يترقب أكثر من 3 مليون سوري، وآلاف العرب المقيمين في تركيا، تصريحات الحكومة التركية بقلق وحذر شديدين، ولا سيما بعدما أصدرت الأخيرة قرارًا يقضي بإعادة تنظيم وجود اللاجئين السوريين في البلاد وترحيل داخلي وخارجي من ينتمي إلى إحدى هاتين الفئتين: الأولى تضم من يحمل بطاقة الحماية المؤقتة من مدينة غير المدينة التي يعيش أو يعمل فيها، والثانية لمن لا يملك هذا الإذن من الأساس ويقطن في المحافظات التركية بصفة غير قانونية.
تبعت هذه الإجراءات، تصريحًا من وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، الذي قال: “هناك خلط في المفاهيم والتسميات، تركيا يعيش فيها 28 لاجئًا فقط، لأن أنقرة اتخذت في خمسينيات القرن الماضي قرارًا ينص على عدم استقبال لاجئين من خارج القارة الأوروبية، لدينا الآن مليون و23 ألف أجنبي يعيشون في تركيا بموجب تراخيص إقامة نظامية، هؤلاء طلاب وعاملون”.
فتحت هذه الإفادة، التي استغربها الكثير من اللاجئين السوريين والمهتمين بهذه المسألة، أبوابًا من الأسئلة حول قوانين الهجرة واللجوء في تركيا، والمقصود بلفظ “اللاجئ” التي لطالما استخدمتها الحكومة التركية بشكل متكرر في بياناتها الرسمية وخطاباتها منذ بدء الثورة السورية في عام 2011 إشارة للنازحين من سوريا. فمن المفاجئ أنه على مدار 9 سنوات تقريبًا، لم يتم ولو لمرة واحدة الحديث عن وجود التباس في المفاهيم، إلا الآن. فلمن يمنح القانون التركي صفة اللاجئ؟
تعريف اللاجئ بحسب اتفاقية 1951
خلال القرن العشرين، بدأت المؤسسات الدولية في تحديد مجموعة من القوانين والاتفاقيات والشروط المختصة في حماية اللاجئين، وفي تاريخ 25 يوليو/تموز عام 1951، قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إبرام اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين، وهي الاتفاقية التي تعرّف من هو اللاجئ وما هي حقوقه وواجباته والتزاماته تجاه الدولة المضيفة، إضافة إلى نوع الحماية القانونية وجميع المساعدات والحقوق التي يجب أن يحصل عليها من الدول الموقعة على هذه الوثيقة. كما تحدد الاتفاقية الفئات غير المؤهلة للحصول على هذه الصفة.
ومن بين هذه المجموعات، النازحين من الدول خارج الاتحاد الأوروبي أو الأشخاص الذين أصبحوا لاجئين نتيجة لأحداث وقعت خارج أوروبا، إذ قصرت الوثيقة حق اللجوء للأوروبيين الذين هربوا من بلادهم عقب الحرب العالمية الثانية، ولم تعترف بغيرهم لسنوات طويلة، إلا أن بروتوكول عام 1967 تخلى عن هذا الشرط ووسع القيود الجغرافية ليشمل تعريف اللاجئ النازح من الدول الآسيوية والأفريقية والأمريكية.
دائرة الهجرة في مدينة مرسين
وذلك نتيجة لانتشار مشكلة النزوح في مختلف أرجاء العالم وتزايد عدد الأشخاص الذين ينتقلون من مكان إلى آخر، لم تعد شروط اتفاقية 1951 ملائمة لتغيرات السريعة التي شهدها العالم آنذاك. ووقعت حوالي 139 دولة على هذه الاتفاقية، ومن بينهم الجمهورية التركية، لكن المفاجئ في هذا الجانب، أن تركيا الدولة الوحيدة التي لم تقبل بالتوقيع على بروتوكول عام 1967 بصياغته النهائية، بل وأضافت تعديلًا جوهريًا وحولته إلى حق مؤقت أو مشروط، ويتبعه إعادة توطين في دولة أخرى.
الأفراد الخاضعون للحماية المؤقتة، هم الأشخاص الذين سيتعرضون للخطر إذا تم إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، وهي الفئة التي ينتمي إليها غالبية اللاجئين السوريين في تركيا، وليس كلهم، باسم الحماية المؤقتة.
وعلى ذلك، تمنح تركيا مواطني الاتحاد الأوروبي الحق في طلب اللجوء في حين أن اللاجئين غير الأوروبيين مؤهلين للحصول فقط على وضع “طالب لجوء مؤقت” بموجب لائحة “إعادة التوطين” لعام 1994، التي تمنح السلطات التركية الحق بإعادة توطينهم في بلد ثالث مثل أستراليا ونيوزيلندا وأمريكا وكندا. مثلما فعلت سابقًا مع أعداد كبيرة من اللاجئين الإيرانيين والعراقيين. جدير بالذكر أن هذا القانون يوفر الحماية والمساعدة لجميع طالبي اللجوء بشكل عام وبغض النظر عن بلدهم الأصلي.
ومع بدء الثورة السورية وهروب وتهجير الملايين إلى الحدود التركية، اشتدت حاجة الحكومة التركية إلى قوانين وأنظمة قادرة على التعامل مع هذه التدفقات الجماعية واستيعاب احتياجاتها ومشكلاتها، وبعد عامين تقريبًا من الأزمة، أصدرت قانون الأجانب والحماية الدولية، رقم 6458. وبالتالي أصبح للنازحين في تركيا 3 إطارات قانونية، وهي:
الأولى تضم اللاجئين الأوربيين المعترف بهم رسميًا كلاجئين بحسب وثيقة عام 1951، والثانية يندرج تحتها اللاجئون الشرطيون الذين من المقرر إعادة توطينهم في بلد ثالث وفقًا للائحة إعادة التوطين عام 1994، والثالثة تمثل الأفراد الخاضعين للحماية المؤقتة وهم الأشخاص المعرّضون للخطر في حال أعيدوا إلى بلدهم الأصلي، وهي الفئة التي ينتمي إليها غالبية اللاجئين السوريين في تركيا، وليس كلهم، تحت صفة الحماية المؤقتة.
وغالبًا ما يحصل عليها جميع اللاجئين السوريين، بما في ذلك أولئك الذين ليسوا قادرين على تقديم أي وثائق ثبوتية من سوريا، حيث تضمن لهم البقاء في تركيا والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والمساعدات الاجتماعية، كما توفر لهم الدعم النفسي والوصول إلى سوق العمل، وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل أكثر استقرارًا، كما تمنح لهم غطاء الحماية من حملات الترحيل القسرية إلى سوريا. في المقابل، تلزم هذه البطاقة صاحبها باتباع القوانين والمتطلبات الإدارية للسلطات التركية والتجاوب معهم في تقديم معلومات تعريفية صحيحة ووثائق سليمة، وإعلامهم بأي تغييرات في معلومات الهوية أو الحالة المدنية أو الاجتماعية.
وعلى الرغم من جميع المزايا والخدمات الذي يقدمه القانون، إلا أن السلطات التركية لم تسلم من الانتقادات، إذ ترى العديد من المؤسسات الحقوقية والمنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية، أن هذه السياسة تقع عقبة كبيرة أمام اللاجئين غير الأوروبيين وتعقد عملية تمتعهم بالحقوق الاجتماعية والثقافية والتخطيط المستقبلي طويل الأجل، ما يعني غياب شبه كامل للأمان المعيشي.