ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: جيسيكا موزو كوينتس وماريا مارتين
كان بلال مغراوي يتناول فطور الصباح برفقة أصدقائه في أحد المعاهد الثانوية قبل بداية حصص الدروس الصباحية حين أوقفه أربعة من رجال الشرطة وهم يصرخون قائلين: “توقف أو سنخرج المسدس”. وضع رجال الشرطة مغراوي في السيارة ثم اقتادوه مباشرة إلى مطار مدريد. وبعد مرور ساعات قليلة، عاد بلال إلى طنجة، المدينة التي غادرها قبل سنة ونصف مختبئا في إحدى الشاحنات في سبيل البحث عن “حياة أفضل”. وقد جرت هذه الأحداث سنة 2006 عندما كان بلال يبلغ من العمر 17 سنة.
عموما، يعتبر بلال من بين المراهقين المغاربة القلائل الذين تمكنت إسبانيا من إعادتهم إلى وطنهم منذ أن أبرمت مدريد والرباط مذكرة تقضي بعودة القصّر غير المصحوبين بذويهم إلى المغرب، علما وأن بلال متحصل على علامات مدرسية جيّدة جدا. والجدير بالذكر أن حالة مغراوي كشفت عن مدى سوء تصرف السلطات في بعض الأحيان، حيث ألغت المحكمة فيما بعد قرار الطرد وأمرت بإعادة المغراوي إلى إسبانيا بعد ثلاث سنوات من تاريخ ترحيله.
وفقا للبيانات الصادرة عن مكتب النائب العام للدولة وهي الهيئة التي تراقب ضمانات العملية، أعادت إسبانيا حوالي 300 قاصرا إلى بلدانهم من بينهم 158 مغربيا على الأقل بين سنتي 2004 و2017
في الواقع، لا يرغب بلال في أن يتذكر تلك الفترة من حياته، حيث اكتفى بوصفها “بالأمر مؤلم” بعد مرور 13 سنة على ترحيله. ومع ذلك، يرى وفد الحكومة في مدريد أنه أعاد بلال من أجل مصلحته الخاصة، دون أن يسأله أحد عن رغبته الشخصية وما إذا كان يريد العودة إلى المغرب أو البقاء في إسبانيا. كما أن وفد الحكومة لم يتصل بأسرته في المغرب من أجل استقباله كما هو محدّد بموجب قوانين الهجرة. وفي هذا الصدد، قال مغراوي: “ألقى بي رجال الشرطة على الأرض وعلى الحائط، وأهانوني دون أن يوضحوا لي أي شيء”.
في شأن ذي صلة، ووفقا للبيانات الصادرة عن مكتب النائب العام للدولة وهي الهيئة التي تراقب ضمانات العملية، أعادت إسبانيا حوالي 300 قاصرا إلى بلدانهم من بينهم 158 مغربيا على الأقل بين سنتي 2004 و2017. وقد نفّذت السلطات أكثر من ثلثي عمليات الترحيل بين سنتي 2004 و2006، وهي نفس السنة التي أُعيد فيها بلال إلى المغرب.
من ناحية أخرى، ألقى مكتب النائب العام للدولة باللوم على السلطات القنصلية في بلدان منشأ المهاجرين القصّر بسبب “تعاونهم الهزيل” على الرغم من اعتراف مكتب النائب العام “بأوجه قصور خطيرة” في معالجة الملفات المتعلقة بهذه القضية. بناء عليه، تضاعفت الشكاوى والقرارات القضائية لصالح الأطفال، كما ساهم الفقه القانوني في إحداث تغييرات تشريعية أعطت المزيد من الضمانات للمهاجرين القصّر. كما يعتبر التدبير القائم على ضرورة إعادة جمع شمل الطفل مع أسرته من السبل السياسية المتكرّرة خاصة بالنسبة للمهاجرين القصّر من المغرب، البلد الذي أبرم اتفاق لهذا الغرض منذ سنة 2012.
في هذا الصدد، يراهن القادة المستقلون والمحليون والوطنيون من كافة الأحزاب اليمينية واليسارية في إسبانيا على إعادة إحياء اتفاقية إعادة المهاجرين القصّر إلى المغرب، ولعل ألبرت باتل، نائب عمدة الأمن في برشلونة وعضو في حزب الاشتراكي الكاتالوني، يعتبر آخر من تبنى فكرة إعادة إحياء الاتفاقية على الرغم من محدودية صلاحياته. وتجدر الإشارة إلى أنه تم إعادة تفعيل الاتفاقية على جدول أعمال السلطة التنفيذية منذ عدة أشهر. وفي نهاية سنة 2018، كثّفت وزارة الداخلية ووزير الدولة للهجرة المفاوضات مع الرباط من أجل قبول استعادة المهاجرين القصّر من المغرب.
وفقًا للبيانات الرسمية، يمثّل القصّر المغاربة حوالي 70 بالمئة من أصل 12 ألف طفل مهاجر في إسبانيا
من جانبها، حذّرت المنظمات غير الحكومية من إعادة تفعيل عمليات إعادة القصّر إلى بلادهم خوفا من أن يتعرضوا إلى الانتهاكات والممارسات السيئة السابقة. وفي هذا الإطار، أفاد لورديس ريزالبال التابع “لمؤسسة جذور” الإسبانية قائلا: “لا يمكنني أن أرفض ترحيل طفل يريد أن يعود مجددا إلى أسرته. وفي حال تمت هذه العملية، ينبغي أن تُضمن كامل حقوق هذا القاصر، فله الحق في أن يُسمع وأن يكون له محام يدافع عن مصالحه”.
علاوة على ذلك، أفادت سارة كويانتيس، الأخصائية في السياسات المتعلقة بالطفولة والهجرة ضمن منظمة الأمم المتحدة للطفولة المعروفة باسم اليونيسيف أنه “لا يمكن أن توجد سياسة إعادة القصّر إلى الوطن، حيث ينبغي تقييم كل حالة على حدا وإعطاء الأولوية لحماية الطفل ومصالحه”. وتابعت كويانتيس قائلة: “لا تشير هذه الحماية إلى السلامة الجسدية فحسب ولكنها تشمل أيضا الاحتياجات الغذائية والصحيّة والتعليمية للطفل”. من ناحية أخرى، تعتبر الرباط مرة أخرى سبيل الحكومة الإسبانية لتحقيق أهدافها في هذه المسألة.
وفقًا للبيانات الرسمية، يمثّل القصّر المغاربة حوالي 70 بالمئة من أصل 12 ألف طفل مهاجر في إسبانيا. من جانبه، قال مرسيدس خيمينيز عالم الأنثروبولوجيا الذي كرّس وقته للدفاع عن الأطفال والمراهقين المهاجرين إن “عمليات الإعادة إلى الوطن تعد بمثابة تجارة في كل من المغرب وإسبانيا وألمانيا وفرنسا والسويد، حيث يُعتبر إعادة المهاجرين القصّر إلى وطنهم ممارسة سياسية لا أكثر في طاولات التفاوض بين هذه الدول”. وتابع خيمينيز حديثه قائلا إن “حماية هؤلاء القصّر ليست أولوية بالنسبة لهذه الدول ولكنهم يولون أهمية لمراقبة الهجرة وخطاب الكراهية”.
انتظر مغراوي لمدة ثلاث سنوات حتى أثبتت المحكمة أن إعادته إلى المغرب لم تكن قانونية وليعود بذلك إلى مدريد سنة 2
في الواقع، يبدو أن المغرب قد بدأت في تقديم يد المساعدة بعد شهور من تجنّب الخوض في هذه المسألة على الرغم من أنه لا توجد نتائج تُذكر لهذا التعاون. فخلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، اقترحت مقاطعة مدريد والوفد الحكومي على السلطات المغربية جمع شمل هؤلاء القصّر مع أسرهم أي “العودة الطوعية” لحوالي 23 مهاجرا منهم. وأجريت المقابلات في مقر مكتب المدعي العام حيث حضرها وفد مغربي ومربي ومدعي عام ومترجم شفوي دون وجود أي محامي ممثّل للقصّر. فضلا عن ذلك، عمدت وزارة الداخلية إلى إجراء هذه المقابلات في مقاطعات إسبانية أخرى، ولكن لم يتم الشروع في تنفيذ إجراء عمليات العودة بعد عدة أسابيع من تاريخ انعقاد هذه المقابلات في مدريد.
في الحقيقة، انتظر مغراوي لمدة ثلاث سنوات حتى أثبتت المحكمة أن إعادته إلى المغرب لم تكن قانونية وليعود بذلك إلى مدريد سنة 2009. وقد تابع مغراوي تعليمه في النجارة ثم بدأ في تعلم فنون الطبخ. وفي الوقت الراهن، يعمل بلال طباخا في إحدى مطاعم الأخوين أدريا بفضل برنامج تعليم الطبخ الذي تتيحه مؤسسة جذور. وقد صرّح مغراوي قائلا: “أشعر بالإنزعاج حين أتذكر كيفية تعامل ضباط الشرطة معي، أنا أنعم في الوقت الراهن بحياة جديدة ولا أريد سوى أن أكون طباخا ماهرا”.
وتجدر الإشارة إلى أن مغراوي لا يعتبر إعادة القصّر إلى المغرب يمكن أن يحل المسألة حيث أفاد قائلا إن “عمليات الترحيل ليست لها أهمية، إذ سيعيد هؤلاء الأشخاص الكرة، ولن يكون باستطاعة أحد أن يوقف ذلك”. وتجدر الإشارة إلى أن مغراوي نفسه فكّر حين عاد إلى طنجة في العودة مجددا إلى أسفل الشاحنة والوصول في أقرب وقت ممكن إلى ميناء بلدية الجزيرة الخضراء الإسبانية مجددا.
المصدر: البايس