعودية، “إلى دور هذا المجتمع كحصن ضد المشاعر المعادية للصين والمناهضة للحزب الشيوعي الصيني، والتي كان لها بعض التأثير في تشكيل النخبة السعودية والمفاهيم الشعبية تجاه جمهورية الصين الشعبية والحزب الشيوعي الصيني”. والجدير بالذكر أن هذا الاهتمام يشير إلى أن مشاعر الرأي العام تجاه معاناة المسلمين في مناطق مثل ميانمار وسنجان قد تكون متعدّدة المستويات أكثر من المواقف التي طرحها القادة المسلمون.
المصدر: مودرن ديبلوماسي