جريمة شمهروش.. هل يعود المغرب إلى تطبيق الإعدام

مضى ما يزيد على ربع قرن على تنفيذ آخر عقوبة إعدام بالمغرب، بعدما صادق البلد على عدد من الاتفاقات الدولية، ووقع على قوانين المحكمة الجنائية الدولية بخصوص هذه العقوبة. منذ ذلك الحين، لا تزال عقوبة الإعدام، ولكن مجرد حبر على ورق، ويقبع بالسجن حاليًّا 93 محكومًا بالإعدام، مع وقف التنفيذ، ينتظرون الموت، ليضاف إليهم مرتكبو “جريمة شَمْهَرُوشْ” التي راح ضحيتها السائحتين الإسكندينافيتين.
الدولة المغربية بريئة
قضت غرفة الجنايات المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب بملحقة محكمة الاستئناف بمدينة سلا، الخميس 18 من يوليو/تموز، بإعدام المتهمين الثلاثة بقتل السائحتين الإسكندنافيتين في منطقة “شمهروش” غير المأهولة بضواحي مراكش (جنوب المغرب)، حيث كانت الطالبتان الدانماركية لويزا فيسترغر (24 عامًا) والنرويجية مارين أولاند (28 عامًا) تمضيان إجازتهما ليل 16 و17 من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وبرأت المحكمة، الدولة المغربية من أي مسؤولية عن الجريمة الإرهابية التي نفذها هؤلاء الحاملون للفكر السلفي المتشدد، واحتفظت بتمكين الطرف النرويجي من تعويض قدره مليونيْ درهم مغربي يدفعه المجرمون الرئيسيون في العملية.
رغم أن التشريع المغربي ما زال يحتفظ بعقوبة الإعدام، فإنه ينهج قضائيًا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها
واعترف كل من عبد الصمد الجود (25 عامًا) ويونس أوزياد (27 عامًا) ورشيد أفاطي (33 عامًا) بذبح الضحيتين وتصوير الجريمة وبث التسجيل المروع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوبع المتهمون بتهم تتراوح بين “القتل العمد” للثلاثة الرئيسيين، و”تشكيل خلية إرهابية” و”الإشادة بالإرهاب” و”عدم التبليغ عن جريمة” بالنسبة للآخرين.
عقب النطق بالحكم، طالب عضو هيئة النيابة عن الضحيتين بأنه “لا يجب أن يبقى حكم الإعدام حبرًا على ورق، لأن شرائح واسعة من المجتمع المغربي توافق عليه، وهو أمر يعود في النهاية إلى إرادة الدولة المغربية” على حد تعبير المحامي، في تصريح أدلى به لوسائل الإعلام المغربية.
رغم أن التشريع المغربي ما زال يحتفظ بعقوبة الإعدام، فإنه ينهج قضائيًا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما يلعب العفو الملكي دورًا مهمًا في إعادة التوازن للسياسة العقابية. في الواقع، يتجه المغرب نحو الإلغاء الواقعي لهذه العقوبة، بالحد تدريجيًا منها.
يتضمن القانون الجنائي المغربي ما لا يقل عن 36 مادة تنص على عقوبة الإعدام، كما ينص قانون العدل العسكري على هذه العقوبة فيما لا يقل عن 16 مادة، علاوة على أن الظهير الشريف الصادر بتاريخ 29 من أكتوبر/تشرين الأول 1959 ينص على الإعدام عن الجرائم الماسة بصحة الأمة.
أصدرت ثلاث هيئات حقوقية بلاغًا مشتركًا، تعلن فيه رفض أحكام الإعدام التي صدرت بحق منفذي “جريمة شمهروش”
المغرب الآن في وضع لا يحسد عليه، ففي الوقت الذي يخشى من الأصوات المناهضة لتنفيذ عقوبة الإعدام، تطالب أصوات أخرى بجعل المدانين عبرة من خلال تنفيذه، كما يخشى من بعض الأصوات من الاتحاد الأوروبي، موطن الضحيتين، التي من المحتمل أن تخرج لتندد بتطبيق العقوبة.
عقوبة بربرية وجريمة مستترة وراء القانون
سرعان ما توالت الأصوات المنددة بهذا الحكم، حيث أصدرت ثلاث هيئات حقوقية بلاغًا مشتركًا، تعلن فيه رفض أحكام الإعدام التي صدرت بحق منفذي “جريمة شمهروش”، حيث أعلن “الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام” و”شبكة برلمانيات وبرلمانيين ضد عقوبة الإعدام” بالإضافة إلى “شبكة محاميات ومحامين ضد عقوبة الإعدام”، الإدانة التامة للفعل الإجرامي الذي ارتكبه الجناة في حق السائحتين “ببرودة دم وبسلوك همجي”، معتبرة أن القتل جريمة بشعة تستحق العقاب، لكن عقوبة الإعدام جريمة مستترة وراء القانون، تستحق الإلغاء، لأنها لا تختلف عن همجية المتطرفين الذين يخفون حقدهم وراء الدين ليقتلوا بعد غسل أدمغتهم.
ينص الدستور المغربي لـ2011، على “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق” وفق ما جاء في المادة 20 منه
وزادت ذات الهيئات معتبرة أن “حكم الإعدام الصادر في حق قتلة السائحتين، لا يراعي أحكام الدستور وفلسفته التي تنص على ضمان الحق في الحياة”، داعية إلى إلغاء العقوبة دون تردد وبصفة نهائية” لأن الإلغاء عنوان نضج سياسي وفكري وإنساني وحقوقي، لا يقبل المساومة ولا الانتقائية”، على حد تعبير البلاغ الذي اعتبر أن “النيابة العامة صمتت أمام الحكم بعقوبة بربرية، وعليها أن تتحلى بالجرأة الحقوقية والدستوية وتطعن في حكم الإعدام” وفق ما يراه الغاضبون من هذا الحكم.
في ذات السياق، ينص الدستور المغربي لـ2011، على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق” وفق ما جاء في المادة 20 منه.
علاوة على ذلك، صادق المغرب على عدد من الاتفاقيات كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث ينص في مادته السادسة على أنه “لا يجوز تطبيق الإعدام إلا في أخطر الجرائم، ولا يجوز تطبيق العقوبة إلا إذا نص القانون على ذلك وقت ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بالإعدام”.
كما صادقت المملكة على اتفاقية مناهضة التعذيب، ووقعت على قوانين المحكمة الجنائية الدولية بخصوص عقوبة الإعدام، وفي المقابل، امتنع البلد عن التصويت على مشروع القرار المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
“الحاج تابث”.. آخر المعدومين
في اليوم ما قبل الأخير من شهر رمضان سنة 1991، بدأت معالم جريمة سيهتز لها المجتمع المغربي فيما بعد، بعدما قررت سيدة التوجه إلى الشرطة القضائية بالدار البيضاء، للتبليغ عن تعرضها هي وصديقتها للاختطاف والاغتصاب، ورغم محاولات طي الملف، فإن نفس المرأة عادت مرة أخرى ورفعت شكاية ثانية عن طريق محاميها، فتفجرت القضية سنة 1992.
بين عامي 1956 و1993، تم إعدام 198 شخصًا في المغرب بطرق مختلفة، ابتداءً من إطلاق الرصاص إلى القتل عمدًا بسبب الأخطاء الطبية
ويُعد عميد الشرطة محمد مصطفى تابت، المعروف لدى العامة بـ”الحاج تابث” رمزًا لحقبة سوداء ولأكبر فضيحة فساد وتستر في الشرطة المغربية، وآخر من طبق فيه قصاص الإعدام سنة 1993 بعدما اعترف خلال البحث التمهيدي بأنه كان في كل يوم يتوجه إلى أبواب المدارس والكليات أو الشوارع على متن سيارته ويعرض على المارات مرافقته، وكلما ركبت معه إحداهن يتحايل عليها وإن رفضت يهددها ويذهب بها إلى شقته.
واحتجزت الشرطة القضائية 118 شريط فيديو من شقة المتهم، وأكد هذا الأخير للمحكمة أن 102 من الأشرطة المحجوزة تتضمن تصوير العمليات الجنسية التي كان يمارسها مع من يأتي بهن إلى شقته.
لم يكن “الحاج تابث” يظن أن حكم الإعدام سينفذ، وظل يعتقد أنه سيتم إعادة النظر في الحكم الذي لن يتجاوز 5 سنوات على أبعد تقدير، إذ تلقى وعودًا كثيرة بهذا الخصوص من شخصيات وازنة.
بين عامي 1956 و1993، تم إعدام 198 شخصًا في المغرب بطرق مختلفة، بدءاً من إطلاق الرصاص مرورًا بالقتل وليس انتهاءً بالقتل نتيجة الأخطاء الطبية، وفي الفترة بين يناير/كانون الثاني 1982 إلى أغسطس/آب 1993 قدرت هيئة الإنصاف والمصالحة (مؤسسة رسمية) أن 528 فردًا أُعدموا في إطار السلطة القضائية أو خارج نطاق القضاء.