أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة تصريف الأعمال السورية تعليمات خاصة بشأن تأسيس الشركات التي استخدمتها المنظومة الاقتصادية للنظام البائد في عمليات التهرب من العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية عبر غسيل الأموال وتهريبها من سوريا.
أتاح النظام السابق تأسيس الشركات التجارية للمنظومة الاقتصادية المقربة منه، بهدف تجاوز العقوبات، حيث تأسست شركات متنوعة المهام، وأخرى وهمية تدار عبر أسماء وواجهات اقتصادية برزت خلال السنوات الماضية، وفرضت عليها عقوبات، بسبب نشاطها في غسيل الأموال الناتجة عن تجارة الكبتاجون، وتهريبها إلى الخارج، فضلًا عن توفير القطع الأجنبي بغية دعم الاقتصاد المنهار لمواجهة التململ الشعبي من تدهور الاقتصاد السوري.
إيقاف تأسيس الشركات
حددت التعليمات الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ثلاثة أنواع من الشركات التي تندرج في إطار محدودية المسؤولية، وهي شركات الشخص الواحد، الشركات الخارجية (الأوفشور)، شركات المكتب المرن، بينما وضعت شرط الحصول على موافقة وزارة الداخلية بخصوص ترخيص شركات الحماية والحراسة.
وتعد الشركة المحدودة المسؤولية أنها الوحيدة المسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها أو الناشئة عن نشاطها، وتنحصر مسؤولية المالك أو الشريك في الديون والالتزامات بمقدار حصته من رأس المال، في حين، لا يزيد عدد الشركاء عن 50 شريكًا.
وتشمل شركة الشخص الواحد محدودة المسؤولية، المشاريع والأعمال التجارية الصغيرة، ويديرها شخص واحد ويكون مسؤولًا عن جميع قرارات الشركة، كما أنه يعمل فيها بمفرده دون توظيف عاملين آخرين، ويحقق هذا النوع من الشركات الاستقلالية والسيطرة الكاملة على النشاطات التجارية القائمة.
أما الشركات الخارجية المحدودية المسؤولية المعروفة بـ (Offshore Company)؛ وهي تؤسس في دولة ما ويكون نشاطها محصورًا خارج حدود الدولة التي تأسست فيها، ويمكن تأسيسها عبر الإنترنت أو من خلال بنوك (الأوف شور) في حين لا تحتاج إلا لنظام داخلي، وعقد تأسيس دون وجود مقر، بينما يشترط فيها وجود عنوان بريدي للمراسلات، وتتخذ الشركة عناوين أخرى تزيد قدرتها في إخفاء نشاطاتها، بينما يصعب الكشف عن هوية مؤسس الشركة.
بينما ظهرت شركات المكتب المرن في منتصف عام 2021، وتعرف بأنها مقر دائم للشركات والمؤسسات الفردية المؤسسة سابقًا، والتي لا تملك مقرًا ولديها مشكلة في مقرها، أو التي ستؤسس لاحقًا وليس لديها مقر، ويعتبر موطنًا وعنوانًا دائمًا قانونيًا وحقوقيًا للشركات والتجار لإدارة أعمالهم، بشكل مستمر وفق آلية قانونية.
في المقابل، اشترطت وزارة التجارة عدم تأسيس شركات حماية وحراسة إلا بعد الحصول على موافقة من وزارة الداخلية، بعدما استثمر النظام السابق وواجهات اقتصادية بارزة قانون شركات الحماية والحراسة عبر السماح رجال الأعمال الاستثمار في قطاع الأمن والحماية لحماية نشاطاتهم التجارية المشبوهة.
يرى المحامي والقانوني عبد الناصر حوشان، أن مضمون القرار يهدف إلى إعادة نظر حكومة تصريف الأعمال في التراخيص الممنوحة لهذه الأنواع من الشركات، بسبب وجود شركات وهمية تقوم بغسيل الأموال والتهرب من الدفع الضريبي في عهد النظام البائد بهدف الالتفاف على قانون العقوبات المفروضة على سوريا.
وقال حوشان خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن التعليمات مؤقتة لأن هناك نصوصًا قانونية وأنظمة تحكم هذه الشركات، وبالتالي تحتاج إلى قانون لإلغائها أو تعديلها. وطالما لم يصدر قانون بذلك، والاكتفاء بقرار وزاري، فإنها تظل ضمن إطار الوقف المؤقت“.
وأضاف: “لم تصدر أسماء الشركات حتى الآن، ما يعني أنها قيد المراجعة ومن المفترض أن تصدر لاحقًا”، مشيرًا، إلى أن الشركات المخصصة في هذه التعليمات تتضمن أنواع شركات اتخذها النظام البائد في عمليات تبيض أموال تجارة الكبتاجون وتهريبها من سوريا.
وتضمنت القوانين الصادرة عام 2007 السماح في تأسيس شركات بشكل قانوني وفقًا لما يلي، شركة التضامن، شركة التوصية، شركة المحاصصة، الشركة المساهمة المغفلة، الشركة المحدودة المسؤولية، بينما تشمل أنواعها: الشركات التجارية، الشركات المشتركة، الشركات المساهمة المملوكة للدولة، شركات المناطق الحرة، الشركات القابضة، الشركات الخارجية، الشركات المدنية.
تأسيس شركات وهمية
فتح النظام البائد المجال أمام تأسيس الشركات عبر وضع قوانين مناسبة للقيام بأنشطة اقتصادية غير شرعية، تمكنها في التهرب من دفع الضرائب وعدم الخضوع للمراقبة، مما يساهم في تجاوز تبعات العقوبات والالتفاف عليها خلال السنوات الماضية.
تنوعت الشركات التي وظفها النظام البائد في محاولات الالتفاف على العقوبات، بينها شركات تجارية وهمية ترتبط بشبكة علاقات معقدة بينها شركات الأوف شور، وشركات المكتب المرن، حيث شكلت تلك الشركات منظومة اقتصادية احترافية أعانت النظام في تجاوز العقوبات التي تحظر التعامل الأجنبي معه.
ونشطت هذه الشركات في عمليات تبييض أموال تجارة الكبتاجون، والحصول على القطع الأجنبي لتمويل نشاطاته، فضلًا عن شراء النفط، والبضائع والمواد الأولية وغيرها، مما أتاح المجال أمامه لمقاومة تداعيات العقوبات المفروضة عليه، بينما وفرت شركات الحماية والحراسة خدمات أمنية للتجارة المشبوهة.
في عام 2022 ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن النظام السابق، أقام شبكة من الشركات الوهمية في محاولة منظمة لتجاوز العقوبات، أبرزها تأسيس شركة “Trappist”، وشركة “Generous”، وشركة “Super Brandy”، في نفس اليوم من أكتوبر/تشرين الأول عام 2020.
تعود ملكية الشركات السابقة لشخصيات مرتبطة بالنظام البائد، عبر شبكة معقدة من الاتصالات، فيما يعد أحد المالكين علي نجيب إبراهيم الذي يشترك مع يسار حسين إبراهيم مستشار بشار الأسد ورئيس المكتب الاقتصاد، في تأسيس عدد من الشركات أهمها شركة Tele Space الشركة المملوكة لمجموعة Wafa JSC التي تم ترخيصها عام 2022.
وتعد شركات الأوف شور أحد الخيارات الرئيسية التي اعتمد عليها النظام السابق بهدف التهرب الضريبي لأن هذا النوع من الشركات يوفر إمكانية إخفاء أموال الشخصيات العامة والاعتبارية، كما أنها تكون بعيدًا عن أعين الرقابة، فضلًا عن منح السرية التامة في نقل أموال الجرائم والأموال المنهوبة.
أما شركات خدمة المكتب المرن، فقد ظهرت عام 2021، حيث تأسست شركة “بداية 2 لخدمات المكتب المرن”، التي تعود ملكيتها لهدى عامر خيتي ومحمود شاكر العاقل برأسمال 100 مليون ليرة سورية، إضافةً إلى شركة الوصيد، وشركة تسهيل لخدمات المكتب المرن.
وكان عامر خيتي عضوًا في مجلس الشعب، ويعتبر أحد الواجهات الاقتصادية لأسماء الأسد، ويملك العديد من الشركات في سوريا، وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات عليه في عام 2020.
وشكك حقوقيون من دور شركات المكتب المرن بسبب إمكانية استخدامها لأغراض غير قانونية تهدف إلى إبرام عقود مع شركات خارجية لتجاوز العقوبات المفروضة على سوريا، كونها منحت رجل الأعمال الفلسطيني – الأردني، طلال أبو غزالة، إمكانية تأسيس “شركة أبو غزالة لخدمات المكتب المرن”.
كما نشطت شركات الحماية بشكل موازي إذ أتاح النظام السابق فرصة أمام رجال الأعمال من منظومته الاقتصادية في الاستثمار بشركات الأمن والحماية، التي ثبت ارتباطها بالنظام السابق، وروسيا وإيران، وتقدم خدمات حماية للاستثمارات التجارية والصناعية، أهمها تجارة الكبتاجون والنفط، وتعد أبرزها شركة “المهام للحماية والحراسات الأمنية” المملوكة لمجموعة “القاطرجي”، إضافةً إلى شركة “سند للحراسة والأمن”، وشركة “القلعة للحماية والحراسة”.
وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركة “سند للحماية والأمن” إضافة إلى مؤسسيها، أحمد خليل خليل وناصر ديب، وحسب البيان فإن شركة “سند للحماية والأمن” هي شركة أمنية تأسست في 2017 وتشرف عليها مجموعة فاغنر الروسية، وتنشط في حماية المصالح الروسية (الفوسفات والغاز وتأمين المواقع النفطية) في سوريا.
أهمية إيقاف التأسيس
اتخذت حكومة تصريف الاعمال إجراءات أولية تهدف إلى تجميد نشاطات تأسيس شركات متعددة، كما أنها منحت الشركات العاملة في تحريك حساباتها المصرفية بالبنوك فقط، دون العمل بكامل طاقتها، خلال الفترة الراهنة، في سياق العمل على مراجعة الشركات وتنظيم أعمالها، كون جزء كبير منها كان جزءًا من المنظومة الاقتصادية للنظام السابق، فضلًا عن وجود شركات وهمية.
وحسب الباحث الاقتصادي، يونس الكريم فإن “واجهات النظام كانت تقوم على تأسيس شركات الأوف شور بأسماء وهمية، تحصل على ترخيص بسوريا وتعمل في دول لبنان، روسيا، العراق.. لسهولة التعاقد، وتقوم بغسيل الأموال عبر وسائل عديدة منها شراء البضائع والسداد، حيث تأخذ الأموال من سوريا إلى لبنان لإيداعها في الشركة كثمن مشتريات”.
وأضاف الكريم لـ”نون بوست”: أن “شركات الأوف شور لم تكن محصورة فقط بواجهات النظام الاقتصادية، لأنه يوجد تجار يحاولون المحافظة على أعمالهم، لكن بالعموم كان تشريع الأوف شور بسوريا كأحد أساليب النظام الاقتصادي السوري للالتفاف على العقوبات، حيث يمنح الاقتصاد مرونة لتجاوز العقوبات”.
وأكد، أن تعليمات إيقاف تأسيس شركات الأوف شور يوقف عمليات غسيل الأموال وتهريب الأموال التي كان يستخدمها النظام السابق، لتحريك أمواله، لكن الأولى حاليًا، أن تبقى تراخيص الشركات قائمًا مع إصدار قائمة بالشخصيات المقربة من النظام السابق، ومنح ترخيص لهم وطلب تقييد عمل لهذ الشركات وفق نظام معين.
وأوضح الكريم أن إلغاء التراخيص يفقد الاقتصاد تلك المرونة لتأمين السلع للسوق السورية وهو يترك أثرًا سلبيًا في الوقت الحالي على الاقتصاد السوري في ظل استمرار العقوبات على سوريا، معتبرًا أنها تؤثر على عمليات الاستيراد، وعمليات الدفع على مرحلتين، ما يغيب المرونة الاقتصادية في مواجهة العقوبات ويقلل جذب المستثمرين السوريين الذين يرغبون في البقاء بأوروبا ريثما تظهر ملامح الاستقرار الأمني، وبالتالي يصعب توفير القطع الأجنبي والأموال والسلع في الأسواق.
ختامًا.. على الرغم من الآثار السلبية التي ستخلفها تعليمات السجلات التجارية على الاقتصاد السوري في ظل استمرار قانون العقوبات، إلا أن تعليق تأسيس الشركات ومراجعتها من قبل حكومة تصريف الأعمال مهمًا للغاية لأنه يساهم في إيقاف عمليات تبييض الأموال وتهريبها من سوريا خلال الفترة الراهنة، ويمنع الشخصيات المقربة من النظام السابق من نقل الأصول المالية خارج الأراضي السورية.