ﺗﻌددت اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻓﻲ ﻣواﻗﻌﻬﺎ الجغرافية المختلفة، ﻓﻛﺎن ﻟﻠﻌرب وﺟودﻫم ﻓﻲ ﺟﻧوب ﺷﺑﻪ اﻟﺟزﻳرة اﻟﻌرﺑﻳﺔ ﻛﺎﻟﻳﻣن، ووﺳط ﺷﺑﻪ اﻟﺟزﻳرة اﻟﻌرﺑﻳﺔ وﺷﻣﺎﻟﻬﺎ، وﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﺷﺎم والعراق، لكن أغلب المؤرخين أجمعوا أن النصوص اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﻘواﻋد اﻟزواج ﻋﻧد ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت ﺗﻛﺎد ﺗﻛون ﻣﺣدودة.
في هذا التقرير، نلقي الضوء على الزواج والزفاف بشكله السائد في فترة الجاهلية، الذي ما زالت بعض طقوسه تمارس إلى اليوم، كما نتعرف على أشكال وأنواع من النكاح اختفت مع ظهور الإسلام الذي حرمها لبشاعتها، وكان كثير منها مستهجنًا من كثير من عرب الجاهلية.
مراسم الزفاف عند العرب في الجاهلية
كان الزواج التقليدي الذي نعرفه اليوم هو السائد والمعروف عند العرب قديمًا، فهو يتبع بروتوكولات وعادات متفق عليها، تندرج تحت مسمى مراسيم الخطبة والزواج عند العرب قبل الإسلام، فقد ذكر المؤلفان هايل البري والعازم صبحي محمود في كتابهما (اﻟزواج ﻋﻧد اﻟﻌرب ﻗﺑﻝ اﻹﺳﻼم “واﻟطﻘوس دارﺳﺔ ﺗﺎرﻳﺧﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘواﻋد واﻟﻣراﺳﻳم “) كل ما يتعلق بعادات وتقاليد العرب قبل الإسلام، التي أقر بعضًا منها الإسلام فيما بعد.
ﺗﻌد اﻟﺧطﺑﺔ بطقوسها أي المرحلة التي تسبق الزواج، ﻣن أهم المراحل ﻓﻲ اﻟزواج اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻧت ﺑﻬﺎ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت العربية القديمة، وتوارثتها المجتمعات الحديثة، فبعد أن ﻳﺗﻌرف اﻟﺷﺎب إﻟﻰ اﻟﻔﺗﺎة، وﻟﻛﻲ ﻳﺗﺄﻛد اﻟرﺟﻝ ﻣن الصفات اﻟﺗﻲ ﻳرﻏب ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺗﺎة، يرسل امرأة ﺛﻘﺔ ﻣن أﺳرﺗﻪ إﻟﻰ ﺑﻳت اﻟﻔﺗﺎة ﻟﺗﺷﺎﻫدﻫﺎ ﻋن ﻗرب وﺗﺗﺄﻛد ﻣن ﺣرﻛﺎﺗﻬﺎ وﺳﻛﻧﺎﺗﻬﺎ.
ما يثير الاهتمام هي الجملة التي حفظها العرب على لسان خطيب الجاهة، التي يقولها عند الطلبة بقوله: “أنعموا صباحًا أو مساءً – بحسب الوقت الذي حضورا فيه – ﻧﺣن أﻛﻔﺎؤﻛم وﻧظارؤﻛم، إن زوﺟﺗﻣوﻧﺎ ﻓﻘد أﺻﺑﻧﺎ رﻏﺑﺔ وأﺻﺑﺗﻣوﻧﺎ، وﻛﻧﺎ ﻟﺻﻬرﻛم ﺣﺎﻣدﻳن، وإن رددﺗﻣوﻧﺎ ﻟﻌﻠﺔ ﻧﻌرﻓﻬﺎ رﺟﻌﻧﺎ ﻋﺎذرﻳن”
وﺑﻌد أن ﻳﻘﻊ اﺧﺗﻳﺎر اﻟﺷﺎب وأﻫﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺗﺎة، ﻳﻘوم أﻫﻝ اﻟﻔﺗﻰ ﺑﺎﻻﺳﺗﻘﺳﺎم ﺑﺎﻷزﻻم ﻟدى أﺻﻧﺎﻣﻬم، ﻟﻣﻌرﻓﺔ إن ﻛﺎن في ﻫذا اﻷﻣر ﺧﻳر ﻟﻬم أم ﻻ، وﺑﻳﺎن ﺻﻼﺣﻳﺔ اﻟزواج ﺑﻣﺟﻣﻠﻪ، وﺑﻌد أن ﻳﺳﺗﻘر الرأي ﻳذﻫب وﻟﻲ أﻣر اﻟﺷﺎب ووﺟوﻩ اﻟﻘﺑﻳﻠﺔ، وهذا ما يُعرف اليوم بـ”الطلبة” و”الجاهة”، ﺑﻌد أن ﻳﻛوﻧوا ﻗد ﻣﻬدوا ﻟذﻟك، وﺣددوا اﻟﺻداق ﺛم ﻳدﺧﻠون إﻟﻰ ﺑﻳت أﻫﻝ اﻟﻔﺗﺎة اﻟذﻳن أظﻬروا اﺳﺗﻌداداﺗﻬم ﻻﺳﺗﻘﺑﺎلهم.
إن ما يثير الاهتمام هي الجملة التي حفظها العرب على لسان خطيب الجاهة، التي يقولها عند الطلبة بقوله: “أنعموا صباحًا أو مساءً – بحسب الوقت الذي حضورا فيه – ﻧﺣن أﻛﻔﺎؤﻛم وﻧظارؤﻛم، إن زوﺟﺗﻣوﻧﺎ ﻓﻘد أﺻﺑﻧﺎ رﻏﺑﺔ وأﺻﺑﺗﻣوﻧﺎ، وﻛﻧﺎ ﻟﺻﻬرﻛم ﺣﺎﻣدﻳن، وإن رددﺗﻣوﻧﺎ ﻟﻌﻠﺔ ﻧﻌرﻓﻬﺎ رﺟﻌﻧﺎ ﻋﺎذرﻳن”، ﺛم ﻳﺟﻳب وﻟﻲ أﻣر اﻟﻔﺗﺎة باﻟﻘﺑوﻝ أو ﻣن ﻳﻧﻳﺑﻪ ﺑﺎﻟﺣدﻳث ﻣن أﻓراد ﻋﺷﻳرﺗﻪ ﺟواﺑًﺎ ﻣﻧﺎﺳﺑًﺎ ﻳﺿﻣﻧﻪ اﻟرﺿﺎ.
ثم يُحدد ﻗﻳﻣﺔ اﻟﺻداق “المهر” اﻟذي ﻋﻠﻰ العريس دﻓﻌﻪ إﻟﻰ أبيها، في الجلسة نفسها، وﻳﺧﺗﻠف ﻣﻘدارﻩ باختلاف مركز الخاطب ووالده، الذي قد يبلغ مئة من الإبل أو الغنم أو أقل من ذلك، أو كمية من الذهب والفضة، وقد تشترط الفتاة مقدار مهرها بنفسها.
يتم ﺣﻣﻝ ﺟﻬﺎزﻫﺎ وﻣﺗﺎﻋﻬﺎ بعد ذلك إﻟﻰ ﺑﻳت زوﺟﻬﺎ ﻣن ﺷﺑﺎب اﻟﻘﺑﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﻣوﻛب ﺗﺗﻘدﻣﻪ اﻟﻣوﺳﻳﻘﻰ اﻟﺷﻌﺑﻳﺔ ﺑﺎﻷﻧﺎﺷﻳد واﻟزﻏﺎرﻳد، وﻓﻲ ﻳوم اﻟزﻓﺎف ﻳﺗم إﻋداد وﻟﻳﻣﺔ لمن وﻓد إﻟﻰ ﺑﻳت واﻟد اﻟﻌرﻳس ﻣن أﺻدﻗﺎﺋﻪ وأﻗرﺑﺎﺋﻪ
وﺑﻌد إﺗﻣﺎم ﻫذﻩ المراسم، يتطيب واﻟد اﻟﺧطﻳﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﻧﺑر واﻟﻌﺑﻳر، وﻳﻧﺣر ﺑﻌﻳرًا أو أﻛﺛر أو ﺷﺎة، ومن ثم تُمد الإسمطة ويُطعم الناس، وﺑﻌد اﺳﺗﻛﻣﺎﻝ إجراءات اﻟﺧطﺑﺔ واﻟﻌﻘد، ﺗﺟري اﺣﺗﻔﺎﻻت ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﺑﻳت اﻟزوﺟﻳن ﻻﺳﺗﻛﻣﺎﻝ مراسم اﻟزواج اﻟذي ﻳﺣدد ﻟﻪ ﻳوم ﻣﻌﻳن ﻣن أﻳﺎم اﻷﺳﺑوع واﻟﺷﻬر، ﻳﺳﻣﻰ “اﻟﺑﻧﺎء”، وكانوا يفضلون عندما يكون القمر بدرًا، بسبب تطيرهم من الزواج في الليالي المحاق، وﺟرت اﻟﻌﺎدة أن ﻳﻛون ﻟﻳﻝ الإﺛﻧﻳن أو ﻟﻳﻝ اﻟﺟﻣﻌﺔ، وﺑﻌد إﺗﻣﺎم ﺟﻧﻲ اﻟﻣﺣﺎﺻﻳﻝ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟريفية.
وﻣن ﺛم ﺗﺟﻬز اﻟﻌروس ﻣن واﻟدﻫﺎ ﺑﺟﻣﻳﻊ متطلباتها، وذﻟك ﻣن اﻟﻣﻬر اﻟذي قدمه اﻟﻌرﻳس، ﺛم ﺗﻘﺎم اﻻﺣﺗﻔﺎﻻت ﻓﻲ ﺑﻳت واﻟد العريس الذي يمتلئ باﻷﻏﺎﻧﻲ واﻷﻧﺎﺷﻳد واﻷﻫﺎزﻳﺞ واﻟزﻏﺎرﻳد واﻟﺿرب ﻋﻠﻰ اﻟدﻓوف، أما ﻓﻲ ﺑﻳت واﻟد اﻟﻌروس فيتم ﺗﺟﻬﻳز اﻟﻔﺗﺎة وﺗﺟﻣﻳﻠﻬﺎ وﺗطﻳﺑﻬﺎ ﻣن ﻧﺳﺎء مختصات، ﻛﺄن ﺗﻛﺣﻝ ﻋﻳﻧيﻫﺎ وتزجج حاجبيها وتفلُج أسنانها وتمشط شعرها، وتضع “الحناء” على كفها وقدمها، وما إلى ذلك.
يتم ﺣﻣﻝ ﺟﻬﺎزﻫﺎ وﻣﺗﺎﻋﻬﺎ بعد ذلك إﻟﻰ ﺑﻳت زوﺟﻬﺎ ﻣن ﺷﺑﺎب اﻟﻘﺑﻳﻠﺔ ﻓﻲ ﻣوﻛب ﺗﺗﻘدﻣﻪ اﻟﻣوﺳﻳﻘﻰ اﻟﺷﻌﺑﻳﺔ ﺑﺎﻷﻧﺎﺷﻳد واﻟزﻏﺎرﻳد، وﻓﻲ ﻳوم اﻟزﻓﺎف ﻳﺗم إﻋداد وﻟﻳﻣﺔ لمن وﻓد إﻟﻰ ﺑﻳت واﻟد اﻟﻌرﻳس ﻣن أﺻدﻗﺎﺋﻪ وأﻗرﺑﺎﺋﻪ، غالبًا ما تكون ذبيحة، وتسمى ﻫذﻩ اﻟوﻟﻳﻣﺔ “اﻹﻣﻼك”، حسب مكانة العريس ووالده وﺗﺗﻧﺎﺳب ﻫذﻩ اﻟوﻻﺋم ﻓﻲ اﻟﻌﺎدة ﻣﻊ ﻣﻛﺎﻧﺔ اﻟﻌرﻳس وواﻟدﻩ، فلو كان غنيًا ﻛﺎﻧت وﻟﻳﻣﺗﻪ ضخمة وقد يكون فيها مطربون، وﻫذا ﻳﺷﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺟري ﻓﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌﻧﺎ إﻟﻰ ﺣد كبير.
وكما تجري العادة اليوم، كانت توصي والدة العروس ابنتها بوصايا خاصة قبل زفتها، كحسن السمع والطاعة للزوج، والتفقد لوقت منامه وطعامه والحرص على ماله وحسن التدبير والتقدير في بيته وأولاده، وعدم إفشاء أسراره، وما إلى ذلك.
ﺗزف اﻟﻌروس إﻟﻰ ﺑﻳت زوﺟﻬﺎ ﺑﻌد أن ﺗﻛون ﻗد ارﺗدت أﻓﺿﻝ اﻟﻣﻼﺑس اﻟﻣﺻﻧوﻋﺔ ﻣن اﻟﺣرﻳر، وزﻳﻧت وﺟﻣﻠت وﺗطﻳﺑت ﺑﺄﻓﺿﻝ أﻧواع اﻟﻌطور
في العادة، كان والد العروس يودع ابنته بالعبارة الآتية: “أيسرت وأذكرت ولا أنثت، جعل الله منك عددًا وعزًا وخلدًا، أحسني خلقك، وأكرمي زوجك وليكن طيبك الماء…”، وذلك في حال تزوجت من أحد أقربائها، أما إذا تزوجت بغير القريب فيقول والدها: “لا أيسرت ولا أذكرت، فأنك تدنين البعداء، أو تلدين الأعداء، أحسني خلقك، وتحببي إلى أحمائك، فإن لهم عينًا ناظرة إليك، وأذنًا سامعة إليك، وليكن طيبك الماء…”.
وﺗزف اﻟﻌروس إﻟﻰ ﺑﻳت زوﺟﻬﺎ ﺑﻌد أن ﺗﻛون ﻗد ارﺗدت أﻓﺿﻝ اﻟﻣﻼﺑس اﻟﻣﺻﻧوﻋﺔ ﻣن اﻟﺣرﻳر، وزﻳﻧت وﺟﻣﻠت وﺗطﻳﺑت ﺑﺄﻓﺿﻝ أﻧواع اﻟﻌطور، وﺗﺣﻠت ﺑﺎﻟﺣﻠﻲ ﻣن أﺳﺎور ﻓﻲ ﻣﻌﺻﻣﻳﻬﺎ وﻣﻌﺎﺿد ﻓﻲ ﻋﻧﻘﻬﺎ وﻋﺿدﻳﻬﺎ وﺧﻼﺧﻳﻝ ﻓﻲ ﺳﺎﻗﻳﻬﺎ وحلقان ﻓﻲ أذﻧﻳﻬﺎ وﻗﻼدات وﺗﺎج ﻋﻠﻰ رأسها، وﻣﻌﻬﺎ صديقاتها وﻳﻘﺗرن ذﻟك ﺑﺿرب اﻟدﻓوف واﻟﻐﻧﺎء وﻳﻘﺎﻝ ﻟﻠﻳﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗزف اﻟﻌروس ﻓﻳﻬﺎ ﺑﻠﻳﻠﺔ اﻟزﻓﺎف، وﻳﻌرف ﻣوﻛب اﻟزﻓﺎف “ﺑﺎﻟزﻓﺔ”، وﺗزف ﻋﻠﻰ اﻹﺑﻝ وﻳﺳﻳرون واﻟﻧﻳران ﺑﻳن ﻳدي اﻟﻌروس.
وﻳزف اﻟﻌرﻳس ﻛذﻟك إﻟﻰ بيته ﺑﻣوﻛب وﺑرﻓﻘﺗﻪ اﻷﺻدﻗﺎء وذوي اﻟﻘراﺑﺔ بالغناء واﻷﻫﺎزﻳﺞ، وﻳﺣﻳون ﻟﻳﻠﺗﻬم ﺑﺎﻟﺷراب واﻟﻐﻧﺎء واﻟﻠﻌب وﺑﻌد ذﻟك ﺗدﺧﻝ اﻟﻌروس إﻟﻰ ﻏرﻓﺗﻬﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ زوﺟﻬﺎ، وﺗودع ﻣن اﻟﻧﺳﺎء، وﻋﻧدﻫﺎ ﻳﺗم اﻟزواج، وذﻟك ﺑﻌرض دم اﻟﺑﻛﺎرة ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎرب ﻟﻳﻛون ﺷﻬﺎدة ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔ ﺷرﻓﻬﺎ وﻋﻔﺗﻬﺎ، وﻳﻛون ذﻟك ﺑﺎﻷﻫﺎزﻳﺞ واﻟﻐﻧﺎء وارﺗداء اﻟﻣﻼﺑس اﻟﻧظﻳﻔﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻣﻧﺎسبة.
الزغاريد العربية
“الزغروطة” و”الزغروتة” في بلاد الشام أو “الهلهولة” و”اليباب” أو “الغطرفة”، كما هي معروفة في الخليج العربي، وتعرف في المغرب باسم “الزغاريت”، تعني صوت الولولة، فيصدر صوت الزغروطة بتحريك اللسان على الجانبين الأيمن والأيسر، بشكل متتابع، مع إخراج الهواء من الحلق بقوة، وقد يمكن الاستعانة باليد، ما ينتج عنه الزغرودة.
أما عن الأصل التاريخي للـ”زغرودة”، يقول بعض المؤرخين إن النساء في فترة الجاهلية كنّ يرافقن الرجال إلى ساحة المعركة بالزغاريد لإثارة الحماس فيهم، مع قرع الطبول والدفوف، وكذلك تحول الموضوع إلى حفلات الزفاف لديهم، ويقول آخرون إن النساء في عصر الجاهلية، كنّ يقمن بالزغاريد الجماعية كغناء للآلهة لطلب الغوث والعون وسقوط المطر.
باعتقاد أنه في أثناء تحريك اللسان على الجانبين تطلق سهام من الداخل لتكسر الحسد الذي تعرّض له الإنسان، وبالتالي تولد الطاقة الإيجابية بداخله
فيما يعتقد مؤرخون آخرون أن الزغاريد يعود أصلها إلى الهند القديمة تحديدًا من ولاية بنغال في شرق الهند، حيث يطلق على الزغرودة في الهند اسم “جوكار”، وتعتبر إحدى الموروثات القديمة، فيما يعتقد الهنود أن الزغرودة تعمل على طرد الطاقة السلبية من الجسم.
وذلك باعتقاد أنه في أثناء تحريك اللسان على الجانبين تطلق سهام من الداخل لتكسر الحسد الذي تعرّض له الإنسان، وبالتالي تولد الطاقة الإيجابية بداخله، كما هناك اعتقاد بأن الزغرودة يعود أصلها لقبيلة هندية تسمى “السو”، وكانت تستخدم الزغاريد في الحروب لترهيب العدو.
أنواع الأنكحة “الزواج” في الجاهلية
كل ما تم ذكره من مراسم الزواج في الجاهلية، يندرج تحت مسمى الزواج التقليدي الذي نعرفه اليوم بتفاصيله، بعد أن توارثناه جيلًا بعد جيل، لكن هناك أنواعًا أخرى للزواج كانت في العصر الجاهلي، فريدة من نوعها، جاء الإسلام وحرم الكثير منها.
تحدث المؤلف والمؤرخ السوري المعاصر عبد السلام الترمانيني، في كتابه “الزواج عند العرب: في الجاهلية والإسلام” عن كل ما يتعلق بأنواع النكاح في الجاهلية.
الاستبضاع
وفي هذا الزواج تتزوج المرأة برجل آخر يكون شاعرًا أو فارسًا لتنال منه الولد فقط وكل هذا بموافقة زوجها، كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه ويكون هذا النكاح بغرض تحسين النسل وليس شهوانيًا، وقد اختفى هذا النوع بعد تحريم الإسلام له.
معنى المخادنة في اللغة هو المصاحبة، والخدن هو الصديق والصاحب، وفي الجاهلية كانت تطلق على معاشرة مجموعة من الرجال لامرأة واحدة
المضامدة
المضامدة من الضمد، وهو اللف والعصب، وكانت في الجاهلية تطلق على معاشرة المرأة لغير زوجها، وكانت تلجأ إليها نساء الجماعات الفقيرة زمن القحط، ويضطرها الجوع إلى دفع نسائها في المواسم التي تعقد فيها الأسواق لمضامدة رجل غني، تحبس المرأة نفسها عليه حتى إذا غنيت بالمال والطعام عادت إلى زوجها.
وفي هذا النوع من الزواج قد تتزوج المرأة من رجلين أو ثلاثة رجال لتأكل عند هذا وتشرب عند ذاك وتشبع في أوقات القحط، ورغم انتشار هذه العادة فإن معظم العرب لم يستحسنوها واعتبروا أن هذا الزواج خيانة من المرأة، وقد حرم الإسلام هذا النوع من الزواج.
المخادنة
معنى المخادنة في اللغة هو المصاحبة، والخدن هو الصديق والصاحب، وفي الجاهلية كانت تطلق على معاشرة مجموعة من الرجال لامرأة واحدة، فإذا حملت ووضعت – وليدها الذكر -، أرسلت إليهم جميعًا ليحضروا وتقول: “قد عرفتم الذي كان من أمري، وقد ولدت وهذا ابنك يا فلان”، ويدعونها بالمقسمة.
وقد جاء تعريف مصطلح المخادنة الذي ذكرناه في القرآن الكريم في آية تحريمها، بقوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}.
نكاح المقت أو الضّيزن أو وراثة النكاح
كان الرجل عند القبائل العربية إذا مات وترك زوجة وكان له أولاد من غيرها، ورث أكبر أولاده نكاحها كجزء مما يرث من مال أبيه، فإذا أعرض عنها انتقل حقه إلى الذي يليه، وإذا لم يكن للميت ولد يرثه، انتقل حقه إلى أقرب أقربائه.
حرم الإسلام هذا الزواج وذكر في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}
وكان من حق الولد الذي آلت إليه زوجة أبيه أن يمنعها من الزواج، إلا إذا أرضته بالمال، وقد أطلق على هذا الوارث اسم “الضّيزن”، وإذا تزوج ابن الميت زوجة أبيه، كانوا أولاده منها إخوته، وقد كان هذا النوع من النكاح شائعًا في بلاد الفرس وانتقل إلى العرب، وكان عندهم مذمومًا لذلك سموه “نكاح المقت”، والمولود منه اسمه “مقيت”.
وقد حرم الإسلام هذا الزواج وذكر في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا}.
الشغار
وفي هذا النوع من الزواج يزوج الرجل كالأب والأخ، وليته إلى رجل آخر على أن يزوجه الآخر وليته ولا يكون بينهم صداق أو مهر، فكل عروس بمثابة مهر للعروس الأخرى، وقد حرم الإسلام هذا النوع من الزواج أيضًا.
البدل
وفي هذه العادة يتفق رجلان أن يتنازل كل منهما عن زوجته للآخر لينكحها، بمعنى أن الزوجين يتبادلان زوجتيهما برغبة الطرفين، وبطبيعة الحال حرم الإسلام هذا النوع.
إن هذا الموروث الذي أخذه العرب من أجدادهم منذ القدم، ومن ثم نظم الإسلام هذه العادات وأخذ معظمها وترك السيء منها، بقيت ملامحها وبعض تفاصيلها حتى اليوم في معظم البلدان العربية، وما ورد ذكره من أنواع الأزواج الأخرى، لا ينفي على أي حال من الأحوال صفات الكرم والشرف التي كان يتحلى بها العرب قديمًا، ففي كل المجتمعات البدائية والحديثة أيضًا، تجد الشيء ونقيضه، وهذا كان دور الإسلام التنظيمي، لتتميم مكارم الأخلاق.