ترجمة وتحرير: نون بوست
سواء كنت تشعر بالسعادة أو بالحزن أو بالإطراء أو بالغضب، فإنه بالتأكيد يوجد رمز تعبيري، أو كما يُطلق عليها اسم “إيموجي”، للتعبير عن مزاجك. وفي الواقع، أصبحت هذه الرموز الصغيرة “اللغة” الأسرع انتشارا في المملكة المتحدة، الأمر الذي جعل الرمز التعبيري الأكثر استخدامًا في بريطانيا في سنة 2015، الوجه الضاحك – الباكي ، يُختار من قبل قاموس أكسفورد الإنجليزي ليكون كلمة السنة.
يوجد حاليا أكثر من 2800 رمز تعبيري، ومن الموقع أن يزيد عددها في المستقبل. فعلى سبيل المثال، أصدرت شركة آبل الأمريكية مجموعة مختارة من الرموز التعبيرية الجديدة التي من المقرر طرحها في وقت لاحق من هذه السنة، بما في ذلك مجموعة من الرموز التي تعبّر عن الإعاقة. ولكن كلما ارتفع عدد هذه الرموز، زاد تعرضها للنقد. ففي السنة الماضية، أظهرت دراسة استقصائية أجراها موقع يوتيوب أن أكثر من ثلث البالغين في بريطانيا يعتقدون أن الرموز التعبيرية هي المسؤولة عن تدهور اللغة الإنجليزية.
ردّا على هذه الدراسة الاستقصائية، قال رئيس “حملة التعليم الحقيقي”، كريس ماكغفرن، “نحن نتجه نحو استخدام الرسوم المتحركة ولغة الصورة التي ستؤثر حتما على جهود محو الأمية”، مؤكدا أن “الأطفال دائمًا ما يتبعون الطريق الذي يكون أقل مقاومة”. وأضاف ماكغفرن أن “الرموز التعبيرية تنقل رسالة، ولكن استخدامها يولّد الكسل. وفي حال اعتقد الناس أن كل ما يحتاجون إليه هو إرسال صورة، فهذا سيؤدي إلى تراجع اللغة والتعبير”. وعلى الرغم من ردود الأفعال العكسية، يبدو أن الرموز التعبيرية ستظلّ موجودة. وتزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للرموز التعبيرية، سنلقي نظرة على تاريخها الغريب، وكيف أصبحت تعتبر لغة التواصل فيما بيننا.
التاريخ الغريب للرموز التعبيرية
لقد سبقت الرسوم الصورية الأولى ظهور الرموز التعبيرية. وفي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، كان سكوت فالمان، الباحث في جامعة كارنيغي ميلون الأمريكية، أول من اقترح نوعًا جديدًا من الرسائل النصية، مستخدما “:-)” لإظهار ما إذا كان الشخص يمزح أو “:-(” لإظهار الجدية على لوحة الرسائل.
ظلّ التأثير الياباني المبكر واضحا على الرموز التعبيرية، حيث يوجد حوالي 12 رمزا مختلفًا يرمز للقطارات، والتي تعكس وسائل المواصلات العمومية في اليابان
أصبحت مثل هذه الرسائل النصية شائعة الاستخدام بشكل متزايد. ومع ذلك، يعود تاريخ الرموز التعبيرية، كما نعرفها اليوم، إلى اليابان وتحديدا إلى سنة 1997، وذلك حسب جيريمي بورج، مؤسس الموقع الإلكتروني “إيموجي بيديا” و”مؤرخ الرموز التعبيرية”.
وفقًا لبورج، أعاد اكتشاف حديث تاريخ الرموز التعبيرية سنتين إلى الوراء (حتى وقت قريب كان ظهور هذه الرموز يُنسب إلى شركة الاتصالات اليابانية “إن تي تي دوكومو” سنة 1999). حاليا، يعتقد بورج أنه قبل سنتين كانت مجموعة سوفت بنك اليابانية أول من بادرت بإنشاء المجموعة الأولى المكونة من 90 رمزًا تعبيريًا التي وقع تشفيرها في الرسائل النصية في الهاتف بحد ذاته.
ظلّ التأثير الياباني المبكر واضحا على الرموز التعبيرية، حيث يوجد حوالي 12 رمزا مختلفًا يرمز للقطارات، والتي تعكس وسائل المواصلات العمومية في اليابان، بما في ذلك الرمز التعبيري للسكك الحديدية المعلقة (التي تعتبر أحد أكثر السكك الحديدية استخداما في العالم في تشيبا، اليابان).
بعض أكثر الرموز التعبيرية غير المستخدمة بكثرة، بما في ذلك الجمَازات الجوية و”المياه غير الصالحة للشرب”.
في اللغة اليابانية، تتألف كلمة “إيموجي” (emoji) من مزيج من الصور الرمزية، حيث يعني حرف “e ” صورة، وتشير “moji” إلى حرف أو رمز. ولكن هذه الرموز التعبيرية كانت تتسم بطابع عملي أكثر مقارنة بمجموعة الوجوه والعواطف التي نستخدمها في الوقت الحاضر.
في هذا السياق، يقول بورج: “لقد كانت هذه الرموز عملية للغاية. وعلى الرغم من أن المجموعة التي أُنشئت سنة 1999 لم تكن تحتوي سوى على خمس وجوه، إلا أنها كانت تحظى بشعبية كبيرة في اليابان لدرجة أنه في حال أرادت الشركات الغربية المتخصصة في التكنولوجيا الانخراط في اليابان بشكل فعّال، كان ينبغي عليها آنذاك إضافة رموز تعبيرية”. وهذا يعني أنه لا يزال هناك عدد قليل من الرموز غير العادية في معجم الرموز التعبيرية، على غرار الرموز التعبيرية الخاصة بفنادق الحب في اليابان.
كيف تُصمم الرموز التعبيرية؟
كانت الشركات الغربية ترغب في الانخراط في إنتاج الرموز التعبيرية، ولكن لم يكن من السهل القيام بهذه العملية. والجدير بالذكر أنه يقع التحكّم في اللغة التي يفهمها الحاسوب أو الهاتف الذكي بواسطة الترميز الموحد، “يونيكود”، وهو مجمع يرجع تاريخه إلى أواخر الثمانينات. لكن استخدام هذه الرموز التعبيرية في ملايين الهواتف الذكية سيكون تحديًا، لأنه كان لا بد أن تتفق كبرى شركات التكنولوجيا مثل آبل وغوغل على استعمال معيار موحّد.
منذ شهر آذار/ مارس 2019، تجاوز عددها 3 آلاف رمز تعبيري، حيث اعتبرتها الشركات المصنّعة للهواتف الذكية رموزا
في سنة 2007، اقترحت شركة غوغل المجموعة الأولى من الرموز التعبيرية التي أرادت إضافتها إلى مجموعة رموز الترميز الموحد، لكن لم يتم إصدارها حتى حلول سنة 2010، حيث أن المجموعة الأولى من الرموز التعبيرية كانت مكوّنة من 722 رمزا تُستخدم في أجهزة الآيفون والهواتف الذكية التي تعتمد على نظام التشغيل أندرويد.
منذ ذلك الحين، ارتفع عدد الرموز التعبيرية بشكل غير مسبوق. ومنذ شهر آذار/ مارس 2019، تجاوز عددها 3 آلاف رمز تعبيري، حيث اعتبرتها الشركات المصنّعة للهواتف الذكية رموزا. وقد ازداد عدد الرموز المدرجة في القائمة، التي يضعها الترميز الموحّد كل سنة، لتشمل مجموعة متنوعة من الرسوم الصورية للحيوانات والأجسام والمواد الغذائية بالإضافة إلى شخصيات وألوان بشرة.
يبلغ عدد الرموز التعبيرية الآن الآلاف.
كيف غيرت الرموز التعبيرية الطريقة التي نتواصل بها؟
تجاوز عدد الرموز التعبيرية في الوقت الحاضر عدد الرموز العملية للرموز اليابانية الأصلية البالغ عددها حوالي 90 رمزا. ويقع استخدام هذه الرموز بشكل متزايد كملحق للرسائل النصية العادية. في الواقع، يجادل البروفيسور فيفيان إيفانز، خبير اللغويات بجامعة بانغور ومؤلف كتاب “رموز الإيموجي”، بأن الرموز التعبيرية أصبحت مثل “لغة الجسد في العصر الرقمي”، فهي إشارات غير شفوية تنقل المعنى بشكل فعّال.
في السنوات القليلة الماضية، انتشر استخدام الرموز التعبيرية بشكل كبير، حيث ساهم وجود الغزل والنميمة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة والرسائل الإلكترونية الخاصة بالعمل في تفشيها. فضلا عن ذلك، يوجد الكثير من النصوص الفرعية التي يتم التعبير عن المعاني الواردة فيها بواسطة الرموز التعبيرية، والتي يمكن أن تختلف حسب الفئة العمرية أو الثقافة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يعبّر الرمز التعبيري للنار عن معاني مختلفة، مثل هناك شيء رائع “لا يمكن إيقافه”، أو في مكان حار، أو أن شخصًا ما جذاب.
وفقا لموقع إيموجي بيديا، أُرسلت خلال سنة 2017 أكثر من 5 مليارات إيموجي يوميا كمعدل على تطبيق ماسنجر التابع لموقع فيسبوك فحسب، وهو ما يؤكد الارتفاع المذهل الذي شهده استخدام الرموز التعبيرية. وفي سنة 2018، أفاد موقع فيسبوك بأنه كان يرسل حوالي مليار رسالة مكونة من رموز تعبيرية فحسب، دون نص مضاف، دون احتساب مليارات الرموز التعبيرية المرسلة على تطبيقات الدردشة، على غرار واتس آب و”أي مسج”، إلى جانب “وي شات” الصيني.
كان البعض ينتقدون بشدة الرموز التعبيرية، بحجة أنها تساهم في إضعاف اللغة، وتدمير اللغة الإنجليزية المكتوبة، وجعل المستخدمين يبدون أغبياء، ووفقًا لحملة التعليم الحقيقي، فهي “تولّد الكسل”. ولكن وفقًا للبروفيسور إيفانز، أثبتت الرموز التعبيرية أنها ضرورية لتقديم طريقة أكثر ثراءً وانفتاحًا على الصعيد العاطفي للتواصل عبر الرسائل بطريقة تجعل النص غير قادر وحده على نقل الرسالة. وكتب إيفانز قائلا: “نظرا لافتقار الرسائل النصية إلى هذا الأسلوب في نقل الرسالة، ظهرت الرموز التعبيرية؛ لقد بدأت في السماح للاتصال الرقمي بتكرار بعض الإشارات التواصلية الشفوية المتاحة للتفاعل المباشر”. وأضاف قائلا: “في ظل عدم وجود الرموز التعبيرية، سيكون جزء من الرسالة التواصلية مفقودًا”.
المصدر: التلغراف