يبدو أن استراحة عبد الإله بنكيران من مسؤولياته السياسية لن تطول أكثر، فهو يعول على المؤتمر القادم لحزب العدالة والتنمية ليستعيد زعامته المفقودة، منذ أن أُعفي من رئاسة الحكومة بقرار ملكي خلال عام 2017، إذ قال بصريح العبارة في تجمع خطابي إنه قد يعود إلى رئاسة الحزب بعدما استبعد منها بمكر الماكرين.
ويشهد الحزب ذو المرجعية الإسلامية توترًا داخليًا، بعد تصويت البرلمان على القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين القاضي بفرنسية التعليم، وهو القانون الذي يعارضه بنكيران جذريًا ومعه شريحة واسعة من أنصاره داخل الحزب.
“سأعود إن استدعت الضرورة”
خلال المؤتمر الـ15 لشبيبة العدالة والتنمية، حظي الزعيم السابق بحفاوة استقبال لم يحظ بها العثماني رغم أنه رئيس الحكومة والحزب، بل تم تجاهله، وردد الموالون للحزب شعارات تحث بنكيران على العودة إلى المشهد السياسي، وكانت دموعه أولى الرسائل التي تؤكد استجابته لمطالبهم، قبل أن يعلن في معرض خطبته المطولة قائلاً: “لقد أديت مسؤولياتي عندما كنت أمينًا عامًا.. ولا أقول هذا لأقطع الأمل بأنني لن أعود، فإذا كان من الضروري، لن أعود رئيسًا للحزب حتى تقطعوا هذه الملابس”، في إشارة إلى أنه لن يعود إلا تحت الإلحاح المستميت من أعضاء الحزب.
وأسرّ الزعيم السابق لحزب المصباح بأنه يمر بلحظات صعبة أفقدته توازنه، ليس لأنه استبعد من رئاسة الحكومة ولكن من باب حرصه على مبادئ الحزب ومرجعيته الإسلامية
وأفاد بنكيران خلال ذات اللقاء التواصلي الذي عقد يوم الأربعاء 24 من يوليو/تموز الحاليّ بمدينة القنيطرة، أنه لو كان راغبًا في رئاسة الحزب لولاية ثالثة، كان سيحصل عليها، لكنه رأى أنهم ذاهبون إلى الانشقاق، لهذا ترك المعركة بين فريق يريده وآخر عارضه، بل ورجح كفة من يعارضونه، مفسحًا السبيل أمام سعد الدين العثماني الذي انتصر على منافسه إدريس الأزمي، هذا الأخير الذي أعلن استقالته من رئاسة فريق العدالة والتنمية بالبرلمان، احتجاجًا منه على تمرير القانون الإطار، وهو الشخص الذي اعتبره بنكيران “أقرب إليه قلبًا وعقلاً من العثماني” بحسب ما جاء في كلمته أمام شبيبة الحزب.
أضحوكة الزمان
وكشف الزعيم السابق لحزب المصباح بأنه يمر بلحظات صعبة أفقدته توازنه، ليس لأنه استبعد من رئاسة الحكومة ولكن من باب حرصه على مبادئ الحزب ومرجعيته الإسلامية، لهذا السبب قرر الكلام، ولم يقو على الصمت بعدما استشعر أن هذه المبادئ قد مست، ولعل هذا ما دفعه إلى الحديث في بث حي عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حين هاجم رئيس الحكومة ومن معه من وزراء الحزب، معتبرًا أن قرار فرنسة التعليم والتنازل عن العربية جعل الحزب أضحوكة الزمان.
لم تتقبل قيادات الحزب انتقادات بنكيران القاسية واتهامه لهم بالوقوع في الخطأ الجسيم، فأعلن العثماني خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى الشبيبة يوم الأحد 21 من يوليو/تموز، بأنهم لم يتخلوا أبدًا عن مرجعياتهم الإسلامية، مشددًا أن العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس حزب أفراد، من منطق أنه بنى أطروحته على التعاون والتشارك وليس من منطق المثل الشائع “أنا وحدي أنير البلد”، في إشارة إلى النقد الذي وجهه بنكيران إلى قيادات الحزب واتهامها بالتفريط في مرجعية الحزب الإسلامية عندما صادقت على قانون فرنسة التعليم.
زاد غضب العثماني لأن بنكيران لم يقف عند هذا الحد، بل ذهب أبعد من ذلك حين نعت وزير الشباب والرياضة بالحقير، على خلفية منعه لمخيم لجمعية الرسالة المقربة من الحزب بمدينة واد لاو الساحلية
بعده مباشرة، أعلن عضو القيادة الحاليّة للحزب عزيز الرباح فيما يشبه الرد المبطن، أن التوافق بين الشركاء أمانة في عنقهم، في إشارة إلى التصويت الذي تم بالموافقة على القانون الإطار، وزاد الرباح الذي يشغل منصب وزير الطاقة والمعادن معاتبًا زعيمه السابق على إطلاق العنان لحريته، دون أن يشير له بالاسم.
دولتان داخل دولة
زاد غضب العثماني لأن بنكيران لم يقف عند هذا الحد، بل ذهب أبعد من ذلك حين نعت وزير الشباب والرياضة بالحقير، على خلفية منعه لمخيم لجمعية الرسالة المقربة من الحزب بمدينة واد لاو الساحلية، وتوجه إلى الطالبي العلمي بصريح العبارة قائلاً: “سامحني حين وصفتك بالوضيع.. في الحقيقة أنت لست كذلك، بل أنت حقير”.
وينتمي العلمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتزعمه عزيز أخنوش وزير الفلاحة، وهو نفس الرجل الذي يُعتقد أنه تسبب في عرقلة المشاورات الحكومية التي دامت خمسة شهور تقريبًا، قبل أن يعود الملك محمد السادس من جولته بإفريقيا ويبلغ بنكيران قرار إعفائه من تشكيل الحكومة.
اعتاد بنكيران أن يجلب عليه غضب الكثيرين بسبب تصريحاته، كما أثار غضب العاهل المغربي عليه أكثر من مرة حينما صرّح لوسائل الإعلام بأنه غير مهتم برضا الملك بل ما يهمه هو رضا والدته، وكشف كذلك أن حكومته حصلت بمشقة الأنفس على مساندة الملك في ملف دعم الأرامل، حيث سعى إلى تخصيص منحة شهرية لشريحة واسعة من هذه الفئة التي تعاني من الحيف والتهميش.
يتوقع الباحث في علم الاجتماع محمد مصباح بأن يكون حزب العدالة والتنمية ضمن الثلاثة الأوائل في انتخابات 2021
وذهب أبعد من ذلك ليؤكد نظرية “الدولة العميقة”، إذ تحدث عن وجود دولتين بالمغرب، “دولة رسمية يمثلها الملك، ودولة لا نعرف من أين تأتي قراراتها وتعييناتها”، جاء هذا التصريح أشهر قليلة قبل الانتخابات البرلمانية لـ2017، التي تبوأ خلالها حزب العدالة والتنمية المركز الأول، متبوعًا بغريمه حزب الأصالة والمعاصرة.
تراجع دعم الإسلام السياسي
يتوقع الباحث في علم الاجتماع محمد مصباح بأن يكون حزب العدالة والتنمية ضمن الثلاثة الأوائل في انتخابات 2021، مشيرًا إلى أن تراجع تأييد المغاربة للأحزاب السياسية لا يعني بالضرورة أن الحزب لن يتصدر نتائج الانتخابات، حيث أوضح أن تبوء المركز الأول مرتبط بعدة معطيات أخرى، ضمنها حسابات الدولة وضعف الأحزاب السياسية، وسلوك الناخبين الذين قد يلجأون للتصويت العقابي، وفق ما أعلنه الباحث هلال ندوة دراسية عُقدت يوم الخميس 19 من يوليو/تموز الحاليّ لتقديم نتائج تقرير الباروميتر العربي الخاص بالمغرب.
وكشفت نتائج الباروميتر العربي لـ2019 تراجع دعم الإسلام السياسي، ذلك أنه عام 2006 كان 6 من كل 10 أشخاص، أي 58% يقولون إن القادة من رجال الدين يجب أن يكون لهم نفوذ على القرارات الحكومية، لكن هذه النسبة تراجعت بثبات لتبلغ 21% فقط خلال عام 2018، وربما يرتبط هذا الانحسار بحقيقة أن الجيل الأصغر أقل إقبالاً بكثير على أن يكون للقادة الدينيين نفوذ في الحكومة، مقارنة بالجيل الأكبر حيث أبدى الثلث من الشريحة العمرية المتراوحة بين 50 و59 سنة، موافقتهم لتقلد الزعماء الدينيين مناصب سياسية.
السياسيون لا يحبون بعضهم
عن رجوع بنكيران إلى الحياة السياسية، توقع أحمد الريسوني عودته إلى قيادة حزبه، معتبرًا أن هذه طبيعته، “فهو رجل مناضل وعملي ومتحرك، ولن يبقى مكتوف اليدين، والحزب يريده”، وتابع موضحًا في حوار له مع جريدة أخبار اليوم المغربية أنه “في المرة الماضية كان قانون الحزب لا يسمح لبنكيران بالعودة إلى قيادة العدالة والتنمية”، على حد تعبير رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح التي يعد حزب العدالة والتنمية ذراعها السياسي.
خلاف الحاصل داخل حزب العدالة والتنمية ليس وليد اللحظة، بل إن بوادره بدأت منذ استبعاد بنكيران من رئاسة الحكومة وتعويضه بالعثماني
بمجرد ما يتحدث بنكيران في السياسة، تتصدر تصريحاته العناوين البارزة لوسائل الإعلام، مثيرًا جدلاً وردود فعل واسعة، ويساهم الرجل في تحريك اللعبة السياسية التي تبدو رتيبة في بعض الأحيان، فهو ليس من ذلك النوع الذي يفكر بصوت منخفض، بل لا يبدي ترددًا في التعبير عما يراوده من أفكار ومشاعر، بصوت مرتفع وعفوي، متجاهلاً ما سيجلب عليه من انتقادات.
الخلاف الحاصل داخل حزب العدالة والتنمية ليس وليد اللحظة، بل إن بوادره بدأت منذ استبعاد بنكيران من رئاسة الحكومة وتعويضه بالعثماني، منذ ذلك الحين والحزب منقسم إلى تيارين: حيث يتشكل الأول من الموالين لزعيمه السابق، بينما يمثل الثاني كل من العثماني ووزراء الحزب والموالين لهم من قيادات وأعضاء عاديين.
يبدو في الواقع أن الشرخ الذي أججه تصاعد حدة الخلاف داخل بيت العدالة والتنمية، الذي أضحى يهدد هذا الحزب الإسلامي بالانشطار، نابع من منطق أن السياسيين لا يحبون بعضهم حتى ولو انحدروا من نفس العشيرة.