ترجمة وتحرير: نون بوست
في حال كنتَ ترتدي لباسًا لشخص “مهووس بالدراسة”، من المحتمل أن النظارة ستكون ضرورية وتعتبر جزءًا إلزاميًا من الزي. لكن هل سبق لك التفكير في السبب الذي يدفعنا لاعتبار الأشخاص الذين يرتدون النظارات، أذكياء؟
هل سبق لك ملاحظة أن معظم الأشخاص الذين يتسمون بالذكاء في الأفلام يرتدون النظارات؟ على غرار “دوك” القزم المتقد الذكاء في قصة “بياض الثلج والأقزام السبعة” التي أنتجتها شركة ديزني، فضلا عن شخصية ” الرجل العنكبوت” المغرورة التي يمثلها النابغة بير باركر. وإن لم يكن ذلك كافيًا، فقد ارتدى “دمبلدور”، مدير مدرسة هوغوارتس الذي ساعد هاري بوتر في معركته لإنقاذ عالم السحرة، زوجًا من النظارات.
وفقًا لدراسة أُجرِيت في جامعة كولن في ألمانيا وجامعة خرونيغن في هولندا، تعود الصورة النمطية التي تقول إن الأشخاص الذين يرتدون النظارات أذكياء إلى العصور الوسطى
في الحياة الواقعية، يخشى الأطفال في الكثير من الأحيان ارتداء نظارات لأن ذلك سيجعلهم يبدون “مهووسين بالدراسة” في عيون أقرانهم. وفي حال تمكنتَ من ملاحظة الرابط الموجود بين الهوس بالدراسة وارتداء النظارات، يمكننا القول إن هذا الرابط لم يكن من قبيل الصدفة، فنحن نميل لربط الأمرين بعضهما ببعض حتى لو نكن نلاحظ ذلك. وفي حال اعتراك الفضول حول مصدر هذه الصورة النمطية ودواعي استمرار الإيمان بها، إليك الأسباب التالية:
لماذا يبدو الأشخاص الذين يرتدون النظارات أذكياء؟
وفقًا لدراسة أُجرِيت في جامعة كولن في ألمانيا وجامعة خرونيغن في هولندا، تعود الصورة النمطية التي تقول إن الأشخاص الذين يرتدون النظارات أذكياء إلى العصور الوسطى، وذلك عندما استخدم الرهبان النظارات للقراءة عندما ضعف بصرهم. ومنذ ذلك الحين، دأب الأشخاص الذين يؤدون أعمالًا فكرية وغيرها من الأعمال التي تتطلب مهارات عالية على ارتدائها، وهو ما قاد إلى ربط الناس للنظارات بامتلاك مجموعة متنوعة من الخصائص المتعلقة بالكفاءة. ولنا من هذه العناصر الدالة على الذكاء من الأمثلة الكثير، على غرار النجاح والاعتماد على الذات والجدية في العمل، فضلًا عن الذكاء المتقد.
من هذا المنطلق، يمكن القول إن وضع زوج من النظارات أمام أعيننا لنبدو أكثر كفاءة يعد أسهل من تبني هذه العادات التي يتمتع بها الأشخاص الرائعون. وعلى الرغم من أن هذا التأويل قد يفسر سبب اعتقاد المجتمع بأن الأشخاص الذين يرتدون النظارات يبدون أذكياء، إلا أنه يشرح السبب الذي يجعل مثل هذه القوالب النمطية متواجدة إلى يومنا هذا.
وفقًا للأستاذة المساعدة في علم النفس في المركز الطبي لجامعة كولومبيا الأمريكية، إليزابيث لوران، تميل أدمغتنا إلى تفضيل اتخاذ قرارات سريعة لأغراض البقاء والكفاءة”
يطرح هذا التفسير تساؤلا حول السبب الذي يدفع الأطفال حول العالم للاعتقاد بأن ارتداء النظارات سيجعلهم يبدون وكأنهم مهووسون بالدراسة، ناهيك عن السبب الذي يدفعنا للثقة في طبيب أو سياسي ما لمجرد ارتداءه النظارات. ولفهم سبب ربطنا بين الذكاء والنظارات، يجب علينا التمعن في غياهب ميلنا إلى إنشاء الصور النمطية في المقام الأول.
لماذا نكَوِّن الصور النمطية؟
من المثير للدهشة أن جذور إنشاء الصور النمطية تعود إلى أيام الانتقاء الطبيعي. ووفقًا للأستاذة المساعدة في علم النفس في المركز الطبي لجامعة كولومبيا الأمريكية، إليزابيث لوران، تميل أدمغتنا إلى تفضيل اتخاذ قرارات سريعة لأغراض البقاء والكفاءة”. وعندما نجد أنفسنا وسط كم هائل من المعلومات، تكون الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها البشر معالجة المعلومات واتخاذ القرارات بسرعة هي اعتماد “اختصارات عقلية”، والتي تعرف باسم “التحيزات”.
علاوة على ذلك، تقول الدكتورة لوران إن البشر يعتمدون على هذه التحيزات في الماضي للتكيف بسرعة مع المواقف الخطرة أو التنافسية. وعلى الرغم من أن الانتقاء الطبيعي لا يشكل تهديداً في مجتمع اليوم، إلا أننا لا نزال نستخدم الجزء المسؤول عن هذا الانتقاء في أدمغتنا في الوقت الحالي، وذلك لمعالجة المعلومات وتسريع ردود فعلنا. وباختصار، ترى لوران أننا نستخدم هذه الخاصية للتفكير بسرعة.
في حال كنتَ تتساءل حول ما إذا كانت جميع التحيزات تتشكل بنفس الطريقة، يجب أن تعلم بأنها ليست كذلك. ومثلما رأينا سابقا، تكون معظم الصور النمطية قائمة على مبدأ “البقاء على قيد الحياة”، كما هو الحال مع بث الخوف من الثعابين والحشرات في نفوس البشر، كما قد تكون التحيزات الأخرى مزيجا بين الرغبة في البقاء والاستجابات المكتسبة، كما هو الحال مع تفضيل الرجال للنساء ذوات الأرداف الممتلئة والأكبر حجما واعتبار أنهن أكثر جاذبية.
تقول الدكتورة لوران أنه على الرغم من وجود نظريات مختلفة حول سبب اعتبار الأشخاص ذوي النظارات أذكياء، يميل العديد من العلماء إلى القول إن هذه الصورة النمطية مجرد اختصار عقلي تعلمه الأفراد على مر الزمان
ومع ذلك، لا علاقة لبعض التحيزات بالرغبة في البقاء على الإطلاق، حيث تؤكد الدكتورة لوران أن بعض القوالب النمطية مكتسبة ويتلقاها الفرد انطلاقا من التعليم الثقافي والاجتماعي، على غرار العنصرية والقوالب النمطية الجنسانية ووجهات النظر السياسية. وباستخدام هذه الفئة الأخيرة من التحيزات، يمكننا فهم السبب الذي جعل الصورة النمطية التي تربط ارتداء النظارات بالذكاء تصمد لعدة أجيال وتنتقل من الأب إلى نجله بشكل مماثل لانتقال جميع الخصائص التي لا يعتقد هذا الطفل أنه ورثها.
لماذا يقبل الجميع بهذه الصورة النمطية؟
تقول الدكتورة لوران أنه على الرغم من وجود نظريات مختلفة حول سبب اعتبار الأشخاص ذوي النظارات أذكياء، يميل العديد من العلماء إلى القول إن هذه الصورة النمطية مجرد اختصار عقلي تعلمه الأفراد على مر الزمان. ولقد أثبت اختبارات علم النفس الاجتماعي أن الناس يجدون أن الأشخاص الذين يرتدون نظارات أذكياء كلما عرضت عليهم صورهم، ناهيك عن القول إنهم يعملون بجد وناجحون. في المقابل، يرى الناس الخاضعون للاختبار أن مرتدي النظارات لا يحبذون التواجد في الخارج ويميلون إلى الكسل وعدم ممارسة الأنشطة البدنية ويكونون أقل جاذبية بالمقارنة مع نظرائهم الذين لا يرتدون النظارات.
نظرا لأن هذه الصورة النمطية كان نتاج “عملية تعلم”، تقول الدكتورة لوران إن “الصلة بين النظارات والذكاء قد تكون ناتجة عن القوالب النمطية الثقافية والرسائل التي يتلقاها الناس خلال نشأتهم”. وقد يكون من غير المفاجئ أننا نقبل الارتباط بين النظارات والذكاء لأننا تعلمنا أنه صحيح. ومع ذلك، إذا لم يقدم لك والداك هذا الدرس بشكل مباشر، قد تميل للتساؤل حول كيفية تلقيك هذا التعلم الثقافي. وفيما يلي نظرة فاحصة لهذا النوع من التعلم.
عندما يحين وقت الرد على الأستاذ أو المرشح السياسي أو أي شخص جديد يرتدي نظارات، فإننا نتذكر ما تعلمناه عن الأشخاص الذين يرتدون النظارات ونستخدم التحيز والاختصار العقلي لمعالجة المعلومات واتخاذ قرارات سريعة حول هذا الشخص
بصفتنا أطفالًا سريعي التأثر، نميل إلى امتصاص القيم والمعتقدات والوسوم التي تسجل حضورها في المجتمع المحيط بنا، فنحن نستمع إلى أولياء أمورنا أثناء حديثهم ونتفاعل مع الآخرين في المدرسة ونعمل على فهم طريقة عمل الكون من خلال التمعن في محيطنا. وعندما تمنحنا الأعمال الثقافية والأفلام المشهورة مثل “الرجل العنكبوت” و”بياض الثلج” و”هاري بوتر” شخصيات ترتدي نظارات، نحن نعمل على تخزين هذه العملية في أدمغتنا.
عندما يحين وقت الرد على الأستاذ أو المرشح السياسي أو أي شخص جديد يرتدي نظارات، فإننا نتذكر ما تعلمناه عن الأشخاص الذين يرتدون النظارات ونستخدم التحيز والاختصار العقلي لمعالجة المعلومات واتخاذ قرارات سريعة حول هذا الشخص. وخلاصة الأمر أن المجتمع يشترط علينا أن نصدق أن الأشخاص الذين يرتدون النظارات أذكياء، وهو ما يساعدنا على تقييم الأشخاص الجدد الذين يرتدون النظارات فور لقاءنا بهم.
في حين يمتلك صديقك الذي يرتدي النظارات معدل ذكاء مرتفع بشكل مذهل، يمكن القول إن هاتين الخاصيتين متعارضتان. في الواقع، لا تعد النظارات مؤشرًا على الذكاء، ويؤتي ذلك بشكل مخالف للمعتقدات التي يدفعنا المجتمع للإيمان بها، لا سيما وأنه علينا النظر دائمًا إلى العادات التي تكشف الكثير عن شخصية الفرد.
المصدر: ريدرز دايجيست