ترجمة وتحرير: نون بوست
إذا كان هناك سؤال يثير غضب الأشخاص غير المرتبطين، وهو غضب مشروع، فهو: “وأنت إلى متى ستبقى وحيدا؟”. في أغلب الأحيان، يطرح الناس هذا السؤال دون أن يضمروا نية خبيثة. لكن، لا يمكن أن ننقص من أهميّة هذا السؤال، لأنه يمثل نتيجة غير مرغوب بها لمجموعة من التصورات الاجتماعية التي ترى في العزوبية مرادفا للوحدة، وتعتبر أن الطريقة الوحيدة لكسر هذه الوحدة هي الدخول في علاقة.
في الوقت الذي أصبحت فيه فكرة العزوبية منتشرة جدا في المجتمعات الحديثة، وصل الأمر ببعض الأشخاص إلى قول إن العزوبية يمكن أن تتسبب في الموت مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم. وفي الواقع، إن الحرص والتأكيد على هذه المسألة جعلها أكثر تجذرا في عقلية الناس.
في المقابل، يؤكد الأخصائيون في العلاقات الزوجية أنه من الخطأ أن نعتبر أن الشريك يمكن أن ينقذنا من الشعور بالوحدة، لأن الوحدة شعور يمكن أن ينتاب الشخص حتى لو كان مرتبطا، ويؤثر حتى على أولئك الذين يبدُون سعداء أمام الآخرين.
يعتبر الشعور بالتعاسة برفقة الشريك من الأسباب التي تجعل أحد الطرفين يشعر بالوحدة
تعليقا على هذه المسألة، أوردت باربرا زابيكو، الطبيبة النفسية والعضو في فريق توب “دوكتورز”، أن “الشعور بالوحدة مشكلة شائعة جدا تحدُث في جميع أنواع العلاقات الزوجية، علما بأن مدة العلاقة لا يمكن أن تجنبنا هذا الشعور سواء كانت قصيرة أم طويلة”. كما أوضحت زابيكو أن النموذج العصري للحياة مع ساعات العمل الطويلة والمرهقة وعدم الاستقرار يؤدي بالتأكيد إلى عدم شعور الشريكين بالتوحّد فيما بينهما، ليتمحور الحديث بذلك عن “أنا” وليس “نحن”. وبغض النظر عن تمجيد المجتمعات المعاصرة لمفهوم الفردانية، فإننا لا يمكن أن ننفي حقيقة أننا كائنات اجتماعية تحتاج إلى التفاعل والتواصل مع الآخرين”.
يعتبر الشعور بالتعاسة برفقة الشريك من الأسباب التي تجعل أحد الطرفين يشعر بالوحدة. وقد أثبتت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2018 أن 28 بالمئة من المستطلعين أكدوا أن الشعور بالوحدة يعد السبب الأساسي لعدم رضاهم عن أسرهم. كما أشارت دراسة أخرى صادرة عن جامعة شيكاغو الأمريكية إلى أن عدد الأشخاص الذي عادة ما يعلنون عن عدم رضاهم وسعادتهم في حياتهم الزوجية لم يتوقف عن النمو منذ سنة 1974.
لكن الخبراء يؤكدون أنه من الضروري تحليل هذه البيانات بحذر. ومن جهتها، قالت بولا كاجيد، وهي طبيبة نفسية ومديرة مركز بسيكوانتيغرا، إن “المشكلة تكمن في عملية تأصيل مفهوم الإعجاب والحب الرومنسي في أذهاننا، وهو خطاب قوي بشكل خاص في الثقافة الأمريكية. ويُشاع في المجتمع أن حب الشريكين يعني الشعور بالحب الجارف، وعندما يختفي هذا الشعور القوي تدريجيا يمكن أن يلجأ أحد الشريكين إلى وجهة أخرى تمنحه نفس هذا الحب القوي”.
حسب المعتقدات الشعبية السائدة فإن الشعور بالوحدة لدى الشريكين مشكلة تصيب النساء أكثر من الرجال، وهو تحيّز أثبتته الكثير من الدراسات التي اهتمت بهذه المسألة
فضلا عن ذلك، أضافت الطبيبة كاجيد أن “الحب يمكن أن يستمر بين الشريكين لسنوات طويلة إذا اعتنيا به، ولكن هذه المسألة تتطلب بذل مجهود لا يتماشى كثيرا مع قواعد المجتمع الحالي، الذي عادة ما يدعو الأشخاص إلى البحث عن الإثارة والتجديد”.
فسّرت كاجيد بطريقة مختلفة مسألة شعور بعض الأشخاص بالوحدة على الرغم من وجود شريك في حياتهم، فهي تعتقد أن “ديناميات الروتين تلعب دورا أساسيا في الشعور بالوحدة، حيث أن الكثير من المخطوبين أو المتزوجين يقومون بالكثير من الأشياء معا ويديرون المنزل سويا لكنهم ينسون حياتهم الزوجية ويخططون للقيام بأنشطتهم الترفيهية مثل الوجبات العائلية الأسبوعية والتنزه رفقة الأصدقاء، رفقة أشخاص آخرين. ومن العبارات التي نسمعها كثيرا في علاج العلاقات الزوجية هي نبدو كأننا شركاء غرفة واحدة لكن لا أحد يدرك أننا غير سعداء”.
حيال هذا الشأن، قالت باربرا زابيكو إن “الرفاهية المثالية التي نشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي عادة ما تسبب الكثير من الضرر حتى في علاقة الشريكين، نذكر على سبيل المثال فخامة وجمالية حفلات الأعراس التي تجتاح مواقع الإنستغرام”.
من الخطأ أن نعتقد أن الشعور بالوحدة خلال العلاقة مشكلة تخص النساء فقط
حسب المعتقدات الشعبية السائدة فإن الشعور بالوحدة لدى الشريكين مشكلة تصيب النساء أكثر من الرجال، وهو تحيّز أثبتته الكثير من الدراسات التي اهتمت بهذه المسألة. ولكن الاستشارات الطبيّة قد أثبتت عكس ذلك تماما. ويعتقد أخصائيو العلاقات الزوجية أن مثل هذه المقاربات خاطئة وهي نابعة من أفكار نمطية تقوم على التفريق بين الجنسين، الأمر الذي يحاربونه انطلاقا من التعليم والتربية. وتعليقا على هذه المسألة، أشارت زابيكو إلى أن “ما يحدث فعلا هو أن النساء يملن إلى التعبير عن احتياجاتهن النفسية في وقت من الأوقات في حياتهّن، ولكن هذه المسألة ليست حكرا على النساء”.
يصف الرجال الكثير من المواقف التي تخلو تماما من اللحظات الحميمة، حيث تنام الزوجة بشكل مستمر مع أطفالها متعللة بأنها لا ترغب في أن يهتم شخص غريب بصغارها ولو حتى لفترات جزئية في اليوم
تدعم كاجيد تحليل زميلتها زابيكو مشيرة إلى أن ممارسة الأمومة المفرطة من بين الطرق الخطيرة التي تمهد للشعور بالوحدة. وأوردت كاجيد أن “الأزواج الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و40 سنة ولديهم أطفال ورضع عادة ما يقومون باستشارات طبيّة حول قلة العلاقات الجنسية بينهما. ونكتشف حين نتعمق في الحديث في هذه المسألة أن الرجال يشعرون بالوحدة لأن شريكاتهم يكرّسن كل وقتهن وجهدهن لتربية الأطفال متناسين دورهن كزوجات”.
في هذا الإطار، يصف الرجال الكثير من المواقف التي تخلو تماما من اللحظات الحميمة، حيث تنام الزوجة بشكل مستمر مع أطفالها متعللة بأنها لا ترغب في أن يهتم شخص غريب بصغارها ولو حتى لفترات جزئية في اليوم. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الرجال أيضا يبالغون في ممارسة الأبوة مع أطفالهم، ولكن الاستشارات أثبتت أن هذا الأمر شائع أكثر بين صفوف النساء.
يمكن حل مشكلة الشعور بالوحدة أثناء العلاقة ولكن التواصل ليس هو الحل
يضمن الخبراء القدرة على حل مشكلة الشعور بالوحدة، ولكن التواصل لا يعد الحل المناسب لهذه المسألة، مثلما هو الحال مع المشاكل الأسرية. وحسب كاجيد فإن “هناك الكثير من الشركاء الذين لا يعرفون كيفية التواصل المفيد في حياتهم مما يجعلنا نعمل معهم بطريقة مختلفة عن الآخرين”.
في سياق متصل، أوضحت الدكتورة كاجيد “أنا أعمل على أن أحمّسهم ولا أحاول دفعهم إلى كسر الروتين والبحث عن مساحات تواصل صغيرة تخلق فرصا للحديث والدردشة على غرار كيف أمضى كل منهم يومه، وهو ما يولد اتصالا وحميميّة ليست فقط جنسية. وهنا لا يُنصح كثيرا بأن يشاهدوا سلسلة سويا لأن هذه اللحظات غير ممتعة بالنسبة للشريكين”.
يعتبر الشعور الطفيف بشيء من الوحدة مكوّنا أساسيا من أجل تعزيز علاقات الشريكين
من ناحية أخرى، توصي الأخصائية زابيكو الشريكين بتجنب بعض الأساليب التي تتكرر بشكل ملحوظ في حصص التدريب، التي تقوم على تحليل شخصية الطرف الآخر وفقا لمجموعة من الأنهج مثل “إذا كنت قد تلقيت الحد الأدنى مما تبحث عنه خلال علاقتك بشريكك، فإنه لا يمكن أن ننسى أن قوة العلاقة يملكها الشخص الذي لا ينتظر الكثير من الطرف الآخر”.
علاوة على ذلك، ترى زابيكو أن هذا النوع من التفكير “قد يؤدي إلى اختلال التوازن بين الطرفين ولكن يجب على كل واحد منهما أن يقدم ما بوسعه، وأن يساعد الآخر على الاعتناء بنفسه. باختصار، يكمن الحل في نظرية مثلث الحب التي تبناها العالم النفسي الأمريكي روبرت ستيرنبرغ، التي تقوم على فهم الحب وفقا لثلاثة أبعاد: العلاقة الحميمة، والشغف، والالتزام”.
يعتبر الشعور الطفيف بشيء من الوحدة مكوّنا أساسيا من أجل تعزيز علاقات الشريكين. ومن جهتها، تؤكد الطبيبة النفسية والكاتبة الأمريكية شيري بورغ كارتر أن عيش الشريكين في مكان واحد بمفردهما يدل على العواطف التي يكنها كل طرف للآخر. خلاف لذلك، ترى كاجيد أنه من المحتمل أن نجد أنفسنا نعيش في دائرة التبعية المفرغة حيث أن “الأزواج الذي يشعرون بالوحدة ينتهي بهم المطاف إلى الشعور بالاختناق ولكنهم يقولون في الاستشارة إنني لا أستطيع الابتعاد عن شريكي، وبالتالي من الضروري أن يتمتع كل طرف بوقت مستقل للقيام بالأشياء التي يحبها”.
تصبح توقعات الشريكين تجاه بعضهما البعض إيجابية عندما يُخلق مثل هذا النوع من الديناميات في حياتهما، ولعل هذه الديناميات تعتبر ميزة علاقات الحب في الوقت الراهن. وقد كتبت الطبيبة النفسية والكاتبة إستير بيرل بحكمة التالي: “أحيانا نطلب من الشريك أن يقوم بأشياء كانت تقوم بها بلدة بأكملها في السابق”.
المصدر: البايس