ترجمة وتحرير: نون بوست
خمسون سنة مرت على هبوط الإنسان على سطح القمر، فكيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا خلال الخمسين سنة القادمة؟
يتمحور مستقبل الذكاء الاصطناعي حول الصراع بين الروبوتات التي تقوم بالأعمال المنزلية والروبوتات القاتلة. فهل من الممكن أن تصبح الروبوتات القاتلة أسياد هذا العالم وتسحق الجنس البشري؟ وفقًا للخبراء، قد يكون الأمر أسوأ بكثير.
في كتابه الأخير بعنوان “الحياة 3.0: أن تكون إنسانًا في عصر الذكاء الاصطناعي”، تحدث الفيزيائي ماكس تيجمارك عن وسائل الإعلام التي صوّرت الروبوتات الشريرة وهي تحمل بنادقًا وتسعى “لتدمير الإنسانية”. وأضاف تيجمارك أنه لا ينبغي أن نشعر بالقلق من تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة شريرة. وبدلاً من ذلك، يجب أن نقلق إزاء خلق ذكاء اصطناعي يضاهي مستوى الذكاء البشري، أو ربما أكثر ذكاء، يحمل “أهدافا لا تتناسب مع أهدافنا كبشر”. وأضاف تيجمارك أن الروبوتات لا تشكل تهديدًا محتملًا لأن الذكاء الاصطناعي لا يحتاج إلى جسم، بل مجرد اتصال بالإنترنت.
قبل اختراع الروبوتات التي تقوم بالمساعدة في الأعمال المنزلية، تسللت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى جميع جوانب حياتنا تقريبا. ومن المحتمل أن تحدّد في المستقبل مصادر الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تقوم بدورها على خوارزميات.
هناك احتمال لاختراع “طائرات مسيّرة غير مكلفة بحجم النحل الطنّان تقتل الأشخاص باستخدام الحد الأدنى من القوة المتفجرة عن طريق إطلاق النار عليهم مباشرة في العين”
من المتوقع أن تستخدم البنوك بشكل متزايد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتقييم درجات الائتمان وفي اتخاذ قرارات أسرع حول طلب منح قروض للعملاء. ويمكن أن تتوقع هذه التكنولوجيا، خلال الخمسين القادمة، احتياجاتنا اليومية مثل طلب الطعام، وتنظيم درجة حرارة منزلك عندما تكون في طريقك إليه، وتنظيم نظام التمارين الرياضية الخاص بك، وحجز موعد للاهتمام بشعرك، والحفاظ على مواعيد تناول الأدوية، والبحث عن وظيفة جديدة لك وغيرها من المهام الأخرى.
في هذه الأثناء، تُنفق مليارات الدولارات على توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري. وفي قسم من كتابه، تطرّق تيجمارك إلى الطرق الشنيعة التي يمكن للدول أو الجماعات أو الأفراد، الذين يملكون نوايا دنيئة، استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل لقتل الأشخاص “بأسلحة غير مفهومة”. فعلى سبيل المثال، قد تستخدم دولة استبدادية هذه التكنولوجيا الذكية لخلق مرض مميت، وإجبار السكان على ارتداء “سوار أمني” يحتوي على العلاج المحتمل لهذا المرض.
فضلا عن ذلك، هناك احتمال لاختراع “طائرات مسيّرة غير مكلفة بحجم النحل الطنّان تقتل الأشخاص باستخدام الحد الأدنى من القوة المتفجرة عن طريق إطلاق النار عليهم مباشرة في العين”. ستكون هذه الطائرات الصغيرة قادرة على استهداف سياسي واحد أو قتل مجموعة عرقية بأكملها. ووفقا لتيجمارك، قد تكون الحقيقة أكثر رعبا من ذلك لأن الذكاء الاصطناعي “يمكن أن يخترع أسلحة أكثر فعالية مما يمكن أن يفكر فيه البشر”.
يقول ماكس تيجمارك إن الروبوتات لا تشكل تهديدًا محتملاً لأن الذكاء الاصطناعي لا يحتاج إلى جسم، بل مجرد اتصال بالإنترنت
مجالسة الأطفال
يعمل العديد من الأشخاص على استغلال الروبوتات والذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي لخدمة الجنس البشري ومساعدته وإنقاذ حياته. وفي هذا السياق، يمكن أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي لاختراع روبوت يتولى مهمة مجالسة الأطفال دون أن يكون له أي ميول عدوانية ضدهم. ومن المقرر أن تُستخدم الروبوتات لرعاية ومساعدة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
قد يتفاعل الذكاء الاصطناعي مع الكوارث الطبيعية بشكل أسرع من البشر ويتوقع حدوثها. وقد تقضي التكنولوجيا تدريجيا على الملل والضجر في مكان العمل، ومن المرجّح أيضا أن يصبح العمل في السنوات القادمة خيارًا وليس ضرورة، حيث سيتمكن الذكاء الاصطناعي من القيام بالمسؤوليات والمهام اليومية، و”إدارة” حياتنا بفعالية حتى نتمكن من التمتّع بحياتنا بشكل أفضل.
في نهاية المطاف، قد يسمح لنا الذكاء الاصطناعي بتطوير نسخة جديدة محسّنة من الإنسانية تجعلنا كائنات خالدة وتسمح لنا باستكشاف المجرة. هناك أيضًا احتمال أن تحل هذه التكنولوجيا المتطورة محل بعض الوظائف، ولكنها ستخلق وظائف جديدة. وعلى الرغم من أن الطائرات المسيرة قد حلت محل الطيارين في بعض المهمات، إلا أنه مازال هناك حاجة إلى طيار عن بُعد وفريق دعم فني ومحلل بيانات لمراجعة المعلومات الفوتوغرافية التي وقع جمعها على متن رحلة جوية.
من المحتمل أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الطبيب فيما يتعلّق بتشخيص الأمراض
حيال هذا الشأن، أوصى تيجمارك الأجيال المستقبلية بتجنّب العمل في وظائف تتطلب القيام بأعمال متكررة أو منظمة، على غرار القيادة وتحليل ائتمان أعمال المستودعات، والعمل في وظائف تتضمّن التفاعل مع الأشخاص، وإيجاد حلول مبتكرة والعمل في بيئات جديدة. ومن المحتمل أيضا أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الطبيب فيما يتعلّق بتشخيص الأمراض. ولكن، هل بإمكان هذه التكنولوجيا المتطورة أن تحل محل الممرض الذي يقنع الطفل بالتبرع بالدم، أو بتقبل نبأ الإصابة بمرض عضال؟
الفوز في ورق اللعب
خلال هذا الشهر، ألحق الروبوت بلوريباس هزيمة بالعديد من أبطال لعبة البوكر في مسابقة للعب “تيكساس هولديم” الشهيرة، حيث تمكّن من تعلّم كيفية اللعب ووضع استراتيجيات والمراهنة، ناهيك عن تعلّم الخداع في غضون ثمانية أيام فحسب، وذلك من خلال التدرب على هذه اللعبة مئات المرات لإتقانها.
علاج السرطان
خلال الخمسين سنة القادمة، لا يجب أن نقلق بشأن التكنولوجيا بل بشأن الأهداف والأخلاق التي ننشرها من خلالها. وحتى إذا لم يكن هذا الإجراء خبيثًا، فسوف نحتاج أيضًا إلى التأكد من أننا لا نمحو أنفسنا من الوجود لأننا قدمنا أهدافا ناجمة عن الذكاء الاصطناعي دون أن نحرص على توضيح القواعد.
من المرجّح أن ينطوي إنشاء ذكاء عام اصطناعي في غضون 50 سنة على تحديات كبرى، لأسباب ليس أقلها أننا لا نفهم بشكل صحيح الذكاء أو الوعي الموجود داخلنا
ومع ذلك، إن ما نشير إليه في الغالب باسم “الذكاء الاصطناعي”، أي آلة تفكير ذاتية الحكم، يُعرّف بأنه “ذكاء عام اصطناعي”. والذكاء الذي يرقى إلى مستوى الذكاء الإنساني، يجب أن يكون قادرًا على فعل أي شيء نستطيع نحن فعله، بما في ذلك التعلم. وتتمثّل الخطوة التالية في بلوغ “الذكاء الخارق”، أي من حيث قوة الدماغ إذ يتفوّق هذا الذكاء على الذكاء البشري مثلما يتفوّق الذكاء البشري على أنواع الحيوانات الأخرى.
من المرجّح أن ينطوي إنشاء ذكاء عام اصطناعي في غضون 50 سنة على تحديات كبرى، لأسباب ليس أقلها أننا لا نفهم بشكل صحيح الذكاء أو الوعي الموجود داخلنا. كما أن هناك مفارقة معترفا بها حول كيفية تفوق الكمبيوتر في المهام التي نجدها صعبة (مثل الرياضيات)، ولكنه أقلّ قدرة على إنجاز المهام التي نجدها سهلة، مثل التعرف على الوجوه أو الأصوات، أو المشي، أو تحريك الأشياء، أو الاختلاط بالمجتمع، أو الاحتياجات العاطفية.
بفضل ملايين السنين من التطور، أصبح المخ أداة رائعة لفهم العالم بطرق تجدها الآلة صعبة للغاية. ففي الواقع، تحتاج الرياضيات المعقدة إلى قوة حسابية قليلة نسبيًا، في حين تطورت مهاراتنا اليومية المتمثلة في الإدراك والتفاعل والتخطيط والاعتراف والمهارات الحركية والكثير غيرها على مدى ملايين السنين لتبدو بسيطة بينما تتطلب في الواقع موارد حسابية هائلة.
المهام الصعبة
تتضاءل الفجوة بين ذكائنا والذكاء العام الاصطناعي المحتمل ببطء، لكن ليس لدينا أي فكرة عن الوقت اللازم لتطوّر الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري، أو حتى إمكانيّة حدوث ذلك. وتُظهر الدراسات الاستقصائية التي أجريت بين الباحثين مجموعة من التخمينات حول فرص متكافئة لتحقّق هذه الفرضيات خلال النصف القادم من هذا القرن.
نحن نعلم أن الذكاء الاصطناعي سوف يغير عالم الوظائف، حيث ادعت إحدى الدراسات أن 800 مليون وظيفة ستختفي في ظلّ بروز الأتمتة بحلول سنة 2030، وهو ما يمثل تحولا عميقا لم يشهد له العالم مثيلا منذ الثورة الصناعية. ويمكن القول إن هذه الوظائف تنطوي على عمل بدني أو معالجة بيانات تواجه خطر، وكذلك الوظائف التي تشمل القيادة.
يقرّر الذكاء الاصطناعي نوعيّة مصادر الأخبار التي يجب أن تشاهدها (وما لا تريده)، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تعجبك
سوف يؤثر الذكاء الاصطناعي على مجال الطب والخدمات المالية والعسكرية. ومع ذلك، قد يكون هناك هجرة إلى أنواع من الوظائف التي لا يمكننا توقعها بعد، حيث أن تكنولوجيا المعلومات قد غيرت وجه القوى العاملة خلال العقود الأخيرة. لكننا نعلم بالفعل أن الجمع بين الروبوتات والذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدّم نتائج مفيدة بشكل كبير. وأوضح البروفيسور كيفن كيلي من مختبر الروبوتات والابتكار بجامعة كليّة الثالوث بدبلن: “عموما، هناك ثلاث كلمات رئيسية تصف المكان الذي تستعمل فيه الروبوتات، وهي قذرة وخطيرة وصعبة”.
يكمن جزء كبير من البحث في فهم كيفية تجاوب الروبوتات معنا وفهمها لنا إذا ما أصبحت متواجدة في منازلنا. ولكن ما الذي تستطيع الروبوتات تقديمه لعائلة تقليديّة؟ أشار كيلي إلى أن “هناك بالفعل روبوتات قادرة على جزّ العشب أو تنظيف الأرضيّة، لذلك ليس من الصعب أن نرى الروبوتات تقوم بالعديد من المهام. وأعتقد أن ذلك سيمتد ليشمل مهام ميكانيكية أخرى، مثل تفريغ غسالة الصحون ونشر الغسيل”.
السيطرة على الذكاء الاقتصادي
في الواقع، سيكون هناك صراع من أجل السيطرة على الذكاء الاصطناعي واحتكاره. وتموّل غوغل وأبل وأمازون العمل الرئيسي في أبحاث الذكاء الاصطناعي. وهذا يعني أن هذه التكنولوجيا الثورية، التي أدخلت إلى حياتنا، يمكن أن تكون مدفوعة بمطالب المساهمين بدلاً من تقديم أفضل نتيجة ممكنة للإنسانية.
نظرًا لأننا نشعر بالرضا بالفعل عن فكرة وجود بعض عمالقة التكنولوجيا الذين ينظمون حياتنا ويتطفلون عليها، فهل سنكون مرتاحين لأن يكون بإمكان أمثال غوغل وأمازون وفيسبوك من بين مجموعة الشركات العملاقة، التي تمتلك الكثير من بياناتنا الشخصية، استخدام الذكاء الاصطناعي لممارسة تأثير هائل على حياتنا؟ استعدادا للعالم الذي سنعيش فيه في غضون 50 سنة المقبلة، سنحتاج الآن إلى تحديد نوع المستقبل الذي نريده ومعرفة كيفية بلوغه.
5 طرق يستطيع من خلالها الذكاء الاصطناعي تغيير العالم في 50 سنة
الطب: يستطيع الذكاء الاصطناعي منحك العلاج المناسب للجينوم الوراثي الخاص بك.
روبوتات الرعاية: أصبحت هذه الروبوتات بالفعل جزءًا من حياة بعض الأشخاص، وتساعد في كل شيء انطلاقًا من إعداد وجبات الطعام وصولًا إلى الأنظمة الصحية.
النقل: سيتعجب أحفادك من قصصك حول كيفية استخدامك لقدميك ويديك ودماغك للتنقّل في كل مكان، لأن جميع المركبات ستصبح ذاتية القيادة وأكثر أمانًا.
في المنزل: الروبوتات الخدم ستساعدك على غسل الأطباق الخاصة بك، وتنظيف النوافذ وجز العشب والاعتناء بأطفالك.
الحرب: ستزداد الحروب عبر الإنترنت، مثلما لاحظنا بالفعل في السنوات الأخيرة. ولكن سيكون هناك أيضًا طرق أكثر فتكًا وأكثر إخافة وأكثر تكلفة للجيوش التي تقاتل وتقتل بعضها البعض.
المصدر: ذي آيريش تايمز