على أنقاض منزله المدمر جلس المسن الفلسطيني غالب أبو هدوان يتأمل شقاء عمر وأحلام وذكريات حولتها جرافات الاحتلال لركامٍ ودمار.
أبو هدوان حاول بيديه المثكلتيّن بالهموم والإرهاق إخراج مقتنيات منزله التي هدمت فوقها بنايته السكنية، فقوات الاحتلال الإسرائيلي أمهلته دقائق لإخلائه بالقوة المفرطة، يقول أبوهدوان: “أنا رفضت أطلع من البيت، أجولنا اعتدوا علينا، ضربوا الصغار والكبار، طلعوهم بس أنا ما قبلت أطلع فحملوني وطردوني برا البيت بالقوة”، ويضيف أن الاحتلال اقتحم الحي الساعة 3 فجرًا وشرع بإغلاق المنطقة ومحاصراتها بالكامل وتطويقها بمئات القوات والشرطة، واقتحام بيته لاحقًا وإجبارهم على الإخلاء والخروج منه.
وتابع أبو هدوان: “بيتي حياتي قعدت سنتين أبني فيه طوبة طوبة من 2015، كل حجر فيه دفعت فيه من قوت ولادي بس هدموا أحلامي ومستقبلي ومستقبل ولادي وأحفادي”.
تتكون بناية أبو هدوان من طابقين يضمان شقتين سكنيتين، وكان ينوي بناء طوابق أخرى ليعيش أبناؤه وأحفاده بالشقق من أجل تأمين مستقبلهم وحياتهم، وذكر أنّه كان يريد بيتًا يأويه وأبناؤه، ليرتاح من المبالغ الطائلة التي يضطر لدفعها “كأجرة منزل” لأصحاب البيوت في القدس.
وكانت سلطات الاحتلال قد هدمت صباح أمس 10 بنايات سكنية بالإضافة لتفجير بناية أخرى، بينهم 4 شقق مسكونة تأوي 24 فردًا جلهم من الأطفال في حي وادي الحمص بذريعة الأمن.
إجلاء الأهالي من منازلهم وعملية الهدم لمْ تمر بسلام، فقوات الاحتلال استخدمت القوة المفرطة خلال إخراج الفلسطينيين من منازلهم، واعتدت عليهم بالضرب وقنابل الصوت والرصاص المطاطي وقنابل الغاز، بعد رفضهم الخروج من منازلهم.
عائلة عبيدية دافعت حتى الرّمق الأخير عن منزلٍ لمْ يعن لهم حجارة بقدر ما كان الأمن والأمان والذكريات والأحلام، فاجتمع 40 فردًا من العائلة والأصدقاء ووقفوا وراء باب البيت وهم عزل يحاولون منع القوات من الاقتحام، لكن جيش الاحتلال شرع بتفجير الباب والاعتداء على كل من كان موجودًا هناك من الأطفال والنساء.
وسام عبيدية قريب العائلة التي تعيش في المنزل قال إنه كان داخل المنزل برفقة أسرته، فتفاجأوا بقوات الاحتلال تفجر باب البيت وتطلق بداخله قنابل الصوت تجاه الأطفال وتعتدي عليهم وتضرب جميع الموجودين مما أدى لإصابة العشرات منهم، ونقل 10 للمستشفى.
ويؤكد عبيدية “ما خلونا نتنفس، ضربونا كسرونا، ضربوا عمي بالبارودة على راسه وانفتح، حاولنا ندافع عن بيتنا ونمنعهم يهدموه، بس ما لقيناهم إلا بضربونا بعيونا وبالعصي… ما حكولنا اطلعوا، ضربونا أول ما اقتحموا”.
وصف الأهالي ما حدث اليوم “بالظلم”، فالمواطن الفلسطيني والناشط علي عبيدية الذي كان في المكان قال إن منطقة وادي الحمص تعرضت للظلم وسط صمت عربي ودولي لما سماه “مجزرة تهجير” بحق السكان، ويضيف عبيدية أن الاحتلال لم يسمح بإخراج جميع محتويات منازل المواطنين قبل الهدم، والجرافات أخرجت الأثاث بعد تخريبه من داخل البيوت قبل الشروع بالهدم.
على مدخل الحي جلس بلال الكسواني وهو مواطن هدم مسكنه صباح أمس من قوات الاحتلال، وقف وحاول الدخول للوصول لبيته لكنّ ضباط شرطة الاحتلال منعوه من المرور، وذكر بلال أنه خرج من الحي لإيصال أطفاله وزوجته لمنزل عائلتها، وعندما عاد لم يسمح له بالدخول إلى الحي، ويتابع “مادخلوني، فوق ما هدموا بيتي وشقا عمري وكمان مسكرين البلد كلها”.
وقال الكسواني إن الاحتلال أمهله دقائق معدودة لإفراغ المنزل، فلم يستطع إخراج الأثاث وهدم البيت فوق كل ما يملكه، ويضيف أن أطفاله شعروا بالذعر الشديد من القوات الموجودة داخل المنزل.
فرضت قوات الاحتلال حصارًا على منطقة حي وادي الحمص وأعلنتها منطقة عسكرية مغلقة لأكثر من 18 ساعة، حيث أغلقت المداخل وانتشرت قوات الجيش الإسرائيلي فيها، ومنع الفلسطينيون من الحركة والتنقل والخروج والدخول إلى الحي.
وطالت فترة الإغلاق بسبب تفجير قوات جيش الاحتلال بناية سكنية تعود لعائلة أبو طير داخل الحي، حيث زرع الديناميت فيها منذ الثالثة فجرًا وحتى السادسة مساءً، ليتم تفجير البيت بعد ساعتين من انتهاء وضع المتفجرات.
سكان وادي الحمص قالوا إن أصعب اللحظات التي مرّت عليهم كانت خلال التفجير، فالصّمت خلال الثواني التي سبقت عملية التفجير أسكتها صوت لم يدمر حجارة فقط، وإنما “خلق نوعًا من الرعب بنفوس أطفالهم، والحسرة بقلوب كبارهم”.
قصة وادي الحمص بدأت قبل عدة سنوات عندما صدر قرار عسكري بمنع البناء بمسافة 250 مترًا من جانبيّ جدار الفصل العنصري الموجود في المنطقة التابعة للحكم المحلي الفلسطيني، وهدم المباني والمنازل المقامة على هذه المساحة، فتوجه أهالي المنطقة للمحاكم على أمل إصدار أمر يمنع الهدم، فتفاجأوا بقرار يصدر من المحكمة العليا الإسرائيلية بتأييد منع البناء وتوصية بهدم جميع المباني المقامة عليها.
ويتذرع الاحتلال بالقرار العسكري أنه يريد مساحات واسعة فارغة بجانب الجدار من أجل ملاحقة الفلسطينيين من الضفة الغربية خلال محاولتهم تسلق السلك الشائك للوصول للقدس والأراضي المحتلة التابعة لحكم الاحتلال الإسرائيلي.
وشمل القرار 16 بناية سكنية في المنطقة تحتضن أكثر من 100 شقة سكنية، ورغم أن معظمهم قيد الإنشاء فإن أصحاب البيوت كانوا يأملون بالعيش فيهم بعد أن دفعوا ملايين الشواقل من أجل تشييدها لتأمين مستقبلهم.
وحاولت لجنة الدفاع عن منازل ومباني وادي الحمص منع الهدم وتقديم مقترحات للمحكمة كإجبار جيش الاحتلال على تحسين الجدار الشائك، لكن المحكمة أصدرت قرارًا يؤيد جيش الاحتلال على حساب أمن المقدسيين.
حمادة حمادة رئيس لجنة الدفاع عن مباني ومنازل وادي الحمص أكد أن ما يجري في الحي هو عملية تهجير وترحيل قصري يهدف لإفراغ المنطقة والتضييق على المقدسيين والتنكيل بهم، مضيفًا أن الحي يتبع للسلطة الفلسطينية وفقًا لاتفاقية أوسلو، رغم وجودها في منطقة القدس، والمواطنون حصلوا على تراخيص بناء من الحكم المحلي الفلسطيني، يقول حمادة: “ما يجري اليوم يذكرنا بنكبة 48 ونكسة 67، والي صار اليوم ما شفنا من أيام النكسة، شردوا العائلات، شردوا الأطفال، هاي نكسة جديدة بحق الأهالي والفلسطينيين”.
ويضيف أن الاحتلال منذ القرار قبل أكثر من شهر يضيق على الأهالي، حيث نصبت خيمة اعتصام واحتجاج سلمية بالقرب من المنازل المهددة، والاحتلال هدد بهدمها وأجبرهم على تفكيكها.
ويؤكد حمادة أن أهالي الحي رغم التشريد والاعتداء والضرب صامدون في أراضيهم، لذلك سيشيد خيام على أنقاض المنازل حتى بناء المنازل من جديد.