تعد الكتب وسيلة الإنسان الأولى للمعرفة والتذكر والتدوين، فعن طريق الكتب عرفنا ما حدث في العصور السابقة وعرفنا كيفية البناء والاستكمال على العلوم السابقة وتنشأة الحضارات، وحين يأتي الأمر للأدب على وجه الخصوص نجد أن القراءة أشبه بالفعل الروحاني، فعن طريقها نهيم في العالم بأسره ونتعرف على ثقافات البلاد وحضارات العالم، وعن طريقها نعرف الكثير عما نجهل من العلوم الفلسفية والنظريات المختلفة، لهذا فإن للقراءة دورًا مهمًا، سواء على الصعيد الشخصي أم المجتمعي، لا يمكننا أن ننكره مهما حدث، فنحن نقرأ ونتعلم ونتواصل مع أشخاص من أزمان أخرى، ونتغير ونتطور ونكبر بالكتب ونعجز عن أن نصف أو نعبر أو ندون قيمة ما تفعله الكتب بنا، أو حتى قيمتها في الحياة والوجود من الأساس.
هذه الكتب.. بمثابة تواصل إنساني من قارئ إلى قارئ آخر، يتحدث فيها القارئ عن الكتب التي أثرت به وأحبها بصدق ويرشحها للآخرين
أن تقرأ كتاب هو أمر سحري يغير تفكيرك ويمدك بالكثير، ولكن، وعلى الرغم من كل الحب والشغف الذي يُكنه القراء للكتب والقراءة فإنه في أحايين كثيرة لا يمكن مشاركة ذلك مع أحد، فنحن – معشر القراء -، غالبًا ما نكون مصدر استغراب الآخرين وتساؤلاتهم، وكثيرين لا يستسيغون ملاصقتنا الدائمة للكتب، ولأن كثيرين لا يؤمنون بالقراءة والكتب ولأن العديد من القراء أيضًا، لا يجدون من يشاركونه حبهم وشغفهم للقراءة خُلقت هذه الكتب، فهي بمثابة تواصل إنساني من قارئ إلى قارئ آخر، يتحدث فيها القارئ عن الكتب التي أثرت به وأحبها بصدق ويرشحها للآخرين، دون أي عناء في التواصل.
نقرأ كتبًا عن القراءة والكتب لنعرف أننا لسنا الوحيدين في العالم الذين نقوم بهذا الفعل، لأن القراءة ليست مجرد فعل نقوم به اعتباطًا، ولأنها فعل بوسعه أن يغير العالم والشعوب ويساعد على اجتياز الحياة بأفضل ما يمكن، فهو فعل يستحق التأمل والدراسة كثيرًا، من المهم لنا، كقراء، معرفة ما الذي تعنيه القراءة، ليس لنا وحدنا، بل للعالم كله.
نقرأ عن الكتب لنعرف عنها أكثر ونتقرب إليها كثيرًا ونشعر أن هناك شخصًا آخر في العالم يتشارك معنا فيما نحب
فعملية القراءة التي تشمل الكتب والمكتبات والكُتاب والقراء وبائعي الكتب، بل وسارقيها كذلك، هي أشبه بالمنظومة التي يجب أن نعرف عنها الكثير ونلتمس فنها كما يجب، لهذا نقرأ عن الكتب لنعرف عنها أكثر ونتقرب إليها كثيرًا ونشعر أن هناك شخصًا آخر في العالم يتشارك معنا فيما نحب، حتى لو لم نقابله ونحادثه وجهًا لوجه.
أمثلة لكتب تحدثت عن الكتب
“تاريخ القراءة”.. ألبرتو مانغويل
“نقرأ لنجد النهاية، من أجل خاطر الحكاية، نقرأ لكي لا نصلها، من أجل خاطر القراءة. نقرأ باحثين كمتتبعي الأثر، غائبين عن محيطنا. نقرأ بذهن مشتت، نقرأ صفحات دفعة واحدة”.
عند ذكر الكتب والحديث عنها فإن هذا الكتاب هو الموسوعة التي لا يجب مهما حدث، أن نغفل عنها، حين تقرأ عنوان الكتاب تتساءل باستغراب: هل للقراءة تاريخ؟ نعم للقراءة تاريخ وتاريخ طويل أيضًا، يتحدث لنا مانغويل في هذا الكتاب (ومانغويل لمن لا يعرفه، هو أعظم قارئ في العالم، في تاريخ الكتب ومسيرة القراءة نجد هذا القارئ الهائم الذي نشُك أن هناك أحدًا في العالم يحب الكتب والقراءة أكثر منه فقد قرأ كل ما في مكتبته من كتب التي يفوق عددها 117000 كتاب) عن القراءة بوصفها كائنًا وشيئًا ماديًا، له بداية وتطورات وتاريخ طويل، فنعرف معه كيف كانت الحياة قبل القراءة وكيف بدأت فكرة التدوين الشفهي ومن ثم طباعة الكتب.
ومعه أيضًا نتعرف على أشهر سارقي الكتب وأشهر المكتبات وأشهر الكتب، كل ذلك حول العالم كله وغير محدد بجغرافية مكانية محددة، كما يذكر مانغويل تاريخه الشخصي، فيصبح الكتاب مزيجًا من ذكرياته مع القراءة. هذا الكتاب لجميع القراء وجميع الكتاب، ممن يحبون القراءة ببساطة ومن يهوونها حد الجنون!
“الكتب في حياتي”.. هنري ميلر
“إن الهدف من هذا الكتاب الذي سيتألف من أجزاء عدة على امتداد السنوات القليلة التالية، هو أن أحكي قصة حياتي، إنه يحكي عن الكتب كتجربة حيوية، وليس دراسة نقدية ولا يحتوي برنامجًا لتثقيف النفس”.
واضح من عنوان الكتاب أنه تدوين شخصي، وهو بالفعل كذلك، ولكن من المهم أن نقرأ للعظماء ونعرف فكرهم، وميلر هو روائي وكاتب أمريكي معاصر مهم، لذلك اقترحت هذا الكتاب الذي يروي لنا ميلر فيه عن حياته مع القراءة والكتب، فقد بدأ يقرأ منذ سن صغيرة جدًا ولم ينس قط ما قرأه في حياته، يذكر لنا أسماء عدد كبير من الكتاب وأعمالهم، خاصة الكلاسيكية منها، وحين نتحدث عن الكتب التي ذكرها فهو يتحدث عن كتب غير معروفة أو شائعة بيننا، مما يثير الدهشة في نفس كل قارئ، هل حقًا أستطيع تذكر الكتب التي قرأتها بهذا التفصيل! ولهذا فإن هذا الكتاب يقدم لنا صورة وصدى حقيقيين عما نقرأه لنعرف إلى أي مدى نحن قراء صادقين فيما نقرأ!
“في أحضان الكتب”.. بلال فضل
“إلى أحبّ بقاع الدنيا إلى قلبي، إلى تحويشة عمري وبهجة زماني، وشريكة صباحاتي وونيسة لياليَّ وبهجة زماني، إلى مُغنيَتي عن سؤال اللئيم وصُحبة الأنذال، إلى مكتبتي”.
عند الحديث عن القراء الموهوبين والمتمكنين من القراءة في عالم العربي، يمكن أن يبرز لنا بلال فضل من بين هؤلاء، لأن كتاباته أثبتت لنا ذلك، وفي كتابه المميز هذا يروي لنا الكثير، فيتحدث عن أشهر الكتاب وكتبهم ويروي لنا مواقف لهم ويسقطها على الواقع، يتحدث بلال عن كل كتاب أعجبه ويرشحه لنا على ضمانته كما يقول، الكتاب أكبر من مجرد مراجعات وحديث عام عن الكتب بل أشبه بالموسوعة المصغرة التي تجعلك تشعر أنك بين أحضان الكتب بحق، تمتص رحيقها وتنعم بظلها وتنتظر منها المزيد.
كُتب الكُتب هي الأميز والأمتع بين الكتب، فأن تحب شيئًا وتمارسه، لهو شيء رائع، أما أن تقرأ عما تحب وتمارسه في آن واحد، فهو سحر لا مثيل له.