في ضرورة أخذ تهديدات وزيرة السيسي بقتل المعارضة على محمل الجد

ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال اجتماع أقيم مع الكنديين المصريين هذا الأسبوع في تورنتو، قالت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم إن الحكومة المصرية “ستقطّع” الأفراد الذين يتحدثون سلبًا عن مصر. وقد استخدمت الوزيرة إيماءة لا لبس بها معناها قطع الحنجرة لتأكيد وجهة نظرها. لسوء حظ مكرم، تم تصوير الحادث بالكامل في مقطع فيديو تم تفسيره على أنه تهديد واضح موجّه لمعارضي الرئيس عبد الفتاح السيسي.
على خلفية ذلك، وبّخ المجتمع الدولي المصدوم الوزيرة، وهو أمر متوقّع بعد أن يوجّه سياسي معروف تهديدًا بالقتل للمعارضين السياسيين. كما نُشرت العديد من التقارير في وسائل الإعلام الدولية الكبرى، وفي خضم هذه الاحتجاجات الدولية، أجبرت مكرم على الرد.
التملّص من المسؤولية
بدلاً من الاعتراف أو الاعتذار تملّصت الوزيرة من المسؤولية، مشيرة إلى أن منتقديها قد تجاوزوا الحدود وأساءوا تفسير تصريحاتها وإيماءاتها عن قصد. في المقابل، سجّلت مكرم ردًا مفصّلًا موجّهًا للنقّاد على قناة “المحور” الفضائية المصرية، حيث وصفت لقاءها مع المصريين في كندا على أنه “لحظة جميلة” من الكبرياء القومي، ولمّحت إلى أنه لم تكن هناك أي أفعال أو أقوال غير لائقة.
أضافت مكرم قائلة إنها كانت ببساطة “توافق على ما يقوله [الحاضرون]”، مشيرة بفخر إلى أن الجمهور “صفّق” لها على إثر ما قالته
في شرحها للتصريحات المثيرة للجدل وإيماءة اليد، أوضحت مكرم: “لقد قلت إن المصريين الذين يعيشون في الخارج لا يتسامحون مع أي كلمة سلبية قد تقال عن بلدهم. فماذا نفعل بمثل هذا الشخص؟ وسمعت أحد الأصوات يقول [ردًا على سؤالي]، نقطع عنق أي شخص يتحدث بهذه الطريقة عن مصر! فأجبته: “سنقطّعه”.
أضافت مكرم قائلة إنها كانت ببساطة “توافق على ما يقوله [الحاضرون]”، مشيرة بفخر إلى أن الجمهور “صفّق” لها على إثر ما قالته. وغياب الوعي بسياق الكلام الصحيح أمر سيء. ويبدو أن الردّ الذي قدّمته مكرم ينوّه إلى أن الحكومة التي تخدمها هي منارة للمنافسة الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان، وأن النقّاد سخيفون بسبب شعورهم بالتهديد.
انتهاكات حقوق الإنسان
في الواقع، وصل النظام المصري الحالي إلى السلطة بفضل الانقلاب العسكري لتموز/ يوليو 2013، وسرعان ما اعتمد برنامج إقصاء ليصبح بذلك أحد أسوأ الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان في العالم. وبالإضافة إلى ارتكاب عدة مذابح على نطاق ضيّق ضد المتظاهرين وقتل أكثر من 30 سجينًا من خلال خنقهم بالغاز حتى الموت في شاحنة في صيف 2013، ارتكبت الحكومة أسوأ المذابح على نطاق واسع في حقّ المتظاهرين في تاريخ البلاد الحديث.
نشوب حريق بالقرب من ميدان رابعة في القاهرة بينما تطوّق شرطة مكافحة الشغب المتظاهرين سنة 2013
في خضم مذابح رابعة والنهضة التي وقعت في 14 آب/ أغسطس 2013، أطلقت السلطات المصرية النار عمدا على مئات المحتجين العزل على مستوى الرقبة والرأس. وكشف التحقيق المتعلّق بالأدلة الأولية الذي دام سنة، والذي أجرته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن قوات الأمن المصرية ربما كانت “تطلق النار بهدف القتل”. وكشف التحقيق أيضا أن الأوامر قد صدرت “من أعلى المناصب داخل الحكومة المصرية”، وأن عمليات القتل تمثّل “جرائم محتملة ضد إنسانية”.
فضلا عن ذلك، يكشف تقرير “هيومن رايتس ووتش” احتمال أن “أكثر من ألف شخص على الأرجح” قد قتلوا في ميدان رابعة وحده. وإلى جانب عمليات القتل الجماعي، عمدت الحكومة إلى إخفاء آلاف الأشخاص قسرًا وتعذيبهم، وحجبت الآلاف من المواقع الإلكترونيّة، وقمعت المنظمات غير الحكومية، واقترحت قوانين صارمة. ومن جهة أخرى، منعت الحكومة نشاط جميع جماعات وأحزاب المعارضة السياسية الخطيرة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحريّة والعدالة الخاص بها، الذي فاز في خمسة انتخابات حرة ونزيهة في سنة 2011 و2012.
أحكام الإعدام والتعذيب
أصدرت السلطة القضائيّة الموالية للحكومة أكبر عدد من أحكام الإعدام الجماعية في التاريخ الحديث. ومن بين هذه العقوبات، حُكم على أكثر من 500 مصري بالإعدام لقتل ضابط شرطة مصري. ويعد التعذيب أسلوبا منهجيا داخل السجون المصرية، المكتظة بأكثر من 60 ألف سجين سياسي، معظمهم من المصريين الذين اعتقلوا تعسفيًا.
تراقب الحكومة المنشورات التي يكتبها مواطنوها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد أي إشارات تدلّ على انتقاد النظام
فعلى سبيل المثال، تعرض طالب الدراسات العليا الإيطالي، جوليو ريجيني، للتعذيب حتى الموت على أيدي الشرطة المصرية سنة 2016. وقد أظهر تشريح الجثة وغيرها من التحقيقات التي أجرتها السلطات الإيطالية أن جثة ريجيني شُوِّهت وحُرقت ببطء، وأن أظافر أصابع يديه ورجليه قد اقتلعت جميعها قبل وفاته.
تراقب الحكومة المنشورات التي يكتبها مواطنوها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد أي إشارات تدلّ على انتقاد النظام. وفي السابع من تموز/ يوليو، تعرّضت امرأة أمريكية مصرية للاعتقال بسبب انتقاداتها للسيسي المنشورة على صفحتها الشخصية على فيسبوك.
بالنظر إلى هذا السياق الواسع الحافل بالعنف والقمع الجماعي الذي تسلّطه الدولة، فإنه من المعقول أن يشعر المغتربون المصريون بالتهديد بسبب تصريحات وإيماءات مكرم “بتقطيع الحنجرة”. ويعدّ تملّص مكرم من المسؤولية أمرا معتاد الحدوث داخل السلطة المصرية. وخلال مقابلة مع برنامج الأخبار الأمريكي “60 دقيقة” في وقت سابق من هذه السنة، نفى السيسي العديد من الحقائق الراسخة حول النظام المصري، ومن ثمّ حاول منع بث المقابلة.
إسكات المواطنين الناقدين للنظام
نفت الحكومة المصرية مرارًا أي تورط لها في مقتل ريجيني، على الرغم من وجود أدلة دامغة تثبت ذلك. وعلى نطاق أوسع، تنفي الحكومة أيضًا تعذيبها للمعتقلين، على الرغم من الأدلة القوية التي جمعتها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
لا يبدو أن منتقدي الحكومة المصرية، بمن فيهم المقيمون خارج البلاد، يبالغون في شعورهم بالتهديد بسبب تصريح وإيماء مكرم التي تعني تقطيع الحنجرة
في سنة 2016، اشتكى وزير الخارجية المصري سامح شكري من أن وسائل الإعلام العالمية ومجموعات حقوق الإنسان والباحثين تبالغ بشكل كبير في تحديد عدد السجناء في السجون المصرية. وقد كتبتُ ردًا على مزاعم شكري: ففي هذا المقال الذي كتبته، استخدمت تقارير الحكومة المصرية المنشورة عن الاعتقالات لإظهار مدى دقة الأخبار والتقارير المتعلّقة بحقوق الإنسان والتقارير العلمية المتعلّقة بالسجناء المصريين.
إنها مسألة وقت قبل أن تسيئ السلطات المصرية استخدامها للسلطة مرّة أخرى ثم تستخدم استراتيجية الإنكار وصرف النظر. في هذه الأثناء، لا يبدو أن منتقدي الحكومة المصرية، بمن فيهم المقيمون خارج البلاد، يبالغون في شعورهم بالتهديد بسبب تصريح وإيماء مكرم التي تعني تقطيع الحنجرة. في المقابل، يجب إيلاء أهميّة للسياق الأوسع لهذا الحديث أيضا.\
في هذه الأيام، تقتدي مصر بخطى حلفائها المقربين، وهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللذين موّلا ودعما سويا انقلاب 2013 والأحداث التي تلته. فقد استخدمت كلتا الدولتين نهج التخويف لإسكات المواطنين الناقدين الذين يعيشون خارج البلاد. والأهم من ذلك، أن السعودية قتلت الصحفي السعودي المغترب جمال خاشقجي في تركيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وفي الواقع، نأمل أن تكون تصريحات مكرم مجرد تأمّلات استبدادية خرقاء، وليست إعلانًا جادًا عن نية مصر في اغتيال المغتربين.
المصدر: ميدل إيست آي