ترجمة وتحرير: نون بوست
إن التعريف المناسب للفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة هو مسألة قيد النقاش منذ أكثر من عام بين الباحثين، والمحامين، والنشطاء السياسيين، والصحفيين وآخرين، وهو نقاش لا يتعرض له غالبية الإسرائيليين. صحيح أنه بالنسبة لعشرات الآلاف من الأطفال القتلى، والجرحى واليتامى، وللرضع الذين يتجمدون حتى الموت في غزة، لا يهم أي تعريف سيعطى في النهاية لهذه الجريمة من قبل محكمة العدل الدولية أو من قبل المؤرخين.
من شأن البحث المقارن للأحداث التي وقعت في العام الأخير، كما سنعرضها تاليًا، أن يؤدي إلى الاستنتاج المؤلم بأن إسرائيل ترتكب فعلاً جريمة إبادة جماعية في غزة. وكما كتب مارك توين: “الحبر الذي يكتب به التاريخ هو سائل مصنوع من أحكام مسبقة”. وبناء عليه، فإن المخاطر الكامنة في كتابة التاريخ بشكل منحاز واضحة، وهي تبرز الحاجة إلى تعريفات دقيقة ومتوازنة من أجل الوصول إلى فهم دقيق للأحداث. وبالفعل، فإن الفحص الدقيق والمقارن للأحداث في العام الأخير، يقود إلى الاستنتاج المؤلم بأن إسرائيل تنفذ فعلاً إبادة جماعية في غزة.
وادعى المؤرخ شلومو زاند أنه على الرغم من الفظائع الرهيبة وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة، إلا أن ما يحدث هناك ليس إبادة جماعية (“هآرتس”، 15/12/24). وبصفته متحدثًا داعمًا، وضع زاند أمام الحرب في غزة حدثين مشابهين، برأيه، حيث ارتكبت جيوش دول ديمقراطية (فرنسا والولايات المتحدة) أعمالًا فظيعة ضد السكان المدنيين — وهي ليست أقل من الفظائع التي تحدث في غزة — لكن لم يتم توصيف تلك الممارسات بأنها إبادة جماعية: حرب الجزائر (1954-1962) وحرب فيتنام (1965-1973).
إن زاند لم يتحر الدقة في تصريحاته. ويرجح بن كيرنان، أحد أبرز الباحثين في مجال الإبادة الجماعية في العالم، في كتابه الدم والتربة: “تاريخ عالمي للإبادة الجماعية والإبادة من إسبرطة إلى دارفور”، أنه خلال الاحتلال الاستعماري الفرنسي للجزائر (1830-1875)، مات أو قُتل ما بين 500 ألف إلى مليون جزائري نتيجة الجوع، والأمراض، والقتل العمد. ويرى كيرنان أن الاستعمار الاستيطاني في الجزائر أدى إلى حدوث إبادة جماعية، مشابهة لمجازر الإبادة الجماعية التي نفذها الاستعمار الاستيطاني في أمريكا الشمالية وأستراليا.
ويقول ليو كوبر، وهو من الرعيل الأول لباحثي الإبادة الجماعية، في كتابه “الاستخدام السياسي للإبادة الجماعية في القرن العشرين”، إن الفظائع التي ارتكبها الفرنسيون في حرب الجزائر تُعتبر “إبادة جماعية” حتى وإن لم تستوفِ التعريف الكامل للإبادة الجماعية.
وفيما يتعلق بحرب فيتنام، لم يتحر زاند أيضًا الدقة. ففي عام 1966، تم تأسيس “محكمة راسل”، وهي هيئة غير رسمية أسسها الفيلسوف البريطاني “برتراند راسل” وترأسها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر. وكان الهدف منها التحقيق وفضح مزاعم حول جرائم الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
وضمت هذه الهيئة مفكرين وساسة ونشطاء بارزين بالإضافة إلى سارتر، ومن بينهم سيمون دي بوفوار، وليو باسو، وفلاديمير ديدير. وقررت هذه المحكمة الشعبية أن أنشطة الجيش الأمريكي في فيتنام تعتبر إبادة جماعية وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 الخاصة بمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. وشملت هذه الأنشطة الهجوم والقتل الجماعي للمدنيين، واستخدام أسلحة محظورة، وتعذيب وإساءة معاملة أسرى الحرب، وتدمير المواقع الثقافية والتاريخية.
وعلى غرار حالة إسرائيل وحماس، أثارت نتائج المحكمة الشعبية انتقادات لأنها لم تتناول بشكل جدي أيضًا جرائم الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام، المعروفة بـ”الفيت كونغ”، وشمال فيتنام ضد المدنيين في الجنوب. لكن الاعتراف بأعمال الفظائع التي ارتكبها أعضاء الفيت كونغ وحماس لا ينفي ضرورة وصف ما فعله الجيش الأمريكي في فيتنام بشكل دقيق، وما يفعله الجيش الإسرائيلي اليوم في غزة.
وقادت “محكمة راسل” النقاش حول الإبادة الجماعية إلى اتجاهات أخرى، فقد زعم ليو كوبر أن القصف الإستراتيجي، مثل القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي (1945) والقصف الذي شنته الحلفاء على هامبورغ ودريسدن (في 1943 و1945، على التوالي)، يمكن أن يُعتبر ممارسات إبادة جماعية بسبب تعمد إبادة مدنيين.
صحيح أن إسرائيل لم تلق قنبلة ذرية على غزة (على الرغم من اقتراح وزير التراث عميحاي إلياهو)، إلا أن الحرب على غزة شهدت اختراقات لقيود كانت إسرائيل حريصة على عدم تجاوزها في الماضي. فقد أظهر تحقيق أجراه يوفال أبراهام (“حوار محلي”، 3.4.24)، والذي تم تأكيده استنتاجاته في تحقيق منفصل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” (29.12.24)، أن الجيش الإسرائيلي استخدم الذكاء الاصطناعي في قصف غزة، مما أدى إلى زيادة في الخسائر التي لحقت بالمدنيين الأبرياء. وفي بعض الأحيان، تم السماح بهدم حي كامل وقتل 300 شخص غير مشارك في القتال فقط للمساس بشخص واحد رفيع المستوى في حماس.
وهذا المنطق يحوّل جميع سكان غزة إلى أهداف مشروعة. وبالفعل، وفقًا لجمع البيانات الدقيق والمثير للإعجاب من قبل الدكتور لي مردخاي (“هآرتس”، 5.12.24)، يمكن تقدير أن بين 60 بالمئة إلى 80 بالمئة من الضحايا في غزة هم أشخاص غير مشاركين في القتال، وهو أكثر من أي شيء سمح به الجيش الإسرائيلي في السابق، وأكثر من أي حرب أخرى في القرن الـ21.
بعدما تنتهي الحرب، سنضطر للنظر إلى أنفسنا في المرآة. ومن خلالها ستنعكس لنا صورة مجتمعٌ نفذ هذا العمل الرهيب في غزة؛ الإبادة الجماعية التي ستلطخ التاريخ اليهودي من الآن إلى الأبد
صحيح أننا بصدد سياسة أمر واقع تسمح بتنفيذ إبادة جماعية، لكن الصعوبة الرئيسية التي تواجه تعريف الإبادة الجماعية قانونيًا هي الحاجة لإثبات النية. وتتطلب اتفاقية الإبادة الجماعية للأمم المتحدة لعام 1948 إثبات وجود نية لإبادة المجموعة المستهدفة بشكل كامل أو جزئي، ويمكن أن تكون هذه مجموعة قومية أو دينية أو عرقية أو جغرافية. والمعروف أنه تم إدخال مسألة النية في الاتفاقية جزئيًا بسبب مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، اللتين كانتا تخشيان في فترة الحرب الباردة أن تجدا نفسيهما على مقعد المتهمين في المحكمة الدولية للعدالة بسبب أعمال عنف نفذتها في الماضي أو ستنفذها في المستقبل.
وعلى مدى سنوات الحرب الباردة، كانت المحكمة عاملاً هامشيًا إلى حد ما في العلاقات الدولية. وكانت المرة الأولى التي أدانت فيها محكمة جنائية دولية متهمًا بتنفيذ إبادة جماعية (جان بول أكيسو) في سبتمبر/أيلول 1998، في محاكمة الإبادة الجماعية في رواندا. وتأخذ المحاكم الدولية حذرًا كبيرًا قبل أن تقرر أن إبادة جماعية قد حدثت. وقد تناولت المحكمة الجنائية للاستئناف التي تناولت إبادة جماعية في سربرينيتسا مسألة الإبادة الجزئية لمجموعة (التي ذكرتها اتفاقية الأمم المتحدة)، وقررت أن الجزء المستهدف يجب أن يكون مميزًا ومحددًا، ويجب أن يشكل القضاء عليه تهديدًا لوجود المجموعة بأكملها.
وفي حكمين صادرين عن محكمة العدل الدولية في دعاوى تتعلق بالحرب في يوغوسلافيا، قضت المحكمة أنه لإثبات وجود نية للإبادة، يجب أن تكون الممارسات والسلوكيات قد تمت بما يدع مجال لأي تفسير منطقي لها بخلاف النية في الإبادة. بمعنى آخر، ليس كافياً أن تكون نية الإبادة هي التفسير الأكثر منطقية للممارسات، بل يجب ألا يكون هناك أي تفسير منطقي آخر.
وهكذا، على سبيل المثال، في حكم صدر في عام 2015 في قضية رفعتها كرواتيا ضد صربيا، حيث ادعت كرواتيا أن صربيا ارتكبت إبادة جماعية في الحرب ضد كرواتيا في التسعينيات، قضت المحكمة بأن هناك ممارسات قتل وعنف ارتكبتها الأطراف المتحاربة، لكن هذه الممارسات لم تتجاوز العتبة المطلوبة لتحديد حدوث إبادة جماعية.
كما تجنب المحكمة الجنائية الخاصة لدول يوغوسلافيا سابقًا من تصنيف جميع حالات العنف في تلك الحرب كإبادة جماعية، باستثناء المجزرة التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين البوسنة في سربرينيتسا في يوليو 1995، حيث قتل نحو 8000 رجل، وتم ترحيل النساء والأطفال.
هل يمكن إثبات النية في حالة غزة؟ فضلًا عن فكرة استخدام القنبلة النووية، أطلق سياسيون وقادة عسكريون وصحفيون إسرائيليون العديد من التصريحات التي تشير إلى نية الإبادة، وقد تم توثيقها جميعًا: “لا يوجد في غزة مدنيون أبرياء”، “سننفذ نكبة ثانية”، “يجب إبادة العماليق”، وغيرها. ومع ذلك، يظل مفهوم النية مشكلة كبيرة. ويشرح وليام شاباس، أحد كبار القانونيين في مجال الإبادة الجماعية، في كتابه المهم “الإبادة الجماعية في القانون الدولي: جريمة الجرائم”، قرارات المحاكم الدولية الخاصة التي أدانت مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا ويوغوسلافيا.
إن إثبات النية المطلوبة لإدانة شخص أو دولة بالإبادة الجماعية، كما يحدد شاباس، هو أكثر تطلبًا وتعقيدًا من إثبات النية المطلوبة في قضايا القتل العادية؛ خاصة عندما يتعلق الأمر بدولة؛ فكيف يمكن تحديد نية دولة؟ إذا قام القتلة بتنفيذ جريمتهم مصحوبة بتصريح أو أمر أو خطاب وما إلى ذلك، يحمل دلالة الإبادة الجماعية، وهنا بالطبع سيكون من الأسهل إقامة النية. في غياب مثل هذه الأدلة، يجب على الادعاء أن يعتمد على أدلة من الجريمة نفسها وعلى التزام القتلة في تنفيذ القتل، مما يدل على رغبة واضحة في إبادة المجموعة.
وقضت المحكمة التي نظرت الإبادة الجماعية في رواندا أنه يمكن استنتاج وجود نية إبادة جماعية من الممارسات نفسها، “من طبيعتها الجماعية و/أو المنهجية أو من همجيتها”.
في سياق غزة، يعتقد شاباس أن الدعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية — التي رفعتها جنوب أفريقيا، وطالبت 14 دولة أخرى بالانضمام إليها — هي دعوى قوية جدًا، سواء بسبب التصريحات المتعددة التي تحمل طابعًا إباديًا من صانعي القرار في إسرائيل، أو بسبب طبيعة الممارسات نفسها، مثل التجويع المنهجي لسكان غزة، والتطهير العرقي في شمال القطاع، وقصف المناطق التي تم تحديدها بأنها “آمنة”.
لقد حدثت معظم حالات الإبادة الجماعية في العصر الحديث بعد صراع عنيف وطويل بين مجموعة القتلة ومجموعة الضحايا. على سبيل المثال، انتفض الأرمن ضد قمع العثمانيين وكبت طموحاتهم القومية، وقاموا بأعمال إرهابية ضد الدولة في نهاية القرن التاسع عشر. وتمرد شعب الهيريرو في جنوب غرب أفريقيا ضد الحكم الإمبراطوري الألماني، الذي رد بفعل يهدف إلى إبادتهم، بعد أن تبنى سياسة دمرت مصادر رزقهم (قطيع الماشية). ولقد قتل أبناء قبيلة الهوتو منافسيهم من قبيلة التوتسي في رواندا بعد سنوات طويلة من الصراع، بدأ بامتيازات منحتها الحكومة الاستعمارية البلجيكية للتوتسي بعد الحرب العالمية الأولى.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن معظم أعمال الإبادة الجماعية يُنظر إليها من قبل مرتكبيها كدفاع عن النفس ضد ضحاياهم. لا شك أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني ينتمي إلى هذه الفئة؛ إذ يُنظر إلى الإبادة الجماعية في غزة من قبل معظم الإسرائيليين على أنها حرب دفاعية جاءت بعد الهجوم الفظيع من حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ولا تعتبر الإبادة الجماعية بالضرورة مماثلة للنموذج النازي الذي رأى في كل يهودي عدوًا يجب تدميره. فالإبادة الجماعية هي أيضًا ليست نموذجًا خطيًا أبدًا، ودائمًا ما تكون هناك عمليات متناقضة فيها.
وهكذا، بينما تم طرد الأرمن وذبحهم في أجزاء واسعة من الإمبراطورية العثمانية، فإنهم لم يتعرضوا تقريبًا للأذى في المدن الكبرى مثل إزمير وإسطنبول. في بعض الحالات، قام قائد “الحل النهائي” النازي (هاينريش هيملر) بتأجيل الإبادة الجماعية لليهود بشكل جزئي في أماكن أو أوقات معينة، وذلك لأسباب اقتصادية أو دبلوماسية، مما أتاح فتح نافذة ضيقة للإنقاذ.
وبالمثل، يمكن لإسرائيل أن تدخل المساعدات الإنسانية إلى غزة (التي تُستغل أحيانًا لتشجيع عصابات الجريمة المحلية)، وفي نفس الوقت تقتل هناك آلاف المدنيين الأبرياء.
وبشكل شبه دائم تكون تعليمات تنفيذ الإبادة الجماعية غامضة، ومراوغة، وقابلة للتفسير على نقيضين. وكذلك كان الحال مع “الحل النهائي”. ويشرح المؤرخ البريطاني إيان كيرشو في كتابه “قرارات مصيرية” أن القول بوجود قرار بالإبادة قد يكون مضللاً، لأنه قد يخلق انطباعًا بوجود لحظة محددة، كما لو كانت هناك تعليمات واضحة لتنفيذ الإبادة الجماعية.
لم تصدر أمر بالإبادة من رأس الهرم (هتلر) إلى أسفله، بل كانت هناك تفاعلات معقدة تضمنت إعطاء الضوء الأخضر، وتلميحات تؤكد العمل، ومبادرات من الأسفل، التي تجمعت معًا لتؤدي إلى تصعيد تدريجي. فقط في مرحلة لاحقة تطور هذا التفاعل إلى قرار واضح أصبح ملموسًا على الأرض. وهنا أيضًا، المقارنة بما يحدث في غزة صالحة.
وأحضر يانيڤ كوفوفيتش شهادات مفزعة حول ما يحدث في محور نتساريم (هآرتس، 18.12.24). فكل من يعبر خطًا وهميًا يُقتل، سواء كان مقاتلًا أو مجرد مدني أخطأ في طريقه. وتسود العشوائية والفوضى حيث يمكن لأي شخص أن يطلق النار على أي فلسطيني يعبر، وكل قتيل، حتى لو كان طفلًا، يُعتبر “مُسلحًا”. تمامًا كما كان الحال مع كل شاب أو مسن تم قتله على يد قوة الدفاع الألمانية (الفيرماخت) في سنوات الحرب في القرى العميقة داخل الاتحاد السوفييتي، حيث تم تصنيفهم كـ”مقاتلين” يستحقون الموت.
لم يعطِ أحد الجنود في محور نتساريم، الذين يقتلون الأبرياء، أمرًا للقيام بذلك. لكن أولئك الذين يفعلون ذلك (بالتأكيد ليس كل الجنود) يدركون أنهم لن يتعرضوا لأي ضرر، ومع مزيج من التلميحات من الأعلى (من السياسيين وضباط الجيش، مثل العقيد يهودا وافخ) والفوضى القاتلة من الأسفل، وهكذا يتم تنفيذ الإبادة الجماعية.
في مارس/آذار 2022، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في متحف الهولوكوست في واشنطن أن الولايات المتحدة تعتبر الأعمال التي ارتكبتها ميانمار ضد الروهينغا إبادة جماعية. وقال بلينكن إنه قرر الإعلان عن ذلك في متحف الهولوكوست لأن دروس الهولوكوست لا تزال ذات صلة حتى اليوم. لم يصرخ أحد قائلاً إن هذا هو تقليل من الهولوكوست وأنه لا يجب المقارنة.
وكانت هذه هي الحالة الثامنة التي تعترف فيها الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية، بالإضافة إلى الهولوكوست. الحالات الأخرى هي: الإبادة الجماعية للأرمن، الهولودومور في أوكرانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، الإبادة الجماعية في كمبوديا على يد الخمير الحمر، الإبادة الجماعية في رواندا، الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، الإبادة الجماعية في دارفور، والإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم الدولة ضد الإيزيديين.
وفي الأيام الأخيرة، في 9 يناير/كانون الثاني، اعترفت إدارة بايدن (مرة أخرى في بيان من بلينكن) بالحالة العاشرة للإبادة الجماعية: تلك التي تنفذها “قوات الدعم السريع”، القوات شبه العسكرية في حرب الإبادة المستمرة في السودان منذ سقوط الرئيس عمر البشير في 2019.
وفي ميانمار، كان الأمر يتعلق بتهجير حوالي 850 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش وقتل حوالي 9,000 منهم. بمعنى أنه لم يكن هناك إبادة جسدية لجميع أفراد الروهينغا، بل نسبة صغيرة من الأمة.
حاليًا، يتم النظر في دعوى ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية، والتي قدمتها غامبيا، وانضمت إليها عدة دول أخرى، بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا. وتجدر الإشارة إلى أن التصريحات حول نية ميانمار لإبادة الروهينغا ضعيفة وعابرة مقارنة بالفيض الكبير من التصريحات الإبادية التي سمعت من مراكز السياسة والمجتمع والإعلام والجيش في إسرائيل، التي تعكس تحطيم إنسانية الفلسطينيين وطموحًا للإبادة الواسعة لهم.
بناء عليه، تعرف الإبادة الجماعية بأنها كل فعل يؤدي إلى تدمير قدرة الجماعة على الوجود، وليس بالضرورة القتل الجسدي. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 50 ألف شخص قتلوا في غزة وأكثر من 110 آلاف جرحوا. عدد الذين بقوا مدفونين تحت الأنقاض غير معروف، وربما لن يُعرف أبدًا. كما أن الغالبية العظمى من الضحايا هم مدنيون غير مشاركين في القتال. 90 بالمئة من السكان في غزة تم تهجيرهم من منازلهم ويعيشون في ظروف غير إنسانية، مما يزيد من معدل الوفيات.
إن قتل الأطفال، والتجويع، وتدمير البنية التحتية بما في ذلك البنية التحتية للنظام الصحي، وتدمير معظم المنازل بما في ذلك محو أحياء ومدن كاملة مثل جباليا وبيت لاهيا، والتطهير العرقي في شمال القطاع، وتدمير جميع الجامعات ومعظم مؤسسات الثقافة والمساجد، وتدمير بنية الحكم والتنظيم، والمقابر الجماعية، وتدمير بنية إنتاج الغذاء المحلي ومخزون المياه؛ كل هذه الأمور ترسم صورة واضحة للإبادة الجماعية. ومن هنا يمكن القول بأن غزة ككل إنساني وقومي جمعي لم تعد موجودة، وهكذا بالضبط تبدو الإبادة الجماعية.
بعد انتهاء الحرب، سنضطر إلى النظر إلى أنفسنا في المرآة. وستنعكس لنا صورة مجتمع لا يكتفي بأنه تخلى عن أبنائه وبناته المختطفين ولم يحمِ مواطنيه من وحشية حماس، بل ارتكب أيضًا هذا الفعل الرهيب في غزة؛ الإبادة الجماعية التي ستلطخ التاريخ اليهودي من الآن فصاعدًا إلى الأبد. سيتعين علينا أن نواجه الحقيقة وندرك عمق الفظاعة التي تسببنا بها. ما يحدث في غزة ليس هولوكوست. ولا يوجد هنا معسكرات الإبادة الجماعية “أوشفيتس” و”ترابلينكا”. ومع ذلك، فإننا بصدد جريمة تندرج تحت التصنيف نفسه: جريمة إبادة شعب.
المصدر: هاآرتس