في خطوة تعد مؤشرًا على محاولة اكتساب مزيد من التأثير في الساحة السياسية بالعراق، أُعلن في العاصمة بغداد عن تأسيس “ائتلاف القيادة السنية الموحدة” الذي يضم قيادات سياسية سنية، مع غياب رئيس حزب “تقدم” ورئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.
ويضم الائتلاف الذي أعلن عن تشكيله قبل أكثر من أسبوع كلًا من رئيس البرلمان محمود المشهداني، ورئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، ورئيس تحالف “عزم” مثنى السامرائي، ورئيس حزب “الجماهير” أحمد الجبوري، ورئيس كتلة المبادرة زياد الجنابي.
ويأتي الإعلان عن التحالف الجديد في ظل وضع سياسي معقد يعيشه العراق، وتعنت أطراف الإطار التنسيقي في تطبيق مبادئ تشكيل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي تضمنت إقرار قانون العفو العام وإصلاحات عديدة.
وفي الوقت الذي أوضح الائتلاف السني – على صفحته بفيسبوك – أنه سيتم الإعلان في وقت لاحق عن برنامجه السياسي الجديد، إلا أن شكوكًا عديدة تثار عن إمكانية استمراره، فضلًا عن مستقبله مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي التشريعي في أكتوبر/نشرين الأول القادم، وما يسبقه من تشظٍ للقوى السياسية وتفكك للتحالفات وتشكيل أخرى، بحثًا عن المصالح والنفوذ.
أهداف التحالف
بينما يؤكد قادة التحالف أن الهدف من تشكيله “المضي بإنجاز الملفات الإنسانية والحقوقية والقانونية والسياسية وتحصيلها لأبناء المكون السني في عموم العراق والمحافظات الشمالية والغربية على وجه التحديد”، إلا أن تشكيل هذا التحالف بعد أكثر من عامين على تشكيل الحكومة، وعدم الإلحاح في المطالبة بالحقوق التي يهدف إليها التحالف يضع العديد من علامات الاستفهام عن جدوى التحالف وأهدافه التي باتت سنة البلاد يشككون بها فعليًا كونها جاءت متزامنة مع انطلاق موعد التحالفات الانتخابية.
ويقول الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد هيثم، إن مشكلة التحالف السياسي السني الجديد أنه يضم متناقضات فكرية وبنيوية وهيكلية، مبينًا أن قادة التحالف متناقضين في العديد من المواقف السياسية التي سبق أن تعرض لها سنة البلاد.
وفي حديثه لـ”نون بوست” لا يخفي هيثم تشكيكه في إمكانية استمرار التحالف للأشهر الثلاثة القادمة، لا سيما أن التحولات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والضغوطات التي تتعرض لها البلاد تحتم على العديد من سياسيي البلاد تحديد مواقف واضحة، خاصة أن العديد من قادة التحالف السني الجديد “متماهين” مع موقف الإطار التنسيقي المحسوب على السياسة الإيرانية.
ولا يبدو تحليل المراقبين لمستقبل التحالف السني الجديد مستهجنًا إذا ما علم تاريخ التحالفات السياسية السنية السابقة التي تفككت جميعها نتيجة المصالح الضيقة لبعض أعضائها أو بيعهم لمواقفهم مقابل الأموال والمناصب التي وعدتهم بها جهات سياسية أخرى.
تجارب سابقة
تشي التجارب السابقة للتحالفات السنية بأن مستقبل التحالف السني الجديد قد لا يكون أفضل حالًا من سابقيه، لا سيما أن التحالف تشكل في ظل غياب رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، الذي يعد أكبر حزب سني من حيث عدد المقاعد البرلمانية التي يحوزها والتي تتجاوز 37 مقعدًا برلمانيًا من مجموع 329، حيث يعد ثاني أكبر كتلة برلمانية في الدورة البرلمانية الحالية.
كما تؤكد التجارب السابقة بأن التحالفات السياسية السنية وعلى مدى العقدين الماضيين منذ أول انتخابات تشريعية في البلاد بعيد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، لم تفلح جميعها في حماية مكنوناتها السياسية وتحالفاتها سواء كان ذلك داخليًا أو خارجيًا، حيث لم تفلح “جبهة التوافق العراقية” في حماية زعامتها التي تعرضت للاغتيال أو الاعتقال أو الاستبعاد، كما لم تفلح هذه الجبهة في الدفاع عن ذاتها أمام طائفية حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في دورتها الأولى.
ثم جاء تحالف القوى العراقية الذي ضم في أحد أجنحته تحالف القوى السياسية السنية الذي لم يصمد أمام فتوى المحكمة الاتحادية العليا التي قضت بعدم أحقية التحالف في تشكيل الحكومة عام 2010 رغم تحقيقه أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، حيث استطاع المالكي تشكيل تكتل برلماني نتيجة تحالف أكثر من قائمة فائزة.
كل هذه التجارب السابقة تعيدنا للحديث عن التحالف السياسي السني الجديد “ائتلاف القيادة السنية الموحدة” الذي لا يمكن تسميته تحالفًا سنيًا بقدر ما هو تحالف سياسي له أهداف مرحلية لن تلبث في الأفول.
وقد يقول قائل إن هناك تحاملًا على هذا التحالف رغم أنه طالب بشكل واضح في الأيام الماضية بإقرار قانون العفو العام وإطلاق سراح الآلاف من الأبرياء السنة القابعين في السجون بتهم كيدية، غير أن الواقع يشي بغير ذلك، فالتحالف الذي يضم رئيس تحالف “عزم” مثنى السامرائي، يعد حليفًا رئيسيًا لتحالف الإطار التنسيقي الشيعي وأحد أعمدة تحالف إدارة الدولة، وهو ما ينطبق كذلك على السياسي السني رئيس البرلمان محمود المشهداني الذي جاء لمنصبه بعد مخاض عسير أعقب إقالة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.
في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، محمود عزو، أن تشكيل التحالف الجديد يهدف إلى الاستعداد والتحضير المبكر للانتخابات البرلمانية العامة المقرر إجراؤها هذا العام.
وقال عزو إن “الدلالات وراء الإعلان عن تشكيل التحالف السني الجديد واضحة وتتمثل في الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالتالي فإن الكتل والشخصيات السياسية تسعى إلى إيجاد مظلة تقول إنها الأكبر تمثيلًا للمكون أو الطائفة التي ينطلق منها هذا التحالف أو ذاك”، وأضاف “التحالف الأخير يأتي ليشكل خط صد سُنّي يواجه خط الصد الشيعي خصوصًا بعد انهيار تحالف السيادة الذي كان يجمع الحلبوسي والخنجر معًا”، مشيرًا إلى أن “التحالف الأخير وضع نفسه في مواجهة تحالف تقدم بزعامة الحلبوسي، وذلك يظهر من خلال طبيعة التحالف الذي غاب زعيم تقدم عنه”.
ويمكن للتحالف الجديد أن يتعرض للعديد من الهزات، فالمال السياسي والنفوذ اللذان تمتلكهما الكتل السياسية ومن ورائهم بعض الشخصيات يمكن أن يزعجا التحالف الجديد الذي تسعى من خلاله شخصيات سنية لتصدر المشهد السياسي، نكاية برئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي ومحاولة لشد الأنظار.
كما يمكن للمال السياسي والنفوذ أن يؤديا بالعديد من أعضاء مجلس النواب للانتقال من تحالف سياسي إلى آخر غريم له، وهو ما قد يتسبب فعليًا بالعديد من المشكلات للتحالف الجديد، حيث لا يمنع القانون العراقي ولا يحرّم على عضو البرلمان الانتقال من تحالف سياسي إلى آخر خلال الدورة البرلمانية الواحدة.
لا ينظر العراقيون بعين متفائلة للتحالف السياسي الجديد الذي عاد وطالب بعد أكثر من 3 سنوات على الانتخابات بما كان ساسة السنة قد اتفقوا عليه مع الأطراف الشيعية قبل انتخابات عام 2021، مؤكدين على أن المطالب التي جاء بها التحالف تعد سياسية بامتياز، ولا يمكن التعويل على الأقوال بعد الآن في ظل غياب الأفعال التي تترجمها.