بعد حالة الجمود النسبي للأوضاع في ليبيا، يبدو أن طرابلس وضواحيها ستشهد تصعيدًا جديدًا في الساعات القليلة القادمة، وذلك بعد توجيهات من غرفة عمليات “الكرامة” التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر للاستعداد لما قال إنها ساعة الصفر للاستيلاء على العاصمة، إضافة إلى تحذيرات المجلس الأعلى للدولة، من هجوم وشيك لقوات شرق ليبيا، مدعومة بسلاح وأفراد من مصر والإمارات وفرنسا.
وقال المجلس في بيان أصدره في ساعة متأخرة من ليل الخميس – الجمعة، إنه في الوقت الذي استغرب فيه ورود أسماء بعض الدول في البيان الصادر بتاريخ 16 من يوليو/تموز (عن 6 حكومات عربية وغربية)، الداعي إلى وقف القتال في ليبيا، فإنه يتابع بقلق شديد المعلومات الاستخباراتية الواردة إليه التي تشير بالدليل القاطع إلى أن دولًا بعينها (من تلك الدول الستة) تدعم مليشيات حفتر بالسلاح والأفراد.
وأضاف بيان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن هذه الدول هي فرنسا والإمارات ومصر، متهمًا إياها بأنها “ترتب للتورط بشكل أكبر مع مليشيات حفتر للهجوم على العاصمة طرابلس باستخدام الطيران والأسلحة النوعية، بعد كل الاختراقات التي قامت بها في السابق، وبعد عجز قوات حفتر عن تحقيق أي تقدم، رغم كل التدخلات والدعم، متسببة في إحداث الدمار والخسائر في الأرواح والممتلكات وترويع الآمنين”.
أكدت البعثة الأممية برئاسة غسان سلامة، أنها تبذل ما بوسعها مع جميع الأطراف المحليين والخارجيين لتجنب مزيد من التصعيد العسكري في طرابلس
وتابع: “المجلس الأعلى للدولة يحمل هذه الدول المسؤولية الكاملة عن ما قد يحدث جراء ذلك”، داعيًا “بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل الأطراف الدولية إلى اتخاذ موقف قوي وحاسم وتحمل مسؤولياتهم إزاء تدخلات هذه الدول، وما يترتب عليها من مزيد من الضحايا والأضرار والانتهاكات لسيادة الدولة الليبية التي تقودها حكومة شرعية هم يعترفون بها”.
وفي وقت سابق، نقلت تقارير عن أكثر من مصدر مصري وليبي وأوروبي، أن المحور المصري الإماراتي السعودي يحشد سياسيًا وعسكريًا على نحو غير مسبوق من أجل تأجيج الحرب في ليبيا، وقادة الإمارات، أبرموا اتفاقًا مع نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، لتزويد حفتر بمسلحين من المليشيات التي تنشط في السودان، إضافة إلى عناصر مسلحة من تشاد.
البعثة الأممية
من جهتها، أكدت البعثة الأممية برئاسة غسان سلامة، أنها تبذل ما بوسعها مع جميع الأطراف المحليين والخارجيين لتجنب مزيد من التصعيد العسكري في طرابلس، مضيفةً في بيان أنها تسعى إلى “حماية المدنيين من أي استهداف والاهتمام بمن أجبروا قسرًا على مغادرة منازلهم”، وناشدت “كل الأطراف احترام بنود القانون الدولي الإنساني الذي يحرم استهداف المدنيين والمرافق الصحية”، وذكرتهم بالعواقب المترتبة على مخالفة هذه البنود.
يأتي تلويح حفتر بتصعيد عملياته العسكرية ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا ومقرها طرابلس، بعد فشل اجتماع القاهرة على مدار ثلاثة أيام، في إيجاد توافق بين النواب الليبيين على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون بديلة لحكومتي “السراج” بطرابلس و”الثني” بالبيضاء
وأوردت وسائل إعلام محلية، أن مناطق جنوب العاصمة طرابلس تشهد تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لأرتال عسكرية في طريقها إلى ضواحي طرابلس.
اجتماع القاهرة
يأتي تلويح حفتر بتصعيد عملياته العسكرية ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا ومقرها طرابلس، بعد فشل اجتماع القاهرة على مدار ثلاثة أيام، في إيجاد توافق بين النواب الليبيين على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون بديلة لحكومتي “السراج” بطرابلس و”الثني” بالبيضاء.
وكشفت تقارير، أن النواب انقسموا إلى رافضين لتشكيل حكومة بديلة، وطالبوا بوقف العملية العسكرية التي بدأها اللواء خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس، في أبريل/نيسان الماضي، والحد من نفوذ العسكريين على حساب السياسين، مؤكدين ضرورة العودة إلى الاتفاق السياسي وتهيئة المناخ لعقد المؤتمر الجامع المقرر بمدينة “غدامس” برعاية أممية.
أما الفريق الآخر فتمسك بحشد الدعم الدولي لحكومة عبد الله الثني في شرق ليبيا، مع إدخال تعديلات عليها، مؤكدين عدم جدوى تشكيل حكومة جديدة بالكامل، فيما تجاوب فريق ثالث، يتضمن عددًا من النواب، مع مقترح تشكيل حكومة جديدة، تحت مسمى “حكومة الوحدة الوطنية” برئاسة العارف النايض السفير الليبي السابق بدولة الإمارات.
عجز السلطات المصرية لم يقتصر على عدم التوصل لاتفاق بين النواب على تشكيل الحكومة البديلة، بل فتح الباب لانتقادات واسعة طالت برلمان طبرق (شرق) واللواء خليفة حفتر
وبحسب المصادر فإن التحركات السياسية التي تقودها مصر بشأن إطلاق حكومة تعترف بها مليشيات حفتر وعدد ولو ضئيل من نواب الغرب الليبي، باتت حتمية، لعدم إصدار قرار دولي ضد التدخل العسكري الأخير من جانب قوات شرق ليبيا ضد حكومة الوفاق والقوات الموالية له، وتكون بديلًا في حال فشل اللواء في اختراق أسوار العاصمة وتحصيناتها، خاصة أن الصمت الدولي تجاه تداعيات الحرب ونتائجها التي استهدفت في قطاع كبير منها المدنيين، لن يستمر طويلًا.
عجز القاهرة لم يقتصر على عدم التوصل لاتفاق بين النواب على تشكيل الحكومة البديلة بالجارة ليبيا، بل فتح الباب لانتقادات واسعة طالت برلمان طبرق (شرق) واللواء خليفة حفتر، والأخير وُجهت إليه من أشد الداعمين له ولتحركاته في السابق، تُهم التغول والاستيلاء على السلطة.
وكانت النائبة عن مدينة بنغازي، سهام سرقيوة، آخر من أعلنت رفضها لهجوم خليفة حفتر على العاصمة طرابلس منذ الـ4 من أبريل/نيسان الماضي، ومناهضتها الحكم العسكري السائد في الشرق، وتأييدها التوافق بين الليبيين، إلا أن مسلحين موالين للواء المتقاعد اختطفوها من منزلها، فيما أظهرت صور متداولة بمواقع التواصل الاجتماعي أن خاطفي النائبة الليبية كتبوا على جدار منزلها “الجيش خط أحمر” و”أولياء الدم”.
اجتماعات سرية
رغم البيان المشترك الصادر عن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات ومصر، الداعي للتهدئة في ليبيا ووقف إطلاق النار والعودة لطاولة المفاوضات، فإن دعم عمليات حفتر العسكرية ما زال متواصلاً من أجل مواصلة الأخير بثّ الفوضى على ليبيا.
يرى مراقبون أن الانسحاب الإماراتي الأخير من اليمن هدفه التفرغ لدعم مستخدمها في ليبيا (حفتر)، بعد تعثر حملته العسكرية على العاصمة طرابلس
وكان المبعوث الشخصي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج لدول المغرب العربي، جمعة القماطي، أكد في وقت سابق، أن الإدارة الأمريكية أصبحت تتجه لتبني إستراتيجية جديدة، بعد عقد اجتماع سري خلال الفترة الماضية في لندن جمع أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، إضافة إلى اجتماع سري آخر سيعقد في روما للثلاثة الدائمين بمجلس الأمن (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) مع إيطاليا والإمارات ومصر.
مبينًا أن هذه الاجتماعات السرية تناولت الملف الليبي مع تغييب الفاعلين المحليين بالكامل، واصفًا ذلك بالأمر الخطير الذي لا بد أن تنتبه له الحكومة الشرعية (حكومة الوفاق)، مرجحًا أن يحدث تغير في سياسة فرنسا وأمريكا لأن جميع هذه الدول في نهاية الأمر تنظر للأمور بمعيار واحد فقط وهو ما يحقق مصلحتها ومن سيكون الشريك القوي لها في ليبيا.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن الانسحاب الإماراتي الأخير من اليمن هدفه التفرغ لدعم مستخدمها في ليبيا (حفتر)، بعد تعثر حملته العسكرية على العاصمة طرابلس، الأمر الذي أكده وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، في مقال بصحيفة فرنسية مؤخرًا، من أن ليبيا تمثل أولوية بالنسبة للإمارات في الوقت الراهن.
وفي سياق ذي صلة، فإن عدم تجاوب جامعة الدول العربية بإيعاز من (الإمارات ومصر والسعودية) مع طلب حكومة السراج بعقد اجتماع استثنائي بشأن ليبيا، يدرس تصعيد قوات حفتر وعملياتها غير الشرعية، وحصول الطلب على تأييد من قطر والجزائر وتونس فقط، وفق وزير خارجية حكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة، قد يُعطي حفتر المجال لإعادة ترتيب صفوف قواته خاصة بعد انتكاسته في مدينة غريان.
يرى مراقبون أن فشل المساعي السياسية التي تقودها مصر بالنيابة عن الإمارات وبدرجة أقل السعودية، في إيجاد بديل للحل العسكري بقيادة اللواء المتقاعد الذي أثبت عدم جدواه، ستدفع حفتر إلى المجازفة وتصعيد المواجهة
بدوره، يُراهن السيسي على اللواء خليفة حفتر وضرورة بقائه في المشهد، وعدم الاعتماد على شخصية أخرى، لأنه يرى أن الوسط السياسي يخلو من أسماء يمكن الاستعانة بها في تنفيذ مخطط إرساء نموذج حكم العسكر في ليبيا.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن فشل المساعي السياسية التي تقودها مصر بالنيابة عن الإمارات وبدرجة أقل السعودية، في إيجاد بديل للحل العسكري بقيادة اللواء المتقاعد الذي أثبت عدم جدواه، إضافة إلى تململ الشارع الليبي مدفوعًا بتداعيات الحرب بالوكالة (الخسائر البشرية)، ودعوات إطلاق حوار ليبي ليبي، ستدفع حفتر إلى المجازفة وتصعيد المواجهة، فلن يرضى اللواء المهزوم في تشاد بأقل من حكم ليبيا.