استطاعت الـ “بي بي سي” لأول مرة تصوير وإذاعة فيلم وثائقي عن المعارضة السعودية في المنطقة الشرقية من المملكة والتي تقطنها أقلية شيعية.
“صفاء الأحمد” وهي سعودية لم تكن تقيم في المملكة، عادت لتصوير الفيلم الوثائقي، الذي تمت إذاعته تحت اسم “الحراك السري في السعودية”.
الصور والفيديوهات التي يعرضها الوثائقي لأول مرة أظهرت مشاهد ليست معتادة على الإطلاق في السعودية، مشاهد تبدو من مصر أو من جارتها البحرين، يقوم فيها المحتجون برشق سيارات الشرطة بالحجارة، ويقتل فيها الأمن المتظاهرين العزل.
الوثائقي يعرض مشاهد لتنظيم التظاهرات، ومشاهد للقتل الذي نفذته أجهزة الأمن السعودية، ومشاهد لمتظاهرين شيعة يكتبون على الحوائط كلمات من قبيل “يسقط آل سعود” و”لبيك يا حسين”.
كما يعرض الفيلم صورًا لنشطاء يقطعون صورة ملك السعودية الملك “عبدالله بن عبدالعزيز” ويحرقونها في منتصف الطريق، في أعمال شديدة العدائية للسلطة الحاكمة.
الفيلم يعرض ما شهدته السعودية خلال السنوات الثلاث الماضية من موجة من المعارضة تبعها نمط من النشاط المعارض المتكرر داخل نظام سياسي يعاني القمع، لكن النظام الحاكم بدا هذه المرة أكثر جدية في رؤيته للتهديدات مقارنة بردود فعله السابقة.
الفيلم يعرض مشاهد مختلفة كثيرا عما دأب النشطاء على ترديده من أن المظاهرات سلمية بأكملها، ولا يُستخدم فيها السلاح، كما يثبت عددا من الحوادث التي رد فيها المتظاهرون أو النشطاء هجوم الأمن باستخدام الرصاص.
وعادة ما يميل حكام السعودية إلى تقديم البلاد على أنها مساحة لا تخضع لتطبيق قواعد السياسة المتعارف عليها، كما يروجون صورة عن السعودية كأنها مدينة فاضلة (يوتوبيا) إسلامية، تحاكي الشريعة كما طُبقت في بدايات العصر الإسلامي، مع تولي آل سعود زمام الشئون السياسية للبلاد إلى جانب ضمان العلماء تطبيق الشريعة في المجتمع، ويغني هذا التصور في حد ذاته عن الحاجة إلى وجود أحزاب سياسية وسلطة تشريعية منتخبة أو الحق في الاحتجاج لعدم اختلاف الرأي في مجتمع تنظمه قواعد إلهية، ومن ثم عندما ظهرت المعارضة في المجتمع، سرعان ما تحرك النظام الحاكم وبمنتهى الحسم لقمعها.
لقد هزت الانتفاضات العربية التي بدأت في تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2010 أسرة آل سعود لأسباب عدة: فالولايات المتحدة باتت غير راغبة أو عاجزة عن إنقاذ حليف لها منذ زمن طويل مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، كما انتشرت الانتفاضات في منطقة مجلس التعاون الخليجي مع اندلاع احتجاجات في البحرين وعمان، في الوقت الذي قدمت حركات الإسلام السياسي نموذجًا إسلاميًا للتمثيل الديمقراطي والتغيير.
وحال آل سعود دون تحول هذه الظاهرة إلى حركة جماهيرية حاشدة قد تجبر على التخلي عن السلطة وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات: الإنفاق الهائل على الدوائر الانتخابية الرئيسية في البلاد، والضغط على العلماء المدعومين من الدولة من أجل التنديد بالاحتجاجات والمعارضة ووصفها بأنها غير إسلامية، وكذا الفرصة التي هيأتها احتجاجات المنطقة الشرقية في مارس/ أذار عام 2011 لتشويه الإصلاح وتعبئة الشارع وهي في العرف السعودي ظاهرة يقودها الشيعة وتشجع على الانفصال.
من جهة أخرى استفاد آل سعود من الطبيعة المتفاوتة للمعارضة في السعودية، فهناك عدد من الأصوات المختلفة التي تدعو إلى التغيير والإصلاح: الشيعة في الشرق، والنساء في البريدة الواقعة شمال العاصمة الرياض اللائي نظمن احتجاجات ضد اعتقال أقاربهن وكبار علماء الدين دون إجراء محاكمات، فضلاً عن سلسلة مطالبات تنادي بالإصلاح، وكذا النشطاء البارزون بما في ذلك أولئك الذين يستعينون في نشاطاتهم بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر).
وربما كان أبرز نجاح حققته الأسرة الحاكمة هو الحفاظ على هذه الدوائر المختلفة بعيدة عن بعضها، وعدم قدرتها على الاندماج في كيان حركة واحدة من أجل التغيير، وتجدر الإشارة إلى أن الإسلاميين المعتقلين يودعون في سجون منفصلة.
كما كان رد الفعل الرسمي حيال ظاهرة المعارضة باستخدام الإنترنت انتقائي للغاية، فعلى سبيل المثال: مُنع رجل الدين البارز الشيخ “سلمان العودة” الذي يستخدم موقع التواصل الاجتماعي (توتير) من السفر ومغادرة البلاد لكنه لم يسجن، في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات صارمة على ناشطين آخرين من الشباب أمثال الناشط “رائف بدوي”، أو أعضاء (حسم)، أو مثل الناشط الحقوقي “وليد أبو الخير”.
من جانبها سنت الحكومة السعودية هذا العام قانون الإرهاب الذي يسمح باعتبار أي شكل من أشكال المعارضة السياسية بمثابة نشاط محظور، ومنها التعبير عن التعاطف مع الإسلاميين المصريين الذين قتلوا في اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة عام 2003 إلى القتال في سوريا بين الجهاديين.
ومع اتساع نطاق المعارضة ومصادرها المحتملة، يعمد النظام الحاكم في السعودية إلى إلقاء شباكه قدر الإمكان على أن يجذبها كلما سنحت له الفرصة وتهيأت.
يمكنكم مشاهدة الفيلم على موقع بي بي سي هنا أو عبر يوتيوب من خلال الرابط التالي
المصدر: بي بي سي