توفي رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي صباح اليوم الخميس، عن عمر يناهز 93 سنة، بعد تعرضه لوعكة صحية حرجة ليلة أمس الأربعاء، انتقل على إثرها إلى المستشفى العسكري بتونس العاصمة “بقرار من الأطباء المباشرين له”.
من المحاماة إلى المناصب الرسمية
ولد الباجي قايد السبسي أو محمد الباجي بن حسونة قايد السبسي بمنطقة سيدي بوسعيد، في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني 1926، زاول دراسته بمعهد الصادقية بتونس العاصمة، قبل أن يتحول إلى مدينة ديجون الفرنسية سنة 1948 ليكمل الجزء الثاني من البكالوريا، بعد ذلك بسنة تحول إلى باريس ليواصل الدراسات العليا في الحقوق، وبعد ذلك بسنتين، أي عام 1952، عاد السبسي إلى تونس والتحق بمكتب المحامي فتحي زهير، وتم تكليفه بالدفاع عن الوطنيين الذين مثلوا أمام المحكمة العسكرية.
ابتعد السبسي عن العمل السياسي لعشر سنوات، ثم عاد إليه في ديسمبر/كانون الثاني 1980
سنة 1956 تمت دعوة السبسي إلى ديوان الوزير الأول حينها، الحبيب بورقيبة، وتم تكليفه بمتابعة ملف الشؤون الاجتماعية، بعد ذلك التحق بديوان كاتب الدولة للداخلية الطيب المهيرى وعين مديرًا للإدارة المحلية والبلدية. عام 1962 تم تكليفه من الرئيس الحبيب بورقيبة بمهمة تتعلق بالتنظيم المستقبلي للسياحة والصناعات التقليدية فأصبح مديرًا للسياحة. سنة 1969 تم انتخاب السبسي نائبًا بالبرلمان، كما تم تعيينه في الحكومة المكونة من الباهى الأدغم في 7 من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة وزيرًا للدفاع الوطنى في رتبة وزير دولة، بعدها بسنة.
تم تعيين السبسي سفيرًا لتونس بباريس وخلفه بوزارة الدفاع الوطنى حسيب بن عمار، إلا أنه لم يبق في هذا المنصب إلا سنة فقط، فقد قرر الاستقالة لغياب إرادتي الإصلاح والانفتاح الديمقراطي صلب الحزب الدستوري الحاكم، إثر ذلك عاد إلى تونس ليستأنف نشاطه بمكتب المحاماة.
ابتعد السبسي عن العمل السياسي لعشر سنوات، ثم عاد إليه في ديسمبر/كانون الثاني 1980، حيث وافق على الانضمام إلى حكومة الوزير الأول محمد مزالي وشغل في فترة أولى خطة وزير دون حقيبة ثم وزيرًا للخارجية غداة انعقاد مؤتمر الحزب في أبريل/نيسان 1981 وقدم استقالته من هذا المنصب في سبتمبر 1986.
عين الباجي قائد السبسي سفيرًا لدى جمهورية ألمانيا الفيدرالية في نوفمبر/تشرين الثاني 1986 وبقي في المنصب سنة فقط، بعد عودته إلى تونس، عين عضوًا بالمجلس الدستوري مع حسيب بن عمار ورشيد إدريس وعياض بن عاشور وغيرهم، وأُعيد انتخابه نائبًا بالبرلمان، وعين في فترة أولى رئيسًا للجنة السياسية والشؤون الخارجية ثم في سبتمبر/أيلول 1990 رئيسًا لمجلس النواب حتى أكتوبر/تشرين الأول 1991، عقب ذلك اعتزل السياسة مجددًا، واستأنف مهنة المحاماة.
رئاسة الحكومة فالدولة
عقب اعتزاله السياسة، رجع السبسي للمحاماة حتى ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث تمت دعوته في 27 من فبراير/شباط 2011 من الرئيس المؤقت فؤاد المبزع، ليترأس الحكومة الانتقالية المكلفة بإعداد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، عقب استقالة الوزير الأول محمد الغنوشي.
يعتبر الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي أحد رجال التوافق في تونس، حيث اتبع منذ توليه رئاسة البلاد نهاية سنة 2014 سياسة التوافق مع حركة النهضة التونسية
استمر الباجي قائد السبسي في منصبه حتى 13 من ديسمبر/كانون الأول 2011، حين قام المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المنتخب في 12 من ديسمبر 2011، بتكليف الأمين العام لحركة النهضة الفائزة بانتخابات أكتوبر/تشرين الأول حمادي الجبالي بتشكيل الحكومة الجديدة.
مباشرة عقب خروجه من قصر الحكومة بالقصبة، بدأ السبسي في الإعداد لتأسيس حزب جديد يضم أنصاره حوله، فكان له ذلك وأسس حزب “نداء تونس” صيف 2012، ترشح السبسي للانتخابات الرئاسية التونسية 2014 عن حزب نداء تونس، وتمكن من الفوز في الدور الثاني للانتخابات بنسبة 55.68% من جملة الأصوات فيما حصل منافسه محمد المنصف المرزوقي على نسبة 44.32%.
يعتبر الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي أحد رجال التوافق في تونس، حيث اتبع منذ توليه رئاسة البلاد نهاية سنة 2014 سياسة التوافق مع حركة النهضة التونسية، ويعد التوافق السياسي في تونس “أحد أهم مقومات الصمود أمام محاولات الانفلات بالوضع الاجتماعي والأمني في البلاد”، حسب تصريح سابق لأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية هاني مبارك، لنون بوست، الذي أكّد أيضًا أن هذا التوافق أغلق مساحات كبرى من الفراغات التي كان يمكن للانفلات النفاذ من خلالها، حيث ضيق من هوامش المناورة من الأطراف وسد منافذ التلاعب على المتناقضات.
ينص الدستور التونسي على أنه في حالة وفاة الرئيس فإن المحكمة الدستورية تجتمع وتقر شغور المنصب، ليتولى عندها رئيس البرلمان محمد الناصر مهام رئيس الجمهورية في مدة زمنية تمتد في أقصى الحالات تسعين يومًا
ويسجل للرئيس التونسي الراحل، رفضه الإغراءات الإماراتية الكثيرة، حيث أغدقت عليه بالمال الوفير للعمل على نجاحه في تسويق صورة الشخصية الجامعة للعلمانيين واليساريين في مواجهة الإسلاميين، وذلك لضرب الثورة التونسية، إلا أنه أدار لهم ظهره حتى لا تشهد بلاده إعادة إنتاج المشهد المصري والليبي، فاختار التوافق مع حركة النهضة عوض إقصائها وزج قياداتها في السجون كما تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة وتنفق الأموال في سبيل تحقيقه غير مبالية بحلم الشعوب وإرادتها.
محمد الناصر.. الرئيس القادم لتونس
ينص الدستور التونسي على أنه في حالة وفاة الرئيس فإن المحكمة الدستورية تجتمع وتقر شغور المنصب، ليتولى عندها رئيس البرلمان محمد الناصر مهام رئيس الجمهورية في مدة زمنية تمتد في أقصى الحالات تسعين يومًا، وينص الفصل 85 من الدستور التونسي على أنه في حال الشغور النهائي يؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب، وعند الاقتضاء أمام مكتبه أو أمام المحكمة الدستورية في حالة حل المجلس.
وحسب الفصل 86 من الدستور، يمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية، خلال الشغور الوقتي أو النهائي، المهام الرئاسية، ولا يحق له المبادرة باقتراح تعديل الدستور أو اللجوء إلى الاستفتاء أو حل مجلس نواب الشعب، وإنما الدعوة لانتخابات رئاسية خلال 60 يومًا.