بعد 7 ساعات كاملة من المناقشات العاصفة والاتهامات المتبادلة، وافقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي أعلن عنه الوسطاء الثلاثة، قطر ومصر والولايات المتحدة، بموافقة 24 وزيرًا في مقابل معارضة 8 آخرين على رأسهم وزيرا المالية والأمن الداخلي، سموتريتش وبن غفير.
وجاء هذا الاجتماع بعد بضع ساعات من موافقة المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على الاتفاق الذي قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إنه سيدخل حيز التنفيذ صباح الأحد القادم في تمام الساعة 8:30 بالتوقيت المحلي في غزة، والمقسم إلى ثلاث مراحل، كل مرحلة 42 يومًا، ويتضمن في خطوته الأولى إطلاق سراح 3 محتجزين إسرائيليين لدى المقاومة في مقابل تحرير 95 أسيرًا فلسطينيًا من سجون الاحتلال.
وشهدت جلسة التصديق على الاتفاق نقاشات حادة بين وزراء اليمين المتطرف ونتنياهو الذي حاول إقناعهم بالموافقة على الصفقة أو على الأقل عدم الانسحاب من الائتلاف الحكومي خشية انهياره، فيما أفادت القناة 12 العبرية بأن رئيس الحكومة قال للوزراء في اجتماع “الكابينت”: “حصلنا على ضمانات واضحة من جو بايدن ودونالد ترامب، بأنه إذا فشلت المفاوضات بشأن المرحلة الثانية ولم تقبل حماس مطالبنا الأمنية، سنعود إلى القتال المكثّف بدعم من الولايات المتحدة”.
ومع اقتراب دخول الاتفاق حيز التنفيذ كثف جيش الاحتلال من عملياته العسكرية داخل القطاع، حيث شن سلسلة من الهجمات التي استهدفت خيامًا تؤوي نازحين في مناطق متفرقة شمال غرب مدينة خان يونس جنوبي القطاع وفي مناطق أخرى شرقًا، أسفرت عن استشهاد 25 فلسطينيًا خلال أمس الجمعة فقط.
تسود حالة من الترقب لاحتمال انقلاب نتنياهو على هذا الاتفاق في المراحل التالية، في ضوء الضغوط التي يتعرض لها من اليمين المتطرف الذي يلوح بإسقاط الحكومة إذا ما أُبرمت الصفقة بصيغتها المعروضة، لكن في المقابل قد يصطدم رئيس الوزراء برغبة ترامب في تصفير الأزمات بشأن هذا الملف قبل تسلمه السلطة رسميًا.. فهل يصمد الاتفاق؟
ترامب.. ليس الدافع الوحيد لإجبار نتنياهو على الرضوخ
لا ينكر أحد تأثير الضغوط التي مارسها ترامب على نتنياهو وحكومته لقبول هذا الاتفاق، والتحذيرات التي وجهها أكثر من مرة لطرفي الحرب، حماس والحكومة الإسرائيلية، لإنهاء هذا الأمر قبل تسلمه السلطة في العشرين من الشهر الجاري، وهي الضغوط المستندة إلى مقاربات خاصة تستهدف الصالح الأمريكي وعدم الرغبة في إبقاء تلك الساحة مشتعلة خشية تحولها مع الوقت إلى فخ لا يمكن الخروج منه، قياسًا على ما يعاني منه الروس في الوحل الأوكراني قبل أكثر من عامين.
لكن من الظلم البيّن أن يُختصر تحول نتنياهو في مواقفه من الدعم المطلق لاستمرار الحرب حتى تحقيق كامل أهدافها ورفض أي مبادرات سياسية وإفشال الكثير من مساعي التهدئة على مدار أكثر من عام كما جاء على لسان وزيره المتطرف بن غفير، إلى الرضوخ للصفقة والقبول بها، في الضغوط الترامبية وفقط، فهذا إنكار مُجحف للعديد من العوامل الأخرى التي قادت إلى هذه اللحظة.
يأتي على رأسها الصمود الأسطوري للمقاومة التي فشل الاحتلال في تركيعها على مدار ما يقرب من 470 يومًا، والعجز عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة رغم مرور أكثر من 15 شهرًا ونصف، فلا حُرر المحتجزون رغم أجهزة الاستخبارات العالمية الداعمة، ولا قُضي على حماس بشكل كامل مع آلة القتل والتدمير التي لم تتوقف، ولا ضمن المحتل ألا يشكل القطاع تهديدًا له، مع تجريف أكثر من 90% من بنيته، فحتى كتابة تلك السطور تكبد المقاومة الخسائر تلو الأخرى في صفوف جيش نتنياهو.
حماس: أرغمنا الاحتلال على وقف العدوان والانسحاب رغم محاولات نتنياهو إطالة أمد الحرب وارتكاب المجازر#حرب_غزة pic.twitter.com/8jzGf7JXr9
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 18, 2025
حتى الأهداف الجزئية التي خرجت للضوء في أثناء الحرب، كمسار بديل عن الأهداف الرئيسية، لم ينجح الاحتلال في تحقيقها، إذ فشل في تنفيذ مخطط الجنرالات شمالًا، والتهجير القسري جنوبًا، فاستنفد الكيان كل خياراته العسكرية الممكنة، دون أن يحقق أي من أهدافه المنشودة، الوضع الذي انعكس على الحالة النفسية للجنود التي زادت معدلات التمرد بين صفوفهم علاوة على الصدمات النفسية التي تعرضوا لها في أثناء المعارك الشرسة التي خاضها المقامون ضدهم.
تلك الأجواء الملبدة بغيوم اليأس والإحباط والعجز انعكست بطبيعة الحال على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تعرضت هي الأخرى لشروخ غائرة في جدارها الذي كان يدعي الاحتلال تماسكه قبل الحرب، فتصاعدت الاحتجاجات الشعبية وبلغ الاحتقان مستوياته القصوى، فيما تعاظمت رقعة المعارضة واتسع الخلاف بينها وبين الحكومة التي باتت تواجه عزلة داخلية لم تعرفها من قبل.
وتجاوزت الهزائم التي تعرض لها الكيان جغرافيته الضيقة لتطال صورته العالمية التي ازدادت تشوهًا بعدما سقطت الأقنعة وافتُضحت العنصرية الإسرائيلية وبات قادة الكيان في مرمى الملاحقة القضائية الدولية كمجرمي حرب، لتفقد “إسرائيل” جزءًا كبيرًا من سمعتها وثقلها وحضورها لدى الرأي العام العالمي، نخب وشارع.
وفي المقابل تشكلت جبهة عالمية غير متوقعة داعمة لفلسطين ومؤيدة لحقوق شعبها، بعد سنوات من التسطيح والتجهيل، لينقلب الحال رأسًا على عقب، فالمقاومون وأنصار القضية يُستقبلون بالترحاب هنا وهناك وصورهم تُرفع في أغنى ميادين العالم، في الوقت الذي يتخوف نتنياهو ووزير دفاعه من السفر خشية الاعتقال استنادًا إلى مذكرة الجنائية الدولية.
حتى الجنود والضباط الإسرائيليين، فبجانب الهزة النفسية التي تعرضوا لها منذ بداية الحرب والتي بسببها باتوا الرواد الأكثر إقبالًا على المصحات النفسية، أصبحوا اليوم ملاحقين في أي مكان، بفعل نشاط مؤسسات ومنظمات حقوقية، من بينها “مؤسسة هند رجب” التي نجحت في فرض حالة من الرعب على العسكريين الإسرائيليين في كل مكان.
وبعد عقود من المحاولات المستميتة والجهود المضنية التي حاولت “إسرائيل” من خلاها ترسيخ صورتها كدولة ديمقراطية ليبرالية، إذ بتلك الصورة الواهية تتمزق في نظر الرأي العام العالمي بشكل لا يمكن ترميمه في الوقت الراهن، هذا بخلاف الخسائر الاقتصادية غير المسبوقة التي بلغت أكثر من 34 مليار دولار وفق تقارير رسمية.
كل تلك العوامل مجتمعة وعبر تراتيب زمنية ومرحلية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم، كانت وقودًا لإجبار نتنياهو وحكومته على الرضوخ لاتفاق ينتشلهم من هذا الفخ بعدما باتت الحرب عبثية لا هدف ولا رجاء من استمرارها، لكنه الرضوخ الذي قوبل بمقاربات سياسية شخصية بالنسبة لرئيس الحكومة المرعوب من انهيار ائتلافه ومن ثم تقديمه للمحاكمة، حتى جاء ترامب الذي تعامل مع المشهد ببرغماتية بحتة، مصلحة بلاده فيها فوق كل اعتبارات شخصية، ليفرض الاتفاق على نتنياهو ووزرائه المتطرفين.
مخاوف المرحلة الثانية
التصريحات التي سُربت من داخل اجتماعي الكابينت والحكومة للتصديق على الاتفاق أثارت مخاوف الكثيرين بشأن مدى التزام نتنياهو بالمراحل التالية من هذا الاتفاق، والتي تتمحور في الانسحاب من كامل القطاع وإنهاء القتال بشكل كلي، إذ اعتبرها البعض مراوغة جديدة يحاول من خلالها رئيس الحكومة المأزوم إطلاق سراح أكبر قدر ممكن من المحتجزين ليتخلص من ضغط هذا الملف ثم يعاود العمليات العسكرية مجددًا داخل القطاع.
محرر الشؤون الخارجية في صحيفة “الغادريان”، سيمون تيسدال، وصف في مقال له الاتفاق بـ”الجليد الرقيق الذي يغطي المياه العميقة” فهو هش بشكل مخيف وعرضة للتشقق تحت أدنى ضغط على حد وصفه، لافتًا إلى أنه من الطبيعي أن يشعر الفلسطينيون في غزة وأماكن أخرى بالارتياح لأن هذا القصف الإسرائيلي القاسي سيتوقف قريبًا، لكن فرحة تلك الاحتفالات لم تكن مكتملة، إذ تنغصها المخاوف بشأن المستقبل، والحزن العميق والغضب إزاء الحاضر والماضي القريب المرعب.
واستنكر تيسدال محاولة ترامب تصدير صورة وردية له بصفته “صانع سلام”، مستبعدًا أن تستمر تلك الصورة طويلًا، إذ من المحتمل أن يساعد الرئيس الأمريكي القادم الكيان المحتل في السيطرة على غزة والضفة مستقبلًا، بجانب امتيازات أخرى كالإفراج عن صفقات الأسلحة وخلافه، نظير تنفيذ نتنياهو أوامر ترامب بقبول الاتفاق في مرحلته الأولى على أقل تقدير.
ويرى المحرر الإنجليزي أن الأمر المؤكد الآن هو أن الاتفاق المعقد حاليًا قد ينهار في أي لحظة، وتُستأنف الحرب مجددًا بعد المرحلة الأولى، وهو ما يتوقعه المعلقون الإسرائيليون، غير أن ذلك مشروط ببعض الإجراءات التي يجب تنفيذها سريعًا لضمان استمرارية الصفقة حتى مراحلها الأخيرة منها ضرورة التنسيق والتزامن بين وقف كامل للصراع المسلح، وإطلاق سراح الرهائن، والإفراج المتبادل عن الأسرى والمحتجزين، والانسحاب التدريجي الجزئي للقوات الإسرائيلية، واستئناف تسليم المساعدات الدولية على نطاق واسع دون عوائق، وعودة المدنيين النازحين إلى شمال غزة، مشيرًا إلى أن أي خلل في أي جزء من هذه الأجزاء المترابطة قد يؤدي إلى انهيار هذا البناء الهش بالكامل.
نتنياهو أخبر حكومته عن وعد من ترمب بدعم العودة للتصعيد المكثف في غزة.. بحال فشل مفاوضات المرحلة الثانية#أميركا #الحدث pic.twitter.com/wL6FnsKI1d
— ا لـحـدث (@AlHadath) January 18, 2025
واختتم محرر الشؤون الخارجية بالغارديان مقاله بصعوبة التوصل إلى سلام دائم ووقف مستدام لإطلاق النار في غزة في ظل وجود نتنياهو بالسلطة، منوهًا إلى أن هذا الأمر لن يكون إلا من خلال إجراء انتخابات مبكرة واختيار رئيس جديد للحكومة الإسرائيلية، ومحاسبة نتنياهو في الاتهامات التي يواجهها، سواء بالفساد أو بارتكاب جرائم حرب، قائلًا: “لن تنتهي الحرب أبدًا حتى يقف في قفص الاتهام في لاهاي ويجيب عن الأشياء الرهيبة التي ارتكبها”.
التخوف ذاته عبر عنه الكاتب في صحيفة “هآرتس” العبرية، أمير تيبون، الذي توقع تملص نتنياهو من إكمال مراحل الاتفاق من خلال ربط الوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب النهائي من القطاع بشروط تعجيزية، كالإصرار على عدم عودة حماس للسيطرة على القطاع الذي سيطالب بتسليم إدارته مؤقتًا لسلطة عربية ودولية مشتركة.
وكشف تيبون في مقال له عن خشية نتنياهو أن تنسحب الأحزاب اليمينية المتطرفة بقيادة سموتريتش وبن غفير من ائتلافه الحاكم جراء توقيع الاتفاق، وهو ما سيسقط الائتلاف الحاكم وسيفقده السلطة ويقربه من المحاكمة، لذلك يبذل كل ما في وسعه لإقناعهم بالبقاء، منوهًا إلى أن الوزيرين يطالبان بإنهاء الصفقة قبل تنفيذ مرحلتها الثانية، وإلا سيكون الانسحاب هو الخيار البديل.
المخاوف تتصاعد كذلك مع التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين في دوائر صنع القرار في الداخل الإسرائيلي، كالتي جاءت على لسان سكرتير الحكومة يوسي فوكس الذي أكد أن الاتفاق “يتضمن خيار استئناف القتال نهاية المرحلة الأولى إذا لم تتطور المفاوضات بشأن المرحلة الثانية على النحو الذي يضمن تحقيق أهداف الحرب: الإبادة العسكرية والمدنية لحماس والإفراج عن جميع الرهائن”، وبحسب الكاتب في الصحيفة العبرية فإن نتنياهو والمقربين منه قد أفصحوا عن نواياهم بشكل واضح “وهم يريدون إفشال الجزء الثاني من الصفقة وتجنب الالتزام بإنهاء الحرب”.
مأزق نتنياهو ويمينه المتطرف
آخرون يرون أن تلك المخاوف على أرض الواقع ربما تكون أقل مما هي عليه على المستوى الإعلامي والسياسي، فرغم الانتقادات التي يتعرض لها نتنياهو بسبب الموافقة على تلك الصفقة والتي وصفها المتطرفون في الداخل بـ”الهزيمة القاسية”، فإنه لا يمكن الانقلاب عليه بالشكل والطريقة التي يحاول البعض ترويجها.
الخبير الأمني والاستخباري الإسرائيلي، يوسي ميلمان، يرى أنه من سوء حظ نتنياهو أنه في مواجهة مباشرة اليوم مع ترامب، مشيرًا في مقال له على موقع “ذا سبيكتاتور” (spectator) البريطاني أن ترامب هو القائد الوحيد في العالم الذي يخشاه نتنياهو، فهما لا يحبان بعضهما البعض؛ وهذا أمر طبيعي لشخصين نرجسيين، تلعب مسائل الكبرياء والأنا دورًا مهمًا لكليهما، حسب وصفه.
ويرى ميلمان أن العلاقة بين نتنياهو وترامب لم تكن أبدًا على الوجه المثالي كما يتخيل البعض ممن ربط الدعم الترامبي لـ”إسرائيل” بعلاقته برئيس الحكومة، لافتًا إلى أن الرئيس الجمهوري طالما تحدث باستخفاف عن نتنياهو، كما حدث عند تراجع نتنياهو عن وعده في اللحظة الأخيرة بأن “إسرائيل” ستشارك في عملية القضاء على قائد فيلق القدس قاسم سليماني في عام 2020، كما لم ينس ترامب أن نتنياهو هنأ جو بايدن على انتخابه رئيسًا، على الرغم من أن “بي بي” فعل ذلك على مضض.
ويدرك نتنياهو – بحسب الخبير الاستخباراتي الإسرائيلي – أنه في مأزق حقيقي، بين تهديدات وزرائه اليمينيين بالانسحاب من حكومته وتهديدات ترامب، وهو يفهم بوضوح أن قدرة الأخير على إحداث الضرر بتهديداته بجحيم مفتوح أعظم من تلك التي أطلقها بن غفير وسموتريتش، منوهًا إلى أن الرئيس الجمهوري المنتخب زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، سواء في سلوكه الشخصي أو في سياسته الخارجية. فهو لن يواجه أي مشكلة في ترجمة غضبه الشخصي إلى عقوبات على “إسرائيل”، بما في ذلك حظر مبيعات الأسلحة أو خفض المساعدات العسكرية، على الرغم من أن معظم مستشاريه من المؤيدين المتحمسين لـ”إسرائيل”.
أما بخصوص اليمين المتطرف في الحكومة، فمأزقهم لا يقل حرجًا عن مأزق رئيس الوزراء المأزوم، فهم يدركون جيدًا أن بقاء الحكومة وتجنب إسقاطها هو السبيل الوحيد لبقائهم تحت الأضواء السلطوية، يقينًا منهم بأنهم لن يحصلوا على حكومة أفضل وأكثر احتواء من الحكومة الحالية، لكنهم في المقابل يواجهون ضغوطًا قوية من ناخبيهم أبناء هذا التيار المتشدد الذين يعارضون أي صفقة رهائن أو وقف إطلاق نار وملتزمون بأيديولوجياتهم، وهذا ما يفسر تلويح الوزيرين المتشددين باستقالتهما من الحكومة لكن دون أن يعملا على إسقاط الائتلاف.
على مستوى المقاومة ربما يكون القلق من تلك التصريحات العنترية الخاصة بالانقلاب على الاتفاق في مراحله التالية أقل نسبيًا مقارنة بالمتابعين وأبناء المشهد الغزي، إذ أرجع قيادي في حماس تلك الأحاديث لأسباب داخلية، في ظل حالة الانقسام والخلافات الداخلية في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، حيث يحاول نتنياهو امتصاص الغضب وتهدئة الأجواء لتجنيب الثورة المتطرفة ضده وعرقلة مساعي إسقاط الائتلاف ومن ثم كتابة نهايته السياسية.
ويستند هذا المصدر إلى التعهدات التي قطعها الوسطاء على أنفسهم والأخرى المكتوبة بشأن عدم استئناف الحرب مرة أخرى عقب انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، مضيفًا في تصريحات صحفية أن “نتنياهو كان يريد استئناف الحرب، عقب المرحلة الأولى، وأمام تمسك المقاومة برفض ذلك، واشتراطها عدم استئناف الحرب والعمليات العسكرية، تم التوافق على صياغة، بأنه يتم استئناف العمليات العسكرية في حال خرقت حماس الاتفاق”، منوهًا إلى أن الصياغة الحالية جاءت بناء على اقتراح قدمه الوسطاء، كمخرج لنتنياهو أمام المتشددين في حكومته، لتسويق الاتفاق لديهم، والهرب، من دون الإخلال بالاتفاق، على حد قوله.
على كل حال، ورغم التطمينات والتعهدات والضمانات المطروحة بشأن تنفيذ الاتفاق واستكمال مراحله وصولًا إلى الوقف النهائي لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع، فليس هناك شيء مضمون في ظل وجود شخصيتين مثل نتنياهو وترامب، تحركهما البرغماتية البحتة، وليس لديهما خطوط حمراء ولا أي معايير أخلاقية أو سياسية، الأمر الذي سيجعل الأيام القادمة – بداية من دخول الاتفاق حيز التنفيذ صباح الأحد 19 من الشهر الجاري – مفتوحة على الاحتمالات كافة، وهو بطبيعة الحال ما سيمثل ضغطًا على المقاومة التي ستتعامل مع المشهد قابضة على جمر الخرق المحتمل بين الحين والآخر من الجانب الإسرائيلي.