أعلنت الرئاسة الجزائرية أخيرًا تشكيلة الوساطة التي ستقود الحوار الوطني الشامل بهدف إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها منذ أكثر من 5 أشهر، لكن هل ستلقى هذه التشكيلة السداسية النجاح في مهمتها وتحقيق الإجماع لدى الجزائريين والحراك الشعبي؟
وبعد أشهر من الجدل الذي أثير بشأن الحوار الوطني الذي من شأنه إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 من فبراير الماضي، يبدو أن نور الحل السياسي بدأ ينبلج عبر التنازلات التي بدأ يقدمها الجميع، وظهور قائمة اللجنة المكلفة بأداء هذا الحوار.
شبه مقبولة
استقبل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح الشخصيات المعنية بقيادة الحوار الوطني المتمثلة في كريم يونس الذي سيتولى قيادة هذا الفريق المتكون أيضًا من فتيحة عبو وإسماعيل لالماس وبوزيد لزهاري وعبد الوهاب بن جلول وعز الدين بن عيسى.
نقطة الخلاف التي قد تجد رفضًا من الحراك والمعارضة تتمثل في بوزيد لزهاري.. من المحسوبين على نظام بوتفليقة
وتبدو هذه التشكيلة مقبولة إلى حد ما رغم بعض الملاحظات، فمنسقها كريم يونس الذي شغل سابقًا وزيرًا للتكوين المهني في الولاية الأولى للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ثم رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان) قبل أن يقدم استقالته لخلافاته مع معسكر بوتفليقة عقب انضمامه إلى فريق علي بن فليس في رئاسيات 2004، وبعدها اعتزل السياسة بصورة شبه كلية واكتفى ببعض المحاضرات والإصدارات.
ويعد كريم يونس رفقة الخبيرة الدستورية فتيحة بن عبو والاقتصادي إسماعيل لالماس ضمن التشكيلة التي اقترحتها المعارضة لقيادة الحوار الوطني، أما البقية فتتمثل في النقابي عبد الوهاب بن جلول والبروفيسور عز الدين بن عيسى.
لكن نقطة الخلاف التي قد تجد رفضًا من الحراك والمعارضة تتمثل في بوزيد لزهاري، ورغم أهمية منصبه كمختص في القانون الدستوري وعضو في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يبقى من المحسوبين على نظام بوتفليقة الذي اختاره سابقًا ضمن أعضاء مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي.
في المسيرات الأخيرة للحراك.. تم اعتقال الأشخاص الذين رفعوا.. الراية الأمازيغية أو علم جماعة “الماك” الانفصالية
ويبقى الحكم على نجاح هذا الفريق في المهمة التي أوكلت له رغم اختلاف خلفية كل واحد منه هو مدى استجابتهم لمطالب الجزائريين وتحقيقهم الإجماع المعقول، والأهم من ذلك الوصول بالبلاد إلى مخرج يحقق انتخاب رئيس جديد في البلاد يأتي عبر الاقتراع الحقيقي ليس عبر ممارسات السلطة السابقة.
تنازلات
يبدو أن قبول الشخصيات الستة خاصة المحسوبة على المعارضة بهذه المهمة جاء بعد تعهد رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح بتقديم تنازلات، فقد أعلنت الرئاسة الجزائرية أنه استجابة لطلب من فريق الحوار فيما يخص إجراءات المرافقة والتهدئة التي ينبغي اتخاذها، فقد أعلن بن صالح استعداده للعمل على دعوة العدالة إلى دراسة إمكانية إخلاء سبيل الأشخاص الذين تم اعتقالهم لأسباب لها علاقة بالمسيرات الشعبية، ففي المسيرات الأخيرة للحراك يوم الجمعة، تم اعتقال الأشخاص الذين رفعوا رايات غير العلم الجزائري، وإحالتهم إلى القضاء خاصة من رفعوا الراية الأمازيغية أو علم جماعة “الماك” الانفصالية.
وتعهد بن صالح أيضًا بالنظر في إمكانية تخفيف النظام الذي وضعته الأجهزة الأمنية لضمان حرية التنقل، طالما لا يؤثر ذلك على مستلزمات الحفاظ على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات في أثناء المسيرات الشعبية، والحث على العمل لاتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل وصول جميع الآراء إلى وسائل الإعلام العمومية من خلال تنظيم مناقشات يتم فيها تبادل الحجج وتكون مفتوحة لجميع أشكال التعبير السياسي دون إقصاء.
النقطة التي قد تقف في تخلي هذه اللجنة عن مطلبها هو تمسكها برحيل الوزير الأول نور الدين بدوي
وقالت لجنة الحوار الوطني في بيان لها إنها طالبت بـ”إطلاق سراح المعتقلين خلال المظاهرات المليونية، وتحرير وسائل الإعلام من الضغوط، وتوفير كل الظروف للمواطنين لممارسة الحق في التظاهر”.
لكن النقطة التي قد تقف في تخلي هذه اللجنة عن مطلبها هو تمسكها برحيل الوزير الأول نور الدين بدوي، فقد سبق لرئيس اللجنة كريم يونس أن شدد في تصريحات صحفية قبل تسلم هذه المهمة رسميًا على ضرورة رحيل الحكومة الحاليّة.
غير أن إسماعيل لالماس أكد في تصريحات صحفية أن المجموعة قدمت ثلاثة مطالب رئيسية خاصة بالحراك الشعبي للرئاسة، تتمثل في رحيل حكومة بدوي وإطلاق سراح المسجونين في المسيرات ورفع التضييقات على المسيرات بالعاصمة والمدن الكبرى لتسهيل تحركات المواطنين خاصة في أيام مسيرات الجمعة، واشترطت أن تتم الاستجابة لها قبل الشروع في أي حوار.
وفي حال استجاب بن صالح لمطلب رحيل بدوي وحكومته، تكون الرئاسة قد خطت خطوة جبارة في طريق استرجاع قليل من الثقة الغائبة اليوم بين الشعب والسلطة، التي قد تكون البداية الأولى لإنجاح هذا الحوار.
يعاب على الفريق السداسي إقصاؤه للتيار الإسلامي رغم الثقل والانتشار الذي يمثله في الشارع
اختلاف
بالنظر إلى التشكيلة السداسية التي ستقود الحوار يظهر أنها هزيلة من الجانب النضالي، فهي لا تملك التوافق والإجماع والماضي النضالي الذي تحوزه شخصيات طرحت أسماؤها سابقًا من الحراك الشعبي والمعارضة مثل رؤساء الحكومة السابقين أحمد طالب الإبراهيمي ومولود حمروش وأحمد بن بيتور أو الرئيس اليمين زروال والمجاهدة جميلة بوحيرد، إلا أنه بالنظر إلى الدور المنوط به قد يبدو منطقيًا اختيار هذا الفريق كون أغلبه من التقنوقراطيين والقانونيين الذين في استطاعتهم إيجاد المخارج القانونية والدستورية للأزمة، خاصة ما تعلق بعمل وتنظيم اللجنة المستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات التي تعد حجر الأساس في تحقيق مطالب الحراك.
لم تصدر معظم الأحزاب آراءها بشأن التشكيلة التي ستقود الحوار الوطني
وما يعاب على الفريق السداسي إقصاؤه للتيار الإسلامي رغم الثقل والانتشار الذي يمثله في الشارع الجزائري، وقد يبدو ذلك متعمدًا من السلطة تفاديًا لأصوات العلمانيين الذين لم يرق لهم دعوات التخلي عن الفرنسية والعودة إلى مبادئ النوفمبرية والباديسية.
ولم تصدر معظم الأحزاب آراءها بشأن التشكيلة التي ستقود الحوار الوطني، عدا التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقبع أمينه السابق أحمد أويحيى في سجن الحراش بتهم فساد، الذي اعتبر ذلك ترجمة صادقة لمطالب الشعب الجزائري في التغيير.
غير أن النائب مسعود عمراوي عن الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان الجديد سليمان شنين لم يبد رضاه بهذه التشكيلة، وعلق قائلاً: “كنّا ننتظر شخصيات وطنية لامعة لإدارة الحوار، فوجدنا أغلبها غير معروف على الساحة الوطنية! تقاسموا السلطة مع عرعار”.
وبدوره، لم يتردد كمال رزيق أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة جنوب العاصمة الجزائر هو الآخر في إبداء عدم اقتناعه بالفريق السداسي، وقال: “على أي أساس تم اختيار هذه الشخصيات التي كانت جزءًا من مقترحات العلمانيين ولا إسلامي ضمن الطاقم، هل التيار الوطني الإسلامي يقبل أن يمشي وراءهم أم يرفض ويقاطع جماعة العلمانيين، شخصيًا لا أرى خيرًا في هذه الجماعة”.
ومهما كانت آراء السياسيين في لجنة الوساطة، يبقى موقفها هامشيًا مقارنة برأي الحراك الشعبي الذي سيعطي حكمه في الفريق السداسي اليوم خلال أول مسيرة من بداية الشهر السادس للحراك الذي أنهى هذا الأسبوع شهره الخامس لكن دون تحقيق الآمال التي خرج من أجلها الشعب، التي قد تجد طريقها للتنفيذ مع لجنة الوساطة والحوار التي سترسم أجندة عملها بداية من الأحد القادم.