بينما كان السودانيون يترقبون الجمعة الماضية كموعد للتوقيع على الوثيقة الدستورية، الخطوة الثانية للاتفاق الموقع بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير الذي تم إقراره الأربعاء الماضي، إذ بالأوضاع تتغير بصورة خيم معها اليأس على الأجواء بعد طلب المعارضة التأجيل لمزيد من المشاورات.
تأجيل يعكس حالة الخلاف الواضحة داخل القوى الثورية لا سيما مع الحركات المسلحة المنضوية في صفوفها، بشأن نقاط في الاتفاق المزمع، أبرزها المتعلقة بتحقيق السلام في مناطق النزاعات ومسائل تتعلق بالحصانة وغيرها، وهو ما يصب في نهاية الأمر في صالح العسكر الذي نجح عبر سياسة المماطلة المتبعة منذ 11 من أبريل في دغدغة الأهداف الثورية عبر سياسة التسويف وكسب المزيد من الوقت.
التأرجح في توقيع الإعلان الدستوري رغم الخطوات الملموسة التي خطتها قوى المعارضة في تخفيف حدة التوتر بينها خلال جولة المحادثات التي تحتضنها حاليًّا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يضع الاتفاق السياسي في مهب الريح، الأمر الذي دفع الكثير من المحللين إلى الإشارة أن الفترة القادمة ربما تشهد مفاجآت، بعضها ربما يكون عكس المسار الثوري.
تأجيل الحوار
الخلافات داخل قوى الحرية دفعت إلى تأجيل الحوار بشأن الوثيقة فيما توقعت مصادر بارزة داخل التجمع بأن يستمر التأجيل حتى الأسبوع القادم بدلًا من غد الثلاثاء، وذلك لحين الانتهاء من المشاورات الدائرة منذ أيام في أديس أبابا، وفق ما ذهبت شبكة “الشروق” السودانية.
وقد ركزت المشاورات على التحفظات التي أبدتها الجبهة الثورية بشأن الاتفاق السياسي بجانب الرؤية التي طرحتها الجبهة بخصوص عملية السلام وكيفية تضمينها في الإعلان الدستوري المزمع التوقيع عليه في غضون الأيام القليلة المقبلة، حسبما نقلت الشبكة عن قيادي بالمعارضة.
من جانبه أشار رئيس الجبهة الثورية مالك عقار أير، رئيس الحركة الشعبية شمال، أن وصول القيادي في قوى الحرية والتغيير وعضو الوفد المفاوض عمر الدقير، لحضور المفاوضات خطوة جيدة مع وجود بقية القيادات، كاشفًا أن الاتفاق مع مفاوضي الحرية يجري على إمكانية إدراج موقف الجبهة الثورية ومعالجة التحفظات، مشيرًا إلى أن المباحثات منصبة حول وضع فترة ممكنة لمعالجة مشكلة الحرب والسلام قبل تشكيل الحكومة وبعد المجلس السيادي بدلًا عن 6 أشهر لأنها طويلة، نافيًا تأكيد ما إذا كان ذلك خلال شهر أو ثلاثة أشهر.
وتوقع رئيس الجبهة الثورية الوصول لنتائج واضحة خلال يومين، لإدراج ورقة الجبهة ما يسهم في إنتاج ورقة واحدة باسم قوى إعلان الحرية والتغيير تقود لسلام عادل، مؤكدًا أن بقاء حركات خارج منظومة السلام يضر بالسلام، هذا في الوقت الذي كشف فيه مفاوضون من الطرفين بعد انتهاء الجلسة الأولى من المفاوضات، أن هناك توافقًا نشأ بين الطرفين لضم ممثلين عن الجبهة في فريق التفاوض الخاص بقوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري.
جولة مشاورات رسمية انطلقت في العاصمة الإثيوبية، مساء السبت الماضي، بين الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة، وقوى إعلان الحرية والتغيير، بحضور الوسيط الإفريقي محمد الحسن لباد، لبحث النقاط الخلافية بشأن الاتفاق
وتسعى الجبهة من خلال تلك المفاوضات، إلى إقناع قوى التغيير بتدارك ما تعتبرها أخطاء ونواقص الاتفاق السياسي، عبر الوثيقة الدستورية التي سيتم التفاوض حولها، بوضع نصوص واضحة بشأن أهمية الإقرار بقيام مؤتمر دستوري خلال الفترة الانتقالية، ومصير مقاتلي الحركات المتمردة في حال تحقق السلام، مع ضمان عودة آمنة للنازحين سواء في إقليم دارفور أم في جنوب كردفان أم النيل الأزرق.
في الإطار ذاته قال الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد، إن الوسيط الإفريقي خاطب اجتماعًا مشتركًا ضم أطراف قوى الحرية والتغيير ممثلة في قيادات الجبهة الثورية السودانية، وكذلك قيادات قوى إعلان الحرية والتغيير التي وقعت على وثيقة الاتفاق السياسي، مؤكدًا أنه – أي الوسيط – حث المجتمعين وجميع الأطراف، على أهمية الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى تحقيق عملية السلام في السودان.
جدير بالذكر أن جولة مشاورات رسمية انطلقت في العاصمة الإثيوبية، مساء السبت الماضي، بين الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة، وقوى إعلان الحرية والتغيير، بحضور الوسيط الإفريقي محمد الحسن لباد، لبحث النقاط الخلافية بشأن الاتفاق الموقع مع المجلس الانتقالي.
مفاوضات بين قوى الحرية والتغيير بشأن بعض بنود الاتفاق
قنابل في طريق الاتفاق
في تقرير سابق لـ”نون بوست” تطرق إلى العديد من القنابل أمام الاتفاق الموقع والجديرة بوضع مستقبله على المحك، خاصة بعد اعتراض عدد من القوى في مقدمتها “الجبهة الثورية” و”الحزب الشيوعي” و”شبكة الصحفيين السودانيين” على الكثير من بنوده، مطالبة بإعادة النظر في محتواه مرة أخرى.
القوى في بيانات ثلاث متفرقة كشفت أن الاتفاق حاد عن الطريق المرسوم المحدد منذ 19 من ديسمبر الماضي، مؤكدة أنه لم يعالج المسار الثوري، بل على العكس من ذلك اتهمت الوثيقة بأنها تريد قطع الطريق أمام الثورة، هذا فيما اتهمت الجبهة التي تضم عددًا من الحركات المسلحة المتحالفة مع “نداء السودان”، أحد مكونات “قوى الحرية التغيير” في مقدمتها حركتي تحرير السودان والحركة الشعبية، الاتفاق بأنه لم يتطرق إلى ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات التشاورية للقوى الثورية.
بينما تسير الأمور نحو مزيد من التعثر، ها هي الأوضاع تواصل اشتعالها مرة أخرى إثر اتهام لجنة أطباء السودان المركزية المرتبطة بحركة الاحتجاج قوات الدعم السريع بالتسبب بوفاة شاب بعد تعذيبه في أثناء احتجازه بمدينة الدلنج
أما الحزب الشيوعي فاعتبر الوثيقة تكريسًا “لهيمنة المجلس العسكري على كل مفاصل الدولة”، متعهدًا في بيانه باستمرار “التصعيد الجماهيري السلمي، حتى تحقيق أهداف الثورة والانتزاع الكامل للحكم المدني الديمقراطي”، وهو ما ذهبت إليه “شبكة الصحافيين” السودانيين المعارضة التي ترى الاتفاق “يريد أن يقطع الطريق أمام الثورة”، مضيفة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على “فيسبوك” أنه “يكرّس ويعضد من سلطة المجلس العسكري المُتشكِّل من اللجنة الأمنية لنظام البشير، التي تسعى إلى سرقة الجهد والعرق والدماء التي بذلت في سبيل الثورة، من أجل أن تعلن عن نفسها وتغتصب السلطة، وبينما الشارع يهتف في كل ساعة باسم المدنية، يُكرِّس الاتفاق لشراكة مختلة تنتج كائنًا مشوهًا برأس عسكري بغيض، لتتبدد كل أحلام شعبنا في ثورة ووعد جديد”.
ساهمت هذه القنابل في إحداث حالة من الخلاف بين القوى الثورية التي طالما كانت لُحمتها الوطنية حائط الصد الأساسي أمام محاولات المجلس العسكري والقوى الداعمة له من المحور المناهض للثورة الافتئات على الحراك وإجهاضه منذ 19 ديسمبر، وهو ما تسعى قوى المعارضة إلى معالجته خلال جولة أديس أبابا، وإن كانت المؤشرات الأولية تذهب إلى شبه توافق لكنه يظل محل التقييم والدراسة وهو ما ستثبته الممارسات العملية لتنفيذ بنود الاتفاق وما تتضمنه الوثيقة المفترض التوقيع عليها خلال أيام.
تأجيل الحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير حتى الأسبوع المقبل
مزيد من الاشتعال
بينما تسير الأمور نحو مزيد من التعثر، ها هي الأوضاع تواصل اشتعالها مرة أخرى إثر اتهام لجنة أطباء السودان المركزية المرتبطة بحركة الاحتجاج قوات الدعم السريع بالتسبب بوفاة شاب بعد تعذيبه في أثناء احتجازه بمدينة الدلنج “وسط” مندّدة بممارسات الأجهزة الأمنية بحق المواطنين.
اللجنة في بيان على صفحتها على “فيسبوك” أمس الأحد، ذكرت “ارتقت السبت روح الشهيد حسن شرف الدين بعد اعتقاله قبل ثلاثة أيام وتعرضه لتعذيب في مكاتب جهاز الأمن (والمخابرات الوطني) بمدينة الدلنج ولاية جنوب كردفان”، بينما لم توضح اللجنة الظروف والأسباب التي اعتقل بسببها شرف الدين، وتابعت “ممارسات جهاز الاستخبارات البشعة لا تزال تحصد أرواح مواطنين بطرق غير قانونية ولا تخضع لمحاكمات عادلة”، وأضافت “ندين ونستنكر تلك الممارسات حتى قيام دولة القانون والمحاسبة”.
آثار التعذيب التي تعرض لها شرف الدين بدت في شهادات بعض المقربين منه، ففي تغريدة لشخص قدم نفسه كأحد أفراد عائلته “ابن خاله” نشرها على صفحة “تسقط بس” المعارضة على “فيسبوك” كتب يقول: “لقد بدأت تغييرات على جثمانه.. تقرير الطب الشرعي أفاد بالموت عمدًا جراء التعذيب”.
ومن ناحية أخرى تسلم النائب العام المكلف عبد الله أحمد عبد الله، أمس، تقرير لجنة التحري والتحقيق في أحداث فض اعتصام القيادة العامة في الـ3 من يونيو الماضي من رئيس اللجنة فتح الرحمن سعيد، وفي تصريح له لوكالة السودان للأنباء قال إنه سيطلع على التقرير وما جاء به من توصيات، مشيرًا إلى أنه سيعلن بعض ملامح ما جاء في التقرير بما لا يخل بسير العدالة، مؤكدًا أن عمل اللجنة تم باستقلالية تامة دون تأثير أي جهة.
وكشفت بعض المصادر أن التحقيق شمل لواءات في قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، وفق ما ذكرت “الجزيرة” بجانب استجواب عدد من الشهود في الأحداث التي شهدتها ساحة الاعتصام قبل فضه بيوم واحد، وعلى مدى أيام عملها، استجوبت 20 شاهدًا وتسلمت فيديوهات خاصة بعملية الفض.
بينما يبحث الثوار عن صيغة توافقية بشأن الاتفاق والإعلان الدستوري كان السفير السعودي بالسودان علي بن حسن جعفر، في ضيافة رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، بالقصر الجمهوري بالخرطوم
يذكر أن الخرطوم وعدة مدن متفرقة في البلاد من بينها الدمازين وسنار وسنجه والسوكي (جنوب شرق) وعطبرة (شمال) وربك (جنوب)، شهدت أمس الأحد عدة وقفات احتجاجية تضامنًا مع “ضحايا التعذيب والاغتصاب والانتهاكات”، وذلك استجابة لدعوة من قوى التغيير، وقد شارك فيها العشرات رافعين لافتات تطالب بالعدالة والقصاص لضحايا الانتهاكات في واقعة فض الاعتصام.
موقف لا تحسد عليه باتت فيه القوى الثورية في أعقاب الخلاف الذي دب بين صفوفها، هذا في الوقت الذي يجلس فيه المجلس العسكري في انتظار ما ستسفر عنه مفاوضات أديس أبابا، وبينما يبحث الثوار عن صيغة توافقية بشأن الاتفاق والإعلان الدستوري كان السفير السعودي بالسودان علي بن حسن جعفر، في ضيافة رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، بالقصر الجمهوري بالخرطوم.