ترجمة حفصة جودة
يوم الأربعاء، ذهب صدام عبد السلام إلى البرلمان الفيدرالي الأسترالي لأول مرة في حياته وقضى ما يقرب من 12 ساعة في مقابلة السياسيين -تلك المقابلات التي يسعى إليها منذ عامين – حيث ترجاهم لمساعدته على إحضار زوجته وطفله ذي العامين من وطنه.
كانت قصة عبد السلام قد نُشرت الأسبوع الماضي في برنامج “Four Corners” وحكى فيها تفاصيل احتجاز زوجته وطفله في الصين لأنهم من الإيغور (أقلية عرقية مسلمة)، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يحكي فيها قصته، فقد حكاها من قبل لموقع بازفيد في فبراير ولموقع الغارديان في أستراليا في شهر أبريل وحينها كشفت الغارديان وجود 5 أطفال أستراليين على الأقل محتجزين في الصين نتيجة الحملة الوحشية القمعية للصين ضد شعب الإيغور في إقليم شينجيانغ غرب الصين.
لكنها كانت المرة الأولى التي يكشف فيها عبد السلام هويته، حيث أحس أخيرًا بأن الوضع قد يتغير بالنسبة لأسرته، وهو يأمل أن تتمكن زوجته وابنه من اللحاق به قريبًا في أستراليا، حيث يلتقي بابنه لأول مرة بعد عامين من ولادته (حيث تصادف الذكرى الثانية لمولده يوم 31 من أغسطس).
يقول عبد السلام الذي يحاول أن يلتقي بوزيرة الخارجية ماريزه باين ووزير الهجرة ديفيد كولمان منذ أشهر: “لقد قال لي نواب البرلمان: لا تعتقد أننا سننساك، سوف نواصل العمل على قضيتك”، قضى عبد السلام 18 شهرًا في النزاع مع الشؤون الداخلية التي رفضت في البداية الاعتراف بجنسية ابنه الأسترالية.
رغم أن عبد السلام أعرب عن امتنانه للدعم الذي تظهره الحكومة الآن، لكنه يقول إنه خلال رحلته الأخيرة إلى كانبرا كان يواجهه سؤال دائم وهو سؤال يتردد بين مجمتع الإيغور بأكمله: “أريد أن أقول لهم جميعًا: أين كنتم خلال الأعوام الماضية؟”.
يحمل صدام صورة زوجته ناديلا وطفلهما لوتفير الذي لم يلتقيه أبدًا
لقد مر عام تقريبًا على صدور تقرير الأمم المتحدة الذي يقول إن نحو مليون شخص معظمهم من الإيغور محتجزين في مراكز اعتقال بإقليم شينجيانغ وطالبت الصين بإطلاق سراحهم.
وحتى قبل هذا التقرير، كان هناك تقارير كثيرة منتظمة تفيد بتعرض الإيغور لمراقبة غير عادية وإجبارهم على إجراء تحاليل دم وDNA ومسح وجه بيومتري، كما أنهم أجبروهم على تسليم جوازات سفرهم ومنعوهم من مغادرة شينجيانغ واحتجزوا أعدادًا كبيرة منهم.
اضطرت الصين في النهاية للاعتراف بوجود مراكز الاحتجاز لكنها ما زالت تصر على أنها مراكز تدريب مهنية، ويتعرض الإيغور هناك للاعتقال لأسباب مثل: إطلاق لحية أو التسمي بأسماء مسلمة أو امتلاك حساب واتساب على الهاتف أو وجود أحد أفراد الأسرة خارج البلاد أو دون أي سبب واضح.
لكن منذ أسبوعين فقط أصدرت 22 دولة بيانًا تدين فيه معاملة الصين للإيغور والأقليات الأخرى، لذا لماذا تطلب الأمر كل هذا الوقت لكي يهتم العالم بمعاناة الإيغور؟
لا أحد يرغب في الحديث عن ذلك
يقول نوري توركل رئيس مشروع حقوق الإيغور في واشنطن: “لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا بشكل مدهش، وهناك سببان لذلك: أولهما العنصر الصيني بكل وضوح فالصين دول كبيرة ومتهورة أيضًا، ثانيهما أن الحكومات عادة ما تتخذ مواقفها بحرص شديد”.
يقول صدام عبد السلام إنه ممتن للدعم الذي تقدمه أستراليا لأسرته المحتجزة في الصين
يرى جيمس ليبولد أستاذ السياسة والدراسات الآسيوية بجامعة لاتروب في ميلبورن أن نفوذ الاقتصاد الصيني وعدم رغبة الدول الأخرى في تأثر تجارتها مع الصين أحد الأسباب الواضحة، لكن هناك عدة أساب أخرى كذلك.
لم يسمع معظم الناس في الغرب عن الإيغور أو شينجيانغ، ولم يدافع عن قضيتهم شخصيات معروفة في الغرب مثلما حدث في قضية التبت التي تبناها دالاي لاما، كما أن هناك صعوبة شديدة في إخراج المعلومات من شينجيانغ، فالصين تفرض قيودًا على الصحفيين الأجانب، كما تأخد بعضهم في جولات دعائية عجيبة، لذا فإن التقارير تعتمد بشكل كبير على قصص الناجين الذي هربوا من البلاد أو المنفيين بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية التي تحاول رصد ما يجري هناك.
يقول ليبولد: “الحرب المعلوماتية التي تحدث الآن تمنح الحكومات فرصة لعدم الاستجابة لما يحدث متحججة بأنها لا تعلم ما يحدث بالفعل”، اتخذت الصين عقوبات شديدة ضد من تحدثوا بما في ذلك زوجة عبد السلام، حيث يقتادونها إلى مركز الشرطة كل يوم ويستمرون في التحقيق معها لمدة 3 أو 4 ساعات منذ نشر القضية في برنامج “Four Corners”.
يقول عبد السلام: “لقد طلبوا منها أن تخبرني بأن أغلق فمي وأتوقف عن الحديث، إنها تشعر بالخوف الشديد”، ويضيف ليبولد: “لا أحد يرغب في التحدث لأسباب وجيهة”.
إبادة جماعية ثقافية بطيئة
تقول إيلين بيرسون مديرة هيومن رايتس ووتش في أستراليا إن الصين تسير على خطوات مدروسة بحرص شديد في انتهاك حقوق الإنسان بشكل جسيم دون ارتكاب هذا النوع من التعذيب البدني الشديد الذي يجذب إدانة واسعة عالميًا، وتضيف: “أعتقد أن السبب في عدم انتشار الأمر أن الناس هناك لا يتعرضون للقتل أو التعذيب أو الاغتصاب بشكل علني، ما تفعله الصين في شينجيانغ مرعب للغاية”.
المتظاهرون في تركيا يدينون معاملة الصين لمسلمي الإيغور
ترى بيرسون أنهم يخططون للقضاء على هوية السكان الإسلامية وهو أمر يجب أن نخشاه جميعًا، وتضيف: “لقد استهلكنا الكثير من الوقت والطاقة في نقاشات الحرية الدينية في أستراليا، والآن هناك مجموعة من الناس يتعرضون للإبادة بسبب دينهم”.
أما ليبولد فيقول: “ربما يفسر التحيز الواسع غير المنضبط ضد الإسلام عدم حصول هذه الإبادة الثقافية البطيئة في شينجيانع على اهتمام الدول الغربية، فالمسلمون للأسف يحظون بتعاطف قليل عالميًا في الوقت الراهن، حيث يسيطر شبح الإسلاموفوبيا على العالم”.
يعتقد توركل أن الوضع تغير في الأشهر الأخيرة، فهناك توجه في واشنطن نحو إصدار تشريع يفرض عقوبات محددة على مسؤولين صينيين، لكن أستراليا بإمكانها أن تفعل أكثر من ذلك، ويجب أن تتخذ الحكومة الأسترالية موقفًا أكثر ثباتًا ووضوحًا، خاصة في ضوء احتجاز 5 أطفال أستراليين -بمن فيهم ابن عبد السلام – في شينجيانغ، وعدم قدرتهم على العودة إلى آبائهم الأستراليين، يضيف توركل: “هذه القضية يجب أن تقض مضجع السياسيين في أستراليا”.
المصدر: الغارديان