خلال الأسبوعين الماضيين، تسبب قرار إلغاء ما يسمى بمرحلة الثانوية العامة المؤهلة للتعليم الجامعي في مصر واستبدالها بنظام البكالوريا، بضجة وجدل واسعين، فالنظام الجديد يتيح للطلاب إمكانية دخول الامتحان عدة مرات لتحسين المجموع بمقابل مادي قدره 500 جنيه للمادة، ويفرض غرامات مالية على الرسوب، ما يعني أن الحكومة المصرية تستهدف جمع مليارات الجنيهات من جيوب المصريين.
وليس بعيدًا عن تحول التعليم الثانوي في مصر إلى حقل تجارب بعهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث اعتاد الوزراء تغيير أنظمته دون خطة بعيدة المدى، فقد شهدت مناهج التعليم بمراحله المختلفة في السنوات الأخيرة تغييرات غير مسبوقة فيما يتعلق بصورة “إسرائيل” واليهود، وهذا من شأنه أن يشكل موقف الأجيال القادمة المعادي لـ”إسرائيل” على المستوى غير الرسمي.
في هذا التقرير، نتتبع رحلة التحول من الخطاب العدائي إلى التصالحي تجاه “إسرائيل” واليهود في الكتب المدرسية المصرية منذ وصول السيسي إلى الحكم، ونرصد الكثير من الحالات التي تجعل موجة التغييرات الحالية التي كانت بدايتها واضحة بالفعل في العقد السابق استثنائية بكل المقاييس، وانعكاسات المحتوى الذي يظهر في الكتب المدرسية، والذي يتم تعليم الجيل الأصغر سنًا في مصر عليه حاليًا، على مستقبل العلاقات بين حكومتي وشعبي مصر و”إسرائيل”.
تعديلات استثنائية
في عام 2018، أطلقت وزارة التربية والتعليم المصرية – بدعم من البنك الدولي – مشروع إصلاح شامل للتعليم قبل الجامعي، والذي يهدف إلى تحسين “ظروف التدريس والتعلم” من خلال مراجعة الكتب المدرسية لصف واحد كل عام، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يشمل البرنامج الكتب المدرسية في جميع الصفوف من الأول الابتدائي إلى الثاني عشر (السنة الأخيرة من التعليم الثانوي).
واعتبارًا من العام الدراسي 2023-2024، خضعت جميع الكتب المدرسية المقدمة لطلاب الصف السادس الابتدائي للمراجعة، وسيتم تقديم الكتب المدرسية المنقحة وفق المنهج الجديد للصف السابع لفصلين دراسيين بالكامل طوال العام الدراسي الحالي (2024-2025)، حيث يكشف كل عام عن تعديلات على الطبعات المكتوبة سابقًا للصفوف من الأول إلى السادس.
في الصفوف العليا من العاشر إلى الثاني عشر (مرحلة التعليم الثانوي)، التي لم تصلها “الإصلاحات” بعد، تدرس مجموعة صغيرة من الطلاب الكتب المدرسية التي غالبًا ما تُعاد طباعتها بتغييرات طفيفة، مع قيام البعض بتحديث سنة النشر فقط، وتظل هذه المناهج دون تغيير عادةً مع استخدام الكتب المدرسية المؤرخة لسنوات سابقة.
وهذا يعني أن حوالي 80% من أطفال المدارس المصرية المسجلون في التعليم الابتدائي والإعدادي يتعرضون – حتى اليوم على الأقل – لهذه الإصدارات المنقحة التي حُذف منها المحتوى الموجود في الطبعات السابقة، والذي تضعه “إسرائيل” في خانة “معاداة السامية”، مما يمثل تحولًا غير عادي في تشكيل تصورات الطلاب تجاه السلام والتسامح مع “إسرائيل” واليهود.
هذه “الإصلاحات” التي تنفذها مصر على الكتب المدرسية كل عام يرى فيها الجانب الإسرائيلي دليلاً على “التأكيد على التسامح الديني والاعتدال والتصميم على رفض العنف والتطرف والكراهية والتعصب وتعزيز الحوار والاعتراف بالاختلافات وتشجيع التعايش، إلى جانب رفض التفسيرات “الصارمة” للمعتقدات والممارسات الدينية، في المناهج الدراسية.
في أبريل/ نيسان 2023، نشر معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي، المعروف سابقًا باسم “مركز مراقبة تأثير السلام”، وهو منظمة إسرائيلية غير ربحية تعمل على مراقبة محتوى الكتب المدرسية، دراسة شاملة تحت عنوان “التغيير الجيلي: سعي مصر إلى إصلاح مناهجها المدرسية”، وتوصل مؤلفو الدراسة إلى العديد من النتائج التي تعكس تحسنًا في المواقف تجاه اليهود في الكتب المدرسية للصفوف من الأول إلى الخامس.
فحص تقرير المنظمة الإسرائيلية التي تعمل على مراجعة المناهج المصرية منذ أوائل العقد من القرن الحادي والعشرين، 271 كتابًا مدرسيًا نُشرت من عام 2018 إلى عام 2023، مع التركيز في تقريرها على مواضيع العلوم الإنسانية بما في ذلك اللغة العربية والتعليم الديني الإسلامي والمسيحي والتربية الوطنية والمدنية والدراسات الاجتماعية والتاريخ.
على الرغم من أن هذه ليست التغييرات الأولى التي أجريت على الكتب المدرسية المصرية منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل” في مارس/ آذار 1979، إلا أن موجة التغييرات الحالية – التي كانت بدايتها واضحة بالفعل في العقد السابق – استثنائية بالنظر إلى أن الاتفاقية التي تم توقيعها منذ 45 عامًا.
وعلاوة على ذلك، فإن النسبة بين الخطاب التصالحي والعدائي تجاه “إسرائيل” واليهودية في الكتب المدرسية ــ وخاصة في النسخ الجديدة من الكتب المدرسية ــ أكثر توازنًا من تلك الموجودة في الخطاب الشعبي والمنصات المؤسسية الأخرى مثل وسائل الإعلام الجماهيرية والأعمال الفنية التي تؤثر على الرأي العام في مصر بشكل يجعل “إسرائيل العدول الأبدي” لغالبية المصريين.
السلام مع “إسرائيل”
يتضمن المحتوى الذي يظهر في الكتب المدرسية، التي يتلقاها الجيل الأصغر سنًا في مصر، الدعوة إلى السلام بشكل عام والسلام مع “إسرائيل” بشكل خاص، باعتباره أخلاقًا وطنية مصرية تنبع من الثقافة الفرعونية، وقيمة دينية إسلامية تدعمها الآيات القرآنية والسنة النبوية.
على سبيل المثال، يتعلم الطلاب في الأول الإعدادي أن رمسيس الثاني عقد “أول اتفاقية سلام في التاريخ” مع الحيثيين بعد انتصاره في معركة قادش وكان ذلك من منطلق قوة عسكرية، ورغم أن الكتب المدرسية لا ترسم صراحةً تشابهًا بين السوابق الماضية والاتفاقيات الحالية، فإن رواية تحقيق السلام من موقع القوة تتكرر في سياق العلاقات المصرية الإسرائيلية.
بعض رسائل السلام في الكتب المدرسية موجهة إلى الداخل نحو المجتمع المصري، في حين أن بعضها الآخر موجه إلى المنطقة والعالم، وأغلب هذه الرسائل عامة، وإن كان بعضها يتعلق بشكل خاص بثقافات وأعراق مختلفة.
على سبيل المثال، في درس عن “القيم واحترام الآخر”، يتعلم الطلاب في الصف الرابع الابتدائي أن السلام والتسامح والامتناع عن العنف هي الطريقة الصحيحة لحل النزاعات ومنع العنف، وبالمثل، يتعلم طلاب الصف الأول الثانوي أن السلام ضروري لبناء الأمة، ويتم تشجيعهم على تعزيز “ثقافة السلام”.
وفي دروس اللغة العربية، يتعلم طلاب الصف الأول الإعدادي أن مصر تطمح إلى نشر السلام والعدالة في منطقتها لضمان الاستقرار والازدهار والتنمية الاقتصادية، وتحويل الأموال من سباقات التسلح إلى أغراض مثل التعاون البيئي.
وهناك إيجابية متزايدة في تقديم “إسرائيل”، وخاصة في سياق اتفاقيات السلام، ويتلقى الطلاب عدة دروس عن الاتفاقية في عدة صفوف دراسية، وتُقدم باعتبارها نتيجة إيجابية لحرب أكتوبر 1973، والتي تتناسب ضمنًا مع الرؤية العامة للبلاد للسلام ورغبتها في تحسين مستقبلها.
على سبيل المثال، يتعلم الطلاب في الصفوف السادس الابتدائي والثالث الإعدادي والثالث الثانوي في دروس التاريخ عن مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس المصري الراحل أنور السادات وأهدافها، بما في ذلك “إنهاء حالة الحرب، ومنع رعب الحرب للأجيال القادمة، وتحسين حياة المصريين”.
بالإضافة إلى ذلك، يُطلب من الطلاب حفظ أحكام معاهدة السلام وتحديد “مزايا السلام لمصر والدول العربية”، ويعدد أحد الأمثلة البارزة فوائدها، بما في ذلك تعزيز الاستقرار وتشجيع الاستثمار العربي والأجنبي وتعزيز السياحة والمشاريع الوطنية، ويُذكر التطبيع كأحد جوانب اتفاقية السلام، وإن كان من دون تشجيع الشراكة مع “إسرائيل” بشكل صريح وملموس.
كما يُنظر إلى “إسرائيل” كشريك سلام “شرعي”، وعلى هذا النحو، تظهر صورة في كتب التاريخ المدرسية للصف الثالث الإعدادي مراسم توقيع اتفاقية السلام في البيت الأبيض عام 1979 بمشاركة أنور السادات إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر، بل إن الكتب المدرسية تعترف بأن السادات وبيجن حصلا على جائزة نوبل للسلام تقديرًا لجهودهما من أجل السلام في المنطقة.
التسامح مع اليهود
في الكتب المدرسية المصرية، يُناقش الدين اليهودي بشكل منفصل عمومًا، دون ربطه صراحةً بـ”إسرائيل كدولة يهودية”، ويشير المحتوى التعليمي إلى تعزيز قيم السلام والتسامح واحترام الآخر بين أتباع الديانات التوحيدية، بما في ذلك اليهود.
ويتضح تعزيز السلام والتسامح بشكل خاص في كتب مدرسية قدمتها وزارة التربية والتعليم في عام 2021 لمختلف المراحل الدراسية بعنوان “القيم واحترام الآخر”، وتعمل هذه المناهج على تعزيز الشعور بالهوية الوطنية المصرية، وتعزيز التسامح مع الاختلافات المجتمعية، واستكشاف الهويات الشخصية والجماعية وعلاقة الفرد بمحيطه.
ولا يقل أهمية عن ذلك ما يغيب عن المناهج الدراسية، فلا يوجد أي خطاب يدعو إلى النضال ضد “الأعداء الخارجيين”، ولا أي تحريض على الكراهية أو الانتقام من “أعداء الماضي”، ويتم تدريس نضالات مصر ضد الاستعمار الغربي والحروب الماضية مع “إسرائيل” باعتبارها تاريخًا لا يرتبط مباشرة بالعلاقات الحالية بين الجانبين.
وفي معظم الحالات، تصور الكتب المدرسية اليهود واليهودية بالتسامح والاحترام، حيث تم حذف المحتوى الذي تراه “إسرائيل” سلبي ومعادي للسامية، وتقول إنه كان منتشرًا على نطاق واسع في الكتب المدرسية حتى وقت قريب، من المناهج المعدلة للصفوف من الأول إلى الخامس.
على سبيل المثال، يتم تقديم “دستور المدينة” أو “صحيفة المدينة” الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مع القبائل التي عاشت في المدينة (بعضها يهودية) كنموذج للتعايش بين المسلمين وأعضاء الديانات الأخرى، وأنه مناسب حتى في العصر الحديث.
في الفصول الدراسية حول الإسلام، يتعلم الطلاب في الصف الخامس أن النبي محمد أبرم “دستور المدينة” مع يهود المدينة من أجل إقامة حياة مشتركة من السلام والرحمة والعدالة والتعاون.
بالإضافة إلى ذلك، تناقش الكتب المدرسية ما يُفسر على أنه قواسم مشتركة بين الإسلام واليهودية، بما في ذلك النظر في ضوء إيجابي إلى اليهود والمسيحيين معًا باعتبارهم “أهل الكتاب”، واعتراف المسلمين بالتوراة، والإذن الممنوح للمسلمين في الآيات القرآنية بتناول الطعام اليهودي الحلال وتكوين روابط ذات مغزى بين المسلمين وغير المسلمين مثل الزواج من النساء المسيحيات أو اليهوديات باعتباره “أعظم أشكال” التعايش مع “الآخر”.
وهناك مجالاً أوسع للاعتراف باليهود في الكتب المدرسية الدينية التي تم إعدادها للمسيحيين الذين يشكلون حوالي 10% من إجمالي السكان، وتحتوي هذه الكتب التي يدرسها الطلاب الأقباط في فصول منفصلة، على تعبيرات تعترف بالارتباط بين اليهود واليهودية والقدس المحتلة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
إلى جانب تسليط بعض الكتب الضوء على دور اليهود في صلب المسيح، على الرغم من إزالة التصريحات التي تعلن أن اليهود قتلوه، يشير كتاب الصف الثاني الإعدادي إلى مقاطعة يهودا الرومانية في وقت بدايات المسيحية باعتبارها “أرض يهودا” أو “أرض اليهودية” (بلاد اليهودية).
في حين تعرِّض الكتب المدرسية المسيحية الطلاب الأقباط في مصر لرسائل الاعتراف الضمني بارتباط اليهود بالمنطقة، فإن الكتب المدرسية التي تستخدمها مدارس مؤسسة الأزهر، التي يرتادها حوالي 1.8 مليون طالب، وتشكل حوالي 7.5% من الطلاب في مصر، تقدم صورة معاكسة لما تتمناه “إسرائيل”.
ومع ذلك، يمكن لهذه الرسائل التعليمية الممزوجة بروح التسامح أن تمهد الطريق لنهج أكثر انفتاحًا وإيجابية تجاه “إسرائيل” بين الأقباط مقارنة بالمسلمين، بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أعداد الحجاج الأقباط المصريين إلى القدس المحتلة يزيد من فرصة السلام مع هذه الشريحة من السكان.
فرصة لتوسيع التطبيع
وفقًا للعلاقات الثنائية التي وُصفت منذ توقيع اتفاقية السلام بـ”السلام البارد” بين مصر و”إسرائيل”، لا تشجع الكتب المدرسية صراحة على التعبير الملموس عن التطبيع بين البلدين، ومع ذلك، فإن كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادي ينص على أن صياغة الاتفاقية تحدد إنشاء “علاقات طبيعية” أو “علاقات ودية” بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ويظهر هذا التعبير أيضًا في سياق معاهدة السلام المصرية الحيثية التي وقعها الفرعون رمسيس الثاني مع الملك الحيثي خاتوشيلي الثالث عام 1259 قبل الميلاد.
ولكن في نفس الكتاب المدرسي، تقدم اتفاقية المنطقة الصناعية المؤهلة “الكويز” التي وقعتها ومصر والولايات المتحدة و”إسرائيل” في عام 2004 باعتبارها اتفاقية مصرية أمريكية، دون ذكر الجانب الإسرائيلي في الاتفاقية.
ومع ذلك، يمكن في الوقت نفسه أن نجد دعوة – أو على الأقل فرصة محتملة – لتوسيع التطبيع مع “إسرائيل” في المستقبل بالنظر إلى الأجندة والرؤية الوطنية المصرية التي يتم نقلها إلى الطلاب في الكتب المدرسية.
على سبيل المثال، يتعلم الطلاب في جميع الفئات العمرية عن أهمية القضايا الاقتصادية والبيئية لمستقبل مصر، مثل منع تلوث البحر والأرض وإنتاج الطاقة الخضراء والحفاظ على المياه، حيث يكون التنسيق وتبادل المعرفة مع دولة مجاورة متقدمة تكنولوجيًا مثل “إسرائيل” مفيدًا ولا غنى عنه.
وطالما استمر هذا الاتجاه الموصوف، وترسخت جذوره، وتوسع، فقد يكون من الأسهل في المستقبل خلق جو أكثر ملاءمة لتوسيع علاقات التطبيع بين البلدين.
ولكن في الوقت نفسه، لا تزال الصورة العامة متناقضة، فاسم “إسرائيل” يظهر في خريطة واحدة موجودة في الكتب المدرسية، وفي بعضها ـ في سياق الصراع الدائر في فلسطين ـ لا يزال يُقدَّم باعتباره كيانًا محتلاً يفتقر وجوده إلى الشرعية التاريخية والسياسية والأخلاقية.
ولعل ما يزعج “إسرائيل” أكثر هو وجود نبرة تراها “عدائية” تجاهها في نظام التعليم التابع لمؤسسة الأزهر الشريف، حيث لا تُذكر “إسرائيل” بالاسم بل يُطلق عليها “الكيان الصهيوني”، وتوصف القدس بأنها مدينة عربية وإسلامية، والتي، إلى جانب أماكنها المقدسة، ليس لها أي صلة تاريخية مثبتة باليهودية، وتدعو الكتب المدرسية جميع المسلمين إلى النضال من أجل تحرير القدس، وترفض التطبيع مع “إسرائيل”، ولا تذكر هذه الكتب المدرسية اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على الإطلاق.
فضلاً عن ذلك، لا تزال هناك فجوة بين الثناء الواضح على السلام مع مصر الذي يظهر في الكتب المدرسية الإسرائيلية والرسائل المزدوجة فيما يتصل بـ”إسرائيل” واليهود التي تظهر في بعض الكتب المدرسية المصرية التي لم تطالها خطة الإصلاح بعد.
كذلك تكشف الكتب المدرسية عن فجوة بين التحركات السياسية والخطاب التعليمي، ففي السنوات الأخيرة، سعت مصر إلى التعاون مع “إسرائيل” في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما قامت حكومة السيسي بتجديد وترميم المعابد اليهودية، وعلى رأسها معبد إلياهو هانبي اليهودي في الإسكندرية ومعبد بن عزرا في القاهرة، لكن هذه الإجراءات لم تتم مناقشتها بعد في الكتب المدرسية.
تعديلات حسب الطلب
يوثق تقرير جديد صدر مؤخرًا عن معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي، إزالة عدد كبير مما يصفها “الصور السلبية لإسرائيل” الموجودة في الطبعات السابقة، ويشيد بما أنجزته مصر من “خطوات كبيرة في تطهير الكتب المدرسية من المحتوى المعادي للسامية والمسيحية”.
وكشف التقرير المعنون “مراجعة التغييرات والمحتوى الإشكالي المتبقي في الكتب المدرسية المصرية: أمثلة مختارة 2023-2024″، أن المراجعات السنوية للمناهج المدرسية المصرية، أسفرت عن نتائج واعدة تمثلت في إظهار الطلاب تحسنًا في مواقفهم تجاه اليهود و”إسرائيل”.
في هذه المراجعة المحدثة للكتب المدرسية للعام الدراسي الماضي (2023-2024)، وجد التقرير أن القاهرة أدخلت تغييرات بالحذف أو التعديل على أكثر من 350 كتابًا مدرسيًا حكوميًا يغطي المناهج من عام 2018 إلى عام 2024، مع التركيز على مواضيع العلوم الإنسانية بما في ذلك اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية والمسيحية والدراسات الاجتماعية والقيم واحترام الآخر والتربية الوطنية والمدنية والتاريخ والجغرافيا والفلسفة.
قدم العام الدراسي 2023-2024 تغييرًا هيكليًا آخر، ففي السابق، كانت الكتب المدرسية التي لم تتم مراجعتها بموجب “مشروع الإصلاح” تتضمن قسمًا بعنوان “الأنشطة والتمارين” يقع في نهاية الكتب، ومع ذلك، تمت إزالة هذا القسم من مطبوعات الكتب المدرسية ودمجه في نوع جديد من المواد التكميلية بعنوان “الملخصات والمصطلحات والأسئلة”.
ويذكر التقرير أن منهج العام الدراسي 2023-2024 حافظ على الاتجاه السابق لعام 2022-2023 المتمثل في التحسن الكبير في المواقف تجاه اليهود في الكتب المدرسية المنقحة، والتي تلتزم عمومًا بمعايير اليونسكو للسلام والتسامح، ويشير إلى تجاوز العديد من الأمثلة الإشكالية التي تم الإشارة إليها في تقريرها السابق.
ويشمل ذلك حذف بعض المحتوى من كتاب مدرسي للتربية الإسلامية للصف الثاني الابتدائي ينص على أن الله “جعل جهنم للكفار”، خشية تفسيره على أن المسلمين سيكافأون في “يوم القيامة”، بينما سيُحكم على غير المسلمين باللعنة.
كما حُذفت النصوص التي تصور اليهود على أنهم “خائنون”، ويتمتعون بصفات مثل “عدم الولاء والاحتيال والجشع وانتهاك العقود والمعاهدات” من الكتب المدرسية المنقحة، ففي كتاب تدريبات التاريخ للصف الثاني الثانوي، تم حذف سؤال متعدد الخيارات تضم عبارات تربط اليهود بـ “الخيانة والغدر” و”حب المال” واُستبدل بمحتوى يؤكد على التسامح والتعايش والتعاون بين الإسلام واليهودية، مع الاستشهاد بمصادر إسلامية.
ويشير هذا إلى أن وزارة التعليم اتخذت خطوات للقضاء على المواد الإشكالية في بعض الكتب المدرسية للصفوف الأعلى، حتى قبل أن تخضع هذه الكتب لمراجعة رسمية بموجب مبادرة إصلاح الكتب المدرسية.
ولأول مرة، يعترف المنهج الدراسي بما يسميه “الوجود اليهودي التاريخي” في مصر وإنجلترا، ويمتنع عن تصويرهم بشكل سلبي، فقد تم تعديل درس للصف الخامس يقارن بين حرب السادس من أكتوبر 1973 والمعارك التي خاضها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع القبائل اليهودية في شبه الجزيرة العربية، ويوجه الطلاب لاستخدام الإنترنت للعثور على آيات قرآنية حول “خيانة اليهود”، وبدلاً من ذلك، تم تكليف الطلاب بإنشاء كتيب بعنوان “دليل التعامل مع الآخرين” لتعزيز احترام اليهود وأولئك من الديانات الأخرى.
ويسلط كتاب مدرسي تم تقديمه حديثًا الضوء على مبادئ “دستور المدينة” لتحسين العلاقات والحرية الدينية والتسامح تجاه اليهود، ويوجه الطلاب إلى رسم أوجه التشابه مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، وتعزيز الفهم التاريخي والمعاصر للاحترام المتبادل والتعايش مع اليهود.
كما تم تعديل بعض الأمثلة الإشكالية التي تم تحديدها في قسم “الأنشطة والتمارين” الملحق كجزء من الكتاب المدرسي الأساسي قبل عام 2023، بالفعل وتم نقلها إلى المواد التكميلية.
ففي طبعة 2023-2024 من كتاب لمادة الدراسات الاجتماعية للصف الثالث الإعدادي، لم يعد هناك وجود لمثالين ظهرا في قسم من كتاب “الأنشطة والتمارين”، قدم أحد الأمثلة لغز الكلمات المتقاطعة الذي يوجه الطلاب لتحديد “أبشع مذبحة ارتكبتها عصابات اليهود في فلسطين”، وكان مثال آخر يحمل اتهامًا بأن “إسرائيل” استولت على كل فلسطين.
والجدير بالذكر أن مقارنة طبعتي 2022-23 و2023-24 من هذا الكتاب المدرسي للصف التاسع، تكشف أنه خضع أيضًا لتغييرات رسومية سلسة، مما يشير إلى أن القائمين على المناهج المصرية يستثمرون الوقت أيضًا في تعديل الكتب المدرسية الأساسية خارج النطاق الحالي للإصلاح.
تغييرات غير كافية
وجدت هذه التعديلات ثناءً من الجانب الإسرائيلي، وهو ما يصوره الرئيس التنفيذي للمنظمة الإسرائيلية التي أعدت التقرير، ماركوس شيف، الذي عبَّر عن سعادته برؤية الإصلاحات الجارية في المناهج المصرية، والتي تمثل تقدمًا كبيرًا، حيث يوجد 25 مليون طفل في المدارس في مصر، أكثر من ثلاثة أرباعهم يدرسون الآن هذه المناهج الدراسية الجديدة”.
ويصف شيف التقدم في مراجعة المواد للصفوف الأصغر بـ”الشجع للغاية”، وخاصة في المواد المتعلقة باليهود و”إسرائيل”، ويعتقد أنه سيتم تنفيذ تطور مماثل في المناهج للصفوف الأكبر سنًا، ويرى أن “هذه التغييرات في الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان والتي لديها اتفاقية سلام تاريخية طويلة الأمد مع إسرائيل، لها أهمية حقيقية لمستقبل المنطقة”.
لكن حتى مع حذف الأمثلة الإشكالية مثل تلك الدالة على فضيلة الجهاد والاستشهاد، يبدو أن هذه التعديلات لم تكن كافية لإرضاء الإسرائيليين، إذ يرى التقرير أن بعض المحتوى لا يزال إشكاليًا، وإن كان يعكس حقيقة واقعة تاريخيًا، ويذكر مثالاً على ذلك ما يؤكده كتاب مدرسي للتاريخ للصف الثالث الثانوي على أن “الصهاينة” استغلوا “الادعاء” بأن 6 ملايين يهودي “قُتلوا أو أحرقوا على يد النازيين” لتبرير الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مشيرًا إلى أن هذه الحركة السكانية لم يكن من الممكن أن تحدث إلا من خلال “إبادة العرب في فلسطين”.
وحدد التقرير ما يراها 14 حالة إشكالية متبقية، فبالإضافة إلى عدم وجود أي إشارة إلى الهولوكوست في الكتب المدرسية غير المنقحة للصفوف العليا، يدعى التقرير أن كتاب التاريخ للصف الثاني الثانوي يُدرِّس أمثلة على “الكراهية اليهودية للمسلمين”، والتي تتضمن تصوير اليهود المنخرطين في التمويل ومحاولاتهم المتكررة لتقسيم المسلمين.
ورغم أن كيد اليهود ومكرهم وخبثهم في القديم والحديث لا يحتاج إلى دليل، ينتقد التقرير درسًا يوضح أن “طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود كان بسبب مضايقة صائغ يهودي علنية لامرأة مسلمة”، دون الإشارة إلى نقضهم العهد معه، وتحديهم المسلمين في المدينة، وإظهارهم العداوة لهم.
وينعكس عدم الاعتراف بـ”إسرائيل” أيضًا في الخرائط التي تظهر في الجغرافيا والتاريخ واللغة العربية وغيرها من الكتب المدرسية، ومع ذلك، تم حذف خريطتين كانتا في السابق تحملان اسم “فلسطين” أو “فلسطين المحتلة”، كما تم تعديل أمثلة أخرى تم تحديدها في قسم “الأنشطة والتمارين” في الكتب المدرسية قبل عام 2023، ونقلها إلى المواد التكميلية.
والأمر الحاسم هو خضوع بعض الكتب المدرسية للصفوف العليا لتعديلات طفيفة، فقد أُزيل أو خفف منها ما يصنف على أنه “محتوى إشكالي”، وهذا يثبت أن إزالة هذا المحتوى في الصفوف العليا أو تعديله وإنشاء منهج أكثر تطبيعًا وتصالحًا مع “إسرائيل” أمر ممكن بالتأكيد.
وقال أريك أغاسي، مدير العمليات في المنظمة الإسرائيلية الذي كان يطلع الدبلوماسيين وصناع السياسات على التغييرات في المناهج المصرية منذ عام 2016: “تظهر الأبحاث الجارية التي تجريها المنظمة أن العديد من القادة في المنطقة، مثل السيسي، أدركوا في السنوات الأخيرة القوة التحويلية للتعليم وإصلاح المناهج كقوة استقرار، وتشكل الإصلاحات المستمرة في المناهج المصرية خطوة جديرة بالثناء نحو تعزيز ثقافة التعايش والتسامح في المنطقة”.
ويضيف: “على غرار إصلاحات الكتب المدرسية الأخيرة التي تم تنفيذها في السعودية والمغرب والإمارات، فإن المحتوى الجديد الذي قدمه المصريون هو مثال قوي على كيف يمكن أن يبدو التعليم في غزة في “اليوم التالي”، ولم يخف تطلعاته لرؤية استمرار التغيير الإيجابي في الكتب المدرسية المصرية، وخاصة في الصفوف العليا حتى قبل اكتمال إصلاح المناهج بالكامل.
في ضوء التحولات التي وصفناها، فإن السنوات القادمة سوف تكون حاسمة في تشكيل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، وقد يؤثر ذلك بشكل غير مباشر على مواقف الطلاب من العلاقات السلمية والتطبيع مع “إسرائيل” بعدما كان تشكيل العقلية المصرية الشابة فيما يتعلق بـ”إسرائيل” يبدأ في المدرسة، حيث كان الطالب المصري يتشرب هذا الموقف تجاه الاحتلال خلال مراحل تعليمه المختلفة.