في جولةٍ بسيطة لأي سوري بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول التركية، تجد أن كل شيء تغير في الأيام الأخيرة، فالمنطقة التي تعج بالسوريين لم تعد كذلك، وعند مرورك من أمام أي متجر أو محل أو مكتب يعمل به السوريون تجد حديثهم الأوحد عما يحصل في المدينة من ترحيل لرفاقهم وخوفهم مما يحيط بهم، أو تدقيق أمني على شركاتهم، ولا تكاد تسمع غير كلمة “كيملك” أي بطاقة البيانات الشخصية، أما بالنسبة للاجئ السوري فالكيملك هي بطاقة تعريفية به وهي تحت مسمى بطاقة الحماية المؤقتة التي تمنح للاجئين القادمين من سوريا.
يعيش الكثير من السوريين اليوم بحالة من الخوف من الترحيل أو تهديد الاحتجاز في الكثير من الولايات التركية وبالأخص إسطنبول، يأتي ذلك بعد تشديد تنفيذ القرارات المفروضة من السلطات، والمعلوم أن الحكومة التركية باشرت بالإجراءات بعد ضغط كبير من المعارضة وأنصارها عقب فوز أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية المدينة التي حصل عليها تنافس كبير بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري وفاز بها الأخير.
كانت أنقرة قد بدأت بشكل بطيء إجراءات الترحيل ضد المخالفين منذ أشهر مضت، إلا أن اشتدت بعد انتهاء انتخابات الإعادة لبلدية إسطنبول، وقبل أكثر من عام ونصف، أوقفت السلطات التركية في إسطنبول و9 محافظات على الحدود السورية تسجيل طالبي اللجوء السوريين الذين وصلوا مؤخرًا، ومنذ ذلك التاريخ تقوم دوريات الشرطة التركية بالتفتيش الدائم ويُرحل أي سوري لا يحمل بطاقة حماية أو إقامة رسمية.
يشعر السوريون اليوم أنهم كانوا ورقة ضغط سياسية بيد الأحزاب في تركيا، وكأن البرامج الانتخابية لا تتم إلا بترحيلهم أو التضييق عليهم وعلى أعمالهم، وبهذا السياق قال رئيس المجلس الإسلامي السوري ومقره إسطنبول الشيخ أسامة الرفاعي في تسجيل صوتي، إن وزير الداخلية التركية أبلغه بوجود ضغوط قوية جدًا من المعارضة في البلاد على الحكومة لحل ملف اللاجئين السوريين، ذاكرًا أنه توجد ضغوط دولية أيضًا.
تهجيرٌ آخر
تحدث والي إسطنبول علي يرلي كايا، منذ أيام مع مجموعة من الإعلاميين السوريين عن تحديات كبيرة تواجهها تركيا في قضية السوريين، مؤكدًا أن السلطات ستعيد المقيمين في غير مناطقهم إلى ولاياتهم التي سجلوا فيها، فيما سيتم ترحيل من لا يملك وثائق إلى سوريا.
غير أن تصريحات الوالي لم يتم تطبيقها، فاختلط الأمر وأصبح الترحيل إلى سوريا من نصيب من يملك وثائق ومن لا يملك، تحدثنا في “نون بوست” إلى شابين ممن طالهم الترحيل في الأيام الماضية ووجدوا أنفسهم في مناطق مختلفة من الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة والتي تعرض لقصف مستمر من روسيا والنظام، رغم وجود “كيملك” معهما.
يقول إياد بيرقدار وهو أحد المرحلين لـ”نون بوست”: “لدي بطاقة لاجئ أخذتها من ولاية بورصة، وكنت خارج المنزل أحضر الطعام، ألقت الشرطة القبض عليّ، ومن ثم قالوا لي إنهم سيأخذونني إلى بورصة، ووضعوني في السجن ومن ثم أخذوني إلى الحدود السورية”، ويضيف بيرقدار أنه الآن في مدينة سلقين، مشيراً إلى أنه لا يعرف أحد في تلك المنطقة ولا معيل له.
وبحسب إياد، فهناك العشرات مثل حالته، ممكن رُحّل رغم أن القانون الحالي يفرض إعادته إلى الولاية التي عود وثائقه إليها، لا أن يرحل حارج البلاد.
نموذج عن “الكيملك” والاستمارة التي يوقع عليها اللاجئ الذي يتعرض للترحيل
أما عامر وهو شاب سوري من مدينة حمص، فقد جرى ترحيله رغم أنه يملك عائلة من زوجة وطفلتين، تركهما في إسطنبول بعدما رفض الأمن التركي أن يتيح له الفرصة لتوديعهم، ويقول عامر: “سأحاول العودة إلى عائلتي مهما كلفني الثمن”، وطالب عامر المنظمات السورية بالعمل على إعادة المرحلين ممن يملكون وثائق رسمية في الدولة التركية”، مضيفًا أن السلطات التركية أجبرته أن يوقع على أوراق تحمل عنوان “العودة الطوعية إلى سوريا”.
وانتشر بالأمس مقطع للاجئ سوري يقول إنه يملك كيملك قيدها في إسطنبول إلا أن الشرطة رحلته، وتحدث أمجد طبلية عن سوء المعاملة التي لاقاها من الشرطة التركية، وأوضح طبلية أنه يعيش مع عائلته التي يبلغ تعدادها 9 أفراد.
#3ay @RTErdogan @suleymansoylu @Gocidaresi
حامل لكمليك استنبول وترحل ع الشمال السوري! pic.twitter.com/hwzxlhEhaW— Deema Shullar ℂ (@demashu1) July 20, 2019
وليس بعيدًا عن الترحيل يعاني أصحاب المصالح والشركات المرخصة في إسطنبول من هاجس الإغلاق أو الحجز على الأرزاق بتهمة عدم حيازة أذونات عمل للموظفين العاملين وهو ما تحدث عنه أحد مالكي الشركات لـ”نون بوست”، ولكنه رفض كشف اسمه، فقال إن “الحكومة في حملاتها تدخل إلى الشركات للتأكد من كون هذا العمل ليس وهميًا وتتأكد من الفواتير”، وأوضح في حديثه “أسوأ ما نواجهه هو عدم وجود قانون واضح بشأن أذونات العمل”، فتصريحات الحكومة تقول: “من يحمل بطاقة اللاجئ يستطيع استخراج إذن عمل إلا أن الحكومة ترفض أغلب المتقدمين للطلبات”، ويشير إلى “أن المشاورين الماليين لا يعرفون ما هو القانون الواضح في استخراج إذن العمل للسوري”.
قوانين غير واضحة
هل يعقل أن يخاف السوري اليوم من الخروج من منزله لمجرد أنه يحمل بطاقة مدينة أخرى؟ هكذا تساءل الصحفي السوري غسان ياسين الذي اعتبر ما يحصل للسوريين بأنه “إهانة كبيرة”، وأضاف ياسين “مشكلة السوريين هنا قانونية بالدرجة الأولى.. نحن مع قوننة وضعنا لكن هذا التعامل المزاجي وغير الواضح المعالم مسيء ومؤذٍ وسيكون له تبعات على المدى الطويل”.
إلا أن ياسين قال إنه يتفهم ويقدر خصوصية حالة اللاجئين السوريين في تركيا، مشيرًا بأنه “لا يمكن القبول بهذا التعامل المهين.. حرفيًا نحن نعيش حالة حظر تجول في إسطنبول”.
الكاتب والباحث السوري أحمد أبازيد في منشور له على “فيسبوك”، أيدّ ياسين في وجود مشكلة قانونية، وقال إن تنظيم الوضع القانوني للاجئين هو حق للحكومة ومن مصلحة اللاجئين أنفسهم، مضيفًا “أساس المشكلة في تركيا هي عدم وضوح الوضع القانوني للاجئين، وعدم وجود نص قانوني للجوء كما في أوروبا أو مظلة أممية كما في لبنان والأردن”، وأوضح أبازيد أن “مفهوم الحماية المؤقتة في تركيا لحاملي الكيملك هو تهجين بين اللجوء والضيافة، وهو ما يترك اللاجئين في هامش واسع من تقلبات السياسة ومزاجية الموظفين وعناصر الشرطة”.
وبالشأن القانوني أيضًا، أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: أن “اللاجئ في حال لم يكن معه أي ورقة ويكون مخالفًا فممنوع بموجب القانون الدولي إعادته قسريًا”، وأضاف “مبدأ عدم الإعادة القسرية ملزم لجميع الدول”، وذكر عبد الغني بأن “السوريين الذين خرجوا من سوريا على خلفية الثورة هم لاجئون، لهم حقوق حتى وإن لم يحصلوا على صفة لاجئ من الدولة التي لجأوا لها، هذا لا يغير شيئًا من وضعهم كلاجئين”.
اللاجئ اذا ما معه اي ورقة، ومخالف ألف مخالفة ممنوع بموجب القانون الدولي إعادته قسرياً
مبدأ عدم الإعادة القسرية ملزم لجميع الدول، السوريين الي خرجوا من سوريا عخلفية الثورة هم لاجئون، لهم حقوق حتى وإن لم يحصلوا ع صفة لاجئ من الدولة التي لجؤوا لها، هذا لا يغير من وضعهم كلاجئين شيئ.— Fadel Abdul Ghany (@FADELABDULGHANY) July 19, 2019
وعلى الطرف المقابل قال ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب “العدالة والتنمية”، إنه سيتم إجراء مشاورات مع القيادات السورية في مدينة إسطنبول، للبحث عن حل لأزمة اللاجئين، وذكر أقطاي أن “الأحزاب المعارضة في تركيا ضد اللاجئين، وحرضوا الناس بطريقة شعبوية ضدهم، وفي النهاية نحن دولة ديمقراطية تلتزم بآراء شعبها”، وتابع “عدد اللاجئين السوريين زاد في إسطنبول بشكل كبير، وهم يمارسون أعمالهم بشكل عشوائي بات واضحًا للشعب التركي”.
وشدد أقطاي على إيقاف الإجراءات المتشددة بحق اللاجئين السوريين، لإعادة النظر في الموضوع وحل المشاكل بطريقة موضوعية وواقعية، بما يتوافق مع مبادئ الدولة التركية، وأضاف “ستكون هناك مفاوضات ومشاورات مع القيادات السورية في إسطنبول لإيجاد حل لأزمة اللاجئين”، إلا أن أقطاي لم يحدد ما القيادات السورية التي سيتم التواصل معها.
ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب “العدالة والتنمية”
من جهته قال رئيس المنظمة الدولية للاجئين وحقوق الإنسان في تركيا، حمزة بولدو، إن هناك وعودًا رسمية من الجانب التركي بمنح السوريين الذين هم تحت الحماية المؤقتة ويحملون كيملك مهلة 120 يومًا للاستقرار في الولايات التركية التي يحملون الكيملك منها”، وأوضح بولدو أن ياسين أقطاي أخبره بأن “أي عمليات ترحيل فهي خاطئة وليست ضمن التعليمات الرسمية، وإذا ثبت ترحيل أي شخص فسيتم إعادته إلى تركيا”.
وطمأن بولدو جميع السوريين “أن الدولة التركية لن ترحل من هو تحت الحماية المؤقتة، وإن كان حصل مثل هذا الشيء سيعاد الشخص الذي تم ترحيله إلى تركيا”، وأضاف “بالنسبة لمن لا يحمل أوراقًا ثبوتية فقد طلبنا من الحكومة التركية دراسة أوضاعهم”.
دور المنظمات السورية
على الرغم من كثرتها فإن منظمات المجتمع المدني السوري في إسطنبول التي تصدر نفسها بالتواصل مع القيادة التركية لم تستطع في الأيام الماضية التواصل لحل الأزمة الواقعة على السوريين المرحلين، وفي الأمس صدر بيان من منبر الجمعيات السورية في تركيا ينفي ما توارد من أنباء تناقلتها وسائل إعلامية عديدة تفيد بأن الحملة على اللاجئين في عموم تركيا قد توقفت.
ودعا المنبر السوريين إلى تصحيح أوضاعهم القانونية والانتقال في الوقت الحاليّ إلى مدن تركية يسمح للسوريين فيها بإصدار كيملك جديد”، وقال بأن من لديه كملك خارج المدينة المقيم بها الرجاء منه إما البقاء في مكان آمن أو العودة إلى المدينة التي أخرج منها الكملك لحين انتهاء هذه الحملة”، مضيفًا بأنهم يعملون “مع دائرة الهجرة في إسطنبول لإعادة الشباب الذين تم ترحيلهم إلى سوريا رغم وجود وثائق معهم”، الجدير بالذكر أننا في “نون بوست” حاولنا التواصل مع القائمين على “منبر الجمعيات” إلا أننا لم نحصل على رد.