في الوقت الذي تخيم فيه أجواء الأزمة الاقتصادية الطاحنة على الشارع الأردني، أعلن المدير العام لهيئة تنشيط السياحة الأردنية عبد الرزاق عربيات، الأحد، أنه من المتوقع نمو أعداد السياح القادمين للمملكة 10% خلال 2019 مع فتح خطوط رحلات طيران عارض ومنتظم جديدة بدعم من الهيئة.
عربيات أضاف أن رفع شركتي الطيران “رايان إير” و”إيزي جت” عدد خطوطهم القادمة للمملكة سيزيد من أعداد سياح المبيت بشكل كبير، متوقعًا أن يتجاوز عددهم الـ5 ملايين سائح وفق ما ذكر في مقابلة له مع “رويترز“، مضيفًا “الهيئة دعمت استقطاب شركات الطيران العارض القادم من روسيا إلى مدينة العقبة الساحلية عن طريق تقديم الحوافز ليصبح عددها أربع شركات”.
تصريحات حملت بعض التفاؤل للكثير من المراقبين في ظل استفحال الأزمة التي يعانيها المواطن الأردني خلال السنوات الماضية، هذا في الوقت الذي يعول فيه البعض على إمكانية أن تلعب السياحة الوطنية دورًا مؤثرًا في تحسين المناخ العام بدلاً من الاعتماد على المنح والدعم الخارجي الذي ساهم تراجعه في كارثة على المستويات كافة وهو ما تجسده الأرقام والإحصاءات الرسمية.
15% من الناتج القومي
المدير العام لهيئة تنشيط السياحة الأردنية أوضح في مقابلته أن المجموعات السياحية التي تشكل عصب السياحة في المملكة، من المتوقع أن تزيد العام الحاليّ بين 20 و25%، خصوصًا القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، مضيفًا “نحن في الهيئة نستهدف السائح ذا الإنفاق المرتفع ولقد نجحنا في استقطاب سياح لإقامة حفلات زفافهم في منطقة البحر الميت”.
وعن خطط التسويق هذا العام لفت إلى أن الإستراتيجية الموضوعة تركز على ثلاث أسواق تقليدية هي البرازيل واليابان والصين في جانب السياحة الدينية، بالإضافة إلى استمرار دعوة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي لزيارة الأردن لتسويق المواقع الأثرية فيه، وكان عدد السياح القادمين إلى الأردن قد زاد في 2018 بنسبة 7% إلى 4.9 مليون سائح.
وأشار إلى أن “الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر جهة تجلب السياح وتسوق المواقع السياحية عندنا”، كما تطرق إلى سياحة المؤتمرات التي أنشأت لها الهيئة وحدة تسويق مستقلة استطاعت جذب مؤتمرات طبية كبيرة للعام الحاليّ والمقبل، هذا بجانب السياحة العلاجية التي تراجعت المملكة فيها نتيجة وجود منافسة حادة مع دول مجاورة في هذا المجال.
وتمثل السياحة أحد أبرز الروافد الأساسية للاقتصاد الأردني، حيث تشكل قرابة 15% من إجمالي الناتج المحلي، وقد بلغ العائد منها قرابة 5 مليارات دولار في 2018 وهو ما يفوق حصيلة 2017 بشكل كبير، هذا في الوقت الذي تولي فيه المملكة أهمية كبرى لهذا القطاع الحيوي.
انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى حدود 2% عام 2018، ومن المتوقع أن لا يزيد على 2.3% عام 2019، و2.4% عام 2020، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي
يذكر أن وزارة السياحة الأردنية أطلقت الإستراتيجية الوطنية لتطوير القطاع السياحي للأعوام (2017 – 2021)، تلك الإستراتيجية التي تتطرق إلى مناقشة أثر السياحة على الاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى المواطن بشكل خاص، وتهدف إلى زيادة أعداد السياح الأردنيين والعرب والأجانب، وزيادة فترة إقامتهم بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد، ورفع مستوى معيشة المواطن.
ويواجه هذا القطاع حزمة من التحديات التي تعرقل أداءه بما يحول دون تحقيق الأهداف المنشودة منه رغم امتلاك المملكة للمقومات الأساسية التي تعد أرضية خصبة لنمو هذا المجال، على رأسه ارتباط الأداء السياحي للقطاع بشكل عام بما في ذلك تدفق الزوار إلى المملكة بالأوضاع السياسية في المنطقة، وارتباط عملية تشغيل العديد من المواقع بقطاع البلديات الذي يحتاج إلى الدعم الفني والمالي.
علاوة على ذلك ارتباط عملية تطوير المنتج السياحي بالعديد من المؤسسات ومن ضمنها القطاع الخاص مما يؤدي إلى صعوبة توجيه السياسات والقرارات لما فيه مصلحة القطاع السياحي، وعدم توفير قنوات التغذية الراجعة بما يسهم في تسهيل اتخاذ القرار في عمليات تطوير المواقع السياحية وتطوير المنتج السياحي الأردني.
جهود حثيثة لتنشيط السياحة الأردنية
أوضاع اقتصادية صعبة
يعاني الاقتصاد الأردني طيلة السنوات الماضية من هزات عنيفة، دفعته إلى التراجع بصورة انعكست بشكل كبير على الحالة المعيشية لرجل الشارع، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى حدود 2% عام 2018، ومن المتوقع أن لا يزيد على 2.3% عام 2019، و2.4% عام 2020، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
هذا بخلاف تباطؤ تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى الأردن بشكل ملحوظ، لا سيما العام الماضي، وبحسب بيانات البنك المركزي الأردني، هبط صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق على الأردن في النصف الأول من عام 2018 بنسبة 56.3% إلى 538 مليون دولار مقارنة مع مستواه البالغ 1.234 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2017.
أمام هذه الصعوبات الخطيرة التي تواجه الاقتصاد عول الأردن على المجتمع الدولي في تقديم يد العون للخروج من هذا المأزق، في محاولة لاستقطاب الدعم المالي من شركائه السياسيين والاقتصاديين
وعليه، فشلت الحكومة في توفير فرص عمل لمئات الآلاف من الشباب الذي يدخل سوق العمل سنويًا، ومن ثم ارتفعت معدلات البطالة إلى نحو 18.7% بنهاية عام 2018 وبزيادة 4 نقاط مئوية عن معدل عام 2016 البالغ 14.6%، هذا بخلاف العجز المستمر الذي حققته الموازنة العامة للدولة في الأعوام الماضية وبمعدل 2.5% عام 2018 مقابل 3.2% عام 2017.
وأمام هذه التحديات لم تجد عمان بدًا من اللجوء إلى الاستدانة من الداخل والخارج لسد هذا العجز، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي المستحق على الأردن إلى 39.9 مليار دولار بنهاية عام 2017، أي ما يعادل 98% من الناتج المحلي الإجمالي.
استمرار مراجعات خطة الإصلاح بين صندوق النقد والحكومة الأردنية
تراجع الدعم الدولي
أمام هذه الصعوبات الخطيرة التي تواجه الاقتصاد عول الأردن على المجتمع الدولي في تقديم يد العون للخروج من هذا المأزق، في محاولة لاستقطاب الدعم المالي من شركائه السياسيين والاقتصاديين، ومن هذا الرحم الضيق وُلد “مؤتمر الأردن: نمو وفرص – مبادرة لندن” بحضور ممثلي أكثر من 60 دولة ومؤسسة دولية كبرى، في 28 من فبراير الماضي.
مخرجات المؤتمر جاءت إيجابية في مجملها، إذ تلقى الأردن تعهدات مالية تقدر بنحو 3.6 مليار دولار تقدم على مدار الأعوام القادمة، معظمها كان عن طريق الأوروبيين، إذ أعلنت بريطانيا زيادة مساعداتها للأردن إلى 860 مليون دولار على مدى الأعوام الخمس المقبلة، بالإضافة إلى ضمان قرض على الأردن للبنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار.
التعويل على السياحة كمورد وطني للخروج من عنق الزجاجة، وفي الوقت ذاته يحافظ على استقلالية القرار الأردني بعيدًا عن الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الذي ظهرت نواياه الخبيثة في الدول التي تعامل معها، خطوة يراها البعض إيجابية
فيما أعلنت فرنسا أنها ستقدم نحو 1.1 مليار دولار في صورة قروض ومنح على مدى الأعوام الأربع المقبلة، وتعهدت اليابان بدورها بتقديم منحة بقيمة 100 مليون دولار وقرض بقيمة 300 مليون دولار، أما بنك الاستثمار الأوروبي، فقد خصص مبالغ بنحو مليار دولار كمنح وقروض للمساهمة في دعم مشروعات بنية أساسية ودعم القطاع الخاص.
وفي الوقت ذاته تحاول الحكومة إيجاد صيغة توافقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على المزيد من الدعم المالي لمحاولة التخفيف من وقع الأزمة التي يبدو أن دعم الدول المانحة لم يحقق الهدف، إلا أن حزمة من العقبات تحول دون الوصول إلى اتفاق بشأن القروض المقدم عليها.
نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر خلال جلسة نيابية مؤخرًا أشار إلى أن تقدّمًا حصل في المفاوضات مع الصندوق، بيد أنه لم يكشف طلبات الأخير وإن استبعد أن يكون هناك توجه لفرض ضرائب جديدة، تصريحات اعتبرها خبراء متناقضة تمامًا مع الواقع الاقتصادي، فالحكومة على ضوء الأزمة المستفحلة وغياب الحلول الجذرية ليس لها خيار إلا إعلان حزمة زيادات ضريبية جديدة، وهو ما بدت إرهاصاته تتكشف.
التعويل على السياحة كمورد وطني للخروج من عنق الزجاجة، وفي الوقت ذاته يحافظ على استقلالية القرار الأردني بعيدًا عن الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الذي ظهرت نواياه الخبيثة في الدول التي تعامل معها، خطوة يراها البعض إيجابية، ومن الممكن أن تكون نواة لخطة إستراتيجية موسعة تستهدف قطاعات أخرى تعوض الاقتصاد الوطني عن الخسائر التي تكبدها جراء الصراعات الإقليمية وغلق صنبور الدعم الخارجي.